ما الذي كشفته الانتخابات الرئاسية المصرية؟.
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 14 يوماً
الإثنين 28 مايو 2012 04:05 م

لأول مرةٍ في تاريخ مصر، بل وتاريخ الأمة العربية والإسلامية، يكاد يتولى رئيس عربي الحكمَ، عبر فرز صناديق الإقتراع، وعبر تنافس إنتخابي حر، رغم ما اكتنف الانتخابات الرئاسية المصرية في مرحلتها الأولى من مخالفات قانونية، إلا أنها أخف مما كانت عليه زمن المخلوع.

تجري أول انتخابات رئاسية مصرية بعد الثورة، دون أن يمر هذا الرئيس، قبل تعيينه، على البيت الأبيض، لأخذ ما يلزم من تعليمات سامية وكريمة، ودون تسليم ما يلزم من عهود ومواثيق للأسياد.

غير أنّ ما أخشاه أنه عقب فوز الرئيس المصري الجديد تكون أول خطوة له وقبل أنْ يدخل القصر الجمهوري، أن يشد الرحال إلى البيت الأبيض، لأنني أجزم ويجزم كل عربي، أنّ هذه الزيارة المعتادة لتولي الزعامات العربية مهام السلطة والحكم، ليست زيارة دبلوماسية لمصلحة البلدين، كما هو المعلن، بل هي زيارة لمصلحة بلد واحد، ليس إلا، وهذا البلد لا يحتاج إلى كبير ذكاء أو عناء لمعرفته، على غرار الحكمة الذهبية للدكتور/ مصطفى محمود يرحمه الله \"هناك من يناضلون لأجل التحرر من العبودية، وهناك من يطالبون لتحسين شروط العبودية\".

بيد أني اعتقد كذلك أنّ من أهم أسباب الصراع الانتخابي الرئاسي المصري، المنقطع النظير، أنّ الرئيس المصري الجديد، سيما السيد مرسي، ليس من أذيال قوى الهيمنة والاستعمار الدولية، وليس ممن يولّي وجهه قِبل البيت الأبيض، ولعلّ هذا بالضبط هو ما جعل الانتخابات المصرية، تأخذ هذا الزخم الإعلامي والثقافي والضجة والصخب والتنافس الحاد والمحموم، على غير العادة .

لقد كشفت الانتخابات الرئاسية المصرية عن جملة من الحقائق، وفكفكت عدداً من الألغاز والرموز، وحلّت وحلحلت مجموعة كبيرة من الفوازير السياسية العربية، وكشفت وعرّت أشكالاً من الحكم الفرعوني العربي، الذي كان سائداً على مدى نحو من خمسة عقود أو تزيد، ووضعت النقاط على كثير من الحروف، سواء الحروف العلمانية أو الإسلامية على حد سواء.

في تقديري أنّ من أهم ما كشفته الانتخابات الرئاسية المصرية ما يأتي:

أولا: أوضحت الانتخابات الرئاسية المصرية أنّ مشكلة الإسلاميين في العالم العربي والإسلامي بالدرجة الأولى هي تفرقهم وعدم اجتماعهم، نتيجة لغياب الوعي، وطغيان ثقافة الجهل والتشرذم، وتجذر ثقافة الجمود الفكري والتقليد، لدى بعض الإسلاميين، وهذا هو سر قوة خصومهم، فخصوم الإسلاميين ليسوا بأقوياء، إلا اللهم بما يملكونه من دعم لا محدود من قوى الهيمنة الدولية والاستعمارية، وإن كان لهؤلاء من قوة ظاهرة فهي بسبب تشرذم وتشتت الإسلاميين.

الإسلاميون بمختلف تياراتهم يجدون أنفسهم اليوم تحت قانون صعب وعسير \"نكون أو لا نكون\" وأنه ما لم يتحد الإسلاميون جميعاً في إطار المشروع الوطني المصري الكبير، في إطار نهضة مصر الحديثة، مصر الدولة المدنية، فلن تقوم لهم قائمة بعد اليوم، وربما يحتاجون إلى 80 عاماً أخرى، حتى يخضعون ويستسلمون لسنن ونواميس النصر والتمكين، ومن أهم هذه السنن، سنة الاجتماع ونبذ الفرقة والاختلاف ، كما قال تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).

ثانياً: كشفت الانتخابات الرئاسية المصرية جانباً مهماً مما كان يجري من تزوير وتزييف لإرادة الأمة، لم يشهد التاريخ البشري لهذا التزييف ولا لهذا التزوير مثيلا، حيث مورس هذا التزوير ليس مرة أو مرتين أو عاماً أو عامين، بل طال أمد هذا التزوير عقوداً من الزمن، فقد كانت الانتخابات المصرية لا يسمح فيها لترشح الإسلاميين، في أي انتخابات، أصلا- فيما كانت الدول الأوربية لا تمانع من ترشح الإسلاميين- ولا يترشح الإسلاميون إلا تحت عباءة المستقلين، على اعتبار أنّ الإسلاميين جماعة محظورة، في نظر نظام الفرعون، ولا يسمح بأي انتخابات يشارك فيها الإسلاميون، ولو كمستقلين، إلا في البلديات والمجالس المحلية، وإن تطور الحال إلى الذروة فلا يتجاوزون المجالس التشريعية، حيث تكون النتائج معدة مسبقاً، وحددت فيها مقاعدهم، بحيث يكون تمثيلهم في هذه المجالس تمثيلاً رمزياً، لغرض إضفاء الشرعية للانتخابات الحكومية المزورة ، التي حصدت فيها الأغلبية الساحقة الماحقة، ليس إلا .

كشفت الانتخابات الرئاسية المصرية الحالية بوضوح وجلاء أنّ الإسلاميين ليسوا قوة هامشية أو غريبة، أو جاءت من وراء البحار والمحيطات، بل هم القوة الحيّة والحقيقية والفاعلة والمؤثرة، وأنّ الإسلاميين هم إرادة الشعب المصري، وهم روحه، بل الإسلاميون هم خيار كل الشعوب العربية والإسلامية، إلا أنّ هذه الإرادة الأممية كانت مغيبة على مدى عقود من الزمن، بفعل الأنظمة الفرعونية، كان النموذج المصري مثالاً صارخاً لها.

صحيح أننا نجد تنافساً بين التيارات الليبرالية والإسلامية، يصل حد التقارب والتوازي، وهو ما يجعلنا نتوهم أنّ ثمة حضوراً وجماهيرية للتيارات المستغربة، إلا أنه في واقع الحال، ليس الأمر كذلك، فهناك عدة عوامل ساعدت في شدة هذا التنافس، منها:

ميل الكنيسة المصرية والعالمية ودعمها للتيار الليبرالي، إضافة إلى الدعم المالي المنقطع النظير عربياً وغربياً، إضافة إلى تشتت الإسلاميين، كما أسلفنا، زد على ذلك أن شعوبنا الإسلامية لا يزال لديها تخوف كبير من أداء الإسلاميين بسبب حملات التشويه والتضليل التي تقودها وسائل الإعلام التي يملكها أساطين الاستبداد ومواخير الفساد، في عالمنا العربي البائس، ومع هذا الدعم العربي والعالمي وسعة التشتت الإسلامي، إلا أنّ الإسلاميين يتربعون على رأس القائمة، وهاهم قاب قوسين أو أدنى من الرئاسة المصرية، رغم كل الأموال الضخمة والهجمة الإعلامية البشعة، والألاعيب الماكرة الرخيصة .

بيد أنّ ظروف المرحلة الحالية تحتم على كل التيارات إسلامية وليبرالية أن تتحد في جبهة عمل واحد مشترك، في ضوء ثوابت الأمة ومسلماتها العقدية والوطنية، لإسقاط مناهج الاستبداد وأنظمة الطغيان، ثم بعد ذلك يترك للأمة أن تختار حكامها كيفما تريد، وبكامل حريتها، وأجد هنا حاجة للتفصيل في صورة هذه الوحدة في النقطة الثالثة وهي:

ثالثاً: كشفت الانتخابات الرئاسية المصرية حاجة الأمة إلى جمع كلمتها ووحدة صفها، ونبذ أسباب الفرقة والشقاق بينها، وأن تتحد الأمة في جبهة وطنية عريضة، الأمة كل الأمة بمختلف مشاربها وثقافاتها وأحزابها وهيئاتها ومنظماتها واتجاهاتها، وأن تتناسى كل سبب يفرقها، وآن الأوان لأمتنا ونخبها الفكرية والثقافية أن تستلهم الدرس الحي من الشعوب الأوربية الحرة، التي تناست الحروب والدماء التي سالت أنهرا بينها، وها هو المواطن الأوربي يتنقل بين 17 دولة أوربية أو تزيد، لا يسأله أحد من أين وإلى أين؟!، فيما المواطن العربي لا ينتقل من قرية إلى قرية إلا عبر جواز السفر وعدد غير قليل من الوثائق والمستندات!!.

رابعاً: كشفت الانتخابات الرئاسية المصرية، عن حاجة الإسلاميين إلى ترشيد مسيرتهم وتصحيح بعض أفكارهم، وتعديل بعض مسلماتهم، فقد رأى المواطن العربي كيف أنّ بعض الإسلاميين يدعمون \"شفيق\" وهو من هو، في العمالة والخيانة والشدة والقسوة وركن من أركان الاستبداد، وهم من هم، في خطابهم الإعلامي في محاربة الاستبداد والظلم.

أيضاً إن بعض الإسلاميين وبصراحة متناهية لا يزالون على وتيرة بعض الأنظمة الديكتاتورية التي لا تسمح برأي أو اجتهاد أو نَفَسٍ من حرية أو رأي، وكل من خالفهم فكرت التكفير والتبديع ليس ببعيد، إنه جاهز وفي الجيب، سرعان ما يشهر في وجهه.

ويالله ما أحكمك ربي، ظني - أيها السادة - أنّ من حكم الله فيما لاقاه الإسلاميون من سجون ومعتقلات وضرب وصعق كهربائي ونفخ بالمنافيخ..الخ، أن يعرف الإسلاميون مدى هو قبح الظلم والاستبداد والطغيان، ومدى هي جريمة تكميم الأفواه ومصادرة العقول والحريات، فكانت هذه مدرسة ربانية تدريبية تأهيلية للإسلاميين فلا يقعون في الظلم أو الطغيان، وكانت تلكم السجون والمعتقلات أشبه بأمصال اللقاح ضد الفيروسات .

إن الإسلاميين في مصر وفي سائر العالم الإسلامي مطالبون قبل غيرهم، بأن يفسحو المجال رحباً واسعاً للكفاءات والحريات والتداول السلمي للحكم، في أوساطهم، قبل غيرهم، وأن يسعوا جاهدين صادقين للتخلص من أمراض عهود الانحطاط ، وفي مقدمة تلكم الأمراض مرض الاستبداد، عافانا الله وإياكم وإياهم من كل مرض وداء ،،

والله تعالى من وراء القصد .

Moafa12@hotmail.com