الإصلاح والحوثي على الطاولة
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 9 سنوات و 11 شهراً و 13 يوماً
الجمعة 05 ديسمبر-كانون الأول 2014 11:13 ص

في بيان صادر الخميس الماضي فاجأ التجمع اليمني للإصلاح ذو التوجه الإسلامي المراقبين بخطوة غير متوقعة عندما كشف عن زيارة وفد منه إلى محافظة صعدة معقل زعيم الحوثيين في شمال البلاد.

وذُكر أنه كان على رأس الوفد كل من زيد الشامي رئيس الكتلة البرلمانية للحزب، وسعيد شمسان الناطق الرسمي.

وقد أكد الحوثيون الخبر حيث قال بيان صادر عن مكتب الحوثي إنه التقي «بوفد من التجمع اليمني للإصلاح للعمل من أجل طي صفحة الماضي والتوجه نحو بناء الثقة والتعاون في بناء الدولة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة».

ماذا أراد الإصلاح؟

أحس الإصلاح في الأشهر التي أعقبت نهاية مؤتمر الحوار الوطني الذي اختتم أعماله في يناير الماضي، بأنه مستهدف داخلياً وخارجياً، وأن أداة الاستهداف كانت تجييش الحوثيين للحد من وجوده الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. ويرى الإصلاح أن سقوط صنعاء، ومن قبلها سقوط عمران، في يد الحوثيين كان خطوة أريد منها الزج به لمواجهة الحوثيين من أجل التخلص من قوته، وإضعاف الحوثيين في الوقت نفسه، وهو الأمر الذي تحدثت مصادر الإصلاح عن أن قيادته فوتت فرصته على الأطراف التي خططت لذلك في صنعاء، ويشير الإصلاح إلى معسكر الرئيس السابق علي عبدالله صالح، كما تغمز بعض مصادره من قناة الرئيس هادي المتهم بالتواطؤ مع الحوثيين في الوقت ذاته.

لكن ماذا أراد الإصلاح من تلك الخطوة؟.. أراد وقف خسائره، ولو بالتسليم للحوثي بقوته، واحتلاله صنعاء، وتحكمه في مؤسسات الدولة، وانتشار مليشياته في أكثر من مدينة يمنية، ويأمل الإصلاح وقف تدهور وضعه، ولملمة جراحه، ومحاولة استيعاب الحوثي، وربما ترويضه ليقترب أكثر من واقع العمل السياسي بتعقيداته المختلفة، يأمل الإصلاح ذلك، بغض النظر عن المنطلقات والأبعاد الفكرية للطرفين القائمة على أساس من التباين المذهبي التي يريد الإصلاح – فيما يبدو - تجاوزها، خاصة وأن هذا الحزب في نشأته الأولى ضم قيادات زيدية وشافعية في الوقت ذاته، قبل أن تحدث حالات استقطاب سياسي ومذهبي معين أدت مع الزمن إلى الوضع الحالي الذي انكشف عن معسكرين غير ملتئمين، سياسياً وفكرياً.

أراد الإصلاح أن يجرب الأداة نفسها التي جربها معسكر صالح بالاقتراب من الحوثي، وربما الاستفادة من قوته العسكرية ودمائه الجديدة، لكن بالمقابل أحدثت خطوة الإصلاح حالة من البلبلة داخل صفوف الإصلاحيين، وخاصة جيل الشباب الذي يعتمل في نفسه شعور بالغضب المكتوم إزاء تردي أوضاع حزبه، وسكوت قيادته على ما جرى للحزب من تشريد لبعض قياداته والاعتداء على ممتلكاته ومقراته، والاشتباك مع بعض القبائل الموالية له.

وهناك من يتحدث عن تبلور ظروف معينة، ربما تتمخض عن ميلاد حزب شاب يخرج من عباءة الإصلاح، يستوعب طبيعة المرحلة، ويعيد النظر في بعض المنطلقات الفكرية، والأساليب السياسية، غير أن هذه فيما يبدو خطوة لم تنضج ظروفها بعد، نظراً لقيام الحزب على أساس المبدأ الديني المتمثل في «السمع والطاعة»، والالتزام البطرياركي الأبوي.

ونقطة أخرى مهمة هنا، تتمثل في علاقات الإصلاح الخارجية، ومدى قدرة الإصلاح على إقناع الإقليم والخارج بتقاربه مع الحوثيين، خاصة أن الإصلاح يعاني من تداعيات الهجمة على الإخوان في مصر والإقليم.

لكن بالمجمل، فإن خطوة الإصلاح هذه ستكون جيدة إذا كان الهدف منها استراتيجياً من أجل لملمة جراح الوطن، والدخول في مصالحة وطنية شاملة تتجاوز الإصلاح والحوثيين إلى غيرهما من المكونات. أما إذا كانت خطوة تكتيكية، تهدف إلى نوع من المكايدة السياسية بين الإصلاح وحزب الرئيس صالح، أو بينه وبقية المكونات الأخرى، فإن الخطوة لن تعدو كونها واحدة من خطوات لا تحصى، نكثت بها أطرافها الموقعة عليها، خاصة وأن اتفاق 21 سبتمبر الذي وقع عليه الحوثيون لم يزل حبراً على ورق فيما يخص التزامات الحوثي بالانسحاب من صنعاء وتسليم مؤسسات الدولة، وتسليم السلاح الذي نهبه من معسكرات الجيش.

أخيراً، أعتقد أن الزيارة الإصلاحية لصعدة قد ضخمت إعلامياً، وصورت على أساس انها اتفاق بين الطرفين، وهو الأمر الذي نفاه الطرفان معاً، حيث لم يحصل اتفاق بعد، على الرغم من أن الزيارة ربما تمهد له، وتكون الخطوة الأولى في طريقه.