المتصلّبون ذهنياً..!!
بقلم/ مراد القدسي
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 12 يوماً
الثلاثاء 03 إبريل-نيسان 2012 07:14 م

كنت قد كتبت في مقالين سابقين عن الحالة اليمنية المتردية المنقسمة والمتدهورة أمنياً ومعيشياً،والمضطردة في انعكاساتها الفوضوية على حاضر ومستقبل اليمن أرضاً وإنسانا ..وها أنا أسجل في هذه السطور مخاوفي كغيري من اليمنيين من حالة عدم الاستقرار التي تلوح بمفرداتها المثخنة بصراعات الأمس وهفوات الحاضر والتي باتت هي المحصلة والمعضلة في الوقت نفسه لأي تحرك من شأنه إخراج البلد من دائرة التفتت والفوضى المتعددة بأطرافها ووسائلها وعبثيتها ,وهاهي السفينة تمضي بالجميع -وأؤكد بالجميع دون استثناء أكان اليمن أو دول الجوار وحتى كثير من دول العالم - إلى حالة من اللاّسلم وعدم الاستقرار المفتوح والذي باتت خياراته الدموية هي المتفردة بعناوينها بقيادة المرحلة إلى أعماق أعماق المحيط ،خاصة في ظل توافر تلك المساحة المفتوحة بل الممنوحة لقوى النظام الماضي _القريب والبعيد _ والتي لم تستوعب التاريخ ولم تزل منتجة لممارسات غدت مفضوحة وهلامية وقاتمة وتجلب الغثيان.

المشكلة أن هذه القوى العتيقة منتشية حد الهوس بفكرها المتصلب الذي يوحي إليها أن الطريق الذي تسلكه، والأسلوب الذي تستخدمه أمور وحيدة في نوعيتها،ولا يمكن الاهتداء إلى بدائل لها،أو التوقف عنها ،لذا فإنها لا تعطي أي اهتمام لمسألة البدائل الأكثر نفعًا وأقل تكلفة، وهذا الطرف نجده مستعداً لتحمل المشاق والآلام إلى ما لا نهاية حيث لا يخطر في باله أن ثمة مخرجًا آمناً مما هو فيه ،لنجده غير قادر على التخلي عن آرائه حتى لو بدا له خطؤها واستحالة تحقيقها،كما لا يشعرك هذا الطرف بأنه عقلاني منطقي يفكر ضمن معقولية واضحة ومقبولة،وهذا شيء طبيعي، فتصلبه الذهني يؤدي إلى تخلف طرحه وتقادم مفاهيمه ووحشية نواياه اللاّ محدودة.

إذن اليمن رغم المبادرة -وليس المبادلة-الخليجية ومجموعات الضغط الإقليمي والدولي والأممي إلا أنها في أسوأ حالها أكان في الجانب الأمني أو المعيشي أو المؤسسي ، كما أن حالة التدهور تلك آخذة بالاضطرار إلى ما لا يمكن تصوره خاصة في ظل صعوبة الحياة المعيشية حيث تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من نصف الشعب اليمني تأثروا بالأحداث المتراكمة منذ عقود وزادت الأحداث الأخيرة الطين بلة فوفقاً للتقارير فإن الأولويات الإنسانية الملحة تتلخص في توفير الغذاء والمياه النظيفة وتأمين الرعاية الطبية الأولية والأمن الغذائي،وتوفير المشتقات النفطية من كيروسين وديزل والبترول والغاز المنزلي إلى جانب مكافحة معدلات فقر هي أكثر عمقاً وأشد حدة من أي بلد آخر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتتباين مستويات انتشار الفقر فيما بين محافظات اليمن تبايناً كبيراً حيث تتراوح ما بين 5.4 في المائة و 71 في المائة بين المحافظات ومن دون شك يتحمل النظام السابق ومن هادنه وسانده مسؤولية ما يعانيه اليمن جراء حكمه للبلاد أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً ,ولا يزال يطمح بمزيد منها عبر سعيه الترشح ثانية لمنصب الرئيس، رغم أن الحالة الطبيعية تكمن في انسحابه تماماً من الحياة السياسية، إذا لم نقل محاكمته على ما آلت إليه الأمور في اليمن، والواضح أن لقب الرئيس السابق لا ترضي حكامنا حتى ولو كانت بحصانة.

جميعنا ننام ونصحو والخوف والقلق جاثم على صدورنا ونحن نشاهد ونسمع تلك الممارسات العفنة والتي تصدر دون استحياء عن هذا الطرف أو ذاك هدفها الرئيس-اقصد الرئيسي وليس الرئيس الرئيس وقد يكون هو المقصود الله أعلم - إلى التصعيد والانقلاب على المبادرة الخليجية ،التي سمعنا جعجعتها ولم نر منها طحيناً ,إلا جعجعة المواطن وطحنه كل يوم وكل ساعة!!؟

الأدهى والأمر أن الآلية التنفيذية-مش الآلي الكلاشينكوف حق القاعدة- الخليجية لم تزل الآراء تغتصب سطور بنودها ،كما أن البعض ينكرها ويصفها أنها أشبه بالإسرائيليات التي غزت كتب الأحاديث النبوية الصحيحة والتي أرادت تشويه كل شيء .هناك اجتهادات بشأن المبادرة الخليجية وهناك مطالب بالتقديم والتأخير في تنفيذ بنودها,بل هناك قوى سياسية تسعى لتفجير الوضع في اليمن لصالحها، حيث هناك تجار حروب في اليمن معروفين للجميع،لا ترغب بدولة يمنية قوية يحكمها النظام والقانون تحول دون البدء في مؤتمر الحوار الوطني وهيكلة القوات المسلحة والأمن ,ثلاثة أشهر منذ تشكيل حكومة الوفاق وشهر منذ انتخاب الرئيس التوافقي ونحن نراوح مكاننا للأسف الشديد لا رأينا أمناً ولا استقراراً, وما يزال توسع ما يسمى بـ«القاعدة» مستمراً أفقياً وعمودياً في إسقاط المحافظات واحدة تلو أخرى حتى غدا على مشارف العاصمة مخترقاً العديد من المعسكرات والألوية في طريقه ,مسقطاً الكثير من أفراد تلك المعسكرات بين قتيل وجريح وأسير ,والاستيلاء على آلياتهم العسكرية دون مقاومة تذكر,هل يُعقل هذا؟..غريب أمر هؤلاء الذين يحاولون بفكرهم العميق إعادة العجلة للوراء غير مدركين أن مشعلي الثورة وطالبي التغيير الايجابي الذي يحفظ للإنسان كرامته وإنسانيته لم يزالوا في حالة استعداد دائم لتقديم التضحيات ومعهم كل أبناء الوطن منتظرين ومراقبين عن كثب حالات المؤامرة التي يظن فاعلوها أنهم يستطيعون أن ينجوا من عقابهم وما ارتكبوه وما زالوا في حق الوطن أرضاً وإنساناً.

فهل نحن بالفعل نتجه نحو خيار الحسم الثوري؟ إذ لازال أمامنا الكثير لننجزه في ظل هذا التواجد وهذا الكم الضخم من المرتزقة الذين يقوضون كل خطوة نخطوها..نعم لازال الفكر الشمولي والاقصائي وذاك العدو المتصلب بمواقفه المنكرة يتربص بنا من أمامنا ومن خلفنا ولا سبيل إلا الاحتكام إلى ما يحتكم إليه المتربصون بحياتنا وأحلامنا..وهل هناك خيارات أخرى ؟ أرجو إجابة: بنعم. فليس منا من يريد الفوضى والاقتتال, غير الفاقد لعقله وضميره وقبل ذلك لدينه.حسبنا الله ونعم الوكيل ,ورحم الله شهداءنا الذين طالتهم أيادي الغدر والخيانة في كل زمان ومكان.