حرب عباس ودحلان... على بيوت الرحمن
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 16 سنة و 5 أشهر و 30 يوماً
الخميس 27 سبتمبر-أيلول 2007 12:36 ص

شهدت المدة الأخيرة حملة شرسة على المساجد وبطرق مختلفة؛ فتارة يتم إفساد صلاة الجمعة من قِبل عناصر وأنصار حركة فتح وبطريقة لا دينية لا من قريب ولا من بعيد، وتارة يتم اتهام المساجد بالدعوة للتحريض والتخوين والتكفير، وتارة أخرى تُهاجم المساجد من قِبل الأجهزة الأمنية التابعة لعباس بحجة وجود أسلحة وذخائر فيها؛ الأمر الذي فتح أبواب التساؤلات. وهو: لماذا تستهدف المساجد بهذه الطريقة؟ وما الذي يريده العلمانيون من حملتهم الشرسة ضد بيوت الله خاصة؟ إن قطاع غزة يشهد صحوة دينية رهيبة، بل وزيادة غير مسبوقة في عدد المساجد ورواد المساجد.

المساجد في غزة .... جامعة المجاهدين

الحقيقة التي لا ينكرها أحد هو أن المساجد تلعب دورًا رئيسًا وفعالاً في تغذية ثقافة الجهاد ضد أعداء الأمة، ومنابر المس اجد بغزة تشهد سخونة عالية؛ حيث تفضح ـ فيما لا يدع مجالاً للشك ـ مخططات أعداء الدين؛ فالمسجد بالنسبة لحركة حماس ولكافة حركات المقاومة الإسلامية والتي تنتهج المنهج الإسلامي يُعتبر الجامعة التي يتخرج منها مجاهدوها، بل منه يتخرج النشء، وفي المساجد يتربى شباب حركات المقاومة الإسلامية على موائد وحلقات القرآن ودروس العلم والسيرة والحديث .

فالمساجد في غزة لا تغلق بعد الصلوات كما هو الحال في كثير من الدول العربية والإسلامية، بل في المساجد تعقد الندوات التثقيفية والسياسية، وهناك بعض المساجد التي تشعر كأنها خلية نحل؛ فهناك حلقة لتعليم القرآن، وهناك في الداخل ندوة أمنية، وهناك درس في السيرة وغيرها من الحلقات التي تعتبر ركائز في بناء جيل يحمل همًا إسلاميًا بحتًا، وغالبًا ما تختار كتائب القسام ـ الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" ـ عناصر القسام وقياداته ممن لهم التزام واضح في المساجد، وممن يواظبون على حلقات العلم وصلاة الجماعة في المساجد. فالمساجد في قطاع غزة لها الدور الأكبر في تغذية ثقافة الجهاد في سبيل الله، وكثيرًا ما تفخر حركة حماس بأن قيادتها ومجاهدوها إنما تخرجوا من المساجد، وهذا ما أكده الدكتور عبد الرحمن الجمل، رئيس دار القرآن الكريم سابقًا والعضو الحالي في المجلس التشريعي في تصريحات خاصة لمفكرة الإسلام؛ حيث اعتبر تخرج المجاهدين المحسوبين على حركة المقاومة الإسلامية حماس من المساجد هو أكبر شرف لحركة حماس؛ قائلاً: لقد تخرّج الأبطال الذين أبدوا مقاومة شديدة من المساجد وتربوا على موائد القرآن، وهم يحفظون القرآن الكريم، وتربوا على موائده أسوة بالصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

وكانت المساجد قد تعرضت في المدة الأخيرة لحملة إعلامية شرسة لتشويه صورة المساجد، وعلى الرغم من أن العداء الفتحاوي للمساجد هو أمر قديم ليس بحديث، إلا أن شدته زادت في المدة الأخيرة.

الهجمات على بيوت الله زادت في المدة الأخيرة

ولعل من بعض الأمثلة للاعتداءات الفتحاوية بقيادة عباس ودحلان على المساجد ما يلي:

1. قبل سيطرة حماس على قطاع غزة رصدت مفكرة الإسلام أكثر من ثلاثين اعتداء على المساجد داخل قطاع غزة، وذلك من قِبل الأجهزة الأمنية التابعة لمحمد دحلان زعيم التيار الانقلابي، بل قام جهاز الأمن الوقائي التابع لدحلان بعمليات إعدام ميدانية في داخل المسجد، كما حدث مع إمام مسجد الهداية "أبو أنس المنسي"، الذي أُعدم بداخل المسجد على يد عناصر من الأمن الوقائي.

2. رصدت حركة حماس 17 اعتداء على المساجد في الضفة الغربية على يد عناصر التيار الدحلاني في الفترة الممتدة ما بين 11- 6 – 2007 م إلى 31 – 8 – 2007 م.

3. رصدت حركة حماس في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر الحالي مجموعة من الاعتداءات على عدة مساجد في الضفة الغربية، شملت اقتحام تسعة مساجد في كل من محافظات نابلس وجنين وطولكرم قلقيلية, تم اقتحامها من قِبل أفراد الأجهزة الأمنية، وتدنيس حرمتها بأحذيتهم أمام أعين مئات المصلين فيها، والعبث بمحتوياتها وتخريب أجزاء منها'.

4. كان شهر أغسطس الماضي شهرًا تحريضيًا على المساجد وبشكل علني؛ حيث دعت حركة فتح كافة عناصرها وأنصارها بهجر صلاة الجمعة في المساجد والصلاة في العراء؛ بحجة أن المنابر في المساجد أصبحت تستخدم للتكفير والتخوين والتفسيق.

خطة علمانية واضحة

من جانبه أكد الدكتور يوسف المنسي، وزير الأوقاف والشئون الدينية في حكومة تسيير الأعمال في تصريحات خاصة لمفكرة الإسلام، أن حكومة فياض التي شكلها أبو مازن لديها خطة واضحة لمحاربة المساجد؛ لأنها تخرّج الجيل الواعي المتفتح الذي يحمل هم قضيته، على حد قوله.

أما الدكتور عبد الرحمن الجمل فقد اعتبر أن الهدف من وراء الحملة الشرسة التي بدأت تطال المساجد هو تطبيق لمخطط يقوده التيار العلماني في رام الله بقيادة عباس، الذي يطبق أجندة ليست إسلامية لإبعاد الأمة عن مساجدها وعن دينها، وحتى لا تؤدي المساجد الدور الريادي المناط بها، وإنما فقط الصلاة في المسجد ومن ثم إغلاقه على الفور، على حد قوله.

وأضاف الدكتور الجمل بأن الفكر العلماني، وفصل الدين عن الحياة وعن شموليتها، هو من أكبر أهداف العلمانية الحريصة على إبعاد المساجد عن التأثير في حياة الأمة.

الحرب على المنبر

وكانت حكومة فياض قد أعلنت أنها بصدد تغيير مئات الخطباء والوعاظ التابعين لوزارة الأوقاف في الضفة الغربية، بل وإجبارهم على عدم التطرق للأمور السياسية، وليس هذا فحسب بل وعدم الدعاء على أمريكا وإسرائيل في القنوت، حيث كشف الدكتور يوسف المنسي وزير الأوقاف والشئون الدينية لمفكرة الإسلام عن قيام حكومة فياض بالضفة الغربية بإجبار خطباء المساجد على التوقيع على "تعميم خطي" يتعهد بمقتضاه الخطيب أو الواعظ بعدم الدعاء على أمريكا وإسرائيل في القنوت خلال الصلوات، هذا بالإضافة إلى عدم التطرق للأمور السياسية البتة.

وأوضح الدكتور المنسي أن الأجهزة الأمنية التابعة لسلام فياض ومحمود عباس تجبر الخطباء بالتوقيع على التعميم الخطي، ومن ثم أخذه منهم حتى لا يقع في يد غيرهم، وتبقى ورقة إدانة للخطيب أو الواعظ في حال مخالفتهم لما جاء في التعميم، حيث سيعرّض الخطيب نفسه للمسائلة من قِبل الأجهزة الأمنية التابعة لعباس.

وشدد الدكتور المنسي على رفضه لمثل هذه التصرفات التي تعمل على تغييب الدور الحقيقي للخطيب وللمسجد، معتبرًا أن ذلك مخطط له مسبقًا من قِبل حكومة فياض العلمانية، التي تسعى بكل الوسائل لمحاربة المساجد وأهلها.

خطباء يصفقون للسلطان

وعلى الرغم من محاولات حكومة فياض بالضفة الغربية تغيير خطباء المساجد، إلا أنها تعاني من تقدم أكاديميين مؤهلين شرعيًا للقيام بدور الخطابة، حيث أن معظم طلاب الشريعة هم من المحسوبين على الحركات الإسلامية، وهم أصلاً من تسعى حكومة فياض لإبعادهم عن المنبر. 

الوزير المنسي رد على هذه المحاولات قائلاً: هم يريدون خطباء سلطان يصفقون للسلطان أينما حلّ وأينما ارتحل، وخطباء لا يعرفون شيئًا عن واقع الأمة ولا عن متطلباتها.

وأبدى الدكتور المنسي أسفه الشديد لوجود مثل هذه الثلة التي تبيع دينها مقابل دريهمات معدودة، على حد قوله.

 

من جانبه اعتبر الدكتور علي الشريف، رئيس دائرة الوعظ والإرشاد في رابطة علماء فلسطين بغزة لمفكرة الإسلام، أن قيام حكومة فياض بجلب خطباء جدد وبشروط معينة في الضفة الغربية هو أمر خطير للغاية، والهدف منه جلب خطباء جهلاء؛ حتى يقوموا بعرض ما يملى عليهم من قِبل الحكومة، وحتى لا يكون هناك تأثير للدين على سياستهم المملاة من العدو الصهيوني، والتي طالما كشفها الخطباء والوعاظ في المساجد.

وأوضح الدكتور المنسي بأن وزارة الأوقاف طلبت من كافة الخطباء تجنيب المساجد كل ما هو مثير للفتن، والتركيز على كل ما يساهم في فض الخلافات والنزاعات الداخلية.

وأشار الدكتور المنسي أنه لا يمكن للوزارة تكميم الأفواه، وإن ما يتحدث به الخطباء هو أمور واقعية؛ حيث إن المصلين يطلبون توضيح الرؤية الشرعية لهم في كثير من المسائل. مثل مسألة قطع الرواتب من قِبل حكومة عباس، ونزع سلاح المقاومة وأوامر حكومة فياض للأطباء بعدم الدوام في المستشفيات مقابل عدم قطع الراتب وغيرها.

من جانبه اعتبر الدكتور الجمل النائب في المجلس التشريعي عن حركة حماس إلى أن هناك إشكالية كبيرة لدى العديد من الناس، وهي أن الخطيب عندما يناقش قضية حساسة يعتبره البعض محرضًا، وتساءل قائلاً: إذا تكلم الخطيب عن قطع رواتب المحاصرين.. هل يكون محرضًا؟ وهل إذا تكلم الخطيب عن ملاحقة المقاومة من قِبل حكومة فياض هل يكون محرضًا؟ وهل إذا تكلم الخطيب عن الصلوات المسيسة وفي العراء هل يكون محرضًا؟.

دعوات لاستقطاب الطرف الآخر

وعلى الرغم من حملة التشهير والحملة الإعلامية التي طالت المساجد من قِبل حكومة فياض والدعوة من قِبل حركة فتح وقادتها للصلاة في العراء والابتعاد عن المساجد، إلا أن دور الداعي لابد أن يبرز، ولابد من مناقشة الطرف الآخر، وتوضيح وجهة النظر الشرعية لكل ما يحدث واستيعاب الطرف الآخر بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذا ما أكده الدكتور الجمل، الذي دعا لتفعيل دور المسجد الدعوي قائلاً: نحن قبل كل شيء دعاة إلى الله، والله سبحانه وتعالى قال: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ"؛ فينبغي استقطاب الطرف الآخر بالحكمة والموعظة الحسنة، بعيدًا عن التشهير والقدح، على حد قوله.

وهكذا هي الحرب على الإسلام، ولعل الأمر الواضح أن مساجد غزة متميزة بتخريج الجيل المجاهد الذي يمتلك القدرة على الثبات في وجه العدو، ومهما يكن من شيء فالحرب على المساجد هي حرب عالمية من قِبل أعداء الأمة، ولعل السر في ذلك أنها المنبع الذي ينهل منه الجيل المسلم عقيدته الصحيحة، التي لم تتمكن دولة الكيان حتى اللحظة من اجتثاثها؛ فأرسلت أذنابها للقيام بهذا الدور القذر. 

 مفكرة الإسلام