اتفاق الدوحة وسطوع نجم الحوثيين
بقلم/ عادل امين
نشر منذ: 16 سنة و 7 أشهر
الثلاثاء 08 إبريل-نيسان 2008 04:00 م

حتى اللحظة لا يبدو أن اتفاق (هبره-الإرياني) الموقع في الدوحة مطلع فبراير الفائت 1/2/2008 قد نجح في إنهاء مشكلة صعدة أو على الأقل حلحلة الأزمة قليلاً والدفع بها باتجاه الحل، الدولة ما زالت تُحمل الحوثيين مسؤولية عرقلة وتعطيل بعض بنود الاتفاق وأهمها البند السابع المتعلق ببسط نفوذها على كل مناطق صعدة، والحوثي يؤكد بأن تنفيذ البند السابع لن يتم إلاّ عند سحب السلطة للجيش من القرى والمزارع والبيوت ورفع نقاط التفتيش من الطرق، وتغيير بعض أعضاء السلطة المحلية وإلا فإن الاتفاق يُحتضر بحسب وصف عبد الملك الحوثي.

رئيس وفد الوساطة القطرية غادر مؤخراً إلى الدوحة لعرض المشاكل التي اعترضت تنفيذ بنود الاتفاق والتباحث بشأنها مع يحيى الحوثي المتواجد حالياً في قطر، وهذا مؤشر واضح على أن تعطيل بعض بنود الاتفاق يقع على عاتق الحوثيين الذين صاروا الأعلى صوتاً من السلطة.

ما هو مشاهد اليوم هو أن نبرة التهديد والوعيد التي كانت تصدر عن السلطة كلما وصلت إلى طريق مسدود مع الحوثيين قد اختفت وحل مكانها لغة الاستعطاف والرجاء والمناشدة بأن يلتزم الحوثيون بما تم الاتفاق عليه، فيما صار هؤلاء أكثر تحدياً للسلطة من ذي قبل، وصاروا يتهددونها ويتوعدونها برد يفوق التصور –بحسب الحوثي عبد الملك- في حال تراجعت عن الاتفاق أو فكرت بالاعتداء عليهم من جديد, وهي تصريحات تشبه إلى حد كبير تلك التصريحات التي دائماً مايُطلقها حسن نصر الله ضد العدو الصهيوني. 

وعلى ما يبدو فإن سنوات الحرب السابقة أكسبت الحوثيين خبرة قتالية عالية, ومكنتهم من فهم وسبر غور القوات الحكومية وطريقتها في القتال في منطقة جغرافية تُقاتل إلى جانب أبنائها وتمدهم بأسباب القوة والصمود، وقد اتضح جلياً من خلال مطالبة السلطة الحوثيين النزول من مواقعهم وتحصيناتهم بحسب الاتفاق الموقع، ثم أيضاً من خلال حديث هؤلاء الأخيرين عن عدد المواقع والجبال التي قالوا بأنهم تركوها وسلموها للسلطات, يتضح حجم النفوذ الحوثي وتمدده ومدى ما وصلوا إليه في توسعهم الجغرافي وسيطرتهم شبة الكاملة على معظم مناطق صعدة، في الوقت الذي لم تُفلح فيه أربعة حروب مُتتالية في زحزحتهم عن تلك المناطق أو تقليص نفوذهم فيها، وهو ما يعني ازدياد رصيدهم ومكاسبهم واتساع دائرة نفوذهم عقب كل حرب خاضوها مع السلطة.

ويعد الاحتفال الذي أقاموه بمناسبة المولد النبوي الشريف في منطقة مطره (إحدى أهم معاقلهم) دليل صارخ على ما قلناه، فالاحتفال الذي حضره أكثر من خمسة وعشرين ألفاً من أنصارهم يعني اتساع دائرة التأييد الشعبي للحوثي , وهو بمثابة رسالة لحرب خامسة حد وصف صالح هبره (ممثل الحوثي في اتفاق الدوحة) الذي دعا السلطة إلى عدم تجاهل ذلك والإذعان للسلام وتطبيق بنود الاتفاق بشكل كامل, وهو تهديد مبطن بأن الحرب ماتزال بالنسبة للحوثي أحد الخيارات المطروحة بقوة, لقد كان ذلك الاحتفال الذي أحيته تلك الجموع الحاشدة بمثابة استعراض قوة, ورسالة للسلطات بأن الحوثي وجماعته خرجوا من حروبهم منتصرين, وأنهم اليوم أكثر قوة وأشد إصراراً على فرض وجودهم وأفكارهم, بل وفرض وسيطرتهم على مناطق صعده , وأن أحداً لم يعد بوسعه إيقافهم أو الحد من اتساع نفوذهم.

الشئ الآخر هو أن النفوذ الكبير لجماعة الحوثي لا يتوقف عند مناطق صعدة فحسب بل هو ممتد كذلك داخل السلطة نفسها، وهذا ما أكده عبد المالك الحوثي بقوله: لنا علاقة طيبة بالبعض من الشرفاء داخل المؤسسة العسكرية وداخل بعض المؤسسات الأخرى، ولعل هذا ما ساعدهم في الحصول على أسلحة من داخل المؤسسة العسكرية نفسها، وهذا ما جعلهم أيضاً يصمدون كل تلك الفترة الطويلة (2004-2008) أمام قوات الجيش المدججة بمختلف أنواع الأسلحة.

وفي الوقت الذي ذهبت فيه السلطة إلى إطلاق السجناء وإعادة المدارس والمساجد إلى الحوثيين، والعمل على استرضائهم بكل وسيلة بما في ذلك سحب الوحدات العسكرية إلى مواقعها السابقة قبل الحرب، فقد سارع الحوثيون إلى بسط سيطرتهم على بعض المناطق وملء الفراغ الذي يخلَّفه غياب الدولة في مناطق أخرى، فعمدوا (في بعض المناطق الواقعة تحت سيطرتهم) إلى إغلاق العديد من المدارس الحكومية, وطرد مئات المدرسين منها، بالإضافة إلى تعيين قاضي محكمة لديهم في إحدى المديريات، وهناك معلومات كذلك عن طرد موظفين عسكريين من أحد أقسام الشرطة، وبرغم نفي عبد الملك الحوثي لكل ما ورد إلا أن السلطات تؤكد مسألة طرد مدرسيها وإغلاق بعض مدارسها، لكنها في ذات الوقت تتطلع أن تقوم لجنة الوساطة بإقناع الحوثي بالعدول عن ذلك وتنفيذ بقية بنود الاتفاق التي على رأسها البند السابع المتعلق بتسليم المواقع وبسط نفوذ الدولة في جميع المناطق.

الشيء الأكيد اليوم هو أن جماعة الحوثي باتت قوة لا يُستهان بها، وصارت واقعاً لا يمكن تجاوزه أو العمل على طيَّ صفحاته، واتفاق الدوحة الأخير (اتفاق هبره- الإرياني) هو تكريس لوجود الجماعة واعتراف رسمي بعدم قدرة الدولة على إغلاق ملفها، وعلى هذا الأساس فإن الاتفاق المذكور هو بداية لتأريخ مرحلة جديدة من مراحل سطوع نجم الحوثيين وليس أُفولهم، وبمعنى أكثر وضوحاً فقد صار هؤلاء شركاء في السلطة مع الحزب الحاكم, على الأقل في محافظة صعدة، ألم يقل الإرياني لممثلي الحوثي في مفاوضات الدوحة خذوا صعدة كلها ودعوا لنا ضحيان؟ فيما أردف علي محسن القول: وفكوا الحصار عن عبد العزيز الشهاري (هذا الكلام أورده أحد المواقع الالكترونية القريبة من الحوثيين ونقلته عنه صحيفة الأهالي 18/3).

وفي ذات السياق فإن مواطني محافظة صعده ممن وقفوا إلى جانب السلطة في حربها ضد الحوثي وجماعته باتوا يتخوفون على مصيرهم من انتقام الحوثي بعدما وجدوا أن اتفاق الدوحة كان بمثابة اعتراف رسمي بالحوثي وجماعته أكثر منه عملية ضم لهم في إطار سيادة الدولة، وفي ذلك يقول أمين عام المجلس المحلي بمحافظة صعدة: نحن طبعاً مع السلام ونريد السلام، ولكن سلام عزيز ومُشرف بحيث تحفظ الدولة لمن كان لهم مواقف وطنية معها حقوقهم، وتعمل حسابهم، وتضعهم في الاعتبار في بنود اتفاقياتها مع المتمردين، ولكن لوحظ بأن الاتفاقية لم تعمل حساباً لهؤلاء، ولم تضمن الأمان والسلام لكل المواطنين (صحيفة الغد 3/3) وأضاف، كان يجب أن تتضمن الاتفاقية شرطاً بأن يتحمل المتمردون العائدون بعد انسحاب الجيش مسؤولية أمن وسلامة المواطنين المتعاونين (مع الدولة)، لكن عبد الملك الحوثي أرسل رسائل تطمين لهؤلاء (عبر الإعلام) حينما قال: أبلغتُ الأفراد والبشمركة الذين تعاونوا مع السلطة في بعض مناطق صعدة أن الاتفاق يشملهم وأنهم إخوتنا وما مضى مضى، لكي يطمئنوا ولا يبقى لديهم خوف من جانبنا (الغد 10/3).

وهكذا انقلبت الآية، فبدلاً من أن تعمل الدولة على حماية مواطنيها وتطمينهم بأنها لن تتخلى عنهم, وتعمل على توفير الأمن لهم وتُشعرهم بأنها تقف إلى جانبهم مثلما وقفوا إلى جانبها, فقد بادر الحوثي من جانبه إلى تطمين أولئك المواطنين وكأنهم رعاياه، وأصدر العفو عنهم وكأن الدولة هي التي تمردت عليه، وهذا بحد ذاته أكبر عقاب يفرضه عليهم، كونه يُشعرهم بغياب الدولة وحضوره، وهو ما يدفعهم لتأنيب أنفسهم على مواقفهم السابقة.

غير أن المشهد يبدو مختلفاً بعض الشيء خارج مدينة صعدة، فإذا كانت علاقة السلطة بالحوثيين هناك علاقة توجس وريبة تحكمها ظروف الحرب وموازين القوى ولجان الوساطة الداخلية والخارجية، فإن علاقة الطرفين في بعض الأماكن الأخرى (غير صعدة) لا تسير على نفس المنوال، بل هي علاقة تفاهم وتقارب أكثر منها علاقة عداء وصراع مصالح!! فالطرفين ربما وجدا نفسيهما أقرب لبعضهما البعض من غيرهما، ولا غرابة، فالشباب المؤمن (الحوثيين) هم نتاج الحزب الحاكم وأحد أجنحته المتمردة عليه.

وليس من الغريب أو المستبعد أن يُعيد الطرفان ترميم علاقاتهما في بعض المناطق التي تتطلب الضرورة والمصالح المشتركة عمل ذلك، وقد أثبتت الوقائع حصول تنسيق بين السلطة والحوثيين (في بعض المحافظات) لإحلال عناصرهم في عدد من المساجد وتمكينهم من فرض سيطرتهم عليها.

من المحتمل أن يكون من بين بنود اتفاق الدوحة الذي تم تنقيحه والإعلان عنه بعد حوالي شهر من التوقيع عليه بنود سرية (وربما تكون تلك البنود السرية مُلحقة بالاتفاق وليست جزء منه) تُعيد صياغة العلاقة بين الجانبيين خارج مناطق القتال وتُرمم ما تهدم منها جراء حروب صعدة المتعاقبة، وعودة تلك العلاقة من الباب الخلفي تفرضها عديد اعتبارات سياسية وانتخابية بل وربما مذهبية, فمن الناحية السياسية يجد الحزب الحاكم نفسه يعيش حالة عزلة سياسية لم يشهد لها مثيلاً من قبل، وهو بحاجة إلى بعض الجهود من خارج الحزب تُقدمه وتسنده في الانتخابات البرلمانية القادمة بالنظر إلى صورته التي تكاد تكون قد احترقت تماماً أمام الناخبين الذين صوتوا له في الانتخابات الماضية، هذا إلى جانب أن التحديات التي تواجهه في المحافظات الجنوبية تفرض عليه إعادة البحث عن أية تحالفات ومن أي نوع، كالغريق الذي يحاول التشبث بقشة.

وبالطبع فإن الطرفين سيقدمان لبعضهما تنازلات في مقابل حصولهما على مكاسب خاصة تخضع لاعتبارات كل طرف، ومهما يكن الأمر فسيبقى ملف الحوثيين مفتوحاً اليوم وغداً إلى ما شاء الله، وسيظل هذا الملف حجر عثرة في طريق الإصلاحات السياسية، وشوكة في خاصرة الوحدة الوطنية ستظهر نتائجها على المدى القريب، وستكون عواقبها أقسى وأشد مما نتوقع جميعاً.

• مدير تحرير صحيفة العاصمة

adelameen@maktoob.com