عدوا يلاحق اليمنيين في غياب دولة القانون
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 14 سنة و شهرين و 6 أيام
الأحد 14 فبراير-شباط 2010 03:26 م

الثار ذلك العدو اللعين الذي خيم على مناطق كبيرة من اليمن, فازدادت معه نسبة الأرامل وارتفعت في المقابل أعداد الأيتام, فأصبح معه على كل خد دمع, وفي كل بيت نائحة, إنه آفة الماضي والحاضر, آفة تُزهق الأرواح وتُهلك الحرث والنسل, وتُلحق الدمار بالممتلكات, تزرع الموت في الحقول والطرقات, وفي الأسواق والمدن, لم تترك كبيراً, ولم يسلم منها صغير, تبثّ الرعب حيثما وجدت, يزداد نطاق انتشارها حيث ينتشر السلاح, وثقافة التعصب القبلي, وحيث تزداد الشكوى من غياب العدالة., يوصف ذلك الداء الخبيث بأنه عملية قتل لا تجرمها القبيلة... ويكون بطل الثار مكان إجلال واحترام من أبناء قبيلته والقبائل الأخرى المجاورة .

خلال الأسابيع الماضية جرت عشرات المعارك الطاحنة التي استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في كلا من مديرية الحدأ محافظة ذمار, ومنطقة البرح محافظة تعز, ومديرية رداع محافظة البيضاء, ومواجهات الشولان وهمدان في الجوف, وعشرات الحروب المتفرقة هنا وهناك.

قرية البردون اكبر قرى مديرية الحداء (30 كم شرق مدينة ذمار)، والتي شهدت ولادة ابرز شعراء اليمن «عبد الله البردوني».. تشهد اليوم مواجهات دامية بين فصيلين من أبنائها، البالغ عددهم 6 آلاف نسمة، بعد مقتل أحدهم في قطعة ارض وسط مدينة ذمار، يدّعي الطرفان ملكيتها.

ولأن فاتورة الحروب لا تحسب سوى القتلى، فقد ارتفع العدد إلى ثمانية منذ بداية المواجهات منتصف شهر شعبان الفائت، حتى اليوم، والرقم مرشّح للتزايد كل لحظة ما دامت نيران الحرب مستعرة. ومع ذلك هناك فاتورة أخرى هي: الآثار المترتبة عن تلك الحرب، «كلتا القبيلتين تخاف القتل وتستنكر حدوثه، ومع ذلك تتفاخران بالوقوف أمام مهالك الموت في أي لحظة، في حربهما مع بعضهما، والى ذلك اصابة حالة من الهلع والذعر مرتادي سوق مدة البرح جنوب مدينة تعز (50كم) اثر تبادل كثيف لإطلاق النار بين أفراد ينتمون لقبيلة البوكيرة في منطقة الوازعية وأسرة سنان وذلك على ثار قبلي بداء بينها على خلفية مقتل سالم الأبيض في رمضان الماضي بعد خروجه من السجن المركزي بتهمة قتل مدير قسم شرطة البرح أمين هائل قبل سبع سنوات وقتل جنديين أخريين ،

مديرية الرياشية بمحافظة البيضاء اليمنية هي الأخرى طالب أبنائها قيادة المحافظة وأجهزتها الأمنية بسرعة التدخل لفض النزاعات التي حدثت في الأيام الماضية من جراء محاولة عدد من الأشخاص حفر آبار إرتوازية في مناطق متنازع عليها بمديرية الرياشية وقد تلك النزاعات إلى سقوط قتيل وطالبوا الجهات المختصة بالقبض على الجناة وتقديمهم للعدالة ومنع الحفر الإرتوازي العشوائي في مناطق الغيول أو في المناطق المتنازع عليها وتجنيب مديرية الرياشية من شرور الفتن والحروب القبلية كونها عانت كثيرا في السنوات الماضية وهي بحاجة إلى إحلال الأمن والأستقرار بدلا من الفوضي والحروب التي تأكل البشر والأموال وتبث الخوف في قلوب الصغار.

وفي رداع لا تزال رحى الحرب المستعرة بين النواصر \" أل الناصري\" وأل مسعود في ضواحي رداع مستمرة منذ تجددها في الأسبوع الماضي.

وأكدت بعض المصادر سقوط قتيل جديد من النواصر، واستمرار الحصار المفروض من آل مسعود على النواصر من جميع الجهات المحيطة بحدودهم.

مراقبون محليون أكدوا تخوفهم من توسع المواجهات وزيادة الخسائر في الأرواح والمعدات والأراضي في ظل الحصار المفروض على النواصر، الذي سيجعلهم ينتفضون ويتهورون للقيام بأشياء لا يمكن السيطرة عليها ، خصوصاً في ظل الصمت المريب للسلطات الأمنية والمحلية.

هذا وأشار محللون سياسيون إلى أن ‏ من أسباب ازدياد إشتعال فتيل المواجهات هو عدم تدخل كتائب الحرس الجمهوري التي حلت بدلا عن فيلق العمالقة الذي أنتقل في شهر رمضان الماضي من البيضاء الى حرف سفيان بعمران للمشاركة في الحرب ضد الحوثيين أشار المحللون إلى أن فيلق العمالقة كان يتدخل لفض الإشتباكات في بعض الحروب القبلية في محافظة البيضاء وأستغرب المحللون من عدم تدخل كتائب الحرس الجمهوري المرابطة بمحافظة البيضاء في نزع فتيل الحروب التي تدور بين عدة قبايل برداع ودعى المحللون قيادة الحرس الجمهوري بسرعة إصدار الأوامر إلى هذه الوحدات للتدخل وفض الإشتباك بين القبايل المتصارعة وحمل المحللون السياسيون الجهات المعنية من مغبة التفرج على هذه الحروب المأساوية حتى لا يحدث مالا يحمد عقباة وتخرج الأمور عن السيطرة.

والى ذلك يقول باحثون اجتماعيون ان اليمن بحاجه الى ثورة ضد الثأر ويحذرون من ترك قضية الثأر خارج دائرة الاهتمام الفعلي باعتبار ‏ ‏انها تهدد بشدة الأمان الاجتماعي في اليمن حتى ان الرئيس علي عبدالله صالح قال في احدى كلماته ان .. (الثأر ظاهرة سلبية موروثة من العهود الماضية وهي بحاجة إلى تضافر جهود الجميع وسنواصل بذل تلك الجهود التي حققت ثمارها ونتائجها الايجابية في مجالات البناء والتنمية وترسيخ الأمن والطمأنينة ونشر الوعي والثقافة والاهتمام بالتعليم بمختلف أنواعه وتخصصاته خاصة في المناطق النائية والقبلية التي تشهد مثل تلك الثارات , ووجه بتشكيل لجنة وطنية عليا تضم كلاً من نائب رئيس الوزراء وزير المالية ، وزير العدل وزير الداخلية ، وزير الإدارة المحلية وأربعة أعضاء من القضاة المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والنزاهة وعدد من كبار المشايخ والشخصيات الاجتماعية ، على أن تقوم بتشكيل لجان فرعية مساعدة لها في المحافظات التي توجد بها قضايا ثأر وتكون هذه اللجان برئاسة المحافظ وعضوية أمين عام المجلس المحلي ورئيس محكمة الاستئناف في المحافظة ومدير الأمن وأعضاء مجلس النواب في المحافظة وعدد من العلماء وكبار المشايخ والشخصيات الاجتماعية بالمحافظة.

وتتولى اللجان الفرعية حصر قضايا الثأر وتوضيح أسبابها واقتراح الحلول المناسبة لها ورفع ذلك إلى اللجنة العليا التي ستقوم بدراسة كل قضية والعمل على حلها وإزالة آثارها ورفع التقارير بنتائجها إلى الرئيس علي عبدالله صالح . ونشير إلى أنه في هذا الصدد قد تم عقد صلح في بعض المحافظات لمنع الثأر ومعالجة قضاياه , لكن سرعان ما انفرطت تلك المعاهدات وعادت الأمور إلى بعض المناطق على ما كانت عليه .

الظاهرة الزمنية للثار

كان الثأر في المجتمعات البدائية يمثل نوعاً من الضمان لتحقيق أولى صور العدالة البدائية ووسيلة ضرورية في الماضي لدفاع الجماعة عن نفسها أو أخذ المظلوم حقه بيده، وخاصة حيث يسود الظلم ويختلط بسبب الفساد والفوضى، الحق بالباطل ومؤَّدى ذلك أن الثأر والانتقام في المجتمعات البدائية كان ضماناً للعدالة ووسيلة ضرورية في العهود الغابرة للدفاع، فهو ليس شراً في ذاته، لأن أي كائن اجتماعي ينشد الحياة والاستقرار، يضطر إلى اتخاذ رد فعل تجاه ما يهدد حياته وأمنه من أخطار وأضرار، أما الوصف الأخلاقي للثأر والانتقام فيتوقف على قصد من يباشرونه والوسائل التي يلجأون إليها في ذلك وقد أتاح الثأر -باعتباره حق دفاع شرعي يمارسه الفرد وعائلته -الفرصة لتنظيم قواعد المساءلة عن أنماط السلوك الضارة والمحظورة في تلك المجتمعات.

الحكومة عندما تكون طرفاً في اشتعال الثأر من ابرز أسباب الثار انتشار السلاح وتعد ظاهرة انتشار السلاح الذي يقدر عدده بأيدي المواطنين بما بين 50 و60 مليون قطعة سلاح في بلد لا يزيد عدد سكانه عن 20 مليون نسمة سببا رئيسيا لانتشار ظاهرة الثأر, التي يصل عددها إلى (18) سوقا قبل حلول عام 2007 في عموم محافظات الجمهورية و(300 )محل لبيع الأسلحة والذخائر والمتفجرات، وقبل ذلك وبالتحديد في عام 1992م صادق مجلس النواب على قانون (تنظيم حمل الأسلحة النارية والذخائر والاتجار بها)، لكن ذلك القانون لم يتم تطبيقه على أرض الواقع بسبب المكايدات السياسية وظروف الفترة الانتقالية , وفي عام 1994 تقدمت الحكومة بمشروع قانون جديد بعد عدم اقتناعها بالقانون رقم 40 لسنة 1992م - ينظم إلي جانب حمل الأسلحة حيازتها أيضا بدعوى أن القانون السابق يشوبه الكثير من جوانب القصور ، منها أنه أعطى للمواطن الحق بتملك الكثير من الأسلحة دونما حاجة لإذن أو تصريح رسمي ولم يعطي رجال الشرطة صلاحيات في حال سؤ استخدام الأسلحة إلى جانب انه أعطى المواطنين حق الحصول على الأسلحة وحملها دون قيود إلا في حالت محدودة وان القانون إلى ذلك كان بمثابة \" شرعنه\" لظاهرة انتشار الأسلحة وحمايتها\".

طرح القانون على المجلس في 2005 وكذلك في يونيو/ جزيران 2007، ولم تتم المصادقة علية أيضا بسبب الانقسام الحاد بين أعضاء المجلس حول الفقرة (أ)من المادة (3) الخاصة بتنظيم حيازة السلاح\".

ونوه إلى الخلاف الذي حال دون التصديق على قانون الجديد والمتمثل في \" تشديد عدد من أعضاء المجلس على ضرورة التصديق على القانون باعتباره يضع الحلول الجذرية لمشكلة السلاح في البلاد رأى أعضاء آخرون ضرورة حذف الفقرة (أ) من المادة (3) واقتصار القانون على معالجة حمل الأسلحة النارية دون تنظيم حيازتها بدعوى إن تنفيذ القانون قد يتطلب تفتيش المنازل وربما تطبيق الفقرة بشكل انتقائي فيما يعزو البعض عدم المصادقة على القانون إلي وجود مخاوف من أن يكون القانون مقدمة لنزع أسلحة القبايل بشكل كامل ومن ثم تضييق الخناق علي سلطة الوجاهات القبلية والسيطرة علي أنشطتهم\".

والى ذلك يعتقد المواطنون أن فساد معظم أجهزة القضاء يعد سببا آخر لقضايا الثأر حيث يستغرق البت في قضايا القتل سنوات عديدة.

إن تعثر القضاء مرده عدم وجود حماية حقيقية لهم ما يجعلهم عرضة للابتزاز والتهديد والتدخلات من قبل المتنفذين”

والى ذلك يرى البعض ان اللجوء الى القضاء يسبب غرمان غرم القتيل وغرم المال، وذلك بسبب عدم سرعة البت القضائي في جرائم الثأر.

ومؤدي ذلك القول هو أن اللجوء إلى القضاء يعتبر مضيعة للدم والمال معاً، وخاصةً إذا كان الطرف القاتل يمتلك من الوجاهة والمال ما يساعده على تأخير صدور الحكم.. كما أنه قد يستطيع الإفلات من وجه العدالة، بل إنه قد يحكم ببراءته، أو بالدية مما يضطر أولياء الدم الأخذ ثأرهم من القاتل بأيديهم كما يؤدي إلى تعدد حلقات سلسلة القتل دونما نهاية.

يبرز عدم تطبيق الفانون كسبب رئيس من اسباب تفشي ظاهرة الثار ولذلك يعتبر البعض ان تعثر تطبيق سلطة القانون في بعض الأحيان يكون سبباً رئيسا في تفاقم الثأر الذي يرتبط بشكل مباشر بالظروف المحيطة وان أية حكومة تسعى إلى المحافظة على الأمن بعيداً عن سلطة القانون لن يسهم ذلك في علاج المشكلة والثأر الذي لا يقتصر على القتل مقابل القتل فقط بل أصبح القتل اليوم بسبب قضايا هامشية وبسيطة كخلافات شخصية أو إحساس بظلم....واشار الباحث اليمني العميد أحمد جندب إلى أن ضعف تطبيق سلطة القانون في بعض المناطق وقلة عدد القضاة وضعف الوازع الديني من أهم العوامل التي تغذي ظاهرة الثأر في اليمن ومع ذلك يعد ضعف الوازع الديني وغياب القيم والأخلاق الفاضلة والعادات القبلية الحميدة التي كانت موجودة من قبل، كنصرة المظلوم وعدم إيواء المجرمين، وجعل الطرقات والمساجد والأسواق والمدن مناطق ذات حرمة\"هجر\" وعدم قتل النساء والأطفال والشيوخ وغيرها من الأخلاق والعادات الحميدة التي كانت سائدة في الماضي سبب اخر من اسباب انتشار هذه الظاهرة الخبيثة في اليمن .

اضافة الى ذلك يعتبر تدني الوعي العام لدى شريحة واسعة من قطاعات المجتمع من اسباب الثار ايضا, أن نقص الوعي وفساده يجعل المجني عليه أو ولي دمه أو من يهمه أمره ومصلحته لا يرى في الخطأ الجنائي إلا شراً بذاته ولا ينظر إليه إلا من خلال علاقته بالمأثور منه ، وليس على ضوء الظروف المحيطة به وعبر العوامل المرتبطة به عامة وخاصة، بينما هذا هو السبب الكفيل بالحيلولة دون أن يتجاوز رد الفعل الحدود القانونية والشرعية، بل والمنطقية له فيولد من ثم خطأ آخر يقود بدوره إلى غيره من حلقات سلسلة الفعل وردود الفعل الخاطئة و من أهم أسباب انتشار الثأر والصراع القبلي هو عدم مراعاة الجانب الذاتي للفاعل مما يدفع للانتقام منه حتى ولو كان ذنبه يسيراً، وهذا ما يقود بدوره إلى اللجوء للتصالح على مضض للتحكيم والاحتكام لذوي الشأن خاصة في ظل غياب السلطة القانونية القوية وعدم تطبيق القواعد الشرعية والقانونية مما يؤدي الى إزهاق الروح في القتل والباعث عليه.

و يضاف إلى ذلك ( بروز العصبية القبلية) والتي قد تكون في أحيان كثيرة بالباطل.. كذا عدم القبض علي الجناة في كثير من جرائم القتل وتراخي أجهزة الدولة المختصة في إقامة المساءلة \" الدعوى\" الجزائية ضدهم وايقاع العقوبات المقررة عليهم، كذا ظهور بعض معالم القصور الخطيرة في مهام ودور بعض الأجهزة التنفيذية والقضائية ( من شرطة ونيابة ومحاكم) .