الثورة الشعبية .. قضية جنوبية أم قضية يمنية؟
بقلم/ حارث الشوكاني
نشر منذ: 11 سنة و 11 شهراً و 28 يوماً
الخميس 19 إبريل-نيسان 2012 05:00 م

لا بد من الإشارة إبتداء إلى أن الثورة الشعبية في اليمن هي إمتداد لثورات الربيع العربي، وأهم ما أنجزته هذه الثورات بشكل عام أنها نقلت ما كان يسمى بالأغلبية الصامتة من الشعوب من حالة اللافاعلية السياسية إلى حالة الفاعلية السياسية والإمساك بزمام عملية التغيير، حيث تكرست لأول مرة قناعة عند هذه الشعوب المغلوبة والمقهورة أنها قادرة على التغيير السياسي والإطاحة بالأنظمة السياسية الطاغوتية التي عانت منها طويلاً في حين إستعصى في المراحل السابقة على النخب السياسية والحزبية فضلاً عن غيرهم الإهتداء لوسيلة التغيير الناجعة للخلاص من تلك الأنظمة، وهذه أكبر إيجابية في وجهة نظري لأنها بمثابة نقلة نوعية على صعيد التطور الإجتماعي والسياسي لحياة الشعوب.

وهذا التطور الإجتماعي والسياسي في حياة الشعوب يندرج تحت تسمية المجتمع المدني في العلوم المعاصرة، وعلى الرغم من وجود خلافات أكاديمية في تعريف المجتمع المدني إلا أنني مع التعريف الذي يصف المجتمع المدني بأنه المجتمع الذي تطور مستوى الوعي فيه إلى درجة أنه أمسك في يده مفاتيح عملية التغيير للواقع والفعل فيه لا الإنفعال به، أو بتعبير آخر المجتمع الذي يحكم ولا يُحكم، أي يؤدي دوره السياسي على حكامه عبر الرقابة الشعبية الفاعلة بحيث تتحول هذه الرقابة الشعبية إلى أداة تعيين الحكام وعزلهم في نفس الوقت.

وهذه الحالة من التطور الإجتماعي والسياسي للمجتمعات تسمى في المنظور الشرعي (خير الأمم) مصداقاً لقوله تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}آل عمران110.

فخير المجتمعات في المنظور القرآني والتي تصلح أن تكون مثالاً وقدوة للأمم هي التي تخرج على حكامها وأنظمتها أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، والأمر والنهي هو قوام الفعل السياسي وغالباً ما نجد في المجتمعات المتخلفة الحكام والقادة هم الآمرون الناهون على شعوبهم، والمجتمعات التي يتطور وعيها تمارس الرقابة الشعبية على حكامها إختياراً وعزلاً بحيث تكون هي الآمرة الناهية من بعد الشريعة والقانون.

وهذا الخروج على الحكام أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر قد يكون خروجاً سلمياً لسانياً عبر المظاهرات والإعتصامات أو مسلحاً بحسب مقتضى الحال.

ويتعزز هذا الفهم لهذه الآية بأن المقصود بالخروج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو خروج الثورات الشعبية على حكامها بمنهجية تفسير القرآن بالسنة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُسَلِّطَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلا يُسْتَجَابُ لَهُمْ) وفي رواية (لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا)

فمضامين هذا الحديث النبوي الصحيح السند والمتن واضحة الدلالة لمعنى خروج الشعوب الثائرة على حكامها أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر لأطرها على الحق أطراً، وفي حال غياب هذه الفاعلية السياسية الثورية للشعوب يتسلط الحكام الأشرار والطغاة مع التأكيد بأن دعاء المؤمنين مع غياب هذه الفاعلية السياسية يكون عديم التأثير، لأن الله لا يغير ما بقوام حتى يغيروا ما بأنفسهم.

وقد جسدت هذه الثورات الشعبية معنى الآية والحديث النبوي في الواقع وشاهدنا نجاح عملها التغييري وأطر حكام الأنظمة العربية على إرادة شعوبها أطراً، وتجلت ثمار هذا العمل الثوري التغييري الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في أيام وفي شهور في حين فشلت الجهود التغييرية المفتقدة للبعد الشعبي ليس على مستوى السنين وإنما على مستوى عقود.

وفي هذا السياق سياق الثورة الشعبية اليمنية تبدو قراءة النخب السياسية للواقع السياسي في اليمن قراءة غير موضوعية حيث إختزلت هذا الواقع والثورة الشعبية فيما يسمى بالقضية الجنوبية في حين أن واقع اليمن وواقع الثورة الشعبية يؤكد بدليل صارخ بأن هناك قضية يمنية تشمل أبناء اليمن جميعاً في المحافظات الشمالية والجنوبية لا قضية جنوبية فحسب ، وإن كنت أشعر بالتعاطف مع إخواننا في المحافظات الجنوبية من أي مظالم وقعت عليهم من النظام السابق وأدعو إلى إنصافهم مما وقع عليهم كأولوية.

لكن إندلاع الثورة الشعبية في اليمن كافة بمحافظاته الشمالية والجنوبية هو الدليل القاطع بأن هناك معاناة عند أبناء اليمن قاطبة لا معاناة في الجنوب فحسب، وبالتالي على أن هناك قضية يمنية لا قضية جنوبية ، ولو كانت المعاناة جنوبية لاقتصر التذمر الشعبي على أبناء الجنوب، لكن معاناة أبناء الشمال من فساد النظام السابق كأبناء الجنوب أدت إلى ثورة شعبية جنوبية وشمالية ، وزخم الثورة الشعبية في المحافظات الشمالية كان أقوى منه في المحافظات الجنوبية بما يؤكد أنه ليس هناك سياسة تمييز مناطقي من جهة وأن هناك قضية يمنية لا قضية جنوبية فحسب.

ومن المؤكد أن أبناء الجنوب المنصفين الذين عانوا من النظام السابق لن يقبلوا باختزال معاناة الشعب اليمني كله في معاناة أبناء الجنوب لأن مثل هذا الإختزال سيؤدي بالضرورة إلى حل مشاكل أبناء المحافظات الجنوبية دون معاناة أبناء الشمال ، وهذا هو عين الظلم.

لكن إدراج معاناة أبناء الشمال بجوار معاناة أبناء الجنوب تحت تسمية (القضية اليمنية) ستؤدي إلى حل مشاكل الجميع.

أما إذا إقتصرت لجنة الحوار على مناقشة القضية الجنوبية وأغفلت معاناة أبناء المحافظات الشمالية فإن ثوارها سيتساءلون لماذا تم إلغاءهم وإلغاء ثورتهم وتضحياتهم والتنكر لها من النظام السياسي الجديد الذي ساهموا في قيامه عبر الثورة الشعبية واختار أبناء الشمال رئيساً من الجنوب ورئيساً للوزراء وكانت أصواتهم هي الحاسمة في هذا الإختيار في رسالة واضحة من أبناء الشمال إلى أن عمق مشكلة النظام السياسي في اليمن ليست متعلقة بكون القيادات السياسية جنوبية أو شمالية وإنما هل هي قيادات صالحة أم فاسدة.

والواقع اليمني يشهد بذلك، فأبناء الجنوب قبل الوحدة كانت معاناتهم من القيادات الجنوبية الإشتراكية أشد من معاناتهم بعد الوحدة بما يؤكد أن المشكلة في القيادات ليست متعلقة بمعيار (شمال – جنوب) بل بمعيار (صالح – أم فاسد).

وبهذا يتضح لنا خطورة التشخيص الخاطئ للواقع اليمني من جهة (قضية يمنية – قضية جنوبية) وخطورة التشخيص الخاطئ لطبيعة الإشكالية في القيادات (قيادات جنوبية – قيادات شمالية) (قيادات صالحة – قيادات فاسدة) ، فكما يقال التشخيص الصحيح هو نصف العلاج.

فالمحلل السياسي كالطبيب إذا أخطأ في التشخيص لن ينجح في وصف العلاج مهما كانت مهارته في معرفة الأدوية إن لم تكن مهارته في التشخيص كمهارته في وصف الدواء ، لأن التشخيص الخاطئ يقود إلى العلاج والحل الخاطئ ، بفارق أن الطبيب إذا أخطأ في التشخيص وأخطأ في الدواء فقد يؤدي إلى موت فرد واحد ، أما تشخيص القيادات السياسية وحلولها إذا أخطأت فإنها تؤدي إلى قتل مجتمع وشعب بأسره.

وللتأكيد أقول إن التشخيص الخاطئ للواقع اليمني (القضية الجنوبية) يفترض أن هناك مشكلة سياسية ، والمشكلة السياسية تفترض وجود شعبين مختلفين عرقاً وديناً ووطناً ليس بينهما هوية مشتركة (الهوية اليمنية) ، وبالتالي فجوهر هذه الإشكالية السياسية كامن في الوحدة والحل يكمن في الإنفصال أو الفيدرالية والحكم الذاتي.

في حين أن التشخيص الصحيح للواقع اليمني (القضية اليمنية) يفترض أن هناك مشكلة إدارية ، والمشكلة الإدارية تفترض وجود شعب واحد عرقاً وديناً ولغة (الشعب اليمني) عانى من قيادات فاسدة في الجنوب (تجربة القيادات الإشتراكية قبل الوحدة) وقيادات فاسدة في الشمال (تجربة ما بعد الوحدة).

وبالتالي فجوهر هذه المشكلة الإدارية كامن في الفساد لا الوحدة اليمنية ، والحل يكمن في إختيار القيادات الصالحة لا الفاسدة بغض النظر عن البعد المناطقي (شمال – جنوب) ، باعتبار أن مشكلة اليمن هي مشكلة الفساد وأزمة الإدارة وما ترتب على ذلك من تدهور إقتصادي أدى إلى عدم تلبية حاجيات الناس الضرورية لا سيما المواد الغذائية الأساسية ، فأدت هذه الأزمة الاقتصادية الناتجة عن سياسة الجرعات الإقتصادية الخاطئة إلى إيجاد حالة من التذمر الشعبي في الشمال والجنوب تم التعبير عنها بهذه الثورة الشعبية التي شملت اليمن جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً.

ومن هذا المنطلق يتوجب على القيادات السياسية الجديدة عبر الحكومة الحالية ومؤتمر الحوار الوطني أن يحسنوا التشخيص الحالي للواقع اليمني ، ثم وضع الحلول الصحيحة على ضوء التشخيص.

وهم إن فعلوا ذلك سيدركوا أن أزمة اليمن أزمة فساد لا أزمة وحدة يمنية ، وأزمة الفساد تستوجب وضع برنامج إصلاح إداري لاجتثاث مكامن الفساد عبر تفعيل أجهزة الرقابة وإعمال مبدأ الثواب والعقاب ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب وإصلاح القوانين التي تسمح بالازدواجية في المسئوليات والصلاحيات ... الخ.

وبرنامج إصلاح إقتصادي يؤدي إلى تخفيف معاناة الناس في إتجاه توفير متطلبات الشعب الأساسية عبر دعم السلع الأساسية وتخفيف أسعار المشتقات النفطية لأن الحكومة خادمة للشعب لا الشعب خادم لحكومة بحيث تستقطع المبالغ الداعمة للمواد الأساسية ومبالغ المشتقات النفطية التي هي بمثابة الضرورات للشعب وصرف هذه المبالغ في النفقات الكمالية للحكومة ، لأن هناك مثل غربي يقول (الجوع لا يقبل الانتظار) ، فالفساد الذي يؤدي إلى أزمة إقتصادية تجوع الشعب يكون نتاجها ثورة شعبية عارمة.

أما التشخيص الخاطئ للواقع اليمني الذي يفترض أن مشكلة اليمن كامنة في الوحدة لا الفساد وبالتالي فالحل يكون في إلغاء الوحدة اليمنية عبر الإنفصال أو الفيدرالية فإنه سيكون بمثابة الحل الكارثة ، لأن الإنفصال سيعود باليمن إلى مرحلة ما قبل الوحدة ، مرحلة التفكيك والتجزئة لوحدة اليمن السياسية.

أما الفيدرالية فهي أكثر خطراً من الإنفصال لأنها ستؤدي إلى تفكيك وحدة اليمن السياسية ووحدة اليمن الإجتماعية معاً.

وخيار الإنفصال في حال المقارنة بين الضرر الأعلى والضرر الأدنى يبدو أخف ضرراً من الفيدرالية لأن الإنفصال إن كان سيعيدنا إلى مرحلة ما قبل الوحدة ، مرحلة الجنوب الموحد سياسياً والشمال الموحد سياسياً ، فإن الفيدرالية ستعيدنا إلى مرحلة ما قبل ثورة سبتمبر وقبل ثورة أكتوبر.

فمن المعلوم أن اليمن الشمالي قبل ثورة سبتمبر كان خاضع لمرحلة الإستعمار الإمامي الفارسي الذي لبس لبوس الإسلام وآل البيت كذباً وزوراً ، والإستعمار الإمامي لم يستطع حكم اليمن إلا بعد إلغاء الدولة اليمنية المركزية وتجزئة البلاد إلى مشيخات وعصبيات قبلية متحاربة ، وكان أهم إنجاز لثورة سبتمبر هو توحيد اليمن الشمالي في وحدة سياسية واحدة.

والإستعمار البريطاني في الجنوب لم يستتب له الوضع في الساحل (عدن) إلا بعد تجزئة الداخل (المحافظات الجنوبية) عبر مشروع فيدرالي لامركزي بريطاني إلى (22) سلطنة ودويلة ، وكان أهم إنجازات الحزب الإشتراكي هو توحيد جنوب اليمن في وحدة سياسية واحدة عبر إلغاء السلطنات والدويلات.

وفي الحقيقة أنني لم أناقش الآثار السلبية للإنفصال والفيدرالية لتسويغ الإنفصال بل لبيان خطر الفيدرالية ، ولست مع الإنفصال ولا الفيدرالية وإنما مع التشخيص الحقيقي لطبيعة الأزمة اليمنية (الفساد) ووضع الحلول المناسبة على ضوء هذا التشخيص (اختيار القيادات الصالحة بدلاً عن الفاسدة) ووضع برنامج إصلاح إداري وبرنامج إصلاح إقتصادي عبر مؤتمر الحوار الوطني بدلاً عن التشخيص الخاطئ (مشكلة اليمن في الوحدة لا الفساد) والحل الخاطئ (الإنفصال أو الفيدرالية).

لقد أثبت الواقع السياسي اليمني أن بعض القيادات الحزبية الجمهورية منذ قيام الوحدة اليمنية وإقرار النهج الديمقراطي أنها خرجت من ظلمات العمل السري الحزبي إلى نور العمل السياسي العلني وهي غير مؤهلة للأدوار القيادية التي يجب أن تضطلع بها لأنها كانت منشغلة بفقه العمل الحزبي لا بفقه بناء المجتمعات والدول والحضارات فوقعت فريسة في براثن التنظيم الإمامي المجوسي عامل الهدم التاريخي في اليمن لأنها لا تملك رؤية سياسية واضحة للواقع اليمني كسطح ولا للتاريخ اليمني كعمق ، في حين كانت الرؤى والخطط واضحة عند قيادات التنظيم الشيعي الإمامي (اتحاد القوى الشعبي .. الجناح السياسي) ، بحكم الخبرة والتجربة الطويلة لهذا التنظيم في اليمن عبر ألف عام فهيمنت الخطط والرؤى السياسية الإمامية المعادية لخط الثورة والوحدة على القوى الجمهورية في المعارضة والسلطة معاً.

فغدت هذه القيادات تنظر إلى الواقع السياسي اليمني بعيون إمامية لا بعيون وطنية جمهورية .

وعندما أقنع شياطين الإمامة بعض هذه القيادات قامت هذه القيادات بالترويج لهذه الأفكار الإمامية داخل أحزابها وبدأت الصحف الحزبية تروّج لهذه المخططات التي تُقدم المؤامرات وكأنها مبادرات ، ومشاريع الهدم وكأنها مشاريع بناء ، فعملت الديماغوجية الإعلامية على تعميم الفتنة بمخططات الهدم الإمامية رأسياً وأفقياً ، وقد قال علماء الإعلام (الناس يمكن أن يصدقوا كذبة تردد مائة مرة ولا يصدقوا حقيقة تقال مرة واحدة) وقد كانت هذه المقولة محل شك عندي فوجدت لها دليل من الواقع وهو أن القيادات المثقفة والحزبية وعامة الناس تربّوا على أن رفع أي شعارات تدعو إلى عصبية مناطقية جاهلية (قضية المناطق الوسطى) (القضية الجنوبية) (القضية التهامية) (القضية الشمالية) خروج على الدين (ليس منا من دعا إلى عصبية) وخروج على الوطن لأن مثل هذه الأطروحات لا تخدم أبناء الوطن الواحد وإنما تضرهم جميعاً.

وفجأة نجدهم بعد مرحلة الديماغوجية الإعلامية يرفعون شعارات بطابع عصبي جاهلي لا تمت للدين ولا للوطن بصلة لأنها شعارات تنضح بالعصبية الجاهلية (القضية التهامية) (القضية الجنوبية) (المناطق الوسطى) ، ولا يتجرأون بأطروحات تمس الوحدة اليمنية ، بل يتجرأون بطرح مشاريع تشضية اليمن وتجزئتها كالإنفصال والفيدرالية كمشاريع بناء لا هدم ، وكأن القوم سكارى وما هم بسكارى لكن فتنة شياطين الشيعة الإمامية شديدة (وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً).

وأكبر دليل يؤكد سقوط القيادات الجمهورية معارضة وسلطة تحت هيمنة الخطط السياسية الإمامية هو أن الفيدرالية فكرة لم يطرحها أحد من أبناء الجنوب ولا من أبناء الشمال وإنما طرحها الجناح السياسي للتنظيم الشيعي المجوسي (اتحاد القوى الشعبية) عبر كتاب أصدره القيادي في الحزب زيد الوزير تحت عنوان (نحو وحدة يمنية لامركزية) وروّج له في الداخل اللوبي الإمامي المتغلغل في الأحزاب الجمهورية والدولة بقيادة محمد عبد الملك المتوكل.

وقد طرح هذا المشروع بعد الوحدة مباشرة حيث صدرت الطبعة الأولى منه في عام 1990م بما يؤكد أن هذا التصور الإمامي المعادي لأبناء اليمن ولوحدتها السياسية والإجتماعية رؤية إستراتيجية ثابتة للإستعمار الإمامي الفارسي الذي لبس لبوس الإسلام وآل البيت وليس له أي علاقة لما آلت إليه الأوضاع في المحافظات الجنوبية.

وسأعيد نشر مقتطفات من هذا الكتاب تبين طبيعة المشروع الفيدرالي الشيعي الإمامي ، مع إعترافات كاملة من صاحب المشروع باستهداف هذا المشروع للوحدة اليمنية والحق ما شهدت به الأعداء لعل في ذلك عبرة لمعتبر.

فهذا الكتاب من الوثائق الخطيرة التي تبين المؤامرة الشيعية الإمامية على الوحدة اليمنية عبر المشروع الفيدرالي اللامركزي الشيعي وكذلك خططهم التآمرية على النظام الجمهوري ، وسنجده وفي مقدمة الكتاب يعلن بوضوح هدفه من مشروعه الفيدرالي اللامركزي وهو إلغاء الوحدة اليمنية وتجزئة اليمن إلى (171) جمهورية و(855) ولاية مستقلة و(855) رئيساً منتخباً حيث يقول في ص14 من مقدمة الطبعة الثانية (وقدحظي الكتاب بترحيب فاق تصوري له حتى يمكن القول بأنني لم أجد اعتراضاً على مطلبه على أن البعض قد أشفق على هذه اللامركزية من جهة التطبيق وقدم حججه في أمرين:

الأول: صغر حجم القطر اليمني وعجزه عن استيعاب هذا النظام المتطور.

الثاني: عدم التأهل اليمني المتخلف لهذا الدور الحضاري المتطور لأنه سابق لأوانه.

وكلا الرأيين لا يرفضان اللامركزية من حيث المبدأ ولا يعترضان عليها لكنهما يشفقان من عدم القدرة عند تطبيقها..

إلى أن يقول في نفس الصفحة: (لكننا بالعكس من ذلك لا نرى ذلك التخوف والإشفاق يحول دون تطبيقها بل إنهما يدعوان إلى الإسراع في العمل من أجلها، إن حجة صغر القطر تنقضها الحقائق التالية: إن أصغر ولاية في أميركا هي «رودايلاند» وهي أول جمهورية أميركية هذه الجمهورية لا تتجاوز مساحتها «1212» ميلاً مربعاً وعدد سكانها «22364» وعلى هذه الرقعة الصغيرة قامت خمسة كانتونات أي خمس محافظات، معنى ذلك أن كل محافظة قامت على مساحة قدرها «242» ميلاً مربعاً فإذا كانت مساحة الجمهورية اليمنية حوالي «207.286» ميلاً مربعاً ثم قسمناها على «1212» ميلاً وهي مساحة جمهورية «رودايلاند» يكون عندنا «171» ولاية مستقلة أي «171» جمهورية مستقلة. في حجم ولاية «رودايلاند» وعلى أساس أن كل ولاية بها خمس محافظات فسيكون عندنا «855» محافظة لا مركزية مستقلة وبالتالي «855» رئيسا منتخباً وأظن أن في ذلك إشباعا لنهم السياسيين وإذا ما قمنا بعملية توزيع على حسب السكان وقسمنا الثلاث عشرة مليون نفس في اليمن على «855» محافظة، يكون الحاصل «15.204» نفساً لكل محافظة، وأظن أن ذلك الحجم مناسب وكافي، وتوجد إمارات في أوروبا مستقلة اقل من هذا العدد، إن الكم لم يعد ذا أهمية بالنسبة للكيف.. وهنا قد يستهول من لا يعرف هذا النوع من الحكم هذا العدد الهائل من الحكام، وسوف يضعون أيديهم على قلوبهم خشية إشفاق مما سيلاقون من شقاء وعذاب نتيجة تجاربهم المريرة في التعامل مع فرد واحد فكيف بهم مع مئات الأفراد؟!!. إنهم سوف يجعلون من شقائهم بالفرد الواحد مقياساً للتعاسة وسوف يتصورن بفزع ما سيلاقونه من العذاب على أيدي هؤلاء «855» حاكماً إذا كانوا قد نالوا على يد حاكم فرد واحد ما نالوه من العذاب، ولكن علينا أن لا نستهول هذا الرقم ولا نخاف من تلك النتيجة ففي الولايات المتحدة «83» حكومة محلية مستقلة...الخ)

فماذا أقول عن حقيقة المشروع الفيدرالي اللامركزي الشيعي أكثر مما قاله منظر التنظيم الإمامي القيادي في اتحاد القوى الشعبية زيد الوزير فهو يعترف بنفسه بأن هدفه من هذا المشروع هو تجزئة اليمن إلى (171) جمهورية و(855) ولاية مستقلة و(855) رئيساً منتخباً.

وزيد الوزير يعترف بنفسه بأن الإستعمار البريطاني قد لجأ إلى الفيدرالية واللامركزية لتقسيم الجنوب إلى سلطنات ومشيخات وأن هذه السياسة الإستعمارية دفعت الوحدة اليمنية ثمنها الباهض حيث يقول زيد الوزير في الطبعة الأولى للكتاب في ص39 (وجاء البريطانيون وشجعوا الفردية المحلية في شكل المشيخات القائمة ودعموها وتعاملوا معها فظن السذج أنهم أحرار فأخلصوا ولاءهم للمستعمرين وبهذه الطريقة العجيبة تمكن البريطانيون عن طريق إستخدام اللامركزية لتثبيت الفردية المشيخية من جرّ كل تلك القوى بخطام من حرير زائف وهكذا نجد أن اللامركزية البريطانية دعمت بذكاء وعن عمد فردية المشيخة من أجل صفقة مأساوية دفعت الوحدة اليمنية ثمنها الباهظ)..

فزيد الوزير يريد أن يقود قيادات الأحزاب الجمهورية بخطام من حرير زائف تحت نفس الشعار (اللامركزية) موهماً لهم بأن هذا الشعار سيمنحهم الحرية والمواطنة المتساوية والشراكة في السلطة والثروة من أجل صفقة مأساوية ستدفع الوحدة اليمنية ثمنها الباهظ.