يحدُث في اليمن وبلدان الربيع العربي ..لعنة الثورات والحنين للماضي!
بقلم/ عبدالوهاب العمراني
نشر منذ: 11 سنة و 4 أشهر و 20 يوماً
الإثنين 01 يوليو-تموز 2013 04:36 م

إنها لعنة الثورات العربية ، فبلدان ماعُرف بالربيع العربي تعاني من حالات عدم الوزن والخواء الفكري وتصارع الإرادات حتى بين صانعي التغيير أنفسهم فالثورات الأخيرة لم تصل حتى لمرحلة أن تأكل أبنائها كما يقال بل إنها أكلتْ نفسها وهلكت بعض منها قبل أن تأتي ثمارها ! وذلك من خلال ماعُرف بالمرحلة الانتقالية ففترة انتقالية تلد أخرى فيضيق الأمل ، وتمدد حالات الإحباط والقنوط ، فهل قُدر للعرب خياران دكتوريات صارمة او ثورة عارمة ، حيث تراوح تاريخها الحديث بين سلطة العسكر والحزب والواحد وتمجيد الزعامات ، والخضوع لسيطرة الفرد أو القبيلة والطائفة ، او ثورات يشوبها الفوضى والعنف والتأمر من الداخل والخارج ، فقبل نحو عامين او يزيد بدأت ملامح الثورات العربية تتوالى وقتها هلت بعض التباشير وأمال المقهورين المفعمةِ  تنطلق بالأمل ، والرجاء يحلق في آفاق التحولات المنتظرة ، تزامن ذلك بحراك شعبي غير مسبوق شهدنهُ بلدان ماعُرف بالربيع العربي التي تباينت في مظلوميتها ويجمعها رغبة الإنعتاق من حكم الفرد او المجموعة سوا كانت قبلية أو حزباً او مجموعة عسكرية تتلحف بالجمهورية وتزعم الديمقراطية ولكنها تمارس أفعال الملكيات الطاغية المطلقة سواء بالسير نحو التوريث او إحتكار مفاصل السلطة وتكميم الأفواه والعبث بمقدرات الوطن.

فرضت التحولات نفسها على أكثر من بلد عربي وغدت متأرجحة بين طموحات وأمال كبيرة وإحباطات عميقة تزداد يوما بعد يوم ، فالمرحلة الانتقالية في هذه البلدان غدت بمرور الزمن تضيق آمال شعوبها أو تكاد تتلاشئ في زحمة الأحداث من حولنا وتلاحقها في مسلسل درامي مؤسف وكذا لمن يعول عليهم مسيرة تلك التحولات المفترضة .

فما يجرى في بلادنا العربية من مآسٍ ومحن منذ استقلالها وتحديدا في العقود الأخيرة، تجعل المتابع وكأن الزمن قد توقف في منتصف القرن المنصرم أي خمسينات القرن الماضي، بعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها، ومنذ تلك العلامة الفارقة بدأ الأعداء يتصالحون بينما قُدر لبعض البلدان العربية الدخول في مسلسل العبث والتجارب ، وهى النقطة المثيرة للجدل والتساؤل! هل نحن العرب غير مؤهلين للديمقراطية ، وهل الأنظمة الملكية هي الأنسب بغض النظر عن طبيعة تلك الأنظمة المتبقية مُطلقة كانت او مُقيدة بدستور وسوا تلك التي تُحظى بموارد أو التي تعتمد على قطاعات تنموية أخرى وتعتبر الإنسان مورد أساسي فالأردن والمغرب أفضل من بعض الجمهوريات النفطية ، على سبيل المثال.!

وفق هذا المفهوم يعتقد بعض المحللين والمفكرين في أكثر من بلد عربي بأنه وبعد أفول بعض الأنظمة العربية الكلاسيكية التي نهجت الملكية عقب الاستقلال تحولت النُخبّ الإجتماعية فيها إلى مغامرات ربما قبل أوانها، وتحولت في عشية وضحاها إلى جمهوريات أما ديكتاتورية او بواجهات ديمقراطية تحت قيادة ما عرف بالحزب القائد التي تتمحور حوله كل تفاصيل الحياة من أصغر الأمور لأعظمها! ، وغير مدركه بأن العبرة ليست بشكل الحكم ولكن بعقلية النُخب الحاكمة فتحولت العسكرتارية بداية سلسلة من المآسي والمحن لبعض من دول المنطقة ، ولم تفلح الأنظمة العربية اليسارية والجمهوريات العسكرية وكذا بقية الأنظمة العربية إلا في خاصيتين هما الجانب الأمني والإعلامي ، فمؤتمر وزراء الداخلية العرب يُعتبر من انجح المؤتمرات العربية حيث يتفق الجميع على امن النظام الإقليمي الراهن ولا نجد هناك تباياناً صارخاً كما يحدث في القضايا الأخرى السياسية والاقتصادية ونحو ذلك بينما الخاصية الثانية هي آلتها الإعلامية حيث سُخرت مقدرات البلدان غنية كانت او فقيرة لكافة الوسائل الإعلامية وتفننت في دراسة نفسية الشعب المغلوب على أمرِه بتمجيد الزعيم الرمز والقائد الضرورة وإذكاء النعرات والفوارق السياسية بين نظام وآخر ناهيك عن القنوات الدينية المسيسة والفتاوي المزاجية ونحو ذلك .

الإشكال الجوهري في التفكير الجمعي العربي أن الإنسان العربي غدا يفكر بعقلية حاكمه، ولا يتبين للبعض مدى حجم الفساد والظلم إلا بعد رحيله! فقد ينظرون لحياتهم وفق رؤية النخب الحاكمة التي يحلو لها الترويج لمثل تلك الثقافات ولم تتجرأ على إطلاق العنان لحرية الفكر بدراسة كل الظواهر وفق رؤية شخصية ومن ثم وطنية في قراءة تاريخهم.

ومن هنا يتضح سر الحنين للماضي القريب او البعيد ففي العراق على سبيل المثال لاحظت قطاعات كبيرة في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي تحن للزمن الملكي وتعيش على قيم افتراضية افتقدتها ، ذلك لان الملكية العراقية بقيادة الملك فيصل ومن ثم ابنه غازي وبعده فيصل الثاني كان حلاً مثاليا للعراقيين فالعرب فرحو به كونه عربي أصيل والكُرد استبشروا به كونه مسلم محايد بينما الشيعة رضوا به كونه من آل البيت ، وبهذا لو كان العراق ملكيا لكان له شأن آخر ، ورغم ذلك فأن العراق حتى في السبعينيات وحتى الثمانينات أصبح شيئاً من الماضي الجميل لكثير من العراقيين الذين يحلمون بتلك الفترة التي كان العراق مقارنة بما هو اليوم لايقارن بأي حال من الأحوال.! وهو الأمر نفسه لليمن سوا في الجنوب او في الشمال ، ففي الجنوب يتغنون بأيام الرخاء الانجليزي والنظام والرقي المبكر قياسا بدول المنطقة ، وفي الشمال يحنون لزمن العهد الملكي الذي كان للدولة هيبتها رغم بساطتها ، وليس للمشايخ اعتبار مبالغ وفيه وتدخل في السياسة والاقتصاد على النحو الظاهر اليوم ولا انتشار للسلاح أو للقات كما هو الحال عليه بعد ثلاثة عقود ونيف من مسخ الهوية اليمنية ، بمعنى كانت الظروف مواتية لتحولات كما حدثت في عُمان بل وأفضل منها ، كانت دولة لها هيبتها في العهد الملكي رغم بساطتها ، والبعض يحن لأيام السبعينيات التي كانت فذلك العقد كان معظمة فترة القاضي الارياني والحمدي ، فعلى الأقل كانت هناك بوادر تكوين دولة ، وهكذا دواليك.

وقبل ذلك وفي الستينيات من القرن الماضي عانى اليمنيون في الشطر الشمالي لنحو سبع سنوات من الحروب الأهلية بين الجمهوريين والملكيين حيث طالت فترة حالات عدم الاستقرار بعدما تعرض اليمن لمؤامرة إقليمية ودولية ، ودخل النظام الجديد في مرحلة استقطاب الصراع الإقليمي والدولي إبان الحرب الباردة ولسان حال شريحة من الشعب حينها بأن اليمن لو بقى ملكيا لتطور ببطء او في أسوء الأحول تجمد مكانه لعقدا كامل ، ومن ثم سينطلق تدريجياً كما هو الحال في جيرانه ، بحيث ان فترة الجمود المفترض كانت مقاربة لتلك الفترة التي عاشها اليمن في حروب وكان بعد ذلك سنة الحياة هي التغيير ، فقد دخل اليمن في نهاية الثمانينات سلسلة أخرى من الانقلابات انتهت بحكم ثلث قرن تعتبر من أسوء فتراته في التاريخ الحديث حيث تم إحياء سلطة القبيلة والعسكر وانتشر السلاح الثأر والأمية والقات وحالات والبطالة وتدني دخل الفرد وكل مساوئ أنظمة الربيع العربي اجتمعت في اليمن ، وفي الجنوب شهدت بداية الستينيات ثورة ضد الاحتلال الانجليزي ودخل حكامه الجدد في تجربة نشاز عن المنطقة فأبعد رأس المال ودخل في عُشق السياسة والماركسية القبلية والحزب الأوحد والحليف الدولي الأوحد في ظل نظام الثنائية القطبية واستدرج الشطران في لعبة الأمم وكانت نهاية الثمانينات فرصة ذهبية لليمنيين لصنع الوحدة ولكنها للأسف كانت على يد عناصر فاشلة في الشطرين وحدتهما الأنانية ، حيث دخل الطرفان بنيات مبيته لإقصاء الآخر.

ولا ينطوي ذلك على ما يُجرى في بعض بلدان الربيع العربي كمصر وتونس وكذا تركيا حيث يبدو للبعض بأنه صراع بين العلمانيين والإسلاميين وليس بصراع مذهبي كما يبدو ايضاً للبعض في كل من سوريا والعراق ، وفي هذا السياق يتصور أصحاب تلك الرؤية بأن هناك إجماع دولي على وأد تجربة التيارات الإسلامية بكافة أشكالها ، فخروج الشارع والحشد الشعبي لا يمثل الديمقراطية ولا يمت لها بصلة!

اختلفت بلدان العربي في أسباب ثوراتها وفي مألاتها وبعد أكثر من عامين غدت كل هذه البلدان متشابهة في همومها الوطنية وغارقة في الفوضى وتائهة تبحث عن مخرج لمرحلة انتقالية عمقت جروح الأمة وهددت وحدتها.

فعلا لكل بلد خصوصيته فاليمن دخل في معمعة تداعيات العملية السياسية المستلهمة من بنود المبادرة الخليجية ، التي يبدو إنها ناقصة في مضامينها فهي لم تدرس عواقب تنفيذ آلياتها فأبطالها الذين وفرت لهم حصانة لم يحلمون بها ،ويعتقدون بأنهم بتأزيم الأوضاع سيحن الشعب لأيامهم السوداء ووفق هذا الوهم لازالوا يلعبون في الوقت الضائع مرة بالتلويح بالقوة وأخرى بوسائل تنظيمية فالولاء لحزب ورئيسة عبث باليمن أهم من اليمن ذاتها لقد عجزت تلك القوى عن تجديد نفسها وبقت أسيرة لقيادات يفترض ان تكون من الماضي وفي ذلك تناقض صارخ وهذه هي الألغام التي قد لا يدركها الجميع حيث تفسر المبادرة بأمزجة متباينة وأنانية فظة طالما تفتقر للضمير وحب الوطن أو التضحية ، ولاسيما من لدن الحرس القديم الذي يشعر بسحب البساط منه يوما بعد يوم غير مدرك بأن سنة التغيير هي قبل اختراع «المبادرة الخليجية»بل هي فطرة الإنسان وسنة الحياة.!

عودة إلى كتابات
الأكثر قراءة منذ أسبوع
الأكثر قراءة منذ 3 أيام
علي محمود يامن
عشال …قائد جيش الاستقلال
علي محمود يامن
كتابات
عبد السلام المساجديتنوّع حزبي ووحدة إنسانية؟؟
عبد السلام المساجدي
سارة عبدالله حسنمصر التي لم تكن في خاطري
سارة عبدالله حسن
نبيل حيدرالدولة....
نبيل حيدر
أي ديكتاتور أنت يا مرسي!!
إلهام محمد الحدابيديمقراطية نص كم
إلهام محمد الحدابي
مشاهدة المزيد