أضواء على حديث: تفترق أمتي إلى اثنتان وسبعين فرقة
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 14 سنة و أسبوعين
السبت 13 مارس - آذار 2010 04:04 م

الحديث : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية الحديث صحيح مشهور في السنن والمسانيد كسنن أبي دواد والترمذي والنسائي وغيرهم . الفتاوى 1/ 280-283.

اختلف العلماء اختلافاً كبيرا في هذا الحديث ، من جهة سنده ومتنه ، تصحيحه أو تضعيفه ، ومن جهة فهم الحديث ، سواء في تعيين الفرقة الناجية ، أو في تعيين الفرق الهالكة ، كما اختلف العلماء كذلك في تصحيح بعض ألفاظ الحديث الزائدة عليه سيما لفظة : (كلها في النار إلا واحدة) ، وفي الحديث إشكالات أخرى من جهة المعنى ، حتى قال الشيخ القرضاوي في كتابه الصحوة الإسلامية بين التفرق المشروع والتفرق المذموم: \"فى متن هذا الحديث إشكال من حيث إنه جعل هذه الأمة التي بوأها الله منصب الشهادة على الناس ووصفها بأنها خير أمة أخرجت للناس أسوأ من اليهود والنصارى في مجال التفرق والاختلاف حتى إنهم زادوا في فرقهم على كل من اليهود والنصارى وقال أيضا: ثم إن هذا الحديث حكم على فرق الأمة كلها – إلا واحدة - بأنها في النار هذا مع ما جاء في فضل هذه الأمة وأنها مرحومة وأنها تمثل ثلث أهل الجنة أو نصف أهل الجنة. على أن الخبر عن اليهود والنصارى بأنهم افترقوا إلى هذه الفرق التي نيفت على السبعين غير معروف في تاريخ الملتين وخصوصا عند اليهود فلا يعرف أن فرقهم بلغت هذا المبلغ من العدد\".

لذا نود هنا أن نشير إلى مجمل هذه المسائل الشائكة في الحديث فيما يأتي :

أولا : ذكر اختلاف العلماء في المراد بالفرقة الناجية :

1) ذهب بعض أهل العلم إلى أنها – أي الفرقة الناجية – هم أهل الحديث وهو قول الإمام أحمد بن حنبل ، يرحمه الله ، وقول شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه ، وقد سئل الإمام أحمد عن الفرقة الناجية ، فقال : إن لم يكونوا أهل الحديث فمن؟.

2) وقال بعض أهل العلم ، أن المراد بها العلماء والفقهاء من أهل الفقه والاجتهاد .

3) وقيل هي السواد الأعظم من أهل الإسلام ، وأن الافتراق إنما هو في أمة الدعوة لا أمة الإجابة .

4) وقيل هي خصوص من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، واستدلوا بقوله صلى الله وعليه وسلم في رواية : (ما أنا عليه وأصحابي).

5) وقيل هي جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير .

والظاهر والله تعالى أعلم أنه لا مانع من القول بأنّ الفرقة الناجية هي كل هذه الأقوال ، فيدخل فيها ، أي الفرقة الناجية ، العلماء والفقهاء وأهل الحديث وأهل الحل والعقد ، وعموم الأمة وسوادها الأعظم ، ممن قال لإله إلا الله ، محمد رسول الله ، ويأتي في مقدمة الفرقة الناجية من ذُكر من الفقهاء والمحدثين ، كما لا يجوز أن نحجر واسعاً بأن نخرج جمهور الأمة وسوادها الأعظم من مسمى الفرقة الناجية ، وبأي دليل نخرجهم ، فالصحيح أن الفرقة الناجية تشمل كل الأمة ممن لا يزال على أصل الإسلام والاستقامة عليه ، علماً وعملاً ، ولا يجوز القطع على مسلم بدخول الجنة أو النار .

والأدلة من الكتاب والسنة دالة على ذلك ، فمن الكتاب الكريم ، قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً }الكهف107. وقوله تعالى : وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3}.

وغيرها من الأدلة القطعية الدالة على دخول المؤمنين الجنة ، ونجاتهم من النار .

وأما من السنة الشريفة فحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه في المتفق عليه : قَالَ: (كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ قَالَ لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا). وغيره من الأحاديث الصحيحة المتواترة ، الأقوى سنداً ومتناً من حديث تفترق أمتي إلى ثنتين وسبعين فرقة، كما سيأتي بيانه .

ثانياً : الخلاف في زيادة لفظة (كلها في النار إلا واحدة) .

هذا وقد عدت إلى كلام أهل العلم في الحديث فوجدت بعضهم ضعّف هذه الزيادة (كلها في النار إلا واحدة) منهم العلامة ابن الوزير في كتابه العواصم والقواصم ، حيث قال مضعفاً هذه الزيادة: \"إياك أن تغتر بزيادة كلها في النار إلا واحدة فإنها زيادة فاسدة ، ولا يبعد أن تكون من دسيس الملاحدة \" .

وضعف هذه الزيادة كذلك شيخنا العلامة محمد الحسن الددوا ، حيث قال : \"إن زيادة (كلها في النار إلا واحدة ) ضعيفة .

وقال الإمام الشوكاني في الفتح : 2/56 ، \"أما زيادة كلها في النار إلا واحدة ، فقد ضعفها جماعة من المحدثين ، بل قال ابن حزم إنها موضوعة \" .

هذا وقد تعقب العلامة الألباني كلام الشوكاني ، وردّ عليه رداً مطولاً في كتابه السلسلة الصحيحة ، فقال في معرض تصحيحه لهذه الزيادة : \" ولا أدري من الذي أشار إليهم الشوكاني بقوله : \"قد ضعفها جماعة \" فإني لا أعلم أحداً من المحدثين ضعّف هذه الزيادة ، بل إن الجماعة قد صححوها ، وأما ابن حزم فإن صح عنه النقل فهو معروف بتشدده في النقد ، فلا ينبغي أن يحتج بقوله عند تفرده ، فكيف إذا خالف جماعة المحدثين ، وأما ابن الوزير فقد صحح حديث معاوية في كتابه القيم : الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم ص 262 \" أهـ السلسلة الصحيحة 1/ 356 – 358.

على أن الشيخ الألباني بعد مناقشته للحديث من جهة السند ، صحح الحديث لغيره لا لذاته ، ولعلّ ذلك يرجع إلى ما وجده من اضطراب في ألفاظ الحديث ورواياته ورواته، فقضى بكون الحديث صحيح لغيره ، والصحيح لغيره عند علماء الحديث يعني الحديث الحسن ، ورتبة الحسن منزلة بين الصحيح والضعيف.

وعلى كل لو سلمنا جدلاً بصحة الحديث سيما الرواية التي صدّرنا بها البحث وهي قوله صلى الله عليه وسلم : ((افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً) . فإنه لا قائل بإخراج جماهير الأمة وسوادها الأعظم من مسمى الفرقة الناجية ، بل الأدلة ، كما أسلفنا، تدل على دخول الأمة كلها ممن لا يزال على أصل الملة والاستقامة ، تحت مفهوم الفرقة الناجية ، والله تعالى أعلم .