هل تخلف العرب بسبب تخليهم عن الإسلام فعلاً؟
بقلم/ دكتور/فيصل القاسم
نشر منذ: 3 سنوات و 7 أشهر و 14 يوماً
الأحد 04 إبريل-نيسان 2021 07:27 م
 

مازال الكثير من العرب والمسلمين حتى اليوم يعزون تخلفهم وتأخرهم عن باقي الأمم إلى تخليهم عن الإسلام. وهم يربطون بين الدين والتقدم والازدهار الذي ساد بعض عصور المسلمين في الماضي. ومن المقولات التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة مقولة إن العرب قبل الإسلام كانوا قبائل متفرقة ترعى الغنم، فجاء الإسلام فجعلهم أمة واحدة ترعى الأمم. أما اليوم بعد أن تخلوا عن دينهم فعادوا كما كانوا، مع اختلاف بسيط وهو أن الأمم صارت ترعاهم. لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح الآن في هذا العالم الذي تقدم في العقود الماضية أكثر مما تقدم على مدى قرون خلت، هو: هل كان الدين يوماً العامل الأساسي في تقدم أو تخلف الأمم؟

لقد أجاب المفكر الشهير شكيب أرسلان عن هذا السؤال في كتابه الشهير «لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم»؟ وهو كتاب يعتد به المسلمون ويعتبرونه وثيقة تاريخية تشرح وتفصل أسباب تخلف المسلمين وتقدم غيرهم. وكي لا يبقى البعض يجتر مقولات مغلوطة ويعممها على شرائح عريضة من العرب والمسلمين، فلا بد أن نعود ونضع النقاط على الحروف مرة أخرى لملايين العرب والمسلمين الذين استسهلوا لعبة التقدم والتأخر وحصروها في الدين دون غيره من العوامل التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية. وليس المطلوب هنا مطلقاً التقليل من شأن الدين، لا أبداً، بل الهدف توجيه أنظار الأجيال التي ترعرعت على مفاهيم مغلوطة إلى بقية الأمم التي لم تتقدم وتصبح سيدة العالم بسبب تمسكها بدينها، بل لأنها التزمت بشروط معينة أخرى للتقدم لا علاقة للدين بها لا من بعيد ولا من قريب. وبالتالي على العرب التوقف عن اجترار المقولة التي تربط التقدم بالدين، حتى لو انطبقت ذات يوم على المسلمين دون غيرهم.

هل تعلم عزيزي العربي المسلم أن اليونانيين «قبل النصرانية كانوا أرقى أمم الأرض أو من أرقى أمم الأرض، وكانوا واضعي أسس الفلسفة، وحاملي ألوية الآداب والمعارف، ونبغ منهم من لا يزالون مصابيح البشرية في العلم والفلسفة إلى يوم الناس هذا وكان الإسكندر المقدوني أعظم فاتح عرفه التاريخ أو من أعظم الفاتحين الذين عرفهم التاريخ، حاملاً للأدب اليوناني ناشراً ﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎن ﺑين اﻷﻣﻢ اﻟﺘﻲ ﻏﻠﺐ عليها. وما كانت دولة البطالسة التي لمعت في الإسكندرية بعلومها وفلسفتها إلا من بقايا فتوح الإسكندر، ثم لم تزل هذه الحالة إلى أن تنصرت اليونان بعد ظهور الدين المسيحي بقليل، فمذ دانت هذه الأمة بالدين الجديد بدأت بالتردي والانحطاط وفقد مزاياها القديمة، ولم تزل تنحط قرناً عن قرن، وتتدهور بطناً عن بطن، إلى أن صارت بلاد اليونان ولاية من جملة ولايات السلطنة العثمانية، ولم تعد إلى شيء من النهوض والرقي إلا في القرن الماضي، وأين هي مع ذلك الآن مما كانت قبل النصرانية؟»

ويضيف شكيب أرسلان في كتابه الشهير: «ثم كانت رومية في عصرها الدولة العظمى التي لا يذكر معها دولة، ولا يؤبه في جانب صولتها لصولة، ولم تزل هكذا هي المسيطرة على المعمورة إلى أن تنصرت لعهد قسطنطين، فمنذ ذلك العهد بدأت بالانحطاط مادة ومعنى، إلى أن انقرضت أولا من الغرب، وثانياً من الشرق، ولم تسترجع رومية بعد انقراض الدولة الرومانية شيئاً من مكانتها الأولى، وبقيت على ذلك مدة 15 قرناً حتى استأنفت شيئاً من مجدها الغابر وما هي إلى هذه الساعة ببالغة ذلك الشأو الذي بلغته أيام الوثنية…وأيضا فقد تنصرت الأمم الأوروبية في القرن الثالث والرابع والخامس والسادس من ميلاد المسيح، وبقيت أمم في شرقي أوروبة إلى القرن العاشر حتى تنصرت، ولم تنهض أوروبة نهضتها الحالية التي مكنتها تدريجاً من هذه السيادة العظمة بقوة العلم والفن إلا من نحو أربعمئة سنة أي من بعد أن دانت بالإنجيل بألف سنة، ومنها بعد أن دانت به بسبعمائة سنة، ومنها بثمانمئة سنة».

وما ينسحب على الغربيين ينسحب أيضاً على اليابانيين حسب أرسلان: «وهؤلاء اليابانيون هم وثنيون، ومنهم من هم على مذهب بوذا، ومنهم من يقال لهم: طاويون، وكثيرون منهم يتبعون الحكيم الصيني كنفوشيوس، ولقد مضى عليهم نحو ألفي سنة ولم تكن لهم هذه المدنية الباهرة ولا هذه القوة والمكانة بين الأمم، ثم نهض اليابان من نحو ستني سنة وترقوا وعزوا وغلظ أمرهم، وعلا قدرهم، وصاروا إلى ما صاروا إليه ولم يبرحوا وثنيين». بعبارة أخرى، فليترك إذاً بعض الناس جعل الأديان هي المعيار للتأخر والتقدم، فلا الإنجيل هو الذي أخـّر روسيا ولا عبادة الآلهة ابنة الشمس هي التي انتشلت اليابان حتى سبقت روسيا…إن إدخال الأديان في هذا المعترك وجعلها هي وحدها معيار الترقي والتردي ليس من العدل في شيء» حسب أرسلان طبعاً.

وبالرغم من أن شكيب أرسلان يرفض ربط التقدم أو التخلف بالأديان، إلا أنه يؤكد في معظم كتابه على أن لا جدال في أن الإسلام هو سبب نهضة العرب وفتوحاتهم المدهشة، لكن السؤال الذي نطرحه الآن على العرب والمسلمين هذه الأيام، إلى متى ينتظرون حتى يصبحوا كالمسلمين القدامى الذين حققوا نهضتهم عبر الإسلام؟ وماذا لو لم يعد الإسلام إلى بلاد العرب والمسلمين كما كان أيام الأمويين والعباسيين والعثمانيين؟ هل يبقون يتحججون بأنهم غير قادرين على التقدم ومجاراة الأمم الأخرى إلا بعودة الإسلام القديم الذي حققوا به فتوحاتهم وعزتهم؟ لماذا لا ينظرون إلى البلاد الأخرى التي حققت إنجازات عظيمة وأصبحت على وشك قيادة العالم كالصين مثلاً وهي لا تتبع أي نوع من الأديان أصلاً؟ فليبق الإسلام مرشد العرب والمسلمين الأول، لكن هذا لا يعني أن يبقى المسلمون يتذرعون بالعامل الديني كي يبرروا فشلهم في التقدم والنهضة من جديد، وليتذكروا بأن الإغريق والرومان كانوا سادة العالم ذات يوم قبل أن يصبحوا مسيحيين، وليشاهدوا أيضاً أن الغرب حقق نهضته التاريخية عندما فصل الدين عن الدولة، وبالتالي فإن المعضلة الإسلامية لا تكمن في الابتعاد عن الدين بقدر ما هي أزمة أنظمة حكم وديكتاتورية وتبعية وسوء إدارة، وأن الدين منها براء.

ولعل الشيخ محمد الغزالي لخّص مشاكل المسلمين في كتابه «الإسلام والاستبداد السياسي» أن بلاد الإسلام في هذا العصر – وفي العصور القريبة السابقة ـ تواجه نوعين من العذاب أحدهما يتمثل في الهيمنة العسكرية الغربية على المنطقة من المحيط إلى المحيط والآخر يتمثل في أن غالبية الحكام تحولوا إلى وكلاء للاستعمار. ولا ننسى طبعاً غياب الأنظمة الوطنية بعد أن أصبحت الدائرة الانتخابية للطغاة العرب خارج بلدانهم. ويبدو أن كثيرين مازالوا يعملون بنصيحة الرصافي: «ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوّم». هل من الصواب إذاً القول بعد كل هذا