المبشرون بنهاية إسرائيل !
بقلم/ احمد منصور
نشر منذ: 11 شهراً و 14 يوماً
الإثنين 08 يناير-كانون الثاني 2024 07:09 م
 

كان الدكتور عبد الوهاب المسيري ـ رحمه الله ـ مؤلف موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية» يبشر بنهاية إسرائيل ويقول إن إسرائيل مشروع استيطاني مثل المشروع الاستيطاني الغربي الذي كان قائما في جنوب إفريقيا، وهذا المشروع سوف يتآكل ويتفكك وينتهي تماما مثل مشروع جنوب إفريقيا وسوف تعود فلسطين لأهلها

 

كان الدكتور عبد الوهاب المسيري ـ رحمه الله ـ مؤلف موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية» يبشر بنهاية إسرائيل ويقول إن إسرائيل مشروع استيطاني مثل المشروع الاستيطاني الغربي الذي كان قائما في جنوب إفريقيا، وهذا المشروع سوف يتآكل ويتفكك وينتهي تماما مثل مشروع جنوب إفريقيا وسوف تعود فلسطين لأهلها.

قال المسيري ذلك في أكثر من حوار أجريته معه، وكان هذا الكلام في العام 1999 وما بعده لا يؤيده كثير من الناس أو يرونه دربا من الخيال.

 

نهاية إسرائيل

لكن جماعة ناطوري كارتا اليهودية التي أسست في العام 1935 وتقوم معتقداتها على أن اليهود يجب عليهم أن يلتزموا بعهدهم من الله الذي كتب عليهم الشتات إلى يوم الدين ومن ثم فإن تجمعا لليهود هو تجمع ضد الله وضد عهده مع اليهود، لذلك حينما بدأت الهجرة اليهودية نحو إسرائيل وأعلن عن قيامها على أنقاض فلسطين قامت ناطوري كارتا ضدها معلنة أن هذا معناه نهاية اليهود، وأن هذه الدولة التي أسست هي دولة صهيونية وليست يهودية وأن الصهاينة استخدموا اليهود ألعوبة ليحققوا من خلالهم أهدافهم ومطامعهم، هذا الكلام لم يكن ينصت له كثير من الناس لأنه كان يخالف اللحظة التي كانت عليها إسرائيل في هذا الوقت وهي لحظة القوة والتمكن والنفوذ في كل أركان دول العالم.

فالصهيونية التي تخترق معظم مراكز صناعة القرار في العالم هي العمود الفقري لدولة إسرائيل ومن ثم فإن إسرائيل ليست قوية بذاتها وإنما بالدعم الصهيوني الدولي لها.

لكن الموقف تغير تماما بعد حرب غزة الأخيرة وهزيمة إسرائيل أو على الأقل عدم تمكنها من الدخول إلي غزة أو هزيمة حركة حماس أو فرض شروطها على المقاومة، وارتفعت الأصوات داخل إسرائيل وخارجها من إسرائيليين مؤيدين لإسرائيل تؤيد ما ذكره عبد الوهاب المسيري قبل سنوات أو ما تردده جماعة ناطوري كارتا من عشرات السنين وحتى الآن.

نظام فصل عنصري أبرتهايد

ففي ندوة نظمها مركز «المساواة» في الناصرة في فلسطين في منتصف سبتمبر الماضي ودعا لها ثلاثة من المثقفين والقانونيين الإسرائيليين ونشرت تفاصيلها صحيفة «القدس العربي» في 15 سبتمبر نقلت عن المحامي الإسرائيلي أفيغدور فيلدمان قوله عن المجتمع الإسرائيلي «إن إسرائيل مجتمع مغلق، رأسمالي، مادي، يعيش مع الإنكار، يضعف ويتسع فيه الجهل بالتدريج وإن مثل هذا المجتمع سيزول». ولا يستغرب فيلدمان ما جرى في الحرب الأخيرة على غزة ويوضح أن «إسرائيل لم تنتصر في أي حرب منذ 1967 لأنها تخلو من الإبداع والتجديد وتشهد أجيالا جديدة جاهلة، سطحية وتلهث وراء الحياة الاستهلاكية. ويتابع «هذا جيل سيضيع ومجتمع سيزداد ضعفه وربما هناك من يفرح لذلك أو ينتظره».

أما المحاضر في كلية الحقوق في جامعة حيفا د. إيلان سابان فيقول «إن إسرائيل تدنو من نظام فصل عنصري (أبرتهايد) على غرار صربيا وجنوب إفريقيا بالماضي، منبها أن الأمم المتحدة لم تنعتها بهذا التوصيف حتى الآن بفضل الفيتو الأميركي. ويشير إلى أن إسرائيل قوتها محدودة وتعتمد على الآخرين مؤكدا أن الحل إما تقسيم البلاد أو دولة واحدة باتفاق. كما أكد استحالة وجود نظام ديمقراطي في إسرائيل طالما أنها دولة محتلة وطالما تدير ذاتها على مبدأ إثني».

أما المعلق السياسي الإسرائيلي البارز غدعون ليفي فقد قال «إن الأحوال السيئة الراهنة ستزداد سوءاً لعدم وجود من يوقفها. وينوه ليفي إلى إضعاف أجهزة الرقابة والكبح في إسرائيل بشكل منهجي ويقول إن إسرائيل ليست دولة فاشية لكن في حال ظهور زعيم فاشي لن يجد فيها من يوقفه فالجميع إما معطلون وإما داعمون»..

لم يقف الأمر عند حد هؤلاء الثلاثة ولكن هناك كثير من المفكرين والصحفيين والكتاب الصهاينة غيروا نظرتهم لاسرائيل وانتهت قناعاتهم بها وأخذوا يبشرون بنهايتها منهم الكاتب الصحفي البارز يارون لندن الذي قال في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت في عددها الصادر في 4 سبتمبر الماضي «إن إسرائيليين كثرا بدأوا يقولون أن مستقبل اسرائيل على مدى عدة أجيال قادمة هو أمر مشكوك فيه».

وأضاف قائلا: « إني أعطي إسرائيل فرصة 50% من الاستمرارية». واضاف «في السنوات الاخيرة أصبحت شبه جازم ان هذه البلاد لن تقسم الى دولتين ولا توجد قوة سياسية تستطيع فرض حل مماثل. اما الذين يتذمرون من أفكاري فأقول لهم أن رقم 50% هو جيد جدا، وفي العديد من توقعاتي لم أصب».

الحرب على غزة

وفي 3 سبتمبر الماضي نشرت العربي الجديد مقتطفات من مقال نشره ساغي إلباز الأستاذ في جامعة تل أبيت علي موقع ويلا الأخباري قال فيه « ان تدهور الشعور بالأمن الشخصي والمجتمعي خلال الحرب على غزة، وخصوصاً اضطرار المستوطنين في محيط القطاع لترك مستوطناتهم أثبت فشل الصهيونية في تحقيق أهدافها» وأضاف قائلا: « إن الحرب على غزة كشفت مظاهر المأساة التي يعيشها اليهود في إسرائيل، إذ إن هذه الدولة تحولت منذ إنشائها للمكان الأكثر خطراً على الحياة. فهي المكان الذي يقتل فيه أكبر عدد من اليهود»، وأشار إلى أن «هذا يتناقض بشكل كبير مع هدف الصهيونية بجعل إسرائيل البيئة الأكثر أمناً لليهود». وشدد إلباز على أن «المزاعم القائلة بأن تأسيس إسرائيل جعل حياة اليهود أكثر أمناً واطمئناناً غير دقيقة». وأضاف «هذه المزاعم تتجاهل الواقع البائس الذي أكدته الحرب على غزة».

أما الكاتب الاسرائيلي الصهيوني الشهير روجال إلفر فقد كتب مقالا في 31 أغسطس الماضي نشرته صحيفة « هاآرتس الاسرائيلية كشف فيه عن رغبته بمغادرة إسرائيل علي اعتبار أنها المكان الذي لا يستطيع فيه العيش مع أولاده في سلام وقال إلفر « مثل أي إنسان يعتقد أنه يعيش مرة واحد فقط، وله الحق في تحقيق أمانيه الشخصية في ظل أقل قدر من الاستعداد للتضحية دفاعاً عن الدولة التي يدفع الضرائب فيها، فإني أجزم أن إسرائيل لا تمثل الدولة التي يتوجب أن أبقى فيها. وهناك في العالم دول كثيرة تقدم لي عروضا للعيش أفضل»

الهجرة من إسرائيل

والرغبة في الهجرة من إسرائيل التي صرح بها هذا الكاتب الصهيوني أصبحت رغبة كثيرمن الصهاينة فقد بثت القناة العاشرة للتليفزيون الاسرائيلي تقريرا في 5 سبتمبر الماضي نقلت فيه عن مصادر رسمية إسرائيلية أن عدد اليهود الذين غادروا إسرائيل ووجدوا لهم مأوى في كثير من دول العالم خلال الفترة القليلة الماضية بلغوا 800 ألف يهودي معظمهم من الشباب وتعتبر العاصمة الألمانية برلين هي الأكثر شعبية في أوساطهم، وفي نفس الوقت أجرت القناة العبرية الثانية للتليفزيون الاسرائيلي استطلاعا للرأي نشرت نتائجه في 5 سبتمبر الماضي جاء فيه أن 30% من الاسرائيليين يدرسون بجدية الهجرة من إسرائيل وهذا يعني أن ما يقرب من مليوني يهودي من المقيمين في إسرائيل يريدون الهجرة منها وهذا رقم هائل بكل المعايير في ظل تأكيد مصادر رسمية أن 800 ألف قد هاجروا بالفعل، والعجيب في استطلاع الرأي هذا أن نظرة التخوين لمن يودون الهجرة من إسرائيل قد انخفضت بشكل كبير حيث أن 64% من الاسرائيليين لم تعد نظرتهم سلبية لمن يودون الهجرة منها.

يتجاوز كثير من الكتاب الصهاينة الحديث عن نهاية إسرائيل والحلم الصهيوني إلى الاشادة بالعدو اللدود لاسرائيل وهو حركة المقاومة الاسلامية حماس ، وحينما يصل الأمر إلى الاشادة بالعدو في أي مرحلة من مراحل العداء التاريخي فهذا يعني انهيار الثقة في المشروع الذي كان يدافع من أجله وأحقية الطرف الآخر فيما يطالب به.

فمن المستحيل أن تشيد حركة حماس بإسرائيل مهما فعلت لأن إسرائيل هي الطرف المعتدي والمغتصب والقاتل والمدمر أما أن يشيد كتاب إسرائيليون بحركة حماس فهو اعتراف بحقها ومطالبها العادلة وإدانة للمشروع الصهيوني، وقد كانت الكاتبة الاسرائيلية إريانا ملميدان الأكثر صراحة فى هذا الأمر عبر عمودها الذي تنشره في صحيفة يديعوت أحرونوت الأسرائيلية والذي نشرت العربي الجديد مقتطفات منه في 3 سبتمبر الماضي حيث قالت عن حركة حماس أن حركة حماس لا تشكل تنظيماً إرهابياً كما نقوم بتصويرها من أجل إضفاء شرعية على ملاحقتها وتبرير تصفية قادتها . وحذرت من أن «الأخطاء في التقدير، والأحكام «الغبية» المسبقة ستورط إسرائيل في مواجهة مرهقة». كما لفتت ملميد في مقالها إلى أن «الواقع الذي أوجدته حركة حماس في قطاع غزة، يشبه إلى حد كبير الواقع الذي أوجدته الحركة الصهيونية في فلسطين، عشية الإعلان عن الكيان الصهيوني».

وتقول إن «من يدعي أن حماس تمثل تنظيماً إرهابياً يتجاهل حقيقة أن هذه الحركة قد نجحت في تدشين جيش منضبط و مؤسسات تعليمية ومستشفيات، شرطة ورياض أطفال، وبنى تحتية عسكرية»، إضافة إلى أن الحرب، أثبتت طبيعة التنسيق الكامل بين المستوى السياسي والعسكري في الحركة. وتخلص الكاتبة الإسرائيلية إلى أن أية عملية تصفية قامت بها إسرائيل لقيادات الحركة، لم تؤثر سلباً على تصميم هذا التنظيم على مواصلة القتال والمسّ بنا كما يحلو له .

العد التنازلي لتدمير إسرائيل

أما الكاتب والمخرج السينمائي الاسرائيلي سيمحا جاكوبفيشي، فقد حذر في مقال نشره على « صفحات تايمز أوف إسرائيل» ونشره مركز الزيتونة للدراسات تحت عنوان (العد التنازلي لتدمير إسرائيل)، وقد شرح موقفه من حرب إسرائيل الأخيرة علي قطاع غزة بقوله: إذا كنا نتكلم عن الهيئات والمنازل التي دمرت، فقد فازت إسرائيل في الجولة. ولكن إذا نظرنا إلى الوضع الاستراتيجي العام، فإن ما سنراه هو تدهور مطرد في موقف إسرائيل، عسكريًّا ودبلوماسيًا .

وأضاف: بعد الانتفاضة الأخيرة، أدرك أعداء إسرائيل أن التفجيرات الانتحارية وحدها لا تستطيع تحقيق الهدف المنشود، وهو تدمير الدولة اليهودية. ولذلك شرعوا في تنفيذ استراتيجية ذات ثلاث شُعب، وتنطوي على الحفاظ على مستوى منخفض من الصراع المباشر، تطوير وإنتاج أسلحة الدمار الشامل، وأخيرًا شنّ الحرب التي لا هوادة فيها على وسائل الإعلام بهدف عزل إسرائيل، وخلق المناخ الدولي اللازم من أجل القضاء عليها.

وأكد الكاتب: عل نجاح أعداء إسرائيل على جميع الجبهات الثلاث هذه .

 

* نُشر مقال المبشرون بنهاية إسرائيل فى سبتمبر 2014 في صحيفة الوطن القطرية، ونعيد نشره لأهمية سياقه التاريخي والمعرفي 

  
محمد مصطفى العمرانيالمقال الأخير !
محمد مصطفى العمراني
دكتور/فيصل القاسمالغرب وديمقراطية الوحوش!
دكتور/فيصل القاسم
مشاهدة المزيد