مخاض غريب
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: سنتين و 9 أشهر و 13 يوماً
الإثنين 31 يناير-كانون الثاني 2022 06:52 م
 

مخاض غريب .! ( قصة قصيرة )

 

بعد منتصف الليل بدأت زوجتي تتألم ، كانت قد اتمت شهرها التاسع ويمكن أن تلد في أي وقت ولكني لم أكن أتخيل أن تلد الآن. السماء تمطر بغزارة وأصوات الرعود تختلط مع دوي الانفجارات فطائرات التحالف تقصف معسكرات ومنازل في صنعاء . الظلام حالك ولا صوت للجيران ومع هذا فقد فتحت الباب وطرقت باب الجيران بكل قوة فلم أسمع أحد.! طرقت أبواب كل شقق العمارة فلم يرد علي أحد .! اما أنهم قد رحلوا ولم يبق أحد سوانا واما أنهم نائمون كالموتى .!

يا الله : ماذا سأفعل وهذه المسكينة تصرخ بكل صوتها وصراخها يمزق قلبي ولا أدري ماذا أفعل لها ؟! حاولت الاتصال بوالدتها ولكن لم يكن في هاتفها رصيد وليس في هاتفي أيضا رصيد والمطر يهطل بغزارة والقصف لم يتوقف أيضا.!

***** 

فتحت النافذة فتدفق المطر غزيرا فأسرعت اغلقها ، كنت أريد أن أرى ضوء أو أسمع صوت لشخص أو سيارة تقطع الشارع حتى أشعر اننا ما نزال نعيش وسط البشر الأحياء ولم ننتقل للغابة .! أعطيت الزوجة المسكنات ولكن دون فائدة فقد كانت تصرخ وتتشبث بي بقوة وكأنها ستموت وتكاد تلفظ أنفاسها ، كنت مرتبكا ولا أدري ماذا أفعل ؟! الوقت يمضي ببطء قاتل وأنا احثها على الصبر والتحمل وابشرها بقرب طلوع الفجر . في داخلي رعب وفزع لا يعلمه إلا الله ، أدعوا الله سرا وعلانية أن تمضي هذه الليلة الطويلة على خير وأن لا يحدث لها أي مكروه ، كنت منهارا ولكني اتماسك بقوة أمامها حتى لا تنهار وتلفظ أنفاسها ، أنظر إلى الساعة فأجدها الواحدة والنصف بعد منتصف الليل ، وأتساءل: - لماذا يمضي الوقت ببطء قاتل هذه الليلة ؟! المطر يزداد غزارة وأضواء البرق تلمع خلف ستائر النوافذ ودوي الرعود تصم الآذان وتطغى على صراخ الزوجة . بدأ الماء يتسلل من النوافذ ويبلل الفراش وبدأت حبات البرد تتساقط بقوة على زجاج النوافذ ، كانت الزوجة تصرخ لكني لم أعد أسمع شيئا.

***

مضت ساعات عصيبة وتوقف المطر لكن البروق والرعود لم تتوقف ، أصوات الرعد تزرع الخوف في قلبي ودوي القصف تهتز له أبواب ونوافذ المنزل وصراخ الزوجة يذبحني من الوريد إلى الوريد . ارتجف من شدة الخوف والجوع والبرد ، الزوجة ارتمت في وسط الغرفة تصرخ وتتوجع وتمزق ثيابها والعرق يغشاها وفي وجهها الأصفر خوف قاتل جعلني أتحاشى النظر إليها ، كانت تخشى أن تموت وهي تلد بعيدا عن أمها وأقاربها وكنت مثل الطفل المفجوع لا أدري ماذا أفعل ؟! وفوجئت بها تصرخ في : - أسرع وسخن الماء وتعجبت ماذا تريد بالماء الساخن الآن ؟ هل تريد أن تغتسل الآن في هذا البرد ؟!

واسرعت للمطبخ اسخن الماء في القدر ووجدت السفرة مغطاة وفيها العشاء فحملتها إلى الصالة وبدأت بالأكل فصرخت في : - أنا أموت وأنت تأكل ؟! أعدت السفرة للمطبخ رغم جوعي وذهبت إليها ، كانت ترتجف كعصفورة بللها المطر وفي وجهها أرى الخوف والعرق يتصبب منها فحاولت أن اصبرها واواسيها واعطيها الأمل فهدأت قليلا وسألتني فجأة : - اذا مت هل ستتزوج ؟ كدت أضحك لكنني تمالكت نفسي وأقسمت الأيمان المغلظة لها أنها لن تموت وأنني لن أتزوج وانما ستلد طفلة جميلة تشبهها وحينها ابتسمت قليلا ثم طلبت الماء ولما شربت راحت في غيبوبة فأسرعت أرش عليها الماء وأناديها بقوة ففاقت وعادت إلى صراخها

. ******

تواصل هطول المطر الغزير ، البرد يتساقط بكثافة على النوافذ والرعود والغارات تواصل دويها ونظرت للساعة فوجدتها تقترب من الرابعة فجرا ففرحت وبشرتها : - اصبري لم يبق للفجر إلا ساعة واحدة وسوف ننقلك لأقرب المستشفى ولو أحملك على ظهري. ابتسمت وصرخت : - ياااااا الله ارحمني برحمتك وحينها رن هاتفها .. وكانت عمتي من اتصل ، قالت : - قمت من النوم قلقة على ابنتي .. كيف هي الآن ؟! أخبرتها أنها تتوجع منذ ساعات وربما تلد في أي لحظة فأخبرتني أنها ستأتي الآن رغم الظلام والمطر . وبعد نصف ساعة توقف المطر وتوقفت الغارات وكانت عمتي وعمي وكافة الأسرة يطرقون الباب ، فتحت الباب فوجدتهم قد أقبلوا مبللون تماما وفي وجههم يختلط الخوف بالفرح ، وفور دخولهم سمعت أذان الفجر ثم صراخ المولودة.. ثم انبثق فجر جديد . *****

عودة إلى وحي القلم
الأكثر قراءة منذ أسبوع
حسناء محمدباقي الرماد
حسناء محمد
وحي القلم
عام الحزن
هلينا المهندي
البهتان والمجتمع
هلينا المهندي
الوعي الرقمي
أروى علي يحيى
هانم محمودالسلامة الرقمية.. الآمنة
هانم محمود
مشاهدة المزيد