سيدير العالم شؤونه بعيداً عن أميركا
بقلم/ د.مروان الغفوري
نشر منذ: 3 ساعات و 25 دقيقة
السبت 08 فبراير-شباط 2025 06:49 م

سيدير العالم شؤونه بعيداً عن أميركا الترامبية. افتتح الرجل، عملياً، عهداً جديداً في العلاقات الدولية "لا يقوم على القواعد"، ولا يُحال فيه إلى مرجعيات عليا. 

 

عقب الحرب العالمية الثانية ورثت أميركا بريطانيا، وحلّ الدولار محل الاسترليني، وذهبت البحرية الأميركية إلى كل تلك البحار التي كانت لقرنين من الزمان أمواجاً بريطانية. ومنذ ذلك الحين وأميركا تكتب القواعد للعالم. حتى في غمرة الحرب الباردة الأولى (تجري حالياً حرب باردة ثانية مع الصين) بقيت أميركا تكتب القواعد وتنتهكها، تبني المؤسسات "الدولية" وتقوضها، وتحمي السلم الدولي وتشن الحروب. قبل العالم تلك القواعد الأميركية بوصفها وضعاً دولياً للعدالة والسلم، وغض الطرف عن حقائق كثيرة. 

 

بعد سقوط جدار برلين تأكدت الواحدية الأميركية، وكان لا بد من "سحق" العراق أمام الكاميرات ليرى العالم المدى اللامحدود لبطش القطب الوحيد.

 

في السابق كان المهاجرون غير الشرعيين، الذين سيصبح اسمهم الأميركان، يجولون القارة الفسيحة بخيولهم ويطلقون النيران. بذلك امتلكوا تلك الأرض الشاسعة والغنية. لم يتغيروا كثيراً، لا تزال أغنية I have a horse, I have a gun، هي القانون الأخلاقي لأميركا. لماذا لا نحتل كندا وغزة وغرينلاند بما أن لدينا ما يكفي من البنادق والأحصنة؟

 

العالم ليس شارعاً من اتجاه واحد، وقد تغيرت قواعد اللعبة بينما تغرق أميركا في ديون تجاوزت ال٣٥ تريليون دولاراً، وتدين حكومة أميركا الفيدرالية للصين الشيوعية بما يداني التريليون دولار. هناك ما يكفي من الخيول والبنادق في كل العالم تكفي لتدمير الأرض ثمانين مرة، وفقاً لحسبة قديمة لغارودي. لا يمكنك أن تسوق العالم كما تشاء لمجرد أن لديك الكثير من الخيول والبنادق.  

 

لم تكن أميركا مذعورة كما هي الآن. تخاف من البضائع الجيدة، الدولة الإلهة تبني الأسوار والخنادق لتمنع وصول البضائع الجيدة. تخاف من السيارات الألمانية والموبايلات الكورية والخمرة الفرنسية. اكتشفت أميركا أن قلاعها الحربية المنتشرة على ٩٥% من بحار العالم - كما تفاخر جوزيف ناي- لن تحمي اقتصادها ولا ثراءها. ومن المثير في هذه الحفلة العالمية التي يرقص فيها ترامب وحيداً - حتى الآن- أن الصين، الديكتاتورية، تمثل صوت العقل. 

 

الشعلة التي قال كينيدي إنه سيحملها إلى كل بيت في العالم رأيناها بالأمس على هيئة مدفأة بائسة إلى الخلف من نتنياهو وترامب وهما يتحدثان عن تحويل غزة إلى ريفيرا سياحي. 

 

لطالما اختبأت أميركا خلف ستارة "النظام الدولي القائم على القواعد". خرج المهرج الأبيض من خلف الستارة وقال إنه سيعاقب محكمة الجنايات الدولية، ينسحب من منظمة الصحة العالمية، من اتفاقية باريس للمناخ، من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، سيلغي الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، سيوقف الدعم عن الأونروا، وسيفعل أكثر من ذلك بكثير، سيحتل البلدان ويعاقب الأسواق، ويمنح الضفة الغربية لمهاجرين غير شرعيين قدموا من بولندا وأوكرانيا. وبالأمس كتب على حسابه: لنعد إلى البلاستيك. أي وداعاً لكل سياسات البيئة والمناخ.

 

أميركا المذعورة من البضائع الجيدة، كما نفهم من رسالة استغاثة كتبها ماسك إلى إدارة بايدن قبل عام ونشرتها رويترز، تغرق في الانعزالية، وسيكون عليها أن تجني قريباً أثمان معاركها الحمقاء ضد كل العالم. أما تل أبيب التي تعتقد أنها ستحقق أحلامها التوراتية على ظهر الجواد البرتقالي الهائج فعليها أن تدرك أن الخسارة لن تصيب الجواد وحسب. فعندما وقعت الحرب العالمية الأولى كانت بريطانيا تسيطر على ٢٤% من العالم، وها هي قد آلت إلى ما نراه. 

 

حتى لحظة تنصيب ترامب كانت أميركا تعاقب، فعلياً، ستين دولة في العالم. أما الآن، مع العقوبات التي ستفرضها على الاتحاد الأوروبي، فإن عقوبات أميركا ستطال ثلثي العالم. كان لا بد من ترامب لنرى كيف تغيرت القواعد والموازين، لنرى الذعر الأميركي في عينين صادقتين لا تخجلان من الحقيقة. ترامب يعد أميركا بإيقاف كل أولئك الذين "استغلونا وأخذوا خيراتنا"، وفي مقدمتهم الحلفاء.. 

 

هذه الحماقة تذكرني بنكتة قديمة تقول:

كان للحاج سعيد ولد مهبول اسمه طه. وذات مرّة، والضيوف على الغداء، دخل كبشٌ وراح يجري في المكان. قام طه يركض خلف الكبش ليمسك به، ولكن طه المهبول داس على الأطباق والكاسات والضيوف ورؤوس الأطفال، فراح الحاج سعيد يصيح بالناس: امسكوا طه وسيبوا الكبش. امسكوا طه وسيبوا الكبش.