الفيدرالية واللامركزية سبب سقوط الخلافة العثمانية
بقلم/ حارث الشوكاني
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 28 يوماً
الخميس 25 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 11:11 م

في هذا المقال سأسلط الضوء على المؤامرة اليهودية على دولة الخلافة العثمانية هذه الدولة التي مثلت الكيان السياسي الواحد للأمة العربية والإسلامية جمعاء وكيف أن المؤامرة اليهودية لتجزأتها بدأت بإثارة النعرات العصبية التركية والعربية وبعد إثارة هذه النعرات العصبية تمت المطالبة بالفيدرالية واللامركزية والإصلاح السياسي..

 كما نجح الإماميون الهادويون في تأجيج المشاعر الشطرية والطائفية والقبلية ثم تجسيد هذه النزعات العصبية في المطالبة باللامركزية والفيدرالية.

وكانت نتيجة تفتيت الخلافة العثمانية عبور المشروع اليهودي وإقامة الدولة العنصرية اليهودية في فلسطين.

كما أن نتيجة تفتيت الدولة المركزية الجمهورية ذات المضمون السني ستؤدي إلى عبور المشروع الهادوي وقيام الدولة العنصرية الهادوية.

وفي هذا الصدد سأوجز الحديث عن المؤامرة على الخلافة العثمانية في شكل نقاط على النحو التالي:-

- من المعلوم أن الإتحاديين (جمعية الإتحاد والترقي) هم القوة المعارضة والجمعية السرية التي تزعمت المؤامرة على السلطان عبد الحميد الثاني آخر الخلفاء العثمانيين الذي نجح الإتحاديون في إسقاطه وإبعاده عن الحكم وبسقوطه سقطت الخلافة العثمانية فعلياً.

- كما أن الإتحاديين في اليمن (إتحاد القوى الشعبية) هم الذين يتزعمون المؤامرة على الوحدة اليمنية عبر إثارة المشاعر الطائفية والشطرية لدى القيادات السياسية الحزبية ثم المطالبة باللامركزية والفيدرالية والحكم المحلي.

- كما أنه من المعلوم أن يهود الدونمة في تركيا هم القوة الدافعة لجمعية الإتحاد والترقي وأن المؤامرة على وحدة الأمة الإسلامية عبر التآمر على الخلافة العثمانية وقف وراءها يهود الدونمة والمنظمات الصهيونية العالمية بعد فشل اليهود في إقناع السلطان عبد الحميد في توطين اليهود في فلسطين.

- والدور الذي يؤديه الهادويون في التآمر على الوحدة اليمنية يشبه إلى حد بعيد الدور الذي أداه يهود الدونمة في التآمر على الوحدة الإسلامية ممثلة في الخلافة العثمانية، فالهادويون هم القوة الدافعة للّقاء المشترك في التآمر على الوحدة اليمنية.

- وكتب التاريخ تحدثنا عن عظمة الموقف الذي وقفه الخليفة العثماني السلطان عبد الحميد الثاني الذي إعتلى عرش الخلافة العثمانية عام 1876م. عندما حاول اليهود إستغلال عوامل الضعف التي دبت في الدولة العثمانية بسبب الإرث الثقيل الذي ورثه السلطان عبد الحميد من الذين من قبله لا سيما الأزمة الإقتصادية والمديونية الكبيرة على الخلافة العثمانية وقاموا بالتفاوض مع السلطان عبد الحميد لتوطينهم في فلسطين، وكان أول إتصال بين هرتزل رئيس الجمعية الصهيونية والسلطان عبد الحميد بعد وساطة قام بها سفير النمسا في إستانبول في عام 1901م وعرض هرتزل على السلطان عبدالحميد توطين اليهود في فلسطين وفي المقابل سيقدم اليهود في الحال عدة ملايين من الليرات العثمانية الذهبية كهدية ضخمة للسلطان عبد الحميد، كما أنهم سيقرضون الخزانة العثمانية مبلغ مليون ليرة أخرى، وأدرك السلطان عبد الحميد أن هرتزل يقدم له رشوة من أجل تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين وبمجرد تحقيقهم لأكثرية سكانية سيطالبون بالحكم الذاتي فأخرجه السلطان عبدالحميد من حضرته بصورة عنيفة.

- ويقول السلطان عبد الحميد في مذكراته عن سبب عدم توقيعه على هذا القرار (أننا نكون قد وقعنا قراراً بالموت على إخواننا في الدين)، وقال السلطان عبد الحميد رحمه الله: (أن ديون الدولة ليست عاراً عليها وأن بيت المقدس الشريف إفتتحه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولست مستعداً أن أتحمل تاريخياً وصمة بيع الأراضي المقدسة لليهود وخيانة الأمانة التي كلفني بها المسلمون بها بالحفاظ عليها، ليحتفظ اليهود بأموالهم فالدولة العلية لا يمكن أن تحتمي وراء حصون بنيت بأموال أعداء الإسلام)، فتأكد هرتزل أنه لا أمل في تحقيق أطماع اليهود في فلسطين طالما أن السلطان عبد الحميد قائماً في الحكم مستمراً فيه.

- وقد كررت المحاولة الجمعية الصهيونية وذهب أحد المحامين اليهود المشهورين (أما نويل قردصو) مؤسس المحفل الماسوني في مدينة سلانيك فذهب لمقابلة السلطان عبد الحميد الثاني مقدماً إليه عريضة يلتمس فيها منح اليهود منطقة ذات إدارة ذاتية (أي ذات حكم لامركزي) في فلسطين، وفي مقابل ذلك تقدم الجمعية الصهيونية قرضاً لمدة غير محدودة قيمته 20 مليون ليرة ذهبية إلى خزينة الدولة و (5) ملايين ليرة ذهبية إلى خزينة السلطان الخاصة كهدية، إلا أن السلطان عبد الحميد فور سماعه فحوى العريضة إستشاط غضباً وطرد المحامي اليهودي (أما نويل قردصو) وقال: (إنكم لو دفعتم ملء الأرض ذهباً فلن أقبل، إن أرض فلسطين ليست ملكي إنما هي ملك الأمة الإسلامية وما حصل عليه المسلمون بدمائهم لا يمكن أن يباع، وربما إذا تفتت إمبراطوريتي يوماً يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل).

- وهذا ما حصل بالفعل حيث تآمر اليهود على تفتيت الخلافة العثمانية عبر إثارة النعرات العصبية والتركية ورفعت الشعارات المجسدة للتفتيت (الفيدرالية واللامركزية والإصلاح السياسي).

- وقد جسدت العصبية القومية التركية جمعية تركيا الفتاة التي نشأت عام 1889م ثم جمعية الإتحاد والترقي، وعندما تولت الحكم عام 1908م فرضت عملية التتريك عبر فرض اللغة التركية في الدواوين والمدارس والمناهج، وكانت سياسة الحكومة الإتحادية بعد خلع عبدالحميد قد مهدت لأمرين هامين:

أولهما: تحقيق المشروع الصهيوني في فلسطين.

وثانيهما: تفكيك الدولة العثمانية والعمل على إضعافها.

وقد تأثرت هذه الجمعية بقوة الأفكار القومية الطورانية التي تدعو إلى تحرير كافة الأتراك مدعين أن الشعوب الإسلامية في الأناضول وآسيا الوسطى تمثل أمة واحدة وهي الأفكار التي تطورت بمجهودات بعض كتاب الجمعية على رأسها كوهين اليهودي والكاتب التركي الشهير ضيا كوك.

- وبمقابل العصبية التركية نشطت العصبية العربية وأنشأوا حزب اللامركزية على أساس أن الدين لا يصلح كرابطة سياسية بين الشعوب وإنما الإنتماء العرقي العربي مطالبين أن تأخذ الولايات غير التركية إستقلالاً ذاتياً وتبقى خاضعة لإستنبول في الشئون الخارجية فقط، وقد تشكلت في هذا السياق عدة جمعيات ومنظمات عربية وكلها كرست الدعوة للآصرة السياسية العربية ورفعت شعار الفيدرالية واللامركزية الإدارية مثل جمعية الفتاة العربية على غرار جمعية الفتاة التركية والجمعية القحطانية وهي جمعية سرية تأسست عام 1909م في إستانبول وغايتها كانت أن تؤلف الولايات العربية مملكة واحدة تصبح جزء من إمبراطورية مزدوجة تركية عربية.

وحزب اللامركزية الإدارية تأسس في القاهرة إثر إنكسار الدولة العثمانية في حرب البلقان في أواخر عام 1912م وكان يهدف إلى الدعوة إلى اللامركزية الإدارية في الولايات العثمانية وقد أنشأته نخبة من المفكرين مثل رفيق العظم الذي تولى رئاسة الحزب واسكندر عمون نائب الرئيس ومحب الدين الخطيب والدكتور شبلي شمبل.

وجمعية بيروت الإصلاحية التي تأسست في 31 يناير 1913م وقد أسسها أعيان من بيروت ونواب وكانوا أول من لبى الصوت الذي إرتفع من القاهرة مطالباً بالإصلاح على أساس اللامركزية الإدارية وقد وضعت برنامجاً من خمسة عشر مادة لكي تنال بها البلاد العربية الحكم الذاتي متجاوبة في ذلك مع العربية الفتاة وحزب اللامركزية الإدارية وقد حلّ الإتحاديون الجمعية في إبريل 1914م واعتقلوا زعمائها.

وجمعية العهد: أنشأ هذه الجمعية البكباشي عزيز علي المصري في أكتوبر 1913 لتحل محل الجمعية القحطانية وكان برنامجها هو برنامج الجمعية القحطانية وإن كان قد صيغ بلغة عسكرية وهو السعي وراء الإستقلال الداخلي للبلاد العربية.

وحزب الإستقلال العربي الذي تم إنشاؤه في عام 1919م ليضم المؤيدين والمناصرين الذين لم يكن من المستحسن إنتسابهم إلى (الفتاه) وليكون مظهراً خارجياً لنشاط جمعية العرب الفتاة التي ظلت سرية .......الخ

وسأشير إلى البيان الذي صدر من الأمير شكيب أرسلان عن اللامركزية كوسيلة لإسقاط الخلافة العثمانية تحت عنوان (بيان للأمة عن حزب اللامركزية) نقلاً عن الدكتور عبد العزيز الدوري أحد القوميين في كتابه (التكوين التاريخي للأمة العربية) من منشورات مركز دراسات الوحدة العربية الطبعة الأولى (ص 184-185) مع العلم أن الكاتب غير مؤيد لموقف شكيب أرسلان باعتباره أحد المفكرين القوميين حيث يقول متحدثاً عن شكيب أرسلان: (( ولكنه في بيانه يرفض الدعوة للامركزية ويتهجم بقوة على أصحابها ، ويعتبر الحركة اللامركزية من بعض الدسائس الأجنبية ويرى في اللامركزية الخطوة الأولى نحو الإنفصال ، وأن الدعوة إليها ستعقبها دعوات مثل الخلافة العربية والإستقلال القومي والتحرير الوطني ، وكل هذا سيفضي إلى حرب داخلية تكون هي القاضية على إستقلال العرب بدل أن تكون مبدأ إستقلالها، فحركة اللامركزية في تقديره تؤدي إلى الغارة الأجنبية ولذا فهو يتهم القائمين بالحركة ويجعلهم جزءاً من المؤامرة الأوروبية على المسلمين ، ومع ذلك فهو يقرر أن بعض دعاة الإصلاح مخلصون ولكنهم في رأيه يخطئون حين يظنون أن اللامركزية تقي من خطر الإحتلال الأجنبي ، أما البعض الآخر فلا يهمه الإصلاح بقدر ما يهمه فصل سورية عن الأتراك ، وبهذا الإندفاع يقرر شكيب أرسلان في (سيرته) أن الإنكليز تمكنوا قبل الحرب العامة من التأثير على الكثير من ناشئة العرب بأنهم يؤيدون قيام دولة عربية ، فتكوّن بين العرب حزب ينزع للإنفصال ، ولكن هذا في تقديره لم يكن رأي الجمهرة بين الأمة العربية بل ( كان عقلاء العرب يفقهون أنه إذا وقع الإنفصال بين العرب والترك تسقط بلاد العرب تحت حكم الإفرنج ) فلذلك كانوا يختارون البقاء تحت حكم الدولة العثمانية .. إختياراً لأهون الشرّين ، وهكذا يصر شكيب أرسلان على العثمانية لمواجهة الغرب ، ويراها مع (العقلاء) السبيل الوحيد لحماية الإسلام والبلاد العربية من العدوان الغربي ، فليس أمام العرب إلا قبول العثمانية لمواجهة شر أكبر هو الخطر الغربي)).

وبهذا يتضح أن هذه الشعارات الممجوجة المخادعة (اللامركزية – الإصلاح السياسي – الشراكة في السلطة – المواطنة المتساوية .......الخ) التي يرددها اليوم أعداء الوحدة اليمنية من قيادات الإستعمار الإمامي المجوسي لليمن هي نفس الشعارات التي رددت قبل سقوط الخلافة العثمانية وكان نتيجتها تجزأة العالم العربي والإسلامي وفقدان كيانه السياسي الواحد.

وأدت هذه التجزأة وإتفاقية سايس بيكو إلى التمهيد لقيام دولة إسرائيل في فلسطين عبر الهجرات اليهودية المكثفة بعد الحرب العالمية الأولى ثم قيام دولة إسرائيل سنة 1948م والمنطقة العربية والإسلامية واقعة تحت النفوذ الإستعماري، فأين العبرة التاريخية ممن ينقادون اليوم وراء أطروحات أعداء البلاد لتجزأتها سياسياً واجتماعياً.

وكنا نتوقع من المرشد المضل لحزب الإصلاح (ياسين القباطي) أنه يمتلك من الحنكة السياسية والشرعية بما يؤهله لمقاومة مشاريع التجزأة الدولية والعالمية فإذا به يسقط أمام مشاريع تجزأة اليمن الهادوية الشيعية بل يتحول إلى أداة لتنفيذ الإستراتيجية السياسية الشيعية الإيرانية في اليمن والجزيرة العربية في غباء منقطع النظير ويسخّر التنظيم بكافة كوادره وإمكاناته لخدمة المخطط الشيعي في حين أن حركة الإخوان المسلمين لم يؤسسها الإمام الشهيد حسن البناء رحمه الله إلا لإستعادة الخلافة الإسلامية ووحدة الأمة العربية والإسلامية. 

ولم يكتفي المرشد المضل لحزب الإصلاح برفع شعار الفيدرالية واللامركزية، بل رفع شعار النضال السلمي الذي يهدف الإماميون من خلاله إلى تمزيق الوحدة الوطنية عبر تحويل الصراع السياسي بين الأحزاب الجمهورية إلى صراع إجتماعي بين فئات الشعب المختلفة من خلال إثارة مختلف النعرات العصبية الشطرية والطائفية والفبلية، وقد تجسد هذا في الحراك الجنوبي وحراك المناطق الوسطى....الخ

والإماميون بارعون في إطلاق الشعارات التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فعندما خططوا للتآمر على المعاهد العلمية بقيادة دجال الإمامة محمد عبد الملك المتوكل رئيس المشترك حالياً ومنظر حزب الإصلاح رفعوا شعار (توحيد التعليم) كغطاء للتآمر على المناهج السنية ثم نجحوا في إغلاق المعاهد عبر الوقيعة بين الإصلاح والمؤتمر من خلال التنافس في الإنتخابات.

كما رفعوا شعار (ديمقراطية التعليم) كغطاء لإفساح المجال للتعليم الشيعي عبر التعليم الأهلي والمدارس الخاصة.

وعندما إستهدفوا الوحدة اليمنية والوحدة الوطنية رفعوا شعارات برّاقة (المواطنة المتساوية – الشراكة في السلطة والثروة – الفيدرالية واللامركزية – بناء الدولة اليمنية الحديثة – النضال السلمي – العصيان المدني...الخ)، فزخرفة الشعارات ذات المضامين السلبية هي مهمة شياطين الإمامة، ودراويش الإصلاح واللقاء المشترك يرددون هذه الشعارات الإمامية كالببغاوات بسبب غياب الرؤية السياسية والتخطيط السياسي الإستراتيجي عند قيادات الإصلاح والمشترك، وصدق الله العظيم القائل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }الأنعام112، واتبعت القيادات الجمهورية أطروحات شياطين الإمامة أعداء اليمن التاريخيين ويحسبون أنهم مهتدون.

وصدق الله العظيم القائل: {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ }الأعراف30.

*مسئول التخطيط السياسي سابقاً في التجمع اليمني للإصلاح