الضربة الأمريكية .. وشيكة جدا
بقلم/ محمد كريشان
نشر منذ: 6 سنوات و 7 أشهر و 5 أيام
الأربعاء 11 إبريل-نيسان 2018 05:47 م
 

ا لكل يتحدث، يرعد ويزبد ويهدد، يدافع أو يختلق الأعذار، إلا هو: بشار الأسد.

خذ راحتك الآن في التحليل وفسر الأمر كما تفهم أو تريد: الرجل مرعوب، لا يعلم ماذا يقول، لا يدري كيف سيدافع عن نفسه، طلب منه حلفاؤه السكوت، لا..لا.. هو غير عابئ بأي شيء، لا يهمه رأي العالم فيه، شديد الثقة ببراءته، فقد الثقة في فهم العالم له ناهيك عن تفهمه أو إنصافه… إلخ.

الكل يخوض مع الخائضين في ما يتعلق بما جرى في دوما إلا هو فقد قرر أن يلوذ بالصمت، مع أن «بشار الآخر»، بشار الجعفري اعتبر كل ما جرى «حملة شعواء تفتقر إلى الحد الأدنى من المصداقية» نظرا إلى استنادها إلى «معلومات مفبركة تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي» وساهمت في ترويجها «المجموعات الإرهابية» ومن يقف معها. واللافت هنا أن الجعفري هنا لم يكن أول من بادر أمام مجلس الأمن للإعلان عن استعداد حكومته لاستقبال بعثة تحقيق من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية «فورا» للذهاب لمعاينة مسرح الاستعمال «المزعوم» للأسلحة الكيميائية في دوما بالغوطة الشرقية فقد سبقه المندوب الروسي الذي قال إن دمشق مستعدة لاستقبال مثل هذه البعثة «غدا» في تجاوز بين على نظام تقول إنها جاءت لإنقاذه والحفاظ على سيادته!!

روسيا تجد نفسها اليوم في وضع ربما أسوأ بكثير من وضع حليفها في دمشق فما يتضح إلى حد الآن هو أن جزءا أساسيا من هذه الهبة الدولية ضد نظام بشار الأسد، الذي استعمل السلاح الكيميائي لعشرات المرات من بينها ثمانية خلال العام الجاري فقط، تبدو موجهة في المقام الأول إلى موسكو الذي تحولت تدريجيا في الأسابيع الأخيرة إلى «مطارد» في كل المحافل بعد حادثة تسميم العميل الروسي السابق وما أعقبها من موجات طرد دبلوماسيين متبادلة بينها وبين واشنطن وعواصم دولية عديدة أخرى.

ما يجري الآن من ردود غاضبة تمهد لعمل عسكري وشيك في سوريا لا يتعلق فقط بأن الأسد بالغ في غيــّه وإنما أيضا بضرورة وضع حد لــ «تنمر» روسيا الذي بلغ هو الآخر حدا لم يعد يحتمل. لقد وصل الأمر بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن صرح بأنه تم تفقد الموقع المفترض لاستعمال الأسلحة الكيميائية في دوما ولم يعثر فيه على أي دليل على الاتهامات التي سيقت في هذا الشأن، و ذلك بعد تصريحات لمسؤول روسي آخر أشار فيها إلى أن بلاده سبق لها أن نبهت من احتمال إقدام «المجموعات الإرهابية» في سوريا على استعمال أسلحة كيميائية بغرض إلصاق التهمة لاحقا بالنظام.

إذن موسكو ليست على قلب رجل واحد في محاولاتها إبعاد التهمة عن بشار الأسد فرأيها لم يستقر بعد بشكل نهائي على نفي الحادثة برمتها جملة وتفصيلا أو إلصاقها بالمسلحين. يزداد الأمر صعوبة عندما لا توجد فيه استجابة لدعوات إنشاء لجنة تحقيق فيما جرى رغم كثرة الحديث عن ضرورة «تحديد المسؤوليات» أو اللجوء إلى تلك اللغة المائعة التي استعملها المبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دي ميستورا الذي فضل في كلمته أمام مجلس الأمن الإثنين أن يترك كلامه حمال أوجه في كل الاتجاهات، يرتاح له النظام وخصومه في نفس الوقت، فهو لم يكن حاسما قي أي شيء مؤثرا المنطقة الرمادية الآمنة.

وبغض النظر عما ستؤول إليه المداولات الحالية في مجلس الأمن فإن الضربة العسكرية الأمريكية على سوريا مرجحة ووشيكة رغم أن نقطتين هامتين لم يتضحا بعد بشأنها: الأولى من يمكن أن يشارك فيها إلى جانب الولايات المتحدة وما المدى الذي يمكن أن تصل إليه:

بالنسبة إلى شركاء واشنطن المحتملين في الضربة تبدو فرنسا الأقرب إلى الانخراط بدرجة أو بأخرى في ما يعتزم الرئيس ترامب القيام به وربما بدرجة لا تبعد عنها كثيرا بريطانيا وألمانيا، لا سيما وأن لندن تبدو متشوقة إلى نوع من الرد على ما قامت به موسكو ضدها وبإمكانها هنا أن تحمي ظهرها بمشاركة جماعية تبعد عنها مخاطر التصدي منفردة لروسيا.

أما بالنسبة إلى المدى، فالكل يكاد يجمع أن الضربة آتية لا محالة لكن واشنطن لن تتورط أكثر مما يجب ولن تجازف بأكثر من الوصول إلى مشارف خط المواجهة المباشرة مع موسكو على الأرض السورية دون أن تجتازه. وكما قال المبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل في مقابلة أمس إلى شبكة «سي أن أن» الأمريكية فإن العالم «سيساند ضربة أمريكية» ضد نظام بشار الأسد ولكن «الشعب الأمريكي لا يتحمل دخول بلادهم حربا في سوريا».

صحيح أن واشنطن تمتلك «خيارات عسكرية كثيرة» على الطاولة وفق تعبير الرئيس ترامب لكن جميعها في النهاية ستكون حريصة على مراعاة «حدود معينة للتحرك» على حد وصف نائب الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف. ولهذا ورغم كل الضجيج الحالي، لن تكون أي ضربة مقبلة لسوريا نوعية أو حاسمة فكل من واشنطن وموسكو يدركان جدا أن شعرة معاوية بينهما يجب ألا تقطع أبدا… لكن إلى متى؟!!

٭ كاتب وإعلامي تونسي