ما أثر تصنيف الحوثيين كإرهابيين
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 4 سنوات
السبت 21 نوفمبر-تشرين الثاني 2020 07:34 م
 

هل سيتأثر الحوثيون سلبا بتصنيفهم في قائمة "الإرهاب الأمريكية " ؟

قالت مصادر دبلوماسية لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تستعد لتصنيف مليشيا الحوثي "منظمة إرهابية"، ضمن مساعٍ أمريكية لزيادة الضغط على إيران وحلفائها في الشرق الأوسط، فهل ستمضي إدارة ترامب في هذا القرار؟

ولماذا ظلت واشنطن ترفض تصنيف الجماعة في قائمة المنظمات الإرهابية، رغم مطالبات الحكومة اليمنية والتحالف بذلك؟

وما تأثير خطوة كهذه على الحوثيين وأنشطتهم؟

تساؤلات كثيرة سنجيب عنها في هذا التحليل:

سياسة أمريكية داعمة للحوثيين

منذ اندلاع الحرب الأولى بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي المسلحة، في صعدة في18 يونيو /حزيران 2004م، طالبت الحكومة اليمنية واشنطن والمؤسسات الدولية بتصنيف جماعة الحوثي "منظمة إرهابية"، بسبب تمرّدها المسلح وممارساتها، بالمقابل رفضت واشنطن والمؤسسات الدولية هذا الطلب، لأن جماعة الحوثي -رغم خطابها المعادي لواشنطن وشعاراتها التي تصرخ ب"الموت لأمريكا"- لا تمثل تهديدا فعليا للمصالح الأمريكية في اليمن والمنطقة، ولا تهدد الأمن القومي الأمريكي، بينما اعتبرت الأمم المتحدة أن تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية" يُعرقل تدفق المساعدات الإنسانية إلى اليمن، ويتعارض مع الموقف الأممي الراعي للمفاوضات السياسية بين الجماعة الحوثية والحكومة اليمنية، بغية الوصول إلى اتفاق سلام في اليمن.

الإدارة الأمريكية ظلت تنظر إلى الحوثيين كتيار سياسي يمني وليس كجماعة مسلحة متمرّدة، ولذا فرضت السفارة الأمريكية في صنعاء الجماعة كطرف أساسي في مؤتمر الحوار الوطني، المُنعقد في صنعاء 18 مارس/ آذار 2013م حتى 25 يناير /كانون الثاني 2014م، باعتباره حافزاً لهم للتحول إلى فصيل سياسي، وحينها تغاضت واشنطن عن ممارسات الحوثيين وتوسعهم بالجغرافيا اليمنية بقوة السلاح واحتفاظهم بالسلاح الثقيل، خلال "مؤتمر الحوار"، كما قدمت للحوثيين بعد ذلك تسهيلات كبيرة للسيطرة على صنعاء والانقلاب على السلطة في 21 سبتمبر/ أيلول 2014م، حيث رأت واشنطن أن الانقلاب المسلح للحوثيين سيقضي على النّخبة الفاسدة والقوى التقليدية اليمنية، ويخلق فرصاً جديدة لزيادة الحضور الأمريكي في اليمن، وسيأتي بقوّة فتيّة تحارب الإرهاب بالشراكة مع واشنطن.

بعد استيلاء الحوثيين على السلطة في صنعاء، وفي إطار الضغوط التي مارستها واشنطن على الحوثيين، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية ومجلس الأمن، في 10 نوفمبر /تشرين الثاني 2014م، عقوبات على زعيم جماعة الحوثي عبد الملك الحوثي، والقيادي الحوثي عبد الله الحاكم، والرئيس السابق صالح، بحيث يتم بموجبها تجميد ممتلكاتهم وأرصدتهم المالية في الولايات المتحدة، وحظر التعامل معهما، وذلك لتهديدهم السلام والاستقرار في اليمن.

وفي أبريل /نيسان 2015م، جددت واشنطن ومجلس الأمن فرض عقوبات على عبد الملك الحوثي والرئيس السابق صالح، وتم إضافة شقيق الحوثي عبد الخالق الحوثي وأحمد علي عبد الله صالح وشخصيات أخرى إلى قائمة العقوبات.

تردد أمريكي ثم تهديدات

ظلت العلاقة بين جماعة الحوثي وواشنطن يسودها الغموض والالتباس، فالخطاب الحوثي يعادي الولايات المتحدة بشدّة ويُشيطنها، بينما في الواقع لا يهدد الحوثيون مصالح واشنطن وأمنها القومي. وخلال عهد الرئيس الأمريكي أوباما تبنت الإدارة الأمريكية سياسة استنبات الأقليات ودعمها وتشجيعها، وجنت جماعة الحوثي ثمار هذه السياسة، بالتزامن مع سياسة أمريكية متسامحة تجاه إيران وحلفائها. ومع تولّي الرئيس الأمريكي ترامب الرئاسة الأمريكية، في 20 يناير/ كانون الثاني 2017م، اتبع سياسة متشددة تجاه إيران وحلفائها في المنطقة، ولكن الإدارة الأمريكية، التي فرضت أقصى العقوبات على إيران، ترددت كثيراً في تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية"، رغم مطالبات التحالف والحكومة اليمنية المتكررة، واستمرت واشنطن تدرس هذا القرار وتلوّح به بين الحين والآخر كنوع من الضغوط السياسية على الحوثيين ليس إلاّ، فمثلاً: في 26 سبتمبر /أيلول الماضي، ذكرت صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية أن واشنطن تدرس تكثيف الضغط على الحوثيين، وصولا إلى تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية. وفي 15 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أفرجت جماعة الحوثي عن رهينتين أمريكيتين، وسلّمت رفات أمريكي ثالث لواشنطن، بوساطة عُمانية، فيما بدا بأن تلك الضغوط قد أفضت إلى صفقة بين الجانبين.

ما أثر التصنيف بـ"الإرهاب" على الحوثيين؟

إذا مضت إدارة ترامب، خلال الأسابيع القادمة، في قراراها بتصنيف جماعة الحوثي المسلحة "منظمة إرهابية"، كإجراء يهدف إلى زيادة الضغط على إيران وحلفائها، ولإرضاء حلفاء واشنطن في المنطقة، وإرباك إدارة بايدن في تعاملها القادم مع ملف إيران وحلفائها في الشرق الأوسط، وتفخيخ علاقاتها المستقبلية بإيران وحلفائها في المنطقة يبرز السؤال الأهم وهو: ما مدى تأثير هذا القرار على الحوثيين؟

والجواب: لن يكون لهذا القرار تأثير سلبي كبير على واقع جماعة الحوثي المسلحة، لأسباب عدّة، أبرزها: إدارة ترامب، التي اتخذت هذا القرار، ستُغادر البيت الأبيض بعد شهرين، وستأتي إدارة بايدن برؤية أخرى وتعامل جديد مع إيران وحلفائها في المنطقة، وقد تلغي هذا القرار أو تخففه تدريجياً، لكنه لن يغيّر من واقع الجماعة، فليس للحوثيين أموال مُعلنة في الخارج وبأسمائهم، وخصوصاً في الولايات المتحدة، حتى يتم تجميدها.

كما أن قيادات جماعة الحوثي لا ينوون السفر إلى الولايات المتحدة حتى يتم منعهم من دخولها بموجب قرار تصنيفهم منظمة إرهابية، وهناك أيضا ما يؤكد على عدم تأثر الحوثيين بقرار كهذا، وهو أن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي وشقيقه عبد الخالق والقائد العسكري أبو علي الحاكم وآخرين من الحوثيين فُرضت عليهم عقوبات أمريكية وأممية، منذ 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014م، وتم تجديد العقوبات عليهم لمرات عديدة، ولم تؤثر هذه العقوبات على أنشطتهم.

الحوثيون ليسوا دولة معترفاً بها ولها علاقاتها الدولية، حتى تتأثر بهذه العقوبات، كما لا يُعرف تلقيهم أموالاً من جهات دولية حتى يتم قطعها، والأمر الهام أيضاً أن الحوثيين يستمدون قوتهم من موارد السلطة في الداخل اليمني، كما أنه ليس لواشنطن قوة عسكرية على الأرض اليمنية حتى تنفذ عقوباتها ضد الحوثيين، ولذا لن يؤثر هذا التصنيف عليهم سلباً، فقد صنفت واشنطن "الحرس الثوري" الإيراني و"حزب الله" اللبناني "منظمات إرهابية"، ولم يؤثر هذا على واقعهم وأنشطتهم.