عزف منفرد على إيقاع الحوار الوطني
بقلم/ عبدالوهاب العمراني
نشر منذ: 11 سنة و 3 أشهر و 14 يوماً
الإثنين 05 أغسطس-آب 2013 12:57 ص

لم تحظى فعالية سياسية يمنية بدعم واهتمام محلي وإقليمي ودولي مثلما يسلط الضوء اليوم على ملتقى ألوان الطيف السياسي في اليمن تحت سقف واحد ، في الوقت الذي تعيشه اغلب بلدان الربيع حالات تردي ونكسات أمنية وأعمال عنف وتوتر لامثيل له فالأحرى باليمنيين اقتناص مثل هذه الفرص التي قد لا تتكرر أو تعوض!

لعل من ثمار الحوار الجاري اليوم في اليمن بين نخبة وطنية من شرائح المجتمع الثقافية والسياسية بأنه قد أذكى الحس الوطني لشريحة كبيرة من أبناء اليمن ولاسيما فيما يتعلق الأمر في قضاياه الأساسية بناء المشروع الوطني المتكامل وبناء الدولة المدنية الحديثة دولة المساواة والقانون والعدالة والديمقراطية وغدا ذلك المحور الرئيسي لفكر النخب السياسية والمثقفة على السوا مع إدراكهم بأن اليمن في ظروفها الحالية تعيش مخاضا عسيراً وتحديات سياسية واقتصادية تقتضي الالتفاف الوطني وبذل التضحيات .

الإشكال المزمن لإفرازات الربيع العربي في نسخته اليمنية يكمن في رغبة بعض اللاعبين السياسيين في تمييع الثوابت وحصر الجدل في التفاصيل ، بينما مصير الوطن على فوهة بركان ، فسياسة تأجيل وترحيل القضايا أو المراوحة في الجدل العقيم الذي لم يفضي لمخرجات ملموسة تطمئن الشارع اليمني ، ففي أوج عنفوان الغضب الشعبي وجمعة الكرامة حينها بداء مشوار المماطلة والديمغاوجية المفضوحة حتى توقيع المبادرة من قبل القيادة السابقة متعذرا بما اسماه أيادي أمينة وهو ألان يعرقل هذه الأيادي الأمينة فكيف لو كان الأمر لو آلت السلطة لأيادي غير امينة!

ومن ثم انشغل «النظام الجديد» بترتيب ولملمة أشلاء السلطة إذا جاز لنا التعبير بينما تم الهائِها بما عُرف بالقاعدة والتي نمت في العهد السابق وتترعرع وحان قطافها على أنقاضه ، فغدا همّ اليمن وشغلها الشاغل هو محاربة القاعدة نيابة عن الآخرين ، ويوحي بعض الأعلام وكأنها وليدة الظروف المستجدة ، فبداهة فأنها لم تنزل من كوكب آخر في عشية وضحاها وما أن تنفس النظام الجديد الصعداء حتى بداء على عجل بالتهيئة للحوار متزامنا مع استحقاقات أخرى لتوحيد الجيش والمؤسسات الأمنية ، ولم يكن ذلك لولا ضغوطات إقليمية ودولية من جهة ومساعدات في تسيير ذلك من جهة أخرى. ومن هنا فقد انشغل« لنظام الجديد» والذي يفترض بأنه ولِد من رحمّ القديم ولكنه مكبلاً ومحبطاً ببعض فلول الحرس القديم وأدواته في أغلب مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية ، وهو الأمر الذي اصرف النظر عن الأعداد والتهيئة للفصل الثاني من المبادرة وهو الحوار الوطني الشامل فكان يفترض القيام بخطوات هامة كالاعتذار للجنوب ومن دمرت قراهم في صعدة حتى يهيئون السواد الأعظم لقبول الحوار والتفاؤل بمخرجاته ، وكما دخلت أطراف للوحدة بحسابات أنانية وفكر إقصائي لدى البعض داخل أسوار (الموفمبيك) بقناعات مسبقة وما الخلافات التي تظهر للسطح من وقت لآخر إلا دليل على ذلك ، وهم بهذا يسيرون في ركب المماطلة والانشغال بالجزئيات فرغم المدة المقررة للحوار والتي هي بضعة شهور إلا أنها في حقيقة الأمر لم تكن كافية لحل مشكلات تراكمت لأكثر من ثلاثة عقود في ظل تباين الرؤى بين المتحاورين والذين بعضهم أما لم يستوعب خطورة المرحلة والقضايا محل النقاش بل والبعض منهم غدا في ذلك المكان فقط بموجب فكرة الحصص أو الكودة التي تمت إقرارها واعتمادها ، ووفق المعطيات وسلسلة الإخفاقات على المستوى السياسي والأمني لا يتوقع الكثيرون من انفراج قريب طالما لازالت الأطراف المسببة للازمة تتحكم في مفاصل الدولة سوا تم التمديد للفترة الانتقالية او بدونها فقد دخلت العملية السياسية كما دخلت للوحدة كل له حساباته.

من ضمن أخطاء الساسة في اليمن هو ترحيل القضايا التي يفترض أن تُتم بتوافق لاسيما تلك التي تثير جدلا مستمر كالخلاف الدائر ألان حول مكانة الشريعة الإسلامية في الدستور المقترح والذي سيطرح للاستفتاء في المستقبل القريب وهو عود على بداء ويعيد إلى الأذهان الخلاف على الموضوع ذاته قبل الاستفتاء على دستور الوحدة

لا شك بأن الإعداد للحوار شابه قصور الرؤية وفيه تناقضات من أبرزها انه حوار تحت سقف الوحدة وفي نفس الوقت جعلت أعضائه مناصفة على أساس الشطرين وهذا يناقض رسالة وهدف الحوار! وكذا اعتماده الحصص والكودة ونحو ذلك وكأنه حق اريد به باطل

من معطيات مجريات المؤتمر هو الإيحاء من وقت لأخر بأنه يسير باتجاه إقرار صيغّ لتفكيك الدولة اليمنية ، وتكون مصدر لصراعات قادمة في اليمن، والأدهى أن هناك ضغوطا إقليمية ودولية تسير في هذا الاتجاه فأي صيغة لشكل الدول لم تكن مدروسة العواقب ستجر اليمن لويلات قد لا ندركها اليوم ، فبعد إقرار الفدرالية لن تكون طريقنا مفروشة بالورود ، ولنا عبره بدستور العراق الذي أعطى الحق لإقليم او أكثر بتشكيل كيان سياسي في ظل الفدرالية ورغم ذلك لم تحل مشاكل العراق رغم أن أسس مقومات الدولة أفضل منها في اليمن واقتصاده أقوى من اليمن ، ولكن الإشكال فيه ليس محصورا بشكل الدولة وإنما بعقلية النخب الحاكمة في الإقصاء وعدم مشاركة الأخرى ،ولهذا فأن الأسابيع القليلة المتبقية تكاد تنحشر فيها كل هموم وأمال الأمة حيث لم يلمسون مخرجات واضحة لهذا الحوار ولاسيما في قضاياه الأساسية ، وحتماُ فأن المتحاورون في سباق غير متكافئ مع الزمن ومن المؤكد بأن النخب الفاعلة تسير في اتجاهين هما التمديد للفترة الانتقالية ، او الولوج لفترة انتقالية أخرى!

وفي كلا الحالتين لابد ان تلازم الفترة المقبلة استحقاقات وتحولات أو في اقل تقدير استكمال استحقاقات الفترة الحالية، ولكن بالمقابل لا نفرط بالتفاؤل!

في أجواء خواتم رمضانية يتطلع اليمنيون بأن تكون مخرجات الحوار توافقية وتناول اغلب القضايا المطروحة ليثبتون للعالم بأن الحكمة يمانية ، مثلما أذهلوا العالم بوحدتهم مطلع التسعينيات .