الحوار على قاعدة ميزان القوة القديم
بقلم/ مصطفى راجح
نشر منذ: 11 سنة و 11 شهراً و 5 أيام
السبت 03 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 11:10 ص
 

كل المؤشرات تقول أن مؤتمر الحوار الوطني المعني برسم مستقبل اليمن ودستورها وشكل دولتها ونظامها السياسي سوف يتشكل وفق ميزان القوة القديم وفاعليات ما قبل الثورة السلمية ، ميزان القوة الذي يشكل صالح ونظامه حجر الزاوية في محدداته .

فبدون تغيير قيادة المؤتمر الشعبي العام سيدخل صالح وفريق عمله كطرف أساسي لصنع مستقبل اليمن عبر يافطة المؤتمر الشريك في المبادرة والحوار الوطني .

 واذا برأس النظام الذي يفترض أن يكون سابقاً ، والذي حكم اليمن ثلاثة عقود وقدم كل ماعنده خلالها على شكل حروب وأزمات ونهب وفساد ، وهو من ثار الشعب لنزع السلطة من يده ، اذا به يعود ليشارك في كتابة دستور اليمن ورسم معالم نظامها " الجديد !!"

بقية مكونات الحوار الوطني لا تخرج عن ميزان القوة القديم ؛ اللقاء المشترك كان موجوداً ويخوض حوار ماراثوني طويل مع المؤتمر وصاحبه مذ كان في السلطة وصولاً الى عودته اليها من باب الحصانة والشراكة في المبادرة الخليجية ، ولا يبدو أن دوره قد تجاوز الحجم القديم والثنائية الصورية المملة للمشترك وشركاؤه والمؤتمر وحلفاؤه !

 والحراك الجنوبي وإمام صعده الحوثي كانا موجودان في ميزان قوة ما قبل الثورة ، والجديد أن الثورة الشعبية السلمية وفرت لهما ميزة الاعتراف بحضورهما على أرض الواقع وفتحت الأفق للحراك كشريك في الحوار الوطني حول القضية الجنوبية والدستور الحديد ، وأمام الحوثي ليحاول التعبير عن رؤى التيار المذهبي الزيدي سلمياً ، ويبدو انه ذاهب بإهدار الفرصة باختياره المضي قدماً في خيار العنف والتحالف مع المخلوع وبقاياه على قاعدة العنف والعرقلة والتشبث بهيمنة الطائفة على الدولة والحكم .

كل هذا التداخل بين القديم والجديد ، بين ميزان قوة النظام القديم ، وميزان القوة الذي خلقته الثورة ناتج عن تداخل مهمتي الثورة : الهدم ، والبناء.

فالثورة اليمنية دخلت مرحلة البناء ؛ الحوار والدستور الحديد وشكل الدولة والنظام السياسي الجديد ؛ دون ان تستكمل المهمة الاولى المتمثلة بهدم النظام القديم ونزع السلاح وأدوات القوة والمال من يد المخلوع وابنائه وأعوانه .

والنتيجة أن المتحاورون سيذهبون للحوار حول شكل الدولة هل هي اندماجية مركزية أم اتحادية فيدرالية دون ان يكون لديهم دولة أصلاً تمسك بكل مؤسسات الدولة وجيشها وأمنها ومواردها ومقدراتها .

ومن شأن النقاش حول طبيعة النظام السياسي وشكل الدولة تحت ظغط الواقع أن يدفع بجميع الأطراف الى مواقف انفعالية ومتطرفة . وكان الأجدى ان تهيئ الظروف للحوار بتنفيذ خارطة طريق تتمثل باستعادة مؤسسات الدولة اولاً وتوحيد الجيش وتفعيل دور الدولة في خدمات الأمن والمعيشة ، وتنفيذ خارطة طريق خاصة بالجنوب تتعلق بإعادة المبعدين من اعمالهم وتحديداً القيادات العسكرية والامنية ، والبدء في معالجة ملف الاراضي بجدية . مثل هكذا اجراءات تمهيدية ستمكن الأطراف المعنية من بلورة تصوراتها بمنأى عن ظغط الواقع اليومي واختلالاته . 

سقط الرئيس المخلوع من السلطة ، وبقي أن يسقط السلاح من يده سواءاً المتعلق بنفوذه في الجيش عبر وريثه أو السلاح والاموال التي صودرت من مخازن الدولة وخزينتها العامة .

ومن أجل ان تبقى صنعاء عاصمة اليمن فلا أقل من توحيد الجيش داخلها تحت إمرة السلطة الانتقالية . ودون ذلك ستبقى الهيمنة قائمة والنظام القديم ممسكاً بزمام المبادرة وكامناً يترقب مرور الزمن ليعاود ظهوره مجدداً كخيار قائم على انقاض اليمن واليمنيين والثورة والمرحلة الانتقالية .

وحتى لا يكون مطلب اخراج المعسكرات من العاصمة والمدن نوع من المقايضة مقابل بقاء الحال في الجيش على ما هو عليه ، واستمرار هيمنة مراكز القوى القديمة ، ينبغي ان تتركز المطالب على توحيد الجيش في العاصمة واعادة هيكلته ، وفي اطار اعادة الهيكلة سيتم اعادة تموضع المعسكرات حول العاصمة بعيداً عن التجمعات السكانية ، ووفق دراسات دقيقة تتحدد على أساسها نوعية المهام ، ونوعية المخاطر التي تهدد اليمن وامنها واستقرارها .

المتغير الأهم الذي يعكس ميزان القوة الجديد الذي صنعته الثورة السلمية هو الرئيس عبد ربه منصور هادي ودوره ومكانته الجديدة كرئيس لليمن ومفوض شعبياً بما يقرب من سبعة ملايين يمني ، ومؤيد من أغلبية الشعب اصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير والدولة المدنية ؛ دولة القانون النابعة من الارادة الشعبية ، هؤلاء يتطلعون نحوه لاستكمال التغيير باعتباره هدف الثورة وقاعدة المبادرة الخليجية وآليتها ، ذلك أن أي التفاف على مطلب الشعب وثورته السلمية سوف يفتح الباب للحرب الاهلية الشاملة ، حرب الجميع ضد الجميع .

في المحصلة يبدو أن الزمن يمضي فيما عجلة القرارات الرئاسية واستحقاقات التغيير بطيئة ان لم نقل متوقفة . واذا طوى العام 2012 أيامه ، والجيش اليمني في العاصمة ما يزال منقسماً ، وبقايا العائلة قادة على وحداته وألويته ؛ فسيجد اليمنييون والسلطة الانتقالية انفسهم امام الخطر الذي تصوروا انهم تجنبوه بالقبول بالمبادرة الخليجية وآليتها ؛ خطر الحرب الاهلية الحقيقية التي يتم التهيئة لها بالفرز المذهبي العنصري وتوزيع الاسلحة وتغييب دور الدولة وتعطيل فاعليتها ومؤسساتها الدفاعية والأمنية