من هم مشعلو الحرائق وماذا يريدون؟
بقلم/ ياسر الزعاترة
نشر منذ: 5 سنوات و 5 أشهر و 10 أيام
الأحد 26 مايو 2019 11:03 م
  

أسئلة كثيرة تطرح نفسها في هذه المنطقة المدججة بالموت والدمار، وهي أسئلة يبحث الناس عن إجابات لها، فيجدون بعض الأجوبة، لكنهم يدخلون في مأزق الإجابة عن بعضها الآخر.

لعل أهم الأسئلة التي تبدو مطروحة في المنطقة هي تلك التي تتعلق بما تريده الأطراف الثلاثة الأكثر فاعلية هذه الأيام، ممثلة في المنظومة الصهيونية، ومنظومة الثورة المضادة، والمنظومة الإيرانية وملحقاتها.

ما من شك أن الأسئلة تتداخل على نحو لافت، فالطرف الصهيوني يريد التحالف مع "الثورة المضادة" في مواجهة إيران، لكن عينه على تركيع الجميع لحسابه، بينما تريد الثورة المضادة تركيع جماهير الأمة، بجانب مواجهة إيران.

أما الأخيرة فتبحث عن وسيلة خلاص من العقوبات الأمريكية، ومواجهة العرب الذين يطاردونها، من دون أن تتخلى عن الحلم الذي تطارده منذ 3 عقود ممثلا في الهيمنة المذهبية؛ مع استخدامها للصراع مع الصهاينة في السياق.

المحور الأول في منظومة الحرائق الراهنة، والأكثر فاعلية من الناحية العملية هو المحور الصهيوني الذي يعيش زهوا غير مسبوق على الإطلاق، دفعنا لاستعادة مصطلح "العلو الكبير" القرآني، ومعه مصطلح "أكثر نفيرا"، وكلاهما يعكسان على نحو واضح سطوة القوة والنفوذ التي يتمتع بها هذا المحور، بسيطرته على القرار الأمريكي، وبتأثيره الرهيب على روسيا، وخوف بوتين منه ومن نفوذه المثير، بجانب علاقته المتميزة مع الصين، وكل ذلك جعله واسع التأثير على المنظومة الدولية القديمة والصاعدة في آن.

على أنه تأثيره في المنطقة كان كبيرا أيضا، فهو من حدد مسار الحريق السوري الذي استنزف إيران وحلفها، وتركيا والعرب في آن، وهو من ساعد على إجهاض الربيع العربي الذي أنذره بعلاقة مع شعوب لا تؤمن بما آمنت به أنظمتها في العلاقة معه، وهو اليوم من يفرض مسار المطاردة لإيران عبر العقوبات الأمريكية.

لكن ما يجعل قدرته على الحسم محدودة هي مطالبه العالية التي يحفزها غرور القوة والغطرسة، والتي تجعل من أي مسار علاقة معه محفوفا بالمخاطر، في ذات الوقت الذي لا يمكن لأي حل يريده أن ينجح، وإذا نجح في بعض محطاته أن يستمر، لأنه ينطوي على تركيع أمة كبيرة بكل محاورها وتناقضاتها.

المحور الآخر هو المحور الذي يُسمى اصطلاحا محور الثورة المضادة، وهذا المحور يعاني إلى حد كبير؛ أولا من الابتزاز الأمريكي الوقح والمتواصل في ظل أوضاع اقتصادية مرتبكة، وإشكالات داخلية واضحة، وثانيا من الابتزاز الصهيوني الذي يطالبه بما يفضحه أمام شعوبه وأمام جماهير الأمة، وثالثا من فشله في إقناع جماهير الأمة بنسيان أحلام التغيير، رغم بعض النجاحات التي حققها.

المحور الثالث يتخبط أيضا، أعني المحور الإيراني، والسبب الأهم لا يتعلق بالعقوبات الأمريكية المشددة الجديدة، بل تضاف إليه ملامح فشل المشروع، الذي يتخبط في سوريا بالحضور الروسي المجامل للصهاينة، وفي العراق الذي ترفض قطاعات واسعة من أبنائه لهيمنته، وفي اليمن حيث لا أمل للحوثي في استمرار مشروعه وفق ما يريد، وحتى في لبنان الذي لا يستكين لنفوذ حزب الله، وإن تعامل معه كأمر واقع راهنا.

وإذا وضعنا تركيا ضمن ذات المعادلة، وإن كمحور آخر، فإن وضعها بالغ الصعوبة أيضا، فالانقسام الداخلي واضح، والمعضلة الكردية لم تجد حلا إلى الآن، ومعها التورط في المعضلة السورية، إلى جانب العلاقة المرتبكة والمكلفة مع أمريكا وروسيا، وهذا الاستهداف الرهيب الذي تعاني منه أيضا من عرب الثورة المضادة.

 

هكذا ينزف الجميع، ووحدهم الصهاينة من يربحون، لكن غرورهم سيجعل تحقيق أهدافهم صعبا أيضا. وإذا تذكّرنا أن كل هذه التخبط يتزامن مع وضع دولي مرتبك، وفشل من ترامب في مواجهة الصعود الصيني والروسي، وبحثه عن إنجازات في منطقتنا عبر الابتزاز ودعم المشروع الصهيوني، فإن المشهد يزداد تعقيدا، ويجعل الأسئلة أكثر صعوبة.

في حالات من هذا النوع تاريخيا، ليس ثمة من أفق غير أن يتعب الجميع، ويوقنوا بأن أحدا لن يتمكن من تحقيق كل أهدافه، وأنه لا بد من تسوية إقليمية تضع حدا لهذا لنزيف الرهيب.

وإذا تذكّرنا أن حالة التعب قد حلت بالفعل، فإن أسئلة الحل ومتى يأتي، وماهية شكله تبقى بلا إجابة واضحة، لكنه حل سيأتي دون شك، وإن لم ينهِ الصراع تماما، لأن الصراع هو عنوان السياسة الذي لا يمكن أن تغادره في أي يوم من الأيام، فضلا عن تشجيعه من قبل قوىً إمبريالية، تربح من اللعب على التناقضات.