إنطباعات لم تكتمل بعد
بقلم/ عبد الرزاق الجمل
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 24 يوماً
الثلاثاء 14 فبراير-شباط 2012 04:25 م

لا تجد أنصار الشريعة كثيرا يتجولون في شوارع مدينة عزان نهارا، لكن الناس يتعاملون كما لو أنهم موجودون. من النادر أن تجد شجارا بين شخصين على أمور تافهة أو غير تافهة، كما يحدث في صنعاء أو في غيرها. الفرزة هنا هادئة كما لو أنها ليست فرزة في منطقة يمنية. ضرورة أن يعاقب المسيء تجعل الناس لا يسيئون. بالإمكان أن يحدث هذا حين يُطبق القانون بصدق في أي مكان ومن قبل أية جهة. قانون هؤلاء مغر لؤلئك. لا أحد سيعارض ما ينفذ على أنه قانون سماوي في مناطق أهلها على الفطرة رغم جلافتها وجلافتهم التي أكسبتها إياهم سنون أجلف منها ومنهم.

لا أعرف بالضبط كل مواقف الناس من أنصار الشريعة ومن طبيعة إدارتهم للحياة هنا. ربما يخفي البعض موقفا خاصا وراء خوف حقيقي من شيء متوهم أو حقيقي. يسألني مالك مطعم عن رأيي في حالة الإعدام التي تمت في حق مخبرين عملوا لصالح النظام السعودي ضد أنصار الشريعة، فأعيد السؤال ذاته له. ربما تعاطف قليلا مع أحدهم لكنه ضد مبدأ التجسس جملة وتفصيلا، وهو مع عقوبة هذا الفعل جملة وتفصيلا أيضا. مع قلق طفيف من أن يكون الأمر تم بمجرد الاشتباه. ربما لهذا السبب ينشط أنصار الشريعة بقوة عبر أدواتهم الإعلامية الخاصة والمحدودة في الوصول إلى الناس لإيصال فكرتهم وما يقومون به على أكمل وجه. الكشك الدعوي هنا لا يبيع ما يعرضه بل يوزعه مجانا.

يؤمن الناس بأن ما هو قائم أفضل ما يمكن أن تبقى عليه مدينة عزان التي يسيطر عليها أنصار الشريعة من محافظة شبوة، لكنهم قلقون من عدم بقاء هذا الوضع بهذا الشكل، وهو قلق يجعلهم يضعون ألف حساب لما قد يقدم. الأمر يشبه ساعة سليمانية في "تخزينة قات" تعقبها ساعات من الهم ونتف الشارب. ربما يفكر البعض أن الأمر قد يكون على هذا النحو. هذا قياس على حالة يمنية تصاحب غالبية اليمنيين من بعد الظهر كل يوم وحتى منتصـف ليلتـه كل ليلة.

صحيح بأنهم يعيشون واقعا محسوسا يرونه إيجابيا إلى أبعد حد، مقارنة بما عاشوه قبلا، لكنهم يعيشون واقعا من الهواجس سلبيا إلى أبعد حد أيضا. البعض وليس الكل. أو القلة إن دق التعبير. هل كان على هذه المكاسب الإيجابية أن تأتي عبر من يطلب منهم العالم الخروج من الحياة إلى غير رجعة؟. لا شك أن هذا سؤال يخلد إليه تفكير بعض من يعيش في مناطق سيطرة أنصار الشريعة، فيعيشون ترقبا قلقا ربما يساوي فرحهم بما يخشون زواله.

كثيرون تخلصوا من هذا التفكير، ومن تساؤلاته، ودفعهم طول أمد الوضع بهذا الشكل، إلى التصرف بعيدا عن ذاك التفكير وتلك التساؤلات. بالذات في مدينة جعار. المدينة التي تحول اسمها إلى "وقار". هاهي عقود النكاح تُكتب في مكاتب أنصار الشريعة، وعقود الإيجار، والبيع والشراء، وأشياء أخرى كثيرة.. أبعد من ذلك، لقد تقبل كثير من الناس فكرة تزويج بناتهم لمقاتلين من أنصار الشريعة أنفسهم.

كان هناك زواج جماعي لعدد منهم خلال الشهر الماضي في مدينة جعار. حضر الزواج جمع كبير من الناس. كثير منهم راحوا يأخذون صورا مع أبي هاجر منشد التنظيم، كما يفعل الناس مع المشاهير، مع أن أناشيد الفرح كانت جهادية خالصة، إن كانوا قد ظنوا أنه من مشاهير الفن. هو فرح لكن المنشد لم يكن يحفظ غير هذه الأناشيد، وحضوره تم من غير سابق إنذار، كما تتم أشياء كثيرة هنا. للوضع الأمني ظروفه الاستثنائية.

يتطور أمر التقبل بشكل سريع. يقول هذا التطور إن جهد عشر سنين أو أكثر من العمل الإعلامي الأمريكي والإعلام المتحالف معه في العالم أجمع، سقط خلال أقل من عام في مناطق محدودة منه سيطر عليها أنصار الشريعة، أعداء أمريكا بنظامها العالمي الجديد ومنظومته العالمية الجديدة.

لم يذب أنصار الشريعة في المجتمع. المجتمع هو الذي ذاب في أنصار الشريعة. من لم يصدق هذا أو يراه مبالغة أو كذبا أو أي شيء آخر غير الحقيقة، فليزر مناطق سيطرتهم ليرى بعينه الواقع كما هو. كما هو تماما. هذا ليس مدحا لأنصار الشريعة بقدر ما هو سخرية من نظام رمى بحياة الناس خلف ظهره وكرس البلد كله لصالح دائرة ضيقة يتواجد فيها هو ومن يعينه على إدارة البلد بدوائره الضيقة والمتسعة على هذا النحو. لقد اتسعت دائرة النظام الفاسدة مع مرور الوقت على حساب ضيق دائرة الشعب، حتى وجد الشعب نفسه خارج أي دائرة اهتمام.

إذن.. كيف يمكن أن يستقبل الناس من يجابه عوامل قهرهم وحرمانهم، حتى لو كان هذا المجابه شيطانا رجيما، وكيف يمكن أن ينظروا لمن يرون أنه يريد إعادتهم إلى سابق قهرهم؟!.

مع القائد "كاهو"

أنا الآن مع أنصار الشريعة، المتهمين من قبل خصوم صالح بأنهم صنيعته، المطلوبين لأمريكا، للحوثي، للسعودية، ولنظام صالح نفسه، وقريبا جدا لحكومة المعارضة. لا يهمهم ما يقوله خصومهم عنهم بخصوص علاقتهم بصالح، أو بأي شيء آخر. لا يخيفهم أن يكونوا مطلوبين لجميع أولئك. لا يقلقهم ما تبثه كل وسائل الإعلام. يخافون ويقلقون إن لم يقوموا بشيء عملي. هم إذن في عمل مستمر. وأنا لا أدري من أين أبدأ معهم في مناقشة كثير من الملفات التي أراها مهمة، ولا يرونها بنفس الأهمية التي أراها.

لكنهم يتجاوبون بالشكل المطلوب، ولا يتحفظون إزاء أية قضية يُطرح سؤال حولها، عكس غيرهم ممن التقيت بهم، وهذا أمر جيد. المهم أن أخرج منهم بما أريد، وليس مهما أهمية ذلك لهم من عدمه. والمهم أيضا أن أفعل ذلك بشكل سريع جدا، حتى لا ينتهي بهم المطاف تحت الكثبان الرملية قبل أن أحصل منهم على ما أريد، هذا بناء على ما تنشره صحيفة "أخبار اليوم" من أخبارهم التي يقول أكثرها "وقد شُوهد المسلحون وهم يدفنون قتلاهم في الكثبان الرملية". كيف يمكن أن تدفن قتلاك في الكثبان الرملية؟!!.

أضحكهم كثيرا هذا الخبر، والخبر الآخر الذي نشرته الصحيفة ذاتها، والذي يقول إن "مقاتلي أنصار الشريعة شوهدوا وهم يُجهشون بالبكاء بعد مقتل قائدهم الأفريقي كاهو". لقد أطلقوا هذا اللقب، بعد هذا الخبر، على أحد مقاتليهم من أبناء محافظة أبين، للتندر، وتقبل هذا الشخص ذو البشرة السمراء لقب "كاهو" بسرور بالغ، لكنه طلب منهم أن لا يجهشوا بالبكاء إن أصابه مكروه، كما أجهشوا على "سميه" السابق بالبكاء، والذي لا يُعرف من أين ولا كيف أتت الصحيفة باسمه، ولم يسبق له أن سمعوا به، كما اشترط عليهم "كاهو" الجديد أن لا يدفنوه في الكثبان الرملية.. المهم أن هذا الخبر جعلهم يجهشون بالضحك. أنصار الشريعة مدينون لهذه الصحيفة بكثير من الضحك. ربما لهذا السبب أطلقوا على بعض عملياتهم في منطقة باجدار اسم "عملية كاهو".

بعيدا عن القيادي الأفريقي كاهو، وعن دفن القتلى في الكثبان الرملية، وعن الرياح التي تأتي وتميط الرمل عن تلك الجثث فيتمكن شهود العيان، في منطقة لا شهود عيان فيها، من حصرها، ومعرفة هويات القتلى، ثم يطيرون بذلك إلى الصحيفة، وتطير الصحيفة فرحا بما سمعت، قبل أن تطير به إلى القارئ على هذا النحو: "مقتل عشرة من القاعدة بينهم سعوديان وجزائـري وأفغانـي ـ مقتـل العشــرات بـينهم عـدد مـن القيـادات الأفريقيـة والعربيـة.. الخ".. إن لم تكن هي من اخترع الخبر برمله وكثبانه، بل إنها تفعل ذلك.. بعيدا عن ذلك كله.. بعيدا عن ذلك كله ماذا بعد؟.. نسيت والله.. أكره أن أطيل الجمل الاعتراضية ثم يكون ذلك في النهاية على حساب الجُمل الأساسية.. بعيدا عن ذلك كله يجب أن أتخلص من الاستطراد وأركز على جوهر الموضوع.. وجودي الآن مع أنصار الشريعة وحاجتي لمناقشة كثير من الملفات معهم. والعودة بأكبر قدر من الأجوبة على الأسئلة المثارة.. والسلام.