عبء القبيلة ... غياب العدالة.. 1-2
بقلم/ غادة محمد أبولحوم
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر
السبت 14 إبريل-نيسان 2012 01:51 ص

القبيله و دورها في اليمن ليس بالأمر الهين ، وكما ان للقبيله سلبيات فلها إيجابيات ايضا . العمل على ايجاد توازن بين الدوله و القبيله هو الامر الذي نحتاج اليه في هذه المرحله بالذات . الدوله غير قادرة علي بسط نفوذها التام و القبيله بمفهومها الحقيقي و أعرافها المنظمة لا تتنافى مع الدوله المدنيه فالقانون القبلي لم يوجد الا من اجل تحقيق النظام للمجتمع ولكن بشكل بدائي و مصغر تطور عبر العصور ليصبح قانون و دستور للدول .

وجدت القبيله منذ الأزل و كان وجودها يحتاج لقوانين لتحقيق النظام ، من هنا جاءت الأعراف القبليه التي كانت تحكم المجتمعات قديماً. و مع التطور الذي و صل اليه الانسان و توسع الحياه و تعقيداتها و تعقيد نمط الحياه نشأت الدوله حتي تكون اكثر شمولية و أوسع بحيث تلبي الحاجة لما اصبحت عليه الحياه .

في اليمن و بسبب الانغلاق الذي عاشته في عهد الامامه لم تكن هناك فرصه تتيح التحول التدريجي الذي يكون عامل هام في عملية اذابة القبيله وانصهارها واتجاهها نحو نظام الدوله الحديثة . ولان التغيير انذاك كان سريع بعد الاطاحه بنظام الامامه عن طريق ثورة سبتمبر المجيده , عندها بدات الدوله الحديثه بالتشكل والتبلور وبدات الانظمه والقوانين تحكم المجتمع اليمني بدلا من حكم القبيله واعرافها . تلك القوانين جاءت نتيجة دخول المصريين لليمن نتيجة دورهم الهام والعظيم في انتصار ثورة اليمن السبتمبريه الى جانب الثوار الوطنيين الابطال , فكانت هناك فجوه وهوه كبيره عاشها المجتمع نتيجة الانتقال من نظام القبيله والاعراف التقليديه الى نظام الدوله وشكلها النظامي والمؤسسي وقوانينها الملزمه للجميع , فكانت هناك بعض الاشكاليات الناتجه عن عدم تقبل البعض للامر بحكم الثقافه التي كانت سائدها قبل الثوره ونتيجة للطفره النوعيه الكبيره التي حدثت بعد الثوره .

حاولت القبيله ان تعيد انتاج نفسها وبقوه بعد الثوره وان تعمل على احلال نفسها بدلا من الاسره الحاكمه التي كانت تسيطر على اليمن قبل الثوره وان تمتلك شيء من نفوذها وسلتطها وذلك خلال فترات حكم الرؤساء الذين استلموا السلطه بعد الثوره وفعلا كان لها دور هام وقوي فهي كانت من اهم الاطراف التي كان لها الفضل في انتصار الثوره السبتمبريه وظلت القبيله احد الاعمده الاساسيه المؤثره في سياسة اليمن خلال الحكومات المتعاقبه منذ اول رئيس للجمهوريه العربيه اليمنيه في حينه الذي كان عبدالله السلال منذ العام 1962 وحتى 1967 ومن بعده القاضي عبدالرحمن الارياني الذي حكم الجمهوريه العربيه اليمنيه منذ 1967 وحتى 1974 , الى ان جاء المقدم ابراهيم الحمدي للسلطه عام 1974 وعمل على انتهاج مشروع بناء الدوله المدنيه الحديثه وايجاد مؤسسات وطنيه تعمل وفقا للدستور والقانون وتجعل من رفعة الوطن وخدمة ابنائه اهم اهدافها وغاياتها, فعمل الحمدي وحكومه على فرض سيادة الدوله واعادة تصحيح الجيش على اسس وطنيه ومهنيه وعلميه دقيقه بغرض بناء جيش وطني قوي يكون ولاءه للوطن لا للقبيله ورموزها , وبعد ذلك عمل على تقليص نفوذ القبيله في السلطه واتسبدالها بمؤسسات وطنيه تعتمد الهيكله والتنظيم اؤسس هامه في مسارها , استمر الشهيد الحمدي في سياسة بناء الدوله المدنيه والحديثه 3 اعوام حتى تم اغتياله في عام 1977 لينتهي بذلك مشروع الدوله الحديثه .

بعد ذلك تولى السلطه على عبدالله صالح منذ عام 1978 وحتى قيام ثورة التغيير الشبابيه السلميه ضد نظامه الاجرامي الفاسد عام 2011 , و خلال فترة حكمه انتهج صالح في بدايات مرحلته سياسة التصالح والتراضي مع القبيله فكان يمارس السلطه بما لا يثير غضب القبيله التي هي بمثابة الحليف الاقوى لصالح وهي كانت من اهم الاطراف التي اوصلته للسلطه الى جانب دور اقليمي لبعض دول الجوار , ففشل صالح في عملية دمج القبيله بالدوله بل انه لم يقدم اي خطط او مشاريع تعمل على احتواء الدوله للقبيله واعادة النظر في نفوذها القوي ، ولكنه لم يأمن ايضا من القبيله ومن احتمال وقوفها ضده في اي لحظه من الزمن فعمل صالح على انتهاج سياسة تفكيك القبيله عبر إثارة النزعات و الخلاف وتغذية الثارات والحروب فيما بينها البين , وكان يتجنب ايجاد حلول جذريه لمشاكل الثارات والنزاعات القبليه كسياسه ممنهجه منه لاضعاف القبيله وتشتيت قواها .

من اهم مكونات القبيله ما يطلق عليه "الشيخ" يجهل الكثير دور الشيخ ، فالشيخ هو بمثابه القائد للقبيله الذي تحتكم لدية , له حقوق و امتيازات و لكنه ليس فوق اعراف القبيله كما ان عليه واجبات والتزامات ايضا يلتزمم بها للقبيله وافرادها او ما يسمى بالمسطلح العامي "غرامتها" . فهناك شي في الاعراف القبليه وهو ان الشيخ له و عليه حكم مربوع ، بمعني ان الشيخ اذا اخطأ في حق أحد او العكس يكون الحكم اربع مرات ما هو علي غيره من بقية افراد القبيله او غرامتها ,كما ان اي فرد في القبيله له الحق في اللجو لشيخ اخر في حال انه شعر بظلم شيخة عليه . وهناك عرف يطلق عليه" المواخاه " وهو ما يسمح لاي فرد من افراد القبيله ان يذهب لقبيله اخرى يواخي لديهم اي يلجى لهم في حال أراد استرداد حقة من اي جهه ظلمته .

الشيخ ليس فوق أعراف القبيله و لا يحق له أخذ ممتلكاتهم او التصرف في شؤون البلاد بشكل فردي ظالم , هناك شواذ في هذا النهج القبلي كما هو الحال في المناطق الوسطي .يترك الحق للشيخ ان يكون المالك للقبيله دون حساب , لا اعرف سبب هذا التحول في نهج المشيخ في تلك المناطق و لكن يجب البحث حول الامر .والجدير بالذكر ان الشيخ لا تتم عملية اختياره حسب ماله ولا يتم بالوراثة ولكن حسب السن والرجاحه والحنكه واكثرهم كفاءه .

نظام صالح أوجد مشايخ جدد جعلوا من فكرة الشيخ شي جديد مبتكر لا يخدم المجتمع ، و كان هدفة ايجاد شيوخ سلطه تخدم مصالح و بهم استطاع تفكيك القبيله و اقصاء المشايخ الأساسيين الذين لايخدموا تلك المصالح . وذلك بالدعم المالي لانصارة و إثارة الفتنه بينهم و محاربتهم كانت احد اهم سياستة .

هذا خلق نوع جديد من المشايخ المصطنعه فكان له دور في حرف مسار القبيله فلم تعد تسير وفقا للعرف القبلي القويم والسليم , وفي نفس الوقت لم تكن قادرة على الاندماج في الدوله والدخول في مؤسساتها والانصهار في بيئتها من ما إدي الي فوضى نعاني منها اليوم .

لا توجد لدينا دوله قادرة علي بسط نفوذها على كل مناطق اليمن ، فلجأت للحلول السريعة والترقيعيه الغير مجديه مثل إعطاء المال وهذا كان سبب في زيادة الفوضي و نشر قانون الغابة الذي يسمح لكل شخص بأخذ حقة باي طريقة متاحة في غياب واضح ومعيب لاي سلطه للدوله فكانت الثارات منتشره وبكثره حتى في شوارع اهم المدن اليمنيه وذلك نتيجة لغياب العدل والقضاء النزيه والمنصف وغياب للدستور والقانون والقوى الامنيه التي تعمل على ضبط تلك الاحداث والحد منها وردع مرتكبيها .ولان الدوله غير منصفة ولا تتعامل مع الجميع وفقا للقانون بل وفقا لمزاجية مسؤوليها فيتجه الجميع لأخذ حقوقهم بأيديهم والانتصار لقضاياهم بعيدا عن الدوله وقوانينها ومؤسساتها الامنيه .

السبب الاخر هو غياب العدل ، فصاحب الحق اذا لجأ للقضاء وجد مماطله و ابتزاز لا نهاية له وفي الغالب يكون الحكم القضائي لمن يدفع اكثر حتى وان لم يكن صاحب حق. كل هذا يجعل اصحاب المظالم يميلون الى التحكيم القبلي وتولية الشيخ لحل اي خلاف ,وفي اوقات كثيرة يكون الشيخ غير قادر على فعل ذلك بسبب نافذين في الدوله يتدخلون بكل سلطتهم وقوتهم للضغط على ذلك الشيخ . فيقوم الشيخ باللجو الى اساليب اخرى قد تضغط على الدوله وترغمها للانصياع لمطالبه واخذ حق من لجأ اليه لانصافه ومن تلك الاساليب على سبيل المثال قطع الطريق او أخذ قاطرات او سيارة اوحتى أشخاص كما كنا نشاهد ونسمع مؤخرا . حينها يلفت انتباه من عندة لهم مطلب و يكون هناك ضغط لتحقيق العداله . و عندما تكون الممتلكات المنهوبه لنافذين عندها تجدهم يسرعون لحل الخلاف من احل اخراج مصالحهم .بما في ذالك خطف الاجانب والسياح لانهم يكونوا محور اهتمام الدوله اكثر من المواطن اليمني فتسارع لايجاد حل لأصحاب تلك المطالب .

في اغلب الأوقات تكون المطالب مشروعه و ما يدفعهم للقيام بمثل هذه الاعمال هو إهمال مطالبهم و تجاهلهم من قبل الجهات الرسميه ومؤسسات الدوله الامنيه والقضائيه . ولان الدوله لم تترك للقبيله الأعراف كمرجع لهم و لم تبسط نفوذها وجدت هذه الفوضي الجديدة التي تضر بمصالحنا جميعا.