إبتزاز الحوثيين للمملكة.. مماحكات لا مباحثات
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: سنة و 3 أشهر و 6 أيام
الخميس 21 سبتمبر-أيلول 2023 05:39 م
 

يبدو من العبث الرّهان على نجاح مساعي أي تفاهمات يمنية إقليمية يكون الحوثة طرفاً فيها. ذهب وفدهم التفاوضي الأخير إلى الرياض لاستلام غنائم ومكاسب جاهزة وليس لحلحلة الأوضاع المأساوية الكارثية التي صنعوها ولا يزالون باليمنيين وبأمن دول المنطقة والتجارة والملاحة الدولية.

كل ما طرحوه على الطاولة يرتبط بترتيبات أوضاعهم الخاصة وتثبيتها, ولا علاقة له بنوايا وقف إطلاق النار الشامل وإنهاء الحرب, ولا الجانب الإنساني ورواتب الموظفين ولا فتح الطرقات وإطلاق الأسرى وما بعدها. قدموا أنفسهم للسعوديين كدولة ندية معها, وليس مجرد طرف ميليشاوي عدواني تسبب في الحرب والأزمة والصراع الكارثي لليمنيين وغيرهم.

وفي أخف تفسيرات انسحاب الحوثيين المفاجئ من مباحثات الرياض وعودتهم إلى صنعاء أمس الأول بمزاعم التشاور مع كبرائهم, أنهم يتهربون من رؤية وخيار الحل الشامل للقضية اليمنية المجمع عليه دولياً باتجاه فرض أمر واقع تجزيئي وانتقائي للحلول, وعبثي ومنهك للآخرين, من قناعة عدم اعترافهم بالأطراف اليمنية الأخرى, لا شرعية وقيادتها, ولا تكتلات وقوى اجتماعية وقبلية أخرى, ولا قضية وأنين وحصار شعب كامل يعاني من وطأة وهمجية وجودهم , بل وبقائهم العبثي على قيد الحياة.

وإذا لم يكن الحوثيون الآن على استعداد لخوض حرب شاملة جديدة على كافة الجبهات, فهم يراهنون على إمكانية تجميد الأوضاع كلها على ماهي عليه إلى ما لا نهاية في أحسن الأحوال, مع تململ المجتمع الدولي والقوى الكبرى التي ربما أفادها الحوثيون في تبرير وتثبيت وجودها المجاني في مناطق حيوية من البلاد مقابل وجودهم الموازي وسيطرتهم على جزء آخر. فقط بالإمكان التخادم المشترك في رشوة الحوثي هؤلاء بهدنة مطولة لإرضاء الغرور.

ولعلهم فهموا زيارة ولي العهد السعودي الأخيرة محمد بن سلمان لسلطنة عمان وإلحاحه على الحل السلمي والسياسي الشامل للمشكلة اليمنية على طريقتهم الاستعلائية الخاصة, وأن دول المنطقة والعالم لا تتقرب وتداري سفاهاتهم وقبحهم, بل تخشى شوكتهم وقدراتهم العسكرية المبالغ فيها, بما في ذلك أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا, وكل من لهم مصالح حيوية مباشرة واستراتيجية في اليمن وممرات التجارة والملاحة الدولية.

لم يتغير منطق الحَوَثة من مواضيع المباحثات باعتبار أن أمن المنطقة بنظرهم يهم ويقلق السعوديين ويثير مخاوفهم وحدهم أكثر من غيرهم, وللإنفراد بهم ومعهم وابتزازهم بورقة الحرب مزايا تثبيت الحوثة والإعتراف بهم وشرعنتهم حين تغدو شرعية الرئيس رشاد العليمي ومكونات مجلس القيادة الرئاسي بنظر الإشقاء مجرد عبئ كبير مقابل خفض الحوثي الصديق الجديد درجة تهديداته لمصالح المملكة وخطط التنمية والتجارة والإستثمار ٢٠٣٠م مؤقتاً فقط. وينسى الحوثي أن بقائه ووجوده البغيض بعقليته وسلوكه الرديء أخطر من ابتزازه وتلويحه للآخرين بالصواريخ والطائرات المتفجرة.. فالطبع يغلب التطبع.

* إبتزاز فاضح للسعودية*

من المفارقات المضحكة المبكية في موضوع المنطقة الأمنية العازلة بين اليمن وحدود المملكة الجنوبية كأبرز قضايا الخلاف, تقديم وفد الحوثيين برئاسة محمد عبدالسلام أنفسهم كضمناء وقائمين على توفير الحماية ومكافحة التهريب والتسلل غير الشرعي.

وكأن الحوثيين ليسوا هم مصدر كل الخطر والتهديد والشرور الحقيقية لأمن الأشقاء, ألآن وفي المستقبل وحتى يوم يبعثون. وعلى المملكة تسليم رقبتها لهم مجاناً بعد أن نصب الحوثيون من أنفسهم في الموضوع كطرف بديل عن الدولة اليمنية الشرعية التي يمثلها مجلس القيادة الرئاسي ورئيسه الدكتور رشاد العليمي, باعتبارهم السلطة العليا المعنية بأمور سيادية كبيرة لا تتاح لعصابة كهنوتية مارقة. والورقة التفصيلية لخطة حماية ومراقبة الحدود الجنوبية مع المملكة التي تقدموا بها, تضمنت مشروع استثمار وابتزاز مالي مرهق ومكلف يجعل أمن الأشقاء تحت رحمة وجشع واستغلال عصابات الحوثي, دون حاجة الأمر إلى جندي واحد, ولا طلقة رصاص واحدة من خطة التسليح والأفراد الحوثية المقترحة حال التفاهم مع الدولة الشرعية, وهو ما يستميت الحوثي في ممانعته بقوة.

في هذا نفهم لماذا افتعل ذباب الحوثي الإليكتروني فجأة اشتراط عودة عبدربه منصور هادي للسلطة عندما تجاهل الطرف السعودي عرضهم الكاريكاتوري المخزي, ورفض الإعتراف الضمني بهم, وكذلك بتأثير تذمرهم من موقف الرئيس الدكتور رشاد العليمي الذي أصَرَّ على دفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين يداً بيد لحمايتهم من ابتزاز وإذلال وسطوة المليشيات.

ويلخص الموضوع الخطير نفسه كل نوايا وحقيقة موقف هؤلاء من المباحثات وخيارات الحرب والسلام وتصورات مستقبل حكم وإدارة اليمن والحل السياسي والإقتصادي الشامل.

وما عداها بنظر الإنقلابيين جزئيات ممكن التوافق حولها, مثل تمديد الهدنة وصرف المرتبات واستئناف تصدير النفط والغاز الموقوفة من مناطق الحكومة الشرعية كمصلحة حيوية إنقاذية لهم أولاً , خصوصاً إذا وجد الحوثي وعصابته الإجرامية تهديداً حقيقياً لوجودهم من الكبار وليس همهمة بيانات ناعمة من ليندركينج, وليندنبيرج وغيرهم.

.* من الكواليس أيضا*

مطالبة الحوثيين المملكة بنحو ٤٠ مليار دولار مقدما ونقدا(كاش موني) كجزء أولي من تعويضات إعادة الإعمار يتم تسليمها لهم يداً بيد باسم المنشآت والمرافق والمعالم التي تسببوا هم في تدميرها طوال سنوات الحرب في مناطق سيطرتهم.

وهذه فضيحة أخرى عن تسويق عبدالملك الحوثي وزبانيته كسلطة دولة مخَوَّلة, ومنحهم أموال وثروات ومقدرات تمكينهم وشرعنتهم أكثر وأكثر, وبدون أدنى تنازلات ولا حتى اقتراب جدي من موضوع وقف شامل ونهائي للحرب وإطلاق النار.

أهم شيء يدفع لهم الأشقاء بلا حدود, ويدينون كذلك أنفسهم كطرف بدأ العدوان على اليمن ولم تَسْتَعِن بهم سلطة البلد الشرعية ولا استجابة منهم لقرارات مجلس الأمن وبطلب من الرئيس السابق عبدربه منصور, وتبرئة الحوثي وحلفائه السابقين من الجريمة المنكرة.

وإلى ذلك بما فيها صرف مرتبات الموظفين والموازنات التشغيلية وتوحيد العملة كلها غنائم لمباحثات مالية وثروات ضخمة للحوثيين لم تأخذ معها قضية الأسرى وفتح الطرقات الأهمية والجدية المطلوبة, ولن يتحقق لها, ولا إنهاء الحرب ووقف اطلاق النار الشامل بإشراف أممي, ولا تسوية سياسية بإشراف ورعاية الأمم المتحدة تقود إلى حكومة وحدة وطنية ولا يحزنون, حتى يُحَرِّرون لهم مقدماً شيكات قابلة للدفع دون قيد أو شرط, ومقابل قبض الريح في النهاية, وإعادة إنتاجهم وتمكينهم. وما أثير حول تسليم طرفي اليمن(شرعية وانقلابييين) لإيرادات النفط والغاز والموانئ والمطارات والمنافذ والضرائب والمداخيل المختلفة, فلا ضمانات ملزمة للحوثيين.

فما الذي سيفعله تدخل عمان والسعودية لإلزام من لم يلتزموا منذ خمس سنوات للأمم المتحدة ومندوبيها ومراقبيها نفسها بتسليم إيرادات ميناء الحديدة بحسب اتفاقية استوكهولم المشؤومة كرواتب للموظفين التي وقعوها صاغرين في لحظة ضعف وانهيار عسكري مع تهاوي قوتهم في الحديدة.

** وختاما

الكرة الآن في ملعب الأمم المتحدة والدول الكبرى ذات المصالح المباشرة والإستراتيجية في المنطقة, فإما فرض رؤيتها التكاملية المتوازنة للحل الإنساني والسياسي الشامل للعدوان الحوثي-إيراني والحرب على اليمن, وإما خيار التماهي مع توجهات ورغبات ونزوات مليشيات الحوثي الإرهابية الإنقلابية في تمييع ومراوغة الحلول

مقابل تخادم الطرفين على حدود المصالح المشتركة من تفتيت وتجزئة اليمن كمنطلق لتوجهات جديدة حان وقت فرضها بقوة الأمر الواقع.