ضرورة تعزيز مفهوم الوطنية عند اليمنيين
بقلم/ محمد طاهر
نشر منذ: 16 سنة و 9 أشهر و 21 يوماً
الجمعة 25 يناير-كانون الثاني 2008 07:57 ص

مارب برس - خاص

رغم تغني البعض دائما أن اليمنيين من أكثر من يحبون وطنهم، ويتفانون من أجله، إلا أنني أرى أن هذا الأمر يكون صحيحا حين يكون اليمني خارج أرضه وبلاده، أما حين يكون داخلها فأظن أن الأمر مختلف.

وأعتقد أن القطاعات الإعلامية والمعنوية في الجمهورية اليمنية قد فشلت فشلا ذريعا في تعزيز مفهوم الوطنية خلال الفترة الماضية، ورغم أنها كانت تعمل إلا أن عملها كان قاصرا، وهناك معاول هدم قوية داخل بنية المجتمع اليمني تؤدي إلى انتشار الأنانية والفردية، والإحساس بضرورة تعزيز المصلحة الخاصة على مصلحة الأمة أو الوطن.

لنأخذ أمثلة واقعية يلمسها الكثير منا فيما حوله من أحداث وتصرفات، ولا يكاد ينفك المجتمع اليمني من أقصاه إلى أقصاه ع نها.

مثال أول للصحافيين والكتاب والإعلاميين الذين يستلمون الأموال من الجهات الخارجية والمنظمات الأجنبية والسفارات الأوروبية والأمريكية، وينفذون بعض أجندتها الخاصة التي تعارض أجندة الوطن والدين والأعراف اليمنية، حتى صار أكثر الصحافيين في اليمن غاية مناهم أن يحصلوا على دعم مالي من أي جهة كانت بغض النظر عن أي موانع شرعية أو وطنية أو غيرها، صحيح أن لهذا الأمر أسباب كما سأذكرها في نهاية المقال، ولكن العرب كانوا يقولون: تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها.

مثال ثان لبعض المقاولين والعاملين في قطاع الإنشاءات والمقاولات، والذين يتسابقون للحصول على أكبر المشاريع، والتي تدر عليهم أكبر المدخولات المالية، ورغم هذا يستغلون أي تقصير حكومي في المتابعة، ليقوموا بالغش ومخالفة المواصفات ضاربين عرض الحائط بمصلحة الوطن والشعب، وأن التقصير في إتمام هذه المشاريع سوف يضر المواطنين بشكل مباشر، ولكن أولئك الذين يعملون في تلك المجالات لا يهمهم وطن ولا حرام ولا حلال، وإنما المهم عندهم هو التوسع في الأموال بأي شكل ممكن، وقد صار المجتمع يتناقل الثراء الفاحش الذي يتمتع به العاملون في قطاع المقاولات العامة مع المشاريع الحكومية.

مثال ثالث لكثير من الموظفين الحكوميين في قطاعات المراقبة والتفتيش والمتابعة، مثل البلدية، والأمن، والواجبات، وغيرها من القطاعات، وكيف صار كثير منهم كما يعرف الناس جيدا، لا يهمهم إلا جيبهم والرشوة التي يستطيعون تناولها لقاء تغاضيهم عن الخطأ أو التقصير أو المخالفة، وكيف أن كثيرا منهم استمرأ هذا الأمر حتى صار لا يهمه وجود أي مخالفات قد تضر بصحة الناس أو مصالحهم، وإنما همه الوحيد الرشوة التي يمكنه أن يتحصل عليها بأي وسيلة ممكنة.

مثال رابع بعض العاملين في القطاع التربوي من مدراء مدارس ومدراء مراكز ومدرسين، وما يعرفه كثير من الناس في أكثر المدن والمديريات اليمنية من تعامل البعض منهم بطريقة النصف بالنصف، وتعني أن يتفق الطرفان الآثمان الخائنان بأن يقوم المدير بالتغاضي عن غياب المدرس أو عدم حضوره المدرسة طوال العام مقابل نصف الراتب أو نسبة محددة، وهذا الأمر موجود في كل مديرية في اليمن تقريبا، ويعرفه كل الناس، ويتضرر منه الطلبة وأولياء الأمور الذين يخرج أبناؤهم من بعض المدارس اليمنية أميون أو قريبا من الأميين، كما أن الوطن بشكل عام يتضرر من هذا الوضع السلبي الذي يخرج لنا أجيالا جامعية شبه جاهلة بأبسط العلوم والمعارف، وتستمر أمتنا ووطنا بهذه المخرجات في دركات التخلف والأمية التكنولوجية، وعند نزول اللجنة أو الموجهين لرؤية المدرسة فإنهم وبدورهم يقومون بأخذ (حق ابن هادي) مقابل التغافل عن ذلك الأمر، فلا بارك الله فيما يأخذونه، ولا فيما يفعلونه.

مثال خامس ما يحصل في المجال الأمني والقضائي من ابتزاز للمواطنين، وأكل لأموالهم، وانتهاك لحقوقهم، ومعاملتهم بغض النظر عن مواطنتهم وأخوتهم في الدين والوطن، ضاربين عرض الحائط بكل مفاهيم احترام المواطن وخدمته، حيث والأجهزة الأمنية والقضائية في خدمة الشعب، وليس في إهانته وإذلاله كما يحصل في أكثر الأماكن في بلادنا.

وأضرب مثالا سادسا يؤسفني ضربه ولكنه الواقع، وهو ما تقوم به قادة بعض الأحزاب السياسية المعارضة، من تغليب مصالحها الخاصة على مصلحة الوطن، والكيد للجهات المسئولة أو الحزب الحاكم حتى ولو كان على حساب الوطن بأكمله وعلى حساب مصلحته العليا، والموقف المشوه لبعض أحزاب المشترك من قضية الحوثي والاختراق الفكري والعقدي المتطرف لتلك الحركة، كان مثالا صارخا على ضعف الوطنية عند بعض قادة تلك الأحزاب وأصحاب الأمر فيها، وأنهم قد يتحالفون مع العدو الداخلي أو الخارجي مقابل تحقيق مكاسب سياسية، وعلاقات بعض تلك الأحزاب مع السفارات الأجنبية مثال آخر.

والأمثلة كثيرة لا تتوقف عند كثير من المسئولين والوزراء وقادة المعسكرات التي جعلوا مال الدولة ومصالحها ووظائفهم مجال للنهب وأكل أموال الآخرين والظلم، والتعدي على المال العام والمصالح المشتركة، ضاربين عرض الحائط بكل المبادئ الوطنية، وقبلها التعاليم الدينية.

ولعل هناك أسبابا تزيد في استمرار هذه المشاكل وتفاقمها: منها الفقر المنتشر، والسياسات الاقتصادية السلبية، ورؤية كثير من المواطنين أن المسئولين يتسابقون على نهب ما يستطيعونه من المال العام مع التسيب الرسمي في المتابعة والمحاكمة لأولئك المفسدين، وكذلك ضعف الوازع الديني عند كثير من الناس في مجتمعنا، ومن الأسباب وجود أحزاب وتيارات في بلادنا لديها بيعاتها الخاصة وتنظيماتها الخاصة والتي تعتبر أنها أهم من الوطن والبلد، وأن المصلحة الحقيقية إنما هي مصلحة الحزب أو التنظيم أو الجماعة، وأنه يمكن للإنسان أن يتجاوز أي نظام أو قوانين عامة من أجل مصلحة تنظيمه الخاصة، والحوثية أكبر مثال على ذلك الأمر، والأمثلة كثيرة.

ولكنني أعتقد أن أهم سبب لانتشار هذا الأمر هو شيئان: ضعف الوازع الديني، وضعف الرقابة والمحاسبة الرسمية من الدولة، وقد ورد عن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه قوله: إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ويعني أن الدولة لو فرضت هيبتها فإنها سوف تردع من المسيئين والمخطئين أكثر ممن يرتدع بمجرد المواعظ والنصائح الدينية.