في وجه الرئيس هذه المرة
بقلم/ الحاج معروف الوصابي
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر
الأربعاء 26 يناير-كانون الثاني 2011 10:37 م

كلمتي في وجهي ، شبه جملة خبر مقدم لمبتدأ مؤخر تقديره أنتم ويلزمه هنا التنكير ، وقد يكون ــ أنتم ــ في محل المفعول به المنصوب بواحدة من ادوات النصب المختلفة ، بتقدير في وجهي أضعكم .

والجملة حمالة أوجه ، فقد تأتي لمعنى ظاهر أو آخر مستتر خفي هو في بطن صاحبه .

وكيفيتها ..تأتي في اليمن بوضع السبابة اليمنى على الخد الأيمن وجرها بطوله بحيث تترك أثراً واحمراراً بدم , فتسمى الشخطة , أو الخط ( من شخط وجهه او خط لهم وجهه ) .

أما في السودان فيقوم صاحبها بشخط وجهه بآلة حادة يسيل منها الدم وتترك أثرا واضحا لا يختفي كإلتزام أدبي واخلاقي يظل اثرا دائما يُذكر صاحبه بمضمون الشخطة , لذلك تجد اغلب السودانيين عليهم علامة (بوجهي ) واضحة على وجوههم , كماركة مميزة .

ومن شَخَطَ وجهه بأي صورة يلزمه الشجاعة والاقدام ثم الوفاء لأمر يُراد منه بث الطمأنينة والثقة لدى الآخر المغاير. 

والرئيس صالح شخط وجهه هذه المرة صراحة لعلي سالم البيض ومعارضة الخارج ، وضمنيا للمشترك والحراك العام في الداخل , للعودة والحوار الجاد .

وأظنها جاءت في محلها , ووقتها , وفي موازاة الحدث , بعد هذا الاحتقان الذي دام في الداخل والتداعي العام الخارجي .

فإذا كان التعاطي السياسي بين فرقاء المشهد اليمني , الحكم والمعارضة قد وصل فيما يبدو الى طريق مسدود بعد فشل الوعاء المؤسسي في احتوائه ، فإن مبادرة الاخ الرئيس بشخط وجهه ستسد الخلاف , وستأتي أكلها , وستفرج عن المشهد , حيث لم يعد لهذا الاخير الا شخط أو خط الوجه كحيلة أخيرة .

اللوم هنا يقع على البيض وجماعة الخارج ، وعلى مجموع الحراك العام في الداخل إذا لم يقتنصوا فرصة (بوجهي ) ولا لوم على الاخ الرئيس بعدها إذا عَبَسَ وولّى صارما إن فوتوها .

في خطابه الأخير أمام المؤسسة العسكرية في مؤتمرها السنوي , ظهر صالح متسامحا كعادته ، ودوداً , يدعو للحوار الجاد كدأبه دائما ، برقة وعاطفة ولين , لكنه في الوقت نفسه جادا وحادا تجاه الفوضى الخلاقة الذي يعتقد أن هناك من يُمنهج لها ، وتجاه النظام الامامي البائد وصيغة التوريث المذمومة , وتجاه من يحاول ان يتلاعب بالدستور ويمرره نحو المزاجية والهوى .

ولقد بدا صالح كعادته الا قليلا بتلك البصمة , والنبرة والغضبه المعهودة إزاء بعض القضايا والمواقف .

ومن ثم فلا سبيل عندي لمقارنته بخطاب فهمتكم الآن لـ بن علي كما يحلو للبعض أن يقارن .

بن علي ظهر منهاراً ويتأرجح , يتوسل ويستعطف , ويتوجس , والرئيس صالح شامخ كما هو , يلتفت هكذا وهكذا بتلك الثقة والسمت المصبوغ بهما .

صحيح أن ثمة جوانب شخصية ذاتية تلتقي ، من حيث الاناقة , والوسامة , والاتيكيت , وأن كليهما نبتا ورتعا في المؤسسة العسكرية , الا أن الفوارق جمة وكثيرة .

فالرئيس صالح ديمقراطي ، حواري في كل محطاته , ومن خلقه العفو والتسامح , فكم وكم عفى , وسامح , وغض الطرف , وتغافل ,وأعطى بلا حدود , ثم وهذا الاهم أنه زاهد عن السلطة منذ اول انتخابات , ولولا انها تلاحقه وشعبه يجبره عليها , والاحتياج اليه حتمي , ما نبس اليها بكلمة , ولا كلفته التفاتة , ولانكفأ على نفسه يكتب مذكراته يتذكر ويتفكر في حركة العمران ، وسنن التغيير والتداول ليستهدي بها من بعده .

وصالح طبعا أكثر مناورة , وأمكر تكتيكا وأدرى على إدارة التناقضات الاجتماعية , والمذهبية , والسياسة , من خلال خلق الردع الموازي والبنيوي في ذات البين , طبعا في سياق بناء الدولة .

زد ان الفارق كبير وجلي بشأن المؤسسة العسكرية , فهي هنا من المؤكد انها لن تكسر ظهر الصالح كما فعلت تلك بــ بن علي , وهو الذي يتحسس سنامها ومفاصلها ليل نهار , لا تغادره لحظة , الا إذا حصلت المفاجئة في سياق ( ولكل أجل كتاب ) أو (لكل أمة أجل )أو التماس العولمي .

بن علي نهب ثروة بلاده ومعه أسرته وهرّبها للخارج , في حين بنى الصالح لشعبه جامعا تاريخيا آية في الروعة , والسعة والاتقان , وقال هلموا شعبي الى الصلاة , بل ويستورد لهم الخطباء من جموع العالم الاسلامي , وأردف ذلك بقناة الإيمان .

كما انشأ جمعية الصالح الخيرية , للفقراء , والمساكين ، والمؤلفة منهم , والعاملين عليها , وبنى للشباب مدن الصالح , وأسس مشروعات الصالح الاستثمارية لاستيعاب الشباب العاطل , وكلها والحق يقال على نفقته الخاصة , ومن ماله الخالص .

إن كان هناك من لحظة انتباه في خطابه الاخير , فذلك في الظهور الكرنفالي لقيادات واركان المؤسستين العسكرية والامنية , وظهور وزراء صالح في قلب هذا العرض المدهش البديع , بإخراج ليس صدفه , ولعله موجه برسائل ..

الاولى : أن صالح لن يكون بن علي وعنده هذه الصورة

الثانية : للوزراء وجهاز السلطة الاداري الذي جاء ترتيب جلوسهم في الوسط قليلا للجهة اليسرى , بأن هذا وضعكم عند الصالح , وانهم بمثابة القلب , فلا خوف عليكم ابدا ولا يحزنون من تمنيات الاستئصال والملاحقات القانونية بدعاوى الفساد كما تونس الآن , فأنتم في قلب الجيش وعينه ، فالمصير المصير ، والمحيا محياكم .

وللآخرين , كما رأيتم فإنه يستحيل حصول الخلخلة , أو شيء من الخزعبلات والافكار المريضة كما يسميها صالح دائما.

كما ان خطاب وزير الدفاع الذي أخذ اغلبه الطابع السياسي , كان في مجمله رسالة إنذار بتدخل الجيش في لحظة تستدعي ذلك , طبعا لأجل الحفاظ على الثورة والوحدة والديمقراطية , ومنجزات عشرية مختلفة , وهي إيماءة بأدب من دمث بأن الجيش قد أعد مشروع الطوارئ .

...

ينتهي هذا التحليل الذي الزمناه العلمية والحيدة , الى أن الفارق كبير , شكلي وجوهري , بين خطاب (فهمتكم الآن ) و خطاب (...بوجهي ) .

فالأول هدفه الحيلة للبقاء عند النزع الاخير , أما الثاني فشأنه الروية والاتزان , ومد يد الانقاذ للآخرين , وردعهم من الغرق ومحاولتهم غرق السفينة .

بن علي تاريخه شيء , وصالح تاريخه شيء آخر.

لعل البيض ومعارضة الداخل والخارج ومجموع الحراك العام , يستفيدوا من شخط الرئيس لهم وجهه فيتداعوا للحوار ، على طاولة يرعاها الصالح بنفسه هذه المرة .

فصالح كما عرفه الجميع هو صانع التحولات , وهو الذي إذا قال صدق , وإذا وعد أوفى ، لا يغمز , ولا يهمز , ولا يبتغي الريبة ابدا, وكم وكم يبحث الاعذار للمخالف .

يسهر لأجل عافية شعبه ليل نهار , يتحسس الاوجاع ويبحث عن الحلول .

وهو لولا المعوقات والعوائق لطار بشعبه الى تخوم الزمان والمكان , وإلى درك من التقدم لا يعلمه الا الله وحده , فهل سيهتبل الجميع وعد الرئيس , وشخطه وجهه .

نصيحة :

لو يفعلها الصالح من الآن , وليس بعد ...

أن يعلن برغبته هو إنفصاله عن التجمع الدستوري حزبه الحاكم , وعن قيادة الجيش , يكون بذلك قد قارب ربع الأزمة السياسية في الاحتواء , ثم يعطفها بتجريد الاسرة والاقارب والاصهار عن مفاصل المؤسستين العسكرية والامنية يكون بذلك قد قارب الربع الثاني للازمة في الاحتواء , ثم يُثلث بتقديم مجموعة من الاقارب والمستخدمين ألآخرين الى تحقيق نزيه ومحاكمات عادلة بشأن (من أين لك هذا ) بعد تجميد أرصدتهم في الداخل ، وطلب التجميد في الخارج عبر آلية دستورية , يكون بذلك قد قارب ثلاثة أرباع الأزمة , وينتهي بالشوط الرابع فيما يتعلق بالآلية الدستورية ، والسياسية عبر مؤتمر الحوار الوطني في صياغة جديدة للحياة السياسية ، يعلن الصالح عدم طلب تقديم نفسه لانتخابات قادمة باعتبار انتهاء فترته دستوريا ، يكون بذلك قد اغلق ملف الازمة نهائيا ، وتحول شعبيا الى مانديلا العرب .

Wesabi111@hotmail.com