من لبنان وسوريا إلى اليمن ..الطائفية تغزوا اليسار!
بقلم/ عبدالكريم الخياطي
نشر منذ: 14 سنة و 6 أيام
الثلاثاء 09 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 11:17 ص
 

الأحزاب اليسارية العربية ناضلت كثيرا في سبيل ترسيخ قيم المواطنة والعدالة وقيم الحداثة.. وكان التحرر من سيطرة الامبريالية الرأسمالية وأدواتها التقليدية والأنظمة الملكية والأسرية القريبة من الغرب الرأسمالي هو الهاجس اليومي وأكثر ماركزت عليه بسبب الحرب الباردة بين معسكري الشرق والغرب كما أنها قادت مراحل النضال العسكري ضد الإحتلال الإسرائيلي منذ الخمسينات وحتى منتصف الثمانينات..

سلب اليسار لدوره النضالي..!

اليسار اليوم تغير وضعه وظروفه بعد إنهيار الداعم الرئيسي الإتحاد السوفييتي.. وألقى هذا بظلاله على مسار حركة التحرر الوطني الفلسطيني وعلى يسار عراق ما بعد الغزو الأمريكي ومن قبلها حروب لبنان وكذلك الحرب التي شنها صالح ضد الحزب الإشتراكي اليمني في مناطق الجنوب وإخراجه من الحكم.. ثم مرحلة ما بعد الحرب العربية الإسرائيلية الأخيرة في 2006, وذلك ساعد في بزوغ نجم الحركات الإسلامية كحركات مقاومة في مناطق الصراع مع الإستعمار والإمبريالية.

وعاني اليسار من معضلات سياسية وتنظيمية وفكرية خطيرة هددت تواجده نتيجة نضوب مصادر التمويل وإنكسار في ألق الفكر اليساري وعدم القدرة على مواكبة إجتياح سيل العولمة وتطورات الأوضاع السياسية في العالم الثالث التي رافقت سياسة القطب الواحد , وفي ظل المعاناة والإقصاء الذي تعرض له اليساريون..

ولأن الهاجس النضالي المقاوم للإستعمار والإمبريالية الرأسمالية كان هو الهاجس اليومي في حياة معظم يساريو العرب والمحرك الرئيس لإستمرارهم رغم ما يعانونه.. كان لابد أن يبحث اليساريون عن تحالفات قوية تمكنهم من الإستمرار في نضالاتهم وفي أداء الدور الذي وهبوا حياتهم من أجله.. وبحثت أحزاب اليسار عن تحالفات مع قوى تكافح الإمبريالية الأمريكية كقوة تريد تعميم نموذجها الرأسمالي على العالم وترغب في دعم حليفها الإسرائيلي.. فكانت التحالفات هي الضرورة, وقد كان بعضها إستراتيجيا وتجربة تجديد غيرت طريقة نظرة اليسار للأخر وتم عن طريقها الحفاظ على قوة تنظيمية لأحزاب من مثل الحزب الإشتراكي اليمني , وحزب الشعب السوري والحزب الشيوعي مع الإخوان المسلمين.

ففي اليمن كانت تجربة جيدة تسببت في ترسيخ قيم ديمقراطية فريدة لدى الأحزاب اليمنية, وساهم تحالف الإشتراكي اليمني مع حركة إسلامية كالإصلاح في تغيير كبير في خطاب الإصلاح ودعم ذلك إنتقال الإصلاح من الإطار التنظيري والتربوي التنظيمي المعتمد على الفتوى إلى إطار التماهي مع العمل السياسي الأوسع أفقا وقابلية للأخر وأكثر ديناميكية.

وهنا يبرز تساؤل يراود معظم مناضلي ومفكري اليسار العربي :هل يقتضى النضال ضد الاستعمار والهيمنة الأمريكية، التحالف مع قوى سياسية أساس بناءها الأيدلوجي والجماهيري هي الطائفية السياسية من حيث أن الأخيرة لا تأتى معها إلا بتشديد ظروف الاستغلال الرأسمالي ودعم أنظمة القهر الطبقي الفج، وهل يقتضي ذلك بناء دول؟

يرد على ذلك الكاتب اليساري المصري عمرو عبدالرحمن ب"أن أي نضال ضد الإمبريالية بدون بناء أمم ودول ناجزة محكوم عليه بالفشل ومقدر له الانحطاط لأشكال من الاستبداد أو الإرهاب المعمم، وأن الطوائف وأمرائها لا يناضلون ضد الاستعمار حتى لو تضادوا معه. "ويحاول أن يؤكد إن النضال ضد الإمبريالية هو استراتيجية تبزغ من رحم مشروع للتحرر الوطني أي بناء دول وأمم وشعوب ومواطنين بالمعنى الحديث للكلمة." وهذا ماكانت تغفل عنه الانظمة والأحزاب اليسارية في العالم الثالث وخاصة الوطن العربي, لأن إرتباط هذه الأحزاب والقوى بمركز يغيب فيه دور الفرد (الإنسان ) يحمل الدولة أعباء تتراكم مع الزمن رغم المظهر الشكلي الذي يبرز دولة القانون فيها هو إله يتحكم بحياة الجميع ويتم تنفيذه بصرامة يصبح فيها دور الفرد مغيبا بدون قصد بإسم حماية الدولة ومكافحة كل قوى الرجعية وفكر الإمبريالية المتربص بالدولة, فتبرز ديكتاتورية لاسقف لقمعها ويبدا هنا الإنفصام بين الدولة والفرد يبرز بشكل خطير, كما أن دولة المركز في موسكو بدعمها الإقتصادي اللا محدود للأنظمة والقوى اليسارية قد خلقت مجتمعات إتكالية تعتمد على الدولة والحزب في كل نواحي الحياة "، ويصبح مصطلح مكافحة الإمبريالية نوعا من العبء وربما الترف الأيدلوجي الغير واقعي.

وكان لليسار تجارب وتحالفات اخرى كان يتم النظر إليها على أنها مرحلية تسبب فيها المصير المشترك والقضية النضالية الواحدة ضد المستعمر من قبل اليسار بينما أرادتها القوى الحليفة نوع من التبشير وأحيانا الضم. وهذا ما حدث فعلا لأحزاب اليسار في لبنان.

حيث إنكمش اليسار بل تم سلبه دوره في المقاومة , وعن ذلك في لبنان كمثل يقول فيصل بن جلول "يتمحور السجال حول نقطتين كبيرتين: سيطرة حزب الله على المقاومة برعاية إقليمية وريادة اليسار في إطلاقها. ويؤكد يساريون إن قوى خارجية منعتهم من مواصلة تحرير الجنوب ولو سمحت لهم بذلك لكان التيار اليساري يحتل اليوم المكانة المرموقة التي تشغلها المقاومة الإسلامية.

بينما يؤكد عمر عبدالرحمن أن هذه التحالفات مع قوى طائفية أو دول تسعى لبسط نفوذ قومي يعتمد المذهبية ب"أنها تتناقض مع هذه النضالات في المستقبل وتعرقلها "ويزيد "بأن ما يراه البعض من جوهر مناهض للاستعمار في هذه التحركات إنما يعبر عن خلل منهجي ينتحر بمقتضاه المثقف اليساري متخلياً عن أهم أدواته التحليلية المادية لصالح تصورات مثالية ترى كل الممكنات في كافة المواقف متذرعة بقليل من الألعاب اللغوية." وهو كلام صحيح في مجمله إذا عرفنا أن أحزابا يسارية ذابت وأنصهرت في قوالب صغيرة فئوية ونخبوية وأخطرها طائفية, حيث أصبحت هذه الأحزاب مقتصرة على فئات ذات صبغة مجتمعية خاصة, هاجسها حماية الذات والطائفة التي أصبحت محتكرة لقيادة الحزب, وهذا مالوحظ من تحول داخل الحزب الإشتراكي التقدمي في لبنان بعد إغتيال كمال جنبلاط وكذلك تحول القومي اليساري في سوريا (حزب البعث ) بعد إنقلاب حافظ الأسد على رفاقه وتصفيته لكل القوى داخل الحزب من يساريين تقدميين وقوميين.

حين كانت الحرب اللبنانية وحرب المقاومة الفلسطينية مع إسرائيل على أوجها في الثمانينات كانت أحزاب اليسار مضطرة في أحيان إلى التحالف مع قوى دينية تنتمي للمدرسة الشيعية كأمل ثم حزب الله ..نتيجة للدعم المادي واللوجيستي من إيران, كما أن الانبهار الشكلي كان دافعا أخر لبعض اليساريين لأنهم يرون في ذلك التحالف أهمية أيدلوجية, خاصة وأن تلك القوى الحليفة تتبنى مناهضة الإحتلال الإسرائيلي , ومعادات الإمبريالية الغربية ..وهذا كان جل ما تحاول القوى اليسارية المحافظة علية من موروثها التحرري.

وسط هذا الصخب برز العديد من مفكري اليسار الذين يرون أن التحالف مع تيارات إسلامية معتدلة وغير مرتبطة في قرارها بسلطة دينية مركزية أو حتى قوى دولية أخرى غير القوى المحلية هو الأفضل لهذه التيارات.. وكانت ترى كما يقول عبدالقادر عيد المفكر اليساري السوري :(إذا كان اليسار انتقل باشكاليته الفلسفية المركزية من أولوية المادة إلى أولوية الإنسان مما سيساعد على قبول الآخر الإسلامي، فإن الإسلاميين ( يقصد هنا التيار الإخواني غير المرتبط بمركزية القرار الملالوي الإيراني) سينتقلون من أولوية النص الشرعي -أسبقية النقل على العقل- إلى أولوية مقاصد الشرع "أولوية الإنسان المستخلف في الأرض "ويرجع عبدالقادرعيد تحول معظم قوى اليسار وقوى إسلامية إلى التحالف لإسقاط النظام السوري في إعلان دمشق " إلى عيش هذه القوى في فضاءات اتسمت بالانفتاح والمراجعة النقدية تأسيسا على ليبرالية ثقافية مستنيرة وجدوا فيها مقدمات ضرورية لابد منها لخياراتهم الإيديولوجية القومية واليسارية بل وحتى الاسلامية ".

هل يلتقي اليسار مع الشيعية السياسية؟

أخلاقيا ومنطقيا نجد أنه من الغريب إلا تتضامن قوى اليسار في العالم العربي مع اليسار في إيران , فيما عدا الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي والذي دعا في16كانون الثاني 2011 , استجابة لدعوات عدة أطراف من الأحزاب والمنظمات الجماهيرية الإيرانية إلى التظاهر والاحتجاج لإلغاء أحكام الإعدام وإطلاق سراح السجناء السياسيين واعتبروا يوم 29 كانون الثاني يوما عالميا لهذا الغرض. ودعوا في بياناتهم الأحزاب والقوى العالمية والإقليمية إلى الانضمام إلى تظاهرتهم والتضامن معهم.

يتصور بعض اليساريين أن تحالف إيران مع أنظمة يسار أمريكا اللاتينية هو تحالف إستراتيجي, إقتضته ضرورات سيادة النموذج الأمريكي الإمبريالي على العالم.

ولنفهم ذلك دعونا نقارن بين تشافيز والرئيس دي سيلفا الرئيس البرازيلي السابق الذي إعتمد سياسات مستقلة وأبتعد عن إيران بسرعة حين لاحظ أنها لا تريد منه سوى تنفيذ أجندة ضغط على دول الإستكبار وهو مالاحظه دي سيلفا باكرا ووضع حدود للتعاون مع إيران أفاد بلده وأبعدها عن الصراعات وحافظ على الديمقراطية البرازيلية ما جعل حزبه يتصدر الإنتخابات التالية كما حقق قفزات إقتصادية للبرازيل لفتت إنتباه الجميع .كان الثاني أكثر وعيا بينما تشافيز النزعة الفردية لديه تضخمت وأخافت الدول التي إقتربت من اليسار (اسبانيا) ما أدى لإنهزام اليسار الاسباني القريب من تشافيز.

ما يحدث في فنزويلا هو إنقلاب على طريقة اليسار الجديد في العمل السياسي, الذي يعتمد الإستقلالية الوطنية والإقتصادية معتمدا العدالة وإستغلال المتاح وتطويره والإرتقاء بالإنسان الفنزويلي فكريا وثقافيا وتقنيا, لكن رغبة تشافيز الفردية والديكتاتورية قد تصيب مشروعه بإنكسارة خطيرة, وهذا ماظهر في تقلص شعبيته وبروز المعارضات القوية وإن كانت مدعومة أمريكيا, لكن سياسته الإقصائية أتاحت ارضية للنفوذ الامريكي داخل المعارضة, كما أن البنى التحتية لم تشهد تطورا ملموسا وبرزت فقط كشعارات, وكان لإيران دور في ذلك لأن الراسمالية الإيرانية تسللت إلى إقتصاد فنزويلا متسببة في خلل كبير داخل المؤسسات الإقتصادية وفساد مالي يهدد بسقوط المشروع اليساري الفنزويلي.

وأنشغل تشافيز بتصدير الثورة ودخل في صراعات هامشية على طريقة صديقه أحمدي نجاد الذي يحاول الهروب من مشاكله الإقتصادية والسياسية المحلية بخلق صراعات إقليمية تتيح له البقاء كبطل قومي.

كما أن تشافيز لم يلتفت إلى أن إيران تتحالف مع إشتراكيوا أمريكا اللاتينية لقربها من الولايات المتحدة بينما لا تلقي بالا لدول في أسيا وهذه براجماتية خطيرة توضحها إحصائيات تؤكد أنه حتى الآن لم تحقق المشروعات العظيمة التي روج لها الزعماء البارزون في التحالف الجديد شيئا يذكر. فقد أبرمت فنزويلا وإيران 120 اتفاقية خلال العام الماضي إلا أن أيا منها لم ينفذ بصورة جادة. وهذا على الأرجح سيكون أيضا نفس مصير الاتفاقات والبرامج التي أبرمها أحمدي نجاد مع أورتيجا ورفائيل كوريا. لكن الأشقاء غير المحتملين الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة كل الاختلاف لديهم قاسم مشترك مهم وهو العداء الشخصي للولايات المتحدة.

لو كانت إيران جادة في دعم اليسار لدعمت تقوية الحزب الإشتراكي اليمني مثلا وليس إستقطاب بعض المتحمسين والمؤثرين فيه للضغط على مواقف الحزب وتشتيت قيادته بخلق صراعات داخله.

وهو ما يؤكده قول أحد مؤسسي الحراك الجنوبي العميد ناصر النوبة ل “الشرق” إن التنسيق بين طهران وقوى الحراك الجنوبي منذ فترة، خصوصا عندما بدأت قيادات الحزب الاشتراكي اليمني في الخارج تشق الحراك الجنوبي من خلال الدعم المالي والتنسيق مع بعض قوى الحراك الموالية لهم والمؤمنة بالتبعية الفردية، قائلاً “منتصف العام الماضي استدعت طهران عدداً من الشباب لتدريبهم، وتم ترحيلهم إلى دولة عربية وسيطة ومن ثم إلى طهران دون تأشيرات دخول وخروج من وإلى إيران”.

تخوف طهران من دور الاشتراكي الوطني في المرحلة القادمة

في اليمن يعتقد الكثيرون أن مشروع الإنفصال يمكن أن يتخلى عنه الجنوبيون في حال غاب الدافع لدى الحاضن للفكرة وهم شباب الجنوب الذين يتسابق على كسب ولائهم كثير من قيادات في الخارج والداخل وهذا ربما بدأ في الظهور بعد إندلاع الثورة بقوة في المحافظات الشمالية خاصة وإن من أهم مطالب الثوار حل القضية الجنوبية وإشراك الجنوبيين في إدارة الدولة بشكل واقعي وليس صوري كما كان في عهد صالح.

كما أن الحزب الإشتراكي إذا حافظ على وحدته وقوة تنظيمه وأصبح شريكا حقيقيا في أي حل تنجم عنه المرحلة القادمة (ما بعد الثورة ) فإن من شأن كل ذلك أن يقضي على فكرة الإنفصال بالمعنى الحرفي والفيدرالية ذات الإقليمين التي غذتها موتمرات مثل مؤتمر القاهرة ومؤتمرات بيروت, وهذا ربما ما لاحظته إيران ومن يواليها في اليمن وحلفاء حليفتها سوريا (حزب البعث )..وهو ما بدأت إيران في معالجته بدعم الإستقطابات داخل الحزب الإشتراكي ودفع قيادات وسطية تشعر بأنها مغيبة وتطلب أدوار لها بطريقة أو أخرى فقد دفعت إيران بسفيرها للإلتقاء بكثير من هؤلاء القيادات الشبابية, وكذلك تم الإستقطاب عن طريق دعم الكثير من هؤلاء للسفر عبر رحلات مكوكية بين محطات (القاهرة او بيروت دمشق وطهران )..كما بدأت القنوات الإيرانية الفضائية كالعالم تظهر الكثير من هؤلاء الشباب والنفخ في طموحاتهم الفردية بأنهم هم قادة الثورة وتم تقديم كل من يهاجم أحزاب المشترك وخاصة الإصلاح.

كما تم إظهار شخصيات تدفع في إتجاه تخوين القيادة الحالية للحزب وإرتهانها للخارج الخليجي والداخل كحزب الإصلاح. بل وصل الأمر إلى محاولات لهذه القوى في إحياء صراعات قديمة أيدلوجية واللعب على أوتار الإستهداف الديني التكفيري ضد كوادر من الحزب الإشتراكي, وتمكنت هذه القوى من خلق بلبلة على الأقل داخل الأطر التنظيمية الوسطية ..حتى تبنى موقع الإشتراكي نت الهجوم على شركاء الحزب في المشترك وخاصة الإصلاح عبر نشر بيانات إدعت أنها تمثل الحزب ..هذه الأمور ربما يستطبع شركاء المشترك أن يحلوها مع الوقت ..لأن المشاكل السياسية تتغير حلولها وفقا للظروف والمعطيات إلا إن إستفحل الأمر ووصل إلى مرحلة وراثة الدور السياسي للحزب الإشتراكي عبر أطر ضيقة مناطقية وطائفية كما حدث في لبنان وسوريا.

البرجوازية الشيعية تناقض العدالة اليسارية

في لبنان وإيران وسوريا كانت تجربة اليسار مريرة وتعرضت للتصفيات حينا أو الإلحاق حينا أخر .فحقبة التحرر اليساري الوطني كانت قد تمت تصفيتها بالكامل خلال الفترة الأولى من الثورة الإيرانية. لأن الثورة الإيرانية، هي رد فعل شعبوى/ ديني، قامت على مزج إيديولوجية الإسلام السياسي المحافظ بتصورات مغالى فيها عن عداء ماهوى بين العالم الثالث والولايات المتحدة، أو المستضعفين والمستكبرين، كما صاغها الإمام “الخمينى”. كان من المنطقي أن يتحالف الإمام الخميني من حيث إسلاميته مع الأجنحة الرجعية والمتخلفة من البرجوازية الإيرانية، متمثلة في البازار أو رأس المال الإيراني، وهذا ما كانت القوى اليسارية تنتقده بشكل مستمر, ولهذا تم إستهداف اليسار في إيران , كما تحالفت الثورة الإيرانية مع الشرائح الرثة من الطبقة العاملة الواقعة خارج عملية الإنتاج بالمجمل، والتي تماهت مع الزوج الشعبوى من المركب الإيديولوجي للثورة الإيرانية.

وتفاعل الطرفان البرجوازيين والطبقات العاملة معاً تحت رعاية سلطة الملالى، الذين كانوا خير معبر عن هذا التحالف العريض الذي اغتنى من الإيديولوجية الشعبوية الإسلامية وأكسبها مبرر وجودها. وهو ما لاحظه يساريون من أمثال وليد جنبلاط من لبنان وعبدالقادر عيد في سوريا كمثال , وكان من شأن فعل هذا المركب مناصبة استراتيجية التحرر الوطني بمعناها الأصيل العداء الجوهري- فاستراتيجية التحرر الوطني من حيث هي تحديث لقوى الإنتاج البرجوازي وبناء دولة ومجتمع حداثيين على النمط الغربي، وهى الإيديولوجية التي فتحت الإمكانية لتبلور الطبقات العاملة والوسطي الحديثة، ومن ثم إمكانية طرح الاشتراكية من الأساس على جدول أعمال شعوب الشرق الأوسط. والحال أن هذه الاستراتيجية وقعت في مرمى نيران الثورة الإيرانية. فكما يعلم أن النظام الأيراني وحتى الأحزاب الدينية الشيعية التي تميل إليه تخلق نوع من التمايز الطبقي داخل المجتمع الواحد , كما أنها تصنع طبقة صغيرة من رجالات الدين الذين يجمعون أموالا كبيرة من المريدين وهم أغلب أبناء المذهب تصل إلى خمس أموال الفرد خارج إطار المؤسسية الحكومية ورقابتها أو حتى المدنية المتحررة من التمييز الديني والمذهبي والتي تصب في خانة العمل المجتمعي التضامني المعمول به في كل العالم المتحضر.وهذا ما ترفضه كل مناهج اليسار والمدنية.

الشيعية السياسية تعني نهاية العمل الحزبي

كان اليسار في لبنان ضحية تغول للعصبية الشيعية التي يقودها حزب الله (كمثال) ، والحاصل على تفويض شيعي يخوله الحماية والدفاع وفقط، يفزع باقي هذه الشرائح ويدفعها باتجاه سياسة طائفية نشطة وصريحة تصادر على إمكانية أي تحرر اجتماعي في المستقبل.

من ثم فالتسليم لحزب الله بالحق في مواجهة إسرائيل في أي زمان ومكان هو مصادرة على إمكانية تحرير هذه الشرائح من السياسات الطائفية الصريحة. النتيجة السياسية لذلك هي أن انخراطا نشطا لحزب الله في الصراع مع إسرائيل رغماً عن الجماهير اللبنانية، والحوثيين في اليمن ضد ما يسمونه تدخلات السعودية في اليمن ودعمها للسلفيين, وهو انخراط ترتبه واجباتهما الإقليمية تجاه المركز (إيران) كما يعلم الجميع يقتضى ضرورة المصادرة على أية إمكانية لتملص أهل الطائفة الشيعية من سطوة حزب الله أوالحوثي في اليمن، إذ يجرى اعتقالها هي نفسها في خطاب معاداة الاستعمار المجوف ذاك وتخوين أية أصوات أخرى حتى لو كانت يسارية. والنوايا الطيبة التي تتخيل غير ذلك ما عليها إلا مراجعة ممارسات حزب الله والحوثي الأمنية في مناطق نفوذه لتتأكد من ذلك. في ضوء ذلك فإن تقديم بعض المحسوبين على اليسار لحزب الله على صورة المعادى للإمبريالية والحوثي للنفوذ السعودي قي اليمن يقدم المدد لهذه الصيرورة الشعبوية باتجاه الإغلاق الكامل لكل التصور الاجتماعي والسياسي في خانة الخائن/ المقاوم. وهذه الصيرورة نفسها تتناقض مع أية إمكانية على الأرض للقوى الاجتماعية لتنظيم نفسها داخل الطائفة الشيعية, وحتى السنية, لأن الطائفة السنية في اليمن كما حدث في العراق ولبنان تبدأ بسبب إستهداف وجودها في مناطق كصعدة وحجة وكذلك تخوينها وأتهامها بالعمالة للسعودية تبدأ الدخول في مرحلة التحشيد الطائفي لحماية وجودها من أصله, وتصبح إمكانيات القوى والأحزاب اليسارية أو القومية والليبرالية في إيجاد جمهور لها داخل الطائفتان بعيدة المنال ..لأن الجمهور مشغول بفكرة أثنية طائفية تغيب العقل والتفكير الوطني الواسع.

الشيعية السياسية تبتلع اليساريون

الخلل السياسي الأخر يكمن في تصور بعض اليساريين لإمكانيات اليسار هو نفسه كتيار، وتخيلهم أن إمكانياتهم الثقافية والسياسية تسمح لهم بالتأثير في خطاب وممارسات الحوثي وحزب الله بمجرد الكلام مع قيادات الجماعتين وهذا يقول عنه الكاتب اليساري المصري عمرو عبدالرحمن (وهذا ما أسميه الانتحار المنهجي، أي تخلى اليسار عن أية أصالة منهجية تفصل بينه وبين تصورات الإيديولوجية البرجوازية الإرادوية عن الفعل الإنساني وإمكانية تغيير العالم بنخب متنورة وواعية. التحالف مع حزب الله يتم اختزاله إلى الكلام مع قيادات حزب الله بينما يقوم حزب الله بالتنفيذ على الأرض. إنه التصور اليساري النخبوى المنتفخ ذاته الذي ينسب إلى كوادره قدرات خارقة تؤهلهم لتوجيه مسار ثورات كاملة مهما كان ضعفهم السياسي، فقط إذا تحالفوا سياسياً بذكاء مع الطرف الرابح..

ويضيف عبدالرحمن (هذه السذاجة المفرطة تتجاهل الحقيقة الأهم، وهى أن كوادر اليسار نفسها هي التي يتم استيعابها في خطاب الطرف الرابح وليس العكس" مع ذلك لايمكن أن يتم إنتقاد حزب مقاوم للإستعمار أو إنتقاد إقامة علاقات معه إلا عندما يصبح المشروع المذهبي متغلبا على الوطني وعلاقة الحزب أو الجماعة بطرف أجنبي تصير واضحة جدا ..وهو ما أخطأته حتى الأحزاب اليسارية الحاكمة في دول العالم الثالث سابقا عندما ربطت مصيرها بل حتى سياساتها الإقتصادية والسياسية بالمركز في موسكو.. وكان يمكنها أن تكون مشاريع يسارية تحديثية ذات صبغة وطنية متميزة وهو ما نجحت فيه الصين التي خطت لنفسها خطاب سياسي وإستراتيجية سياسية اقتصادية متفردة لاتعزل نفسها بها عن العالم ولا تربط مصيرها بمركز..واليوم الأحزاب الشيعية تكرر نفس الخطأ بل وتحاول جر اليسار إلى مربعها ومربع المركز الذي يحولها لتابعة دون أن يكون لها القدرة على الإستقلالية ويفقدها حتى برامجها وأفكارها الرئيسة في الدفاع عن الطبقات المتدنية و يقول المفكر اليساري عبدالقادر عيد"

هناك فرقٌ أساسيٌ بين علاقة اليسار بالأنظمة القمعية، وعلاقتِه بالقوى المقاتلة، على سبيل المثال، يمكن التبرير لفصيلٍ يساريٍ في لبنان أن يكون على علاقةٍ بحزب الله، لكن ليس مشروعا لليسار في لبنان أن تكون له علاقة بالنظام الإيراني. النظام الإيراني نظامٌ رأسمالي وديكتاتوريةٌ دينية،, ويجب على حزب الله والحوثي أن لايربط كل قراراته الوطنية بالمؤسسة الدينية الإيرانية, لأنه يتحول إلى أداة غير وطنية في يد قوى خارجية غير مهتمة بإستقرار البلد.

عندنا المشكلة الحوثية أكثر عتامة الحوثية لم تقبل حتى اليوم أن تؤسس حزبا سياسيا لها رغم الدعوات المستمرة لها من كل الأطراف السياسية باعتبار أن الحزب صيغة تنظيم اجتماعي حديثة، ولذلك معظم التعريفات لهذه الجماعة وصفتها بمجموعة دينية وعظية دون وعي وطني، تعتمد الأساطير الدينية والأوهام والسرديات ذات الإيحاءات التاريخية، والتي تعتبرها مسلمات عقيدية, كما أنها ( لا تنفتح إلا على قاعدة اجتماعية محدودة وتتغذى من موروث ثقافي ضيق ومزيج من المؤثرات الدينية الوافدة والمحدثة ) حسب العلائي. وهذا طبعا مخالف تماما لفكرة المدنية والدولة الحديثة التي يطالب بها اليمنيون بشكل عام واليساريون والليبراليون منهم خاصة.

هل يتسبب الحوثيين بجلب السيارات الملغومة؟

يدعي الحوثيون أنهم يمثلون المذهب الزيدي في اليمن وأنهم يقاتلون لنصرة معتنقيه مع أن الجميع يعرف أنهم لا يعتنقون أبدا هذا المذهب وهم أقرب للإثنى عشرية منه. كما أن المذهب الزيدي مذهب تغيرت خرائط معتنقيه وأصبحت معظم المناطق التي يحاول الحوثيون السيطرة عليها ذات تنوع مذهبي وغالبية سنية لم تكن القوة هي وراء إعتناق تلك المناطق لمذاهب السنة, ولم تعد الرقعة الجغرافية التي يقال إن الحوثي ينوي إخضاعها زيدية إلا في مناطق صغيرة.. ورغم نجاحهم عسكريا في مناطق من صعدة وأجزاء من عمران وحجة والجوف، فإنه في أمكنة أخرى لن يكون سهلا فأطراف قوية لم تكن تريد التدخل في الحروب السابقة, كما أن ظروف الثورة أيضا مهدت لهم التوسع, لكن يبدوا أن أطراف مثل الإصلاح وهو حزب قوي في معظم المناطق ويمتلك أدوات الحرب ووعيها أحيانا بالقدر الذي يمتلكه الحوثيين إن لم يكن متفوقا من حيث الإنتشار والتنظيم والقدرة على الحشد . وما حدث للحوثيين في الجوف ثم كشر وعاهم في حجة دليل على قوة ردة الفعل من هذا الحزب.

كما دخل الحرب طرف أخطر قد يهدد العملية السياسية برمتها إن إمتلك السلاح وهم السلفيون. إن ذلك من شأنه فقط الزج بالمنطقة كلها في أتون من التذابح الطائفي والإبادات، والبحث عن منطقة نفوذ منسجمة مذهبيا سيجلب كما يقول العلائي (الكثير من السيارات الملغومة والنعوش وردات الفعل). وهذا ما سيتسبب في نتائج كارثية لا تحمد عقباها ولن يستطيع أحد تحمل تكاليفها.

إنشاء طبقة جديدة من اليساريين والمثقفين العرب موالين للسياسة الإيرانية:

كانت إيران قد قامت بحملة للتشيع في أوساط الصحفيين والمثقفين المصريين حسب موقع المصريون بتاريخ 3/1/2009 عبر "حوزة الهدى للدراسات الإسلامية" حملة تستهدف محاولة التأثير على مثقفين مصريين لاعتناق المذهب الشيعي وذلك من خلال رسائل إلكترونية موجهة لعدد كبير من المثقفين والصحفيين المصريين, وصلت "المصريون" نسخة منها.

في اليمن لوحظ في الأونة الأخيرة رعاية طهران لعدة مؤتمرات تخص اليمن وكان يتم فيها إختيار مجموعة من الناشطين والكتاب الصحفيين والشباب اليساري والقومي, كما رعت طهران عدة مؤتمرات للحراك الجنوبي, ودعت بعض اليساريين في ما يسمى ب”مجمع الصحوة الإسلامية وهو كما في المنشور الصادر عنه ( يهدف إلى تبيان دور الشباب في إنجاز الثورات وتحقيق أهدافها. وجاء ذلك بعد عدة مؤتمرات عقدتها منظمات موالية لطهران في بيروت والقاهرة, إستضافت فيها العشرات من الشباب والناشطين والسياسيين والمثقفين اليمنيين.

وكان الصحفي منير الماوري قد تحدث في مقالات له أن إيران إستقطبت وجندت كثير من الشباب والمثقفين في الولايات المتحدة الأمريكية, وتحدث عن عسكري من الحرس الجمهوري وهو خريج شرطة من محافظة لحج اليمنية برتبة رائد في أحد أجهزة الأمن. وكشف عن عودة هذا الضابط إلى اليمن بين الحين والآخر للقيام بجولات مكوكية بين صعدة وعدن، محولاً نفسه إلى ضابط ارتباط وتنسيق بين الحوثيين وبعض فصائل الحراك الجنوبي التي تتدرب في معسكرات حوثية على حمل السلاح.

مد طائفي يهدد أحلام الدولة المدنية (الكويت مثلا )

المد الطائفي في اليمن وتعدي الأطراف على بعضها قد ينتج إحتقانا طائفيا لا تحمد عقباه ..يكون المجتمع المدني وأحلام الدولة المدنية أول ضحاياه..فتمترس الحوثيين وتمددهم في اليمن يشعر الأخر بالخطر والإستهداف الكامل, ويجعل الأخر السني بشكل عام يشعر أن القضية حياة أو موت ,كما أنه يدفع الطرف السلفي إلى التسلح خوفا على وجوده المهدد..وبالتالي تبدأ مرحلة نمو قوى جديدة لم تكن في الحسبان كالسلفيين والإتجاه لتنظيمات مثل القاعدة كدفاع عن الوجود السني في صعدة والجوف وحجة كونها الإطار الوحيد داخل المجتمع السني القابل للتماهي مع الصراع الطائفي والأكثر إستعدادا لتبنيه.

وقد يحدث تراجع للقوى المعتدلة المسيطرة على خطاب حزب الإصلاح السني ..لصالح أطراف متشددة فيه..وهذه الحالة تحققت في الكويت في الإنتخابات السابقة فتشكل الوعي الطائفي داخل الطبقة السياسية الشيعية هناك خلق إحتقانا مضاد في المجتمع السني الكويتي تسبب في تراجع تيار الإخوان المعتدل لصالح أطراف سلفية فازت بحصص للإخوان و الليبراليين والمستقلين والمرأة .(الملاحظ في الإنتخابات الأخيرة) هو سقوط معظم من فاز سابقا من الشيعة لكن لصالح الإخوان. واعتقد أن حل هذه المعضلة في بلادنا يبتدئ أساسا بتغيير طريقة التفكير والاستناد إلى التفكير الناتج عن العقل الذي لا يقبل إلا بالمنطق والتحليل العلمي لحركة المجتمع.

وكما يعلم الجميع فقد حاولت الأحزاب المجتمعية(أي التي تؤمن بوحدة المجتمع والتساوي الثقافي الحقوقي التام بين أبنائه) التي ظهرت في بلادنا منذ بدايات القرن العشرين،كالإشتراكي والناصري ومن بعدها الإخوان أن تكون بديلا عن الانتماء إلى الطائفة أو القبيلة مقابل الانتماء إلى المجتمع الواحد(تحقيق مفهوم المواطنة)، لكن ما حصل هو أن بعضا من المنتمين إلى هذه الأحزاب لم يكونوا قد تخلصوا تماما من أمراضهم الطائفية من ناحية طريقة التفكير.

تهجين اليسار سياسة إيرانية سورية

سوريا مثلا لم تكن يوما قريبة من النضال اليساري مع أن النظام كان يتبنى بعض أطروحات اليسار كخطاب إعلامي جماهيري وفي ظل حكم الأسد أصبحت سورية النظام العسكري العربي الوحيد الذي لم يوقع اتفاقا مع موسكو. كما أوقفت المحادثات التي بدأت في عام 1968 حول حقوق إرساء الأسطول السوفياتي داخل الموانئ السورية. ظهرت للأسد صفاته المعادية لليسار بوسائل أخرى، من بينها تدمير اليسار داخل سورية. وبحلول 1973 كانت الأحزاب اليسارية السورية قد اختفت، ولم يبق منها إلا الأسماء. وتمكن من كسب البعض منها، وأجبر آخرين على الإذعان له، ودفع الآخرين إلى العيش في المنفى. وقام بتدمير اليسار في لبنان من خلال تفكيك بعض الكيانات وإسكات كيانات أخرى. وفي بعض الحالات، مثل حالة الشخصية البارزة في اليسار اللبناني كمال جنبلاط، الزعيم الدرزي، كان الاغتيال هو الوسيلة المستخدمة.

سوريا الصراع الطائفي ضد اليسار والمقاومة

حين اندمج الحزب الاشتراكي العربي، ومؤسسه أكرم الحوراني، مع حزب البعث أصبح للحزب الجديد لمسة يسارية. وبعد الاندماج أبقى البعثيون الأصليون على تاريخهم في اليمين. كان الانقلاب الذي قاده حافظ الأسد، وكان يشغل حينها منصب قائد القوات الجوية، في السبعينات من القرن الماضي عبارة عن تحرك من الجناح اليمين بحزب البعث الاشتراكي العربي ضد اليسار الذي يقوده صلاح جديد. وفي عام 1970 اعتبرت طهران، تحت حكم الشاه، وواشنطن، تحت حكم الرئيس نيكسون، انقلاب الأسد على أنه نكسة للاتحاد السوفييتي بمعنى التخلي عن اليسار. وأظهر الأسد التغيير في الاتجاه داخل سورية من خلال رفض تقديم المساعدة إلى الفلسطينيين في الأردن.

وخلال القمة الإسلامية، في اجتماع بين الرئيس الأسد ووزير الخارجية الإيراني عباس علي خلعتبري في عهد الشاه, تحدث الأسد عن فكرة «تهديدين أمامنا نحن الاثنين: (المتطرفين الدينيين والشيوعيين المضللين». وهكذا كان دوما اليسار والقوى الإسلامية رفقاء في التعرض للإضطهاد ودخول نفس المعتقلات وكانت هذه تجربة مدهشة.

لبنان اليسار من المقاوم إلى حضن مقاومة (إيران)

لو تأملت في واقع اليسار في لبنان كمثل لأصابك كم من الحزن الشديد ..على وضع أكثر النخب تأثيرا وتمدنا في العالم العربي ..فاليسار أصابته الكثير من الإحباطات و الترهلات الخارجة عن إرادة وقدرة أي تيار سياسي, و يعيش اليسار اللبناني حالة من الغيبوبة منذ سنة 1991 بعيد انهيار الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، ومن ثم سقوط جدار برلين وانتهاء الحرب اللبنانية.

ومنذ ذلك الوقت إلتهى اللبنانيون بلقمة العيش الصعبة وذابوا في طوائفهم. بالإضافة إلى ابعاد قيادات اليسار قسرًا عن الواجهة السياسية. و أدت هذه العوامل إلى انقسامات عديدة في الاحزاب اليسارية حيث تنضم معظم الاحزاب اليسارية إلى ائتلاف 8 آذار الموالي لسوريا وايران بقيادة حزب الله، بالإضافة إلى اليسار الديمقراطي المنضم لائتلاف 14 آذار بقيادة تيار المستقبل. ويغرد الحزب الشيوعي اللبناني اليوم وحيدًا خارج الانشطار الذي ساد منذ ال 2005 وخاض انتخابات ربيع ال 2009 بخمسة مرشحين خارج لوائح 8 و 14 آذار.

من أهم ما تدعو اليه القوى اليسارية اليوم في الشأن اللبناني:

الغاء الطائفية السياسية

تطبيق النسبية في الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية

كانت البداية الفعلية لليسار في لبنان مع تأسيس الحركة الوطنية اللبنانية سنة 1969. ضمت الحركة الوطنية أحزاب وحركات قومية ويسارية على أساس برنامج مشترك وضمت الحركة التي كان يرأسها كمال جنبلاط عدد من الأحزاب وهي:

الحزب التقدمي الاشتراكي.

الحزب الشيوعي اللبناني.

منظمة العمل الشيوعي في لبنان.

حزب البعث (التنظيم الموالي لسوريا).

حزب البعث (التنظيم الموالي للعراق).

التنظيم الشعبي الناصري.

حركة الناصريين المستقلين - المرابطون

الحزب السوري القومي الاجتماعي. (انضم لاحقًا)

حركة أمل.(انفصلت لاحقًا)

تحالفت الحركة مع بداية الحرب مع منظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة الجبهة اللبنانية اليمينية ذات الأغلبية المسيحية، وحققت الحركة نجاحات عسكرية في بداية الحرب جعلها تسيطر على حوالي 80% من الأراضي اللبنانية، لكن سرعان ما دبت انقسامات بين أعضاءها على خلفية الخلاف مع سوريا. تلقت الحركة عدة ضربات موجعة مع التدخل العسكري السوري في يونيو 1976 واغتيال كمال جنبلاط في 16 مارس 1977.فقدت الحركة الكثير من دورها، وما لبثت أن حلت فعلياً مع الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 وحلت مكانها جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية.

اليساري اللبناني محسن ابراهيم ، جمع حوالى 25 مسؤولاً وعضواً، من السابقين في منظمته، في اللقاء، هاجم النظام السوري، منذ وصول الرئيس حافظ الأسد الى السلطة عبر الحركة التصحيحية في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، والقيام بانقلاب على الرئيس السوري الأسبق نور الدين الأتاسي والرجل القوي في النظام أنذاك اللواء صلاح جديد، الذي كان يمثل حسب ما قال ابراهيم للمجتمعين، الداعم لحرب التحرير الشعبية، التي بدأتها المقاومة الفلسطينية، وإن الاسد جاء الى السلطة ليقف بوجهها، وهو الذي ضرب الحركة الوطنية اللبنانية ومشروعها الوطني التقدمي العلماني في لبنان.

ظروف دولية تغذي صراع طائفي كاد ينقرض

إزدادت الضغوط الدولية على إيران في الأونة الأخيرة بعد أن شعرت الولايات المتحدة الأمريكية أنها تحررت من بعض الضغوط بعد إنسحابها من العراق, فقد كانت إيران تستخدم جماعات موالية لها في العراق للضغط عسكريا وسياسيا على الامريكان كلما لاحت بوادر أزمة سياسية بينهما كما فعلت جماعات الصدر, وكانت إيران تنهك الولايات المتحدة في العراق, وتشعرها أنها دوما في حاجة لعلاقات إيران مع أطراف مهمة فيه, ولم يكن غائبا على الأمريكان أن وتيرة التفجيرات الإنتحارية سواء للقاعدة أو المجهولة الهوية ضد القوات الأمريكية تزداد مع زيادة الضغوط الدولية على إيران.. بعد إنسحاب الأمريكان من العراق يبدوا جليا محاولة إيران إيجاد بدائل ومناطق توتر تشغل الولايات المتحدة عنها أو تخيفها من قدرة إيران على نقل الصراع معها إلى أماكن حساسة بالنسبة لمصالح أمريكا كحدود المملكة العربية السعودية الجنوبية (اليمن)

إيران الطموح القومي مستخدما التجييش الديني

عندما حاول الراحل ياسرعرفات أن أن يتوسط لدى الخميني لاطفاء الحساسيات بين العرب والفرس، في أن يسمى الخليج الفارسي بالخليج الاسلامي كما هو مشهور مستفيدا من رغبة االنظام الايراني الراغب في الإستثمار في القضية الفلسطينية, باعتبارعرفات ممثلا لهذه القضية وممثلا لتدين طيب معروف عنه، لكن آية الله (ولي الفقيه) صاحب رسالة الاسلام الأممي للناس كافة، رفض اقتراح عرفات مزمجرا "لقد كان الخليج فارسيا وسيبقى فارسيا"!

ويقول المفكر اليساري عبدالقادر عيد(الجنون الاقليمي الايراني يريد أن يظهر الشيعة العرب كتابعين لايران أكثر من أوطانهم، مما سينتج جنونا فقهيا مضادا لدى المذاهب الأخرى التي تحيل فروق فرويد الصغيرة إلى تمايزات كيانية).

تحركات حلفاء إيران في اليمن

لم تكن تصريحات رئيس حزب الحق في أبين حسن يحيى زيد وهو أيضا قيادي في الحراك الجنوبي الأخيرة عن علاقة إستراتيجية بين الحراك ويقصد به الإنفصالي والحوثيين والتي أكد فيها أنها تشهد تطورا..هي وحدها ما يثير مخاوف المراقبين, من توحد الهدف والممول, أكدتها الأخبار التي تتحدث عن كون عدنان علي سالم البيض المنسق العام للحراك الإنفصالي مع المخابرات الإيرانية, وقبلها تصريحات الرئيس السابق علي سالم البيض بأنه قابل للتحالف حتى مع الشيطان وهو هنا يلمح إلى طهران, تنكيلا بالجارة السعودية التي يعتبرها قد تخلت عنه وعن مطالب الجنوبيين الذي يدعي أنه ممثلا عنهم, بل وحتى علاقة حزب الحق مع الحوثيين التي يظهر فيها الحزب كممثل للحوثيين والذين يعلنون عدم المشاركة في العملية السياسية, ويظهر الأمر كتبادل للأدوار وتقية سياسية لا تسمح بها الظروف الراهنة للبلد.

ومنذ بداية الثورة اليمنية في منتصف يناير 2011, بدأ الحديث القلق يطفو إلى السطح بشأن تحول اليمن إلى بؤرة صراع مناطقي شمال وجنوب وطائفي سنة وشيعة مع إنهيار الدولة, تغذيه صراعات إقليمية ودولية (السعودية وإيران). خاصة وأن علي صالح كان يبدوا مصرا على عدم ترك السلطة والتهديد بأن يحول اليمن إلى كوتونات ذات صراع مناطقي ومذهبي وقد بدأت فعلا تلك المخاوف تتحقق حين بدأ محاولة تسليم بعض المعسكرات في الجوف للحوثيين لولا تصدي القبائل لذلك, ومن بعدها إعطاءهم ضوء أخضر بالتوسع في مناطق محافظة حجة .. وكانت الحالتين سببا في إندلاع أول صراع وصدام طائفي مسلح مع حزب الإصلاح المعتمد على الفكر السني كما واكب ذلك تحشيد مذهبي وحملات إعلامية متبادلة بين الطرفين كانت ساحات التغيير ملعبا لهذا الصراع.. ومع أنه ليس هناك حضور للحوثية كدعوة في حجة، لكن المقلق اليوم للجميع هوالاستحداثات العسكرية في مديريات محاذية لميناء ميدي وقريبة من حرض، وهي ليست زيدية المذهب، ككشر ومستبأ, وفي بكيل المير، وفي الشاهل، وعاهم ووشحة. وتزداد وتيرة المعارك بين قبائل موالية للسلفيين والحوثيين القادمين من صعدة بسبب أن القيادات الحوثية تتوغل في بعض هذه المناطق عبر إذكاء خلافات بين مشائخ ومراكز نفوذ تبدأ بطابع العداوات الشخصية وبدعم من قيادات حوثية تصبح ذات طابع سياسي و طائفي، وبدأ الحوثيون في بناء تحالفات واتفاقيات حماية مع بعض مشائخ القبائل. عن طريق يوسف المداني الزعيم الحوثي الذي ورث أراض زراعية من والده الذي كان احد عمال الإمام في مناطق تهامة ويقوم هذا بدعم خصوم إسماعيل مهيم مثلا في مستبأ.

دور إيران في اليمن ليس جديدا

لا يخفى على أحد أن إيران منذ فترة تسعى إلى خلق نموذج مقاتل في اليمن شبيه بحزب الله, ينفذ الأجندة القتالية والميدانية المهددة لخصومها الإقليميين وهو طبعا تيار الحوثي , كما أنها لا تلغي أو تهمل دور تيارات تتبنى العمل السياسي في اليمن وتكون في جزء منها متحالفة مع المعارضة وجزء يكون داخل أركان ومؤسسات الحزب الحاكم (المؤتمر) على غرار حركة أمل في لبنان.. الرديف السياسي لحزب الله. ليتيح ذلك لإيران معرفة ومشاركة فاعلة في فيما يدور من متغيرات سياسية, وكما أن إيران هي من رعت موسى الصدر حتى عاد للبنان وأسس حركة أمل بالتحالف مع قوى اليسار اللبناني والفلسطيني, قبل أن ينقلب عليها في الثمانينات.ثم حسن نصر الله لقيادة حزب الله فالعملية تتكرر في اليمن فقد تلقى بدر الدين الحوثي وأبنه حسين تعليمهما في قم بإيران وتم عن طريقهم تغيير خطير في كثير من أسس المذهب الزيدي لصالح الإثنى عشرية, كما تم إبقاء شخصية يمنية في قم لتكون مرجعية شيعية وحلقة وصل بين المركزية الدينية الإيرانية والزيدية الجديدة في اليمن وهو المرجع الشيعي الشاب (عصام العماد ) والذي يتحدث في القنوات الفضائية بكل صراحة أنه إثناعشري وهو بالمناسبة شقيق لعلي العماد ممثل شباب الصمود (الحوثيون ) في الساحات.

طوال حروب صعدة الستة لم تغب إيران عن المشهد السياسي اليمني ودعمت بكل قوة الحوثيين عسكريا وإعلاميا ومعروف كيف استلهم الحوثيون في صعدة شعارات الثورة الاولى في ايران (مرك بر اميركا، مرك بر اسرائيل، أي الموت لأميركا، الموت لاسرائيل) والتي يطلقونها داخل مساجد الزيدية ، كما تم ارسال عناصر حوثيين للتدريب في معسكرات حزب الله في البقاع اللبناني المقفلة على سلطات لبنان الرسمية، فهناك مربعات دولة حزب الله التي تكاد تشمل اكبر محافظات لبنان مساحة فيمر الحوثيون عبر سوريا الى لبنان، ويحصلون على التدريب.. وعلى السلاح.. وعلى المال، لتبدأ الثورة المسلحة في صعدة شمال شرق اليمن على الحدود مع المملكة العربية السعودية.

وأورد التقرير الصادر عن مركز «ستراتفور» للاستشارات الأمنية في ولاية «تكساس» الأمريكية قبل سنة أن القوات الإيرانية الموجودة في البحر الأحمر وخليج عدن تؤمن عملية تهريب الأسلحة من أحد الموانئ الإريترية في البحر الأحمر إلى الحوثيين، مؤكدا أن تهريب الأسلحة يتم من ميناء عصب الإريتري، وتتم عملية تخزينها في ميناء ميدي القريب من محافظة صعدة، ومن ثم يتم نقلها عبر مهربين إلى معاقل الحوثيين الذين كانوا يخوضون حربا مزدوجة مع الجيشين اليمني والسعودي على الحدود بين الدولتين، شمالي اليمن. وكشف التقرير الأمريكي أن الطوق الأمني الذي فرضته القوات البحرية السعودية على ميناء «ميدي» والسواحل الشمالية اليمنية دفع القوات البحرية الإيرانية إلى إضافة أسطولٍ رابع تمركز بخليج عدن وذلك لتأمين طرق جديدة لتهريب الأسلحة للتمرد الحوثي.

وذكر التقرير أن القوات البحرية الإيرانية اتجهت إلى استخدام طريق أطول لمد الحوثيين بالأسلحة ينطلق من أحد الموانئ الإريترية ويتجه نحو خليج عدن إلى الحدود مع عمان، مرجحا أن منطقة المهرة وموقع «الشقراء» يعدان محطة تخزين لتلك الأسلحة ومن ثم نقلها إلى محافظة مأرب وسط اليمن، لتصل بعد ذلك إلى جبال صعدة معقل المتمردين، على حد تعبيره.

إيران والقاعدة

ظهر للجميع منذ سنوات أن النظام الإيراني يستخدم إسم القاعدة في جنوب اليمن بالتلاقي مع رغبات قوى جنوبية تريد الانفصال، وهذا الأمر بدأ في عهد بن لادن ومنذ هروب القاعدة من أفغانستان إلى إيران ولا مانع لدى ابن لادن في ذلك الوقت من وجود قاعدة يستطيع أن يتحرك عبرها في جنوبي اليمن لما في هذا من أهمية.

وتلتقي إيران والقاعدة في اليمن في الحسابات التالية:

هو يريد قاعدة في جنوب اليمن وشرط قيامها هو شطر اليمن إلى شطرين، وإيران تريد الخلاص من أكثرية شافعية في الجنوب لسيادة الزيدية ومن بعدها التشيع في الشمال.وهي الإستراتيجية التي عمل بها الإمام يحيى وإبنه أحمد حين تنازل عن يافع وجزء من الضالع الشافعية للبريطانيين مقابل البيضاء الزيدية.

كان بن لادن يريد قاعدة على حدود المملكة العربية السعودية لأنها هدف أساسي لمشروعه، وإيران تريد تحويل اليمن إلى دولة فاشلة ليتيح لها وللقاعدة الانطلاق إلى السعودية وكل المنطقة.

هو يريد الوصول إلى شواطىء بحر العرب وباب المندب ليلتقي مع جماعاته في الصومال، وغيرهم لإقفال الباب على مصر من قناة السويس –وتؤكد التقارير الدولية مثل ستراتفورد وتقرير لشبكة المنصور ومنظمة الرصد والمعلومات الوطنيه أن الحرس الثوري الإيراني قام مؤخراً بإعادة تحريك خلايا أصولية متطرفة يمنية معروفة بارتباطها بإيران ودعمها للاستقرار في جنوب اليمن ويكشف أن "فيلق القدس "قام بنقل عناصر يمنية من "القاعدة" من أفغانستان وتسهيل تسللها مجدداً إلى جنوب اليمن وقد فر هؤلاء عبر إيران وبحماية "قوات فيلق القدس (من طهران تنقل الحرب إلى خليج عدن وباب المندب (الوطن العربي 14/1/2009) وان اتفاقا حصل بين قيادة الحرس الثوري وتنظيم القاعده في اليمن بقيادة "العولقي" ومن خلال التنسيق الايراني مع " الحوثيين " لقيام "دولة اسلاميه" في مدينة " زنجبار".. وكلف احد كبار ضباط الحرس في هيئة اركان الحرس الثوري المدعو ( محمد نوروزي ) لادارة ملف الدوله الاسلاميه مع جماعة العولقي الذي يتخذ من مدينة ( بندر عباس ) مقرا له.

ملحوظة مهمة

هناك حقيقة لا يجب التغافل عنها و وهي أن تخوف دول الخليج وبخاصة السعودية من حركة الإخوان المسلمين, وتمدد إيران في اليمن قد يجعلها تدعم إنشاء تيار سلفي سياسي مضاد وجديد في اليمن كما مصر وتونس والمغرب ستكون مكاسبه على حساب حلفاء الليبرالييين واليساريين "الإخوان" وسيجعل مناطق جنوب اليمن سلفية بشكل لا يصدق.

*المصدر..مجلة شؤون العصر الدورية

الصادرة عن المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية