رؤية الإشتراكي والإصلاح لبناء الدولة
بقلم/ جميل امذروي
نشر منذ: 11 سنة و 6 أشهر و 13 يوماً
الخميس 02 مايو 2013 12:32 ص

قدمت كثير من الأحزاب السياسية في اليمن رؤاها لبناء الدولة وقد توزعت هذه الرؤى بين الجادة والتائهة واللامبالية.

قدم الإشتراكي رؤيته لبناء الدولة في21 صفحة، شرح خلالها رؤيته لشكل الدولة والنظام السياسي وتقسيم السلطات والصلاحيات الممنوحة لكل سلطة.كانت خلاصة رؤية الإشتراكي تقوم على دولة اتحادية برلمانية من عدد من الأقاليم (لم تحدده) يجري الترتيب لها خلال مدة أقصاها خمس سنوات من تاريخ إقرار الدستور الجديد.

تميزت رؤية الإشتراكي بالعمق وجاءت تحت عنوان " إتجاهات وأسس الدستور الجديد" وهي قد وضعت قواعد كثيرة لبناء الدولة وبدت مكتملة الأركان، الأمر الذي دفع رجلاً مثل عبدالكريم الإرياني ليصرّح لإحدى الصحف اليمنية عن تبنيه لرؤية الإشتراكي وخيبة أمله في رؤية حزبه.

إن أهم ما جاء في ورقة الإشتراكي هو رؤيته للنظام السياسي القادم كنظام برلماني يتمتع فيه رئيس الوزراء بكل الصلاحيات التنفيذية ونزعها شبه الكامل لأنياب منصب رئيس الجمهورية، الأمر الذي سيحوله لمنصب غير جاذب سياسياً(كان عبدالوهاب الآنسي في خطاب مع طلاب اليمن في برلين قد تبرّم من الطرح الداعي الى النزع الكامل لصلاحيات الرئيس واستحسن النظام المختلط) وستنقل الصراع في البلد نقلة مختلقة قد تربك الكثير من القوى السياسية والقبلية والعسكرية وتحتاج منهم لوقت أطول حتى يتكيفوا معها أو يكيفوها معهم.

أما ما قد نعتبره حلاً عاماً وأولياً للقضية الجنوبية فقد تبلور في شكل الدولة الإتحادية الذي اقترحه الإشتراكي من أكثر من إقليم، تاركاً العدد دون تحديد، وقابلاً للحوار بينه وبين بقية المكونات في خطوة ذكية لإبقاء ساحة الملعب السياسي أوسع للتفاوض ودون التضييق المبكر عليها.

إن مقترح الخمس سنوات بعد إقرار الدستور الذي وضعه الإشتراكي للتحول نحو الدولة الإتحادية سينظر له البعض بأنه تجسيد للواقعية السياسية التي تقتضي التهيئة القانونية والمؤسساتية للإنتقال الآمن للنظام الجديد، وسينظر له البعض الآخر وكأنه رضوخ لمقترح قديم من حميد الأحمر بوضع فترة إنتقالية قبل الفدرالية لإختبار الدولة المركزية البسيطة كخيار جاذب للجنوبيين. أما كثير من الجنوبيين الحراكيين والمتعاطفين مع الحراك فسينظرون لرؤيته وكأنها خيانة من حزب إدعى كثيراً مسؤوليته الأخلاقية بتمثيل مصالحهم ثم أصبح يقدّم مصالح غيرهم عليهم.

سيبقى السؤال المطروح في هذا المضمار هو لماذا استعجل الإشتراكي وحدد فترة الخمس سنوات! لماذا لم يتركها مفتوحة كما فعل في عدد الأقاليم! وهل يملك الجنوب ترف البقاء محتقناً خمس سنوات في ظل صراعات من قوى مختلفه تدفعه وبقوة هو وكل البلد نحو المجهول، ومن يضمن تنفيس الإحتقان ناهيك عن زيادته خلال هذه الفترة.

أما فيما يخص الشريعة فقد كان لافتاً أن الحزب الإشتراكي إقترح بنفسه أن تكون الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات في تطابق تام مع رؤية الإصلاح الوحيدة والأوضح فيما يخص بناء الدولة ودعوات الرشاد السلفي وتصريحات الزنداني المحذرة ممن يضمرون الشر للشريعة. لا أحد يدري هل أصيب الإشتراكي بمتلازمة أستوكهولم ( Stockholm Syndrome ) فتأخون، أم أن الفترة الطويلة التي قضاها في صنعاء جعلت خياراته تتغير نحو واقعية جديدة تراعي وضع المجتمع الذي يعيش فيه وتحقق مصالح الحزب السياسية.

يبدو أنّ الإشتراكي ومن حُكْم خبرته بالجلوس الطويل مع مراكز القوى السياسية والقبلية والدينية في صنعاء أدرك كيف يمكن أن يتجنب الأفخاخ السياسية التي يمكن أن تدمره وتجعل رؤاه فيما يتعلق بالعدالة الإجتماعية وحقوق المرأة والطفل والحريات العامة أمر مستحيل التحقيق، إن كان ما يزال يرغب أصلاً في تحقيقها.

ربما يكون ياسين وجماعته قد أدركوا أنّ ما يهم معظم محترفي الصراعات الأيدلوجية ممن ينصبوا أنفسهم حماةً للشريعة هو الهالة الإجتماعية التي تتخلق حولهم بسبب صراعاتهم والمكاسب السياسية والإقتصادية التي يجنوها لذات السبب. أما الشريعة المسكينة وتطبيقها على أرض الواقع فآخر اهتماماتهم والتجارب التاريخية شاهدة على ذلك.

إنّ أخطر ما في الموضوع هو أن ينجرّ الإشتراكي في رؤاه السياسية لأهداف لا تخدم مصالح الناس، وأن يتنازل عن بعض أفكاره فقط من أجل تحالفات ومكاسب حزبية، حينها يكونون جميعاً أشبه بصالح الذي كان يقبل بالشريعة، فيحكّمها على الورق ويخالفها على الأرض هو وكثير ممن كان يطالبه بتطبيقها.

أما التجمع اليمني للإصلاح فقدم رؤيته في ثلاث صفحات فقط (هي أكثر مما قدمه الناصري والبعث)، ابتدأها بالتأكيد على هوية الدولة اليمنية كدولة عربية ذات مرجعية إسلامية، ثم ذكّرنا بفضل أبو بكر وعمر وأفرد لعدالة علي قصة من خمسة أسطر كاملة.

في رؤيته القصيرة لبناء الدولة اليمنية خاض الإصلاح مطولاً وفي حالة من الإرتباك الواضح صراعاً غريباً مع دعاة الدولة المدنية ليعيب تحسسهم من مرجعية الإسلام، منتقداً التعامل مع مصطلح الدولة المدنية بعقلية سجالية، والتعاطي مع الدولة المدنية بعقلية إسمنتية، ومطالباً"المسوِقين" للدولة المدنية من المثقفين "والمنظرين السياسيين"أن يقدموا تصوراتهم العملية عنها، ونسي الإصلاح نفسه، أو ربما كان يعتبر نفسه غير معنيٍ بالأمر.

لقد بدت رؤية الإصلاح رغم كل ما يمتلكه من كوادر مؤهلة وطاقات علمية وفنية كبيرة وذخيرة من الشباب العصري والواعي بدت رؤيته في بعض أجزاءها وكأنها أقرب الى موعضة دينية وخاضت رؤيته صراعاً بدى متوهماً مع أطراف غير موجودة في واقع اليوم أو غير فاعلة سياسياً.

إنّ التفسير الذي قد يخطر لأي مراقب وهو يقرأ رؤية هذا الحزب الكبير هو أن الإصلاح وجه رؤيته لإرضاء بعض مراكز القوى في داخله، وللملمة مكوناته التي يخشى من إنفراط عقدها في وقت هو في أمس الحاجة لها كما يعتقد، ولطمأنتها أنّ خطابه السياسي منسجماً تماماً مع توجهاتها. لقد وجه الإصلاح خطابه إذاً لإعادة بناء قواه الداخلية ومنعها من التفكك لا لإعادة بناء دولة يقف هو نفسه في أعلى قائمة المرشحين لقيادتها في المستقبل القريب.