نقابة القتل 1-2
بقلم/ عبد الملك المثيل
نشر منذ: 15 سنة و 8 أشهر و 17 يوماً
الأحد 22 فبراير-شباط 2009 04:08 م

مأرب برس-خاص

نتيجة انعدام معايير الرقابة الذاتية(ضمير الإنسان)وغياب الرقابة والمحاسبة القانونية(الدولة),يغادر الدنيا الآلاف من الرجال والأطفال والنساء في مستشفيات الجمهورية المنتشرة في كافة المحافظات والمديريات,وبرغم ذلك تواصل المستشفيات عملها مع أن ما حدث ويحدث فيها يستحق أن يقف الجميع أمامه بضمير ومسؤولية أخلاقية وقانونية.

فالأصل أن تلك المستشفيات فتحت أبوابها من أجل إنقاذ حياة الناس وتخفيف ألآمهم وحل مشاكلهم الصحية,لكنها تحولت إلى أماكن تقبض فيها أرواح الموتى,ويحمّل فيها المرضى مزيدا من الأمراض المستعصية,بعد أن يخسروا ملايين الريالات التي تجنى من قبل الأطباء بأسلوب إستثماري بحت,لا نبالغ إن قلنا أنه يدخل في نطاق المتاجرة بأرواح البشر,عبر استغلال معاناتهم والآمهم الصحية,وأعتقد جازما أن مستشفيات بلادنا لو كانت موجودة في دول أخرى من العالم,لتم إغلاقها ومحاكمة الأطباء القائمين عليها بحكم القانون,ولا تستغربوا أو تكذّبوا أن من الممكن إيداعهم السجن بعد أن يمنعوا من ممارسة المهنة,نتيجة سحب شهاداتهم العلمية وتراخيصهم الطبية.

أرواح الناس غالية جدا,وأجسادهم لا تقدر بثمن,لذلك عملت الدول التي تؤمن بذلك على افتتاح مستشفيات تتوفر فيها أحدث المنتجات الطبية,يديرها أطباء ذو كفائة عالية,تم اكتسابها من طريقة تعليمهم وتدريبهم بأسلوب علمي متطور,أدى في مجمله إلى تحقيق الهدف المتمثل في تلقي المريض العناية اللازمة لحالته,وبجانب ذلك كله,وجدت قوانين صارمة تحكم الأطباء وتضعهم تحت الرقابة والمحاسبة والمسائلة القانونية,حال ارتكابهم أي خطأ يؤدي إلى موت مريض أو حدوث مضاعفات لحالة آخر,لذلك يمارس الأطباء مهنتهم بحذر شديد ومسؤولية كاملة,لأنهم يعلمون أنهم يعملون تحت رقابة قانونية لن تتساهل مع أي هفوة أو استهتار أو اجتهاد خاطئ في التشخيص والعلاج,كما أن افتتاح العيادات الطبية والمراكز الصحية والمستشفيات,يخضع لشروط غاية في الدقة والصرامة,ولذلك لا غرابة أن تقل أخطاء الأطباء ويتم إنقاذ مئات الآلاف من الحالات الحرجة,ويغادر المرضى تلك المسميات الصحية بالشفاء والمعافاة,كما أن أصحاب الحالات المرضية المزمنة يتلقون العناية والرعاية الصحية التي تعينهم وتمدهم بأسباب البقاء في هذه الحياة.

تلك الصورة موجودة في الكثير من بلدان العالم,فيما تحاول أخرى تحقيق ذلك,أما في بلادنا فقد تحول الأمر إلى كارثة حقيقية,لا زلنا حتى هذه اللحظة نواجهها بصمت عجيب ولا مبالاة أعجب,ربما لأننا شعب نؤمن بالقضاء والقدر,وهي نقطة يجب علينا مراجعتها,إذ لا يمكن للأنسان أن يخسر كل ما يملك ويبيع كل ما يملك لعلاج قريب له,وفي نهاية المطاف يجد طابورا طويلا من المعزين الذين يعظمون له الأجر,داعين للمتوفي بالرحمة والمغفرة.

قضاء وقدر....عبارة يجب أن تكتب أمام كل مستشفى وعيادة في بلادنا,وحتى لا يبدأ البعض في التشكيك في هذا الكلام,يجب التوضيح بأنني أعلم بأن القضاء والقدر ركن من أركان الإيمان,شاهدا ومؤمنا بذلك,ولكن بعد الأخذ بالأسباب وتجنب المحاذير,فلا يمكن أن أصدق ذلك السارق الذي حكم عليه بالسجن خمس سنوات لسرقته عدة مرات وهو يبرر فعلته بقوله(قضاء وقدر),كما أنه من الطبيعي أن نضع ألف علامة إستفهام حول طبيب يصرف علاجا لمريض بمجرد النظر إلى "جيبه"بدون فحوصات أو تشخيص,وعند تناوله العلاج يصاب بأعراض قد تميته أو تزيد من سوء حالته,فالطبيب هنا يلقي بالمريض إلى التهلكة وهو يعلم بذلك علم اليقين,تماما مثل الصيدلي الذي يقدم العلاج لمن هب ودب بدون وصفة طبية معتمدا على عبقريته ودهائه الطبي,وتلك مسألة في غاية الخطورة لا يمكن أن تقدم عليها أي صيدلية في دول العالم,أما في وطننا الحبيب حيث لا قيمة للأنسان ولا حرمة لمعاناته,فلا تتعجب وأنت ترى الأطباء يستثمرونك بأسلوب كافر بشرف المهنة,وبطريقة خالية من الرحمة الإنسانية التي تعتبر صفة ملازمة للطبيب والممرض والصيدلي,ولحظة فقدان أحد أولئك لتلك الصفة ,فلا يمكن له ممارسة المهنة بأي حال من الأحوال.

دعونا هنا نتفق بأن الطب مهنة من أرقى وأعظم المهام وأشرفها في حياة البشرية,حتى أنها لا تقدر بثمن,لأن الطبيب يقدم للناس بعد الله سبحانه وتعالى أسباب الشفاء من المواجع والأمراض التي تعرقل حياتهم,وكم يكون الأمر عظيما,تعجز في وصفه الكلمات حال انقاذ الأطباء حياة إنسان,ومحافظتهم على عضو جسدي لآخر,ومنحهم بأذن الله السعادة لمريض عانى من المتاعب والألم,ودعونا نتفق أيضا ,أن بلادنا تشهد في المجال الطبي مآسي لا حصر لها,بسبب غياب القانون الذي يتحكم في افتتاح المستشفيات والعيادات,ومراقبة الأطباء ومحاسبتهم,ودعونا نتفق أيضا أن الطب تحول إلى تجارة مربحة يجني أصحابها وشركائهم مليارات من الريالات التي أصبحت اليوم هما أوليا ومحورا رئيسيا في حياة أصحاب المهنة ,الذين افتتحوا مبانيهم بكثرة وتكاثر,واضعين نصب أعينهم (الربح المادي)دون التفكير أو العمل على تقديم خدمات طبية صحيحة تستحق أن يدفع المريض من أجلها الملايين,ودعونا نتفق على أننا حتى اللحظة لم نسمع أو نرى أي محاكمة قضائية قانونية لطبيب أو مستشفى بسبب حدوث خطأ ما واستهتار معلوم رحل بفعله مريض أو تعقدت حالة آخر.

إذا ما اتفقنا على ذلك كله,فلا يمكن أن نختلف على أن المواطن اليمني هو الضحية الوحيد,وهو من يدفع الثمن لوحده,دون أن يشاركه في ذلك أحد من الأطباء وشركائهم من المسؤولين والتجار,الذين يهرعون إلى الخارج لتلقي العلاج مع أهلهم ,عند تعرضهم لأبسط نازل صحي,لمعرفتهم أن مستشفياتهم لا تقدم اللازم ولا يمكن الوثوق بها,لكنهم لا يهتمون أو يبالون بالمواطن ولا يلتفتون لحاله ومعاناته,وهو أمر يلزمنا جميعا بالعمل على حماية ذلك المواطن والدفاع عنه,والأصل في الشرع والقانون أن من يجب عليه ذلك هو الحاكم والجهات المختصة,لكن كيف يمكن أن يحدث ذلك وأغلب المسؤولين شركاء ومساهمين في تلك المستشفيات التي تخالف القوانين بأوامرهم,وتمارس عملها بحمايتهم,مما يعني لنا التوجه إلى المعارضة لتتولى مهمتها في هذه المسألة بحكم أنها تقدم نفسها كوكيل لكل المواطنين,لكن أغلب قادة أحزابها لا يختلفون عن السلطة في شيء,فالجميع شريك ومساهم في تلك المسميات الصحية,وهنا لا بد من العمل على تطبيق القانون المحرم والمجرم لكل من يعمل على المساهمة التجارية من موقع النفوذ والمسؤولية,لا فرق في ذلك بين السلطة والمعارضة.

حماية المواطن من شجع المستشفيات والأطباء أمر يجب أن يتكفل به كل صاحب ضمير,ولأننا لا نملك سوى القلم,فأعتقد أن فضح المستشفيات وإخراج كوارث الأطباء إلى الناس ووضعها أمام عيون المجتمع,مسألة في غاية الأهمية,لذلك أعبر عن تأييدي لمقترح هام ورد في تعليق لقارئة كريمة في موقع مأرب برس,طالبت فيه الموقع بفتح زاوية اعلامية للأخطاء الطبية,ينشر فيها القراء قصصهم ومعاناتهم وما حدث لهم ولأقاربهم,كما أن وسائل الاعلام والمنظمات,خاصة المعنية بحقوق الانسان,يقع على كاهل اعضائها مهمة حماية المواطن من ذلك الجشع,وهنا لا بد من الضغط على مجلس النواب من أجل تشريع قانون يحاسب الأطباء ويحاكمهم ويراقبهم,ويضع معايير جديدة لافتتاح العيادات والمراكز والمستشفيات,كما أن مجلس النواب ملزم اليوم بالإنتصار للشعب الذي يمثله ,من خلال تشكيل لجنة وطنية صادقة يتمتع فريقها بالعلم والكفائة والأخلاق والحس الأنساني,من أجل النزول الميداني لفحص وزارة الصحة أولا ثم المستشفيات والعيادات,وكذلك المؤهلات العلمية للأطباء الذين يمارس أغلبهم العمل بصورة وأسلوب يعرفه الجميع.

أعلم أن القانون معطل في بلادنا,وأن رجاله سبب ذلك التعطيل,بسبب مصالحهم وأقاربهم وأصدقائهم,لكننا بحاجة للقيام بشيء إن كنا بالفعل شعب يتوق إلى التغيير,ويسعى لصناعة الحياة التي تصبح رخيصة وبدون ثمن في تلك المستشفيات ,وبين يدي أولئك الأطباء الذين يحتاجون اليوم لمراجعة شاملة لمواقفهم الطبية,وبحث حثيث عن المكان الذي فقدوا فيه ضمائرهم وإنسانيتهم,فحياة الناس غالية ومقدسة,وأرواحهم وأجسادهم أمانة وما أثقلها من أمانة يصبح التفريط بها جريمة إنسانية يستحق مرتكبها عقاب الدنيا والآخرة.

على أولئك الأطباء أن يفكروا بضمير وإنسانية في أولئك المهاجرين الذين صرفوا أعمارهم في الخارج,منتظرين سن التقاعد ليعودوا الى وطنهم لقضاء ما تبقى من سنين حياتهم,فاذا بهم يعودون مجددا الى المهجر,للبقاء فيه الى الأبد,نتيجة الأخطاء والاستهتار من قبل أطباء لا دين ولا ضمير لهم,سيطر عليهم الطمع والهلع والجشع المادي البشع,ويكفي القول أن مئات المهاجرين يعانون من أمراض عادوا بها من اليمن كالفشل الكلوي والسكر والشلل,سببها اطباء استهتروا بالانسان وصحته,لكنهم كانوا غاية في الحرص على جيب المريض وأمواله.

على أولئك الأطباء وشركائهم,أن ينظروا الى حالة الأسر الفقيرة التي تبيع كل شيء,وتستدين من الناس من أجل معالجة مريضها الذي يدخل المستشفى حيا ويخرج ميتا,وعليهم أن يستيقظوا من نومهم العميق انسانيا وأخلاقيا,وهم يستهترون ويرتكبون أخطاء في حق الأطفال ,مسببين لهم عاهات وإعاقات دائمة تدمر حياتهم في نظام لا يوفر لهم الحماية والحقوق.

على أولئك الأطباء وكل من يحميهم ويشاركهم,أن يتذكروا أن المال ليس كل شيء,وأن الدنيا فانية,وعند موتهم لن يحملوا سوى أعمالهم,وما أسوأ أن يحمل المرء فوق ظهره مظالم الآخرين,التي سيجدها بين يديه يوم لا ينفع مال ولا شريك أو مسؤول.

على الأطباء وشركائهم من التجار والمسؤولين,أن يعلموا أن الإنسان في بلاد(الكفر)يعالج بعناية واهتمام,لا تختلف من شخص لآخر,ولا يمكن أبدا أن تغلق أبواب العيادة أو المستشفى أمام أي شخص لا يحمل تأمينا أو مالا,فالقانون يحرم ذلك مثلما يحرم حجز جثة ميت لأنه أو أهله لم يدفعوا ما تبقى من تكاليف العلاج.

ختاما أذكر القارئ الكريم بأن للموضوع بقية,سنتناوله في الأيام القادمة,حيث سنستعرض العديد من القصص والحالات الطبية في بلادنا والتي أدت الى الوفاة والإعاقة,كما سنتناول أمثلة من الأخطاء الطبية التي رأيناها في أمريكا وكيف تم التعامل معها,وحتى نلتقي لا بد من الاشارة إلى أن هنالك أطباء في بلادنا ذو ضمير وأخلاق عالية ,وكفائة لا ينكرها أحد,غير أنهم مع قلتهم لم يتخذوا موقفا تجاه ما يسمى بزملائهم الذين يسيئون للجميع بتصرفاتهم,تاركين انطباعا سلبيا يشمل الكل تطبيقا للمثل القائل(السيئة تعم)ومن أجل تطبيق الشق الآخر من المثل(الحسنة تخص)ندعوا أولئك الأطباء الأكفاء الى تشكيل نقابة الأطباء بحق وحقيقة ,لا تقبل في عضويتها سوى الأطباء المشهود لهم بممارسة المهنة بضمير وانسانية وامانة...الخ,لأننا من الآن سنطلق اسما جديدا على النقابة الأخرى ,يتوافق مع عمل ومهمة أعضائها الذين اجتمعوا في نقابة القتل.

aalmatheel@yahoo.com