لإرهاب مهزوم وتبريره جريمة في حق الدين والوطن
بقلم/ نجيب غلاب
نشر منذ: 16 سنة و شهر و 16 يوماً
الخميس 18 سبتمبر-أيلول 2008 06:29 ص

عندما يبرر الإرهابي فعله التدميري ويبيح سفك الدماء ويؤصل لسلوكه من داخل الإسلام باعتباره جهاد في سبيل الله ويبرره بأنه وسيلة لمقاومة الظلم الخارجي والداخلي فانه يعبر عن جهل مركب لطبيعة الصراع العالمي والداخلي ولنتائج أفعاله، ولديه عمى إيديولوجيا يحجب عنه الرؤية، فالإرهاب متناقض كليا مع الإسلام، وهذا ربما يفسر الإجماع لدى مسلمي الأرض على رفض الإرهاب الذي تمارسه القاعدة بل أن أغلب المسلمين ونتيجة يقينهم أن ما تقوم به القاعدة ليس إلا فعل تخريبي للإسلام ولمصالح المسلمين مقتنعين أن القاعدة صنيعة أعداء الإسلام.

ولأن الإرهابي يعاني من الحصار في وسط الأمة المسلمة التي وصلت إلى قناعة أن موجهتهم أصبحت فرض عين على كل مسلم، لم يجد الإرهابي لحل معضلته إلا بالتمركز حول ذاته ونفي الجميع، ولأنه أصبح على قناعة أن مشروعه مستحيل واقعا، فانه يلجا إلى بنائه الإيديولوجي ليعيد ترميمه بما يسمح له بالقتال الدائم لمجرد القتال، ويؤكد لنفسه ان مشروعه منتصر لا محالة فهو المؤمن الوحيد وغيره كفار، والله ناصر المؤمنين ومستخلفهم في الأرض، وما عليه إلا أن يقاوم بالدم والنار، فدماء الشهداء هي من يزرع النصر في قادم الأيام، ونتيجة عزلته فان الرحيل من أرض الكفر إلى جنة الخلد أصبح مطلب لذاته بل أن مؤصلي الفعل الإرهابي يصوروا الانتحار بأنه نعمة ربانية للمؤمن الصادق.

الإرهابي في حقيقته مهزوم لأنه عاجز عن مواجهة الواقع لذا فانه ينفي الواقع ويعيش في عالمه الخاص ويصبح الموت مطلبا أساسيا لينقذ نفسه من شقاء الدنيا وأهلها أما تحقيق المشروع فبيد الله وهذه النظرة العدمية نتائجها الفعلية دمرت الدين من الداخل وشوهته لأنها حولت الإسلام إلى إيديولوجيا تبريرية للقتل والدمار فقد تحولت الرسالة السماوية على يدي الإرهابي من رسالة سلام ورحمة وتعمير إلى رسالة لتبرير الجريمة والدمار.

والمتابع لابد أن يصل إلى نتيجة أن الإرهابي يعمل على تدمير ما يحاول حمايته وحاله حال المعتوه الذي يعتقد انه أعقل الناس وأرجحهم رأيا وهو أفسدهم سلوكا وأكثرهم جنونا على مستوى الفهم والفعل.

العجيب في الأمر أن الفعل الإرهابي المدان والمُجرم عقلا ودينا إلا أن إعادة تفسير العمليات الإرهابية في اليمن من قبل البعض خصوصا المناؤين لنظام الرئيس صالح يوضح مدى الفساد الذي يمارس بوعي أو بلا وعي في الوسط المعارض، فالبعض ونتيجة أن الحقد والكراهية قد بلغت بهم مبلغ كبير، فقد أضاعت عليهم قدرة التفكير السليم ولأنهم متآمرون تجدهم بلا حياء يوجهون أصابع الاتهام في اتجاهات شتى كلها تدين النظام وتحمله مصائب الإرهاب، وبمبررات ساذجة، ورغم الإدانة السطحية إلا أنه في العادة ما يتم إعادة توظيف الحدث بالاستناد على تفسيرات متناقضة مع واقع الحال و بطريقة غبية ومدمرة لمصالح اليمن.

أما البعض وفي طفرة الصراع وتناقضات المصالح فأنهم يحاولون إظهار فشل الدولة وعجزها، بل أن البعض يحاول جاهدا التأكيد أن البلاد قادمة على دمار شامل وهذه التحليلات في أغلبها ليست إلا أماني يحلم بها هؤلاء ويتمنونها في دواخلهم، لذا فأنهم لا يحاربوا الشر بل يتخذون منه دليلا لإثبات تحليلاتهم الفاسدة، وإشباعا لرغباتهم المريضة.

وهنا لابد أن نؤكد أنه لا يمكن تفسير الإرهاب من خارجه فهو فعل لا عقلاني ينتج ذاته بذاته ولن يتوقف مادام المجتمع والنظام السياسي رافض لإستراتيجية الإجرامية، وهي إستراتيجية لا علاقة لها بالواقع بل بالفكر والعقائد، والمسائل السياسية التي يتم تناولها في المنظومة الفكرية للقاعدة حاسمة وغير قابلة للحوار، أنها نظرية الفسطاطين أما معنا أو ضدنا.

وهنا لابد أن نشير إلى مسألة مهمة يتجاهلها الكثير وهي من أعظم المخاطر المهدد للأمن القومي اليمني، فبعض القوى السياسية تندفع مستغلة مشاكل الواقع في مسارات تعمل على صياغة إيديولوجيا نضالية تقوم على رفض الآخر وإلغائه وتدمير صورته، وهكذا سلوك أبسط نتائجه أنه يخلق صراعات داخلية في المجتمع ويؤسس للغة تحض على الكراهية والحقد بين أعضاء المجتمع وتسهم في تكوين رؤية سياسية رافضة للنظام السياسي وشرعيته وكل هذا السلوك يهدد الدولة والمجتمع ويضرب الجميع في العمق، ويؤسس لبيئة قابلة لنمو الإرهاب.

من الواضح ان الظاهرة الإرهابية تشكل الخطر الأول في اليمن ومواجهتها ليست بحاجة إلى إدانة بل إلى إعلان الحرب عليها من قبل الجميع ويمثل مواجهة كل طرح يحاول تبرير الإرهاب مقدمة للانتصار في المعركة، الإرهاب ليس جريمة عادية بل جريمة مركبة يتداخل فيها الجنائي بالسياسي بالفساد في الأرض بتدمير الدين والدولة والمجتمع فمتى يدرك مجانين السياسة أن الدين والوطن أهم من مصالح النخب المتنازعة على ثروة البلاد.