الشراكة الصينة الايرانية وتأثيرها على موازين القوى في المنطقة
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 4 سنوات و 4 أشهر و يوم واحد
الجمعة 17 يوليو-تموز 2020 04:57 م
 

بعد انهيار اسعار النفط الأمريكي مؤخرا و تواصل عاصفة جائحة كورونا التي ما تزال تضرب الولايات المتحدة الأمريكية بقوة وكذلك التظاهرات الاحتجاجية على الممارسات العنصرية للشرطة الأمريكية مؤخرا والتداعيات الاقتصادية والسياسية التي مثلت النتيجة الطبيعية لهذه الأحداث من تدهور حاد في الاقتصاد الأمريكي وافلاس مئات الشركات والمؤسسات الاقتصادية وما حدث من انكشاف مخيف عن ضعف كبير في البنية التحتية الصحية وانحطاط وزيف القيم الأمريكية التي ما تزال تحمل الكثير من العنصرية والكراهية والمادية وقبل هذا كله سوء إدارة ترامب وفشلها في إدارة الكثير من الأزمات الداخلية والخارجية ، بعد هذه الأحداث والتداعيات قرأنا الكثير من التحليلات والتقارير التي تؤكد على بداية تراجع الولايات المتحدة كقطب أوحد في العالم وصعود الصين كقوة عظمى منافسة للولايات المتحدة وربما تتفوق عليها خلال السنوات أو العقود القادمة.

الصين التي تخطو بثبات نحو الريادة والتفوق وتمد جسور التعاون والشراكة مع الكثير من دول العالم عقدت شراكة استراتيجية مع إيران حيث كشفت بالأمس صحيفة " نيويورك تايمز " والصحافة الإيرانية عن شراكة اقتصاديةً وأمنية وعسكرية شاملة بين الصين وإيران وهو تطور كبير وحدث له دلالاته التي سنحاول في هذا التحليل رصد أبرزها .

1- الصين بهذه الشراكة الإستراتيجية مع ايران تتحدى الولايات المتحدة وقراراتها وعقوباتها المفروضة على إيران وتؤكد بأن زمن الهيمنة الأمريكية على الدول والأمم قد ولى ، فالصين لن تغامر باستثمارات كبرى في إيران تتراوح قيمتها 400 مليار دولار وبعقود تمتد لمدة ربع قرن من الزمان وباستيراد لا محدود للنفط الإيراني الذي يخضع للعقوبات الأمريكية إلا اذا كانت قد درست هذا الأمر ووجدت أنها قادرة على مواجهة الولايات المتحدة اقتصاديا وعسكريا - إن لزم الحال - ومواجهة تداعيات هذه الشراكة الكبيرة مع ايران التي تتعرض لعقوبات أمريكية وصلت إلى حدودها القصوى وسط صمت وتواطؤ أغلب دول العالم.

2- الصين بهذه الخطوة الكبيرة تواصل بقوة مشروعها الإستراتيجي " طريق الحرير " وتعطيه زخما جديدة ودفعة كبرى إلى الأمام فهي بهذه الشراكة تتغلغل أكثر في شرق آسيا وتمد نفوذها في الشرق الأوسط وتستحوذ على المزيد من الموانئ وطرق الملاحة البحرية وتضمن موارد نفطية مستمرة بسعر رخيص ولسنوات طويلة مهما حدث في أسواق الطاقة العالمية من تقلبات وارتفاع في الأسعار كما كسبت شريكا هاما وموثرا في الشرق الأوسط وهذا نجاح كبير للصين يضاف إلى نجاحاتها السابقة في الكثير من دول آسيا وأفريقيا وغيرها من دول العالم ، كما أن هذه الشراكة تضع تحديا كبيرا أمام الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة فهل ستصمت واشنطن على هذا التطور الكبير ؟!

وما هي خياراتها في ظل هذا الوضع الداخلي المرتبك والأوضاع الصعبة لحلفائها في المنطقة ؟!

ان انجرار واشنطن لصراع عسكري مع الصين هو خيار مستبعد بكل الظروف والأحوال نظرا لكلفة هذه الحرب الضخمة وتأثيراتها الكارثية على العالم أجمع ولكن من المؤكد أن واشنطن ستلجأ إلى سلاح الحرب الاقتصادية والتجارية مع الصين رغم أنها قد جربتها مرارا وانتهى الأمر بتسوية مرضية للطرفين فواشنطن تحتاج لبيجين وللمنتجات الصينية الرخيصة التي غزت الأسواق الأمريكية بشكل مخيف والصين كذلك تحتاج للولايات المتحدة بصفتها سوقا كبيرة لها .

3- إيران محتاجة بشدة لهذه الشراكة إن لم نقل أنها مضطرة لها وليس لديها خيارات كثيرة في ظل استمرار العقوبات الأمريكية التي وصلت إلى مستوياتها القصوى ، كما أن تداعيات وباء كورونا وتفشيه في إيران بما يفرضه من تكاليف علاجية كبيرة في ظل بنية صحية ضعيفة إضافة إلى تداعيات هذا الوباء من إغلاق لأبواب السياحة وتقليص وقت العمل والانتاج وتقييد حركة التنقل وكلها عوامل ترهق ميزانية الدولة الإيرانية وتضاعف من أعباءها و تزيد من معاناة الشعب الإيراني ، إضافة إلى تدهور قيمة العملة الوطنية أمام الدولار ووصول سعر الدولار إلى ما يقارب 225 ألف ريال وهو سعر جنوني وغير مسبوق ولذا فإيران تعول الكثير على هذه الشراكة الهامة مع الصين لانتشالها مع وضع اقتصادي صعب جدا .

4- هذه الشراكة تعني في الواقع العملي فشل كل الخطط والإستراتيجيات الأمريكية والإسرائيلية لضرب إيران وعزلها وتركيعها وانكسار للعقوبات الأمريكية المفروضة على ايران فالصين عندما تتقدم للشراكة مع إيران بهذه المجالات الهامة والمشاريع الكبرى والتكلفة الضخمة وتواجه الولايات المتحدة وتمضي بهذه الشراكة سوف تفتح الباب للكثير من الدول في العالم لتحذو حذو الصين وترفض الهيمنة الأمريكية ولذا نتوقع أن تلحق بالصين دول عديدة وشركات عالمية ستأتي إلى ايران للعمل والاستثمار وتتجاوز كل التحذيرات والتهديدات الأمريكية ، وبهذه الشراكة سترسي الصين ملامح عالم

جديد ثنائي القطب بعد انكسار هيبة أمريكا وانحسار قوتها وتراجع مكانتها وتغير من موازين القوى في المنطقة لصالحها ..

5- الحراك الكبير في الداخل الإيراني والنقاش الذي يدور في أوساط النخبة الإيرانية وتحت قبة مجلس الشورى الاسلامي بتهران حول هذه الشراكة يؤكد على حيوية المجتمع الايراني وفي مقدمته النخب السياسية والإعلامية والاقتصادية وحرصها على مصلحة وطنها إذ أن هذه المخاوف الكبيرة لدى بعض الجهات الإيرانية من عدم وفاء الصين بتعهداتها والتزاماتها كما نصت الاتفاقية ومن استغلال الصين للظروف الصعبة التي تمر بها ايران لتحقيق أكبر قدر من المكاسب والامتيازات على حساب الشعب الإيراني ، كل هذه المخاوف هي مخاوف مشروعة خاصة وأن بعض النخب الإيرانية صارت تتحدث عن تجربة سريلانكا ودول أفريقية مع الصين التي قدمت لها دعما ماليا ومساعدات اقتصادية وعقدت معها اتفاقيات شراكة اقتصادية وما لبثت أن سيطرت بموجب هذه الاتفاقيات على موانئ هذه الدول واقتصاداتها ومواردها ولكن العديد من المسؤولين الإيرانيين بددوا هذه المخاوف واكدوا أن هذه الشراكة جاءت بعد دراسة وتحليل عميق لتأمين مصالح البلاد فهذا نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية محسن بهاروند يدافع عن اتفاقية التعاون بين إيران والصين ويصفها بالاستراتيجية لما تحمله من فوائد للبلدين في مواجهة العقوبات والإرهاب الاقتصادي التي تشنه أميركا على إيران ، إضافة لتأمين إيصال الطاقة الإيرانية للصين وانتقال الثروات الصينية لإيران.

واعتبر بهاروند بمقاله في صحيفة “إيران” الحكومية نشرتها أمس الأحد 12 تموز يوليو الحاري أن الشائعات التي تُروج في الإعلام الغربي ضد الاتفاقية ماهي إلا حرب نفسية لتجييش الرأي العام ضد الاتفاقية وإلغاء التعاون بين البلدين، لأن الوجود الصيني في المنطقة يضر بمصالح أميركا ويشعل التنافس بينهم، خصوصاً أن تواجدها يتم عن طريق إيران، ما يجعلها تهديداً وخسارة كبيرة لأميركا في المنطقة.

6 - تنصل الصين من اتفاقاتها وتخليها عن التزاماتها والتفافها على الشعب الإيراني واستغلاله هو أمر مستبعد وذلك لأن الشعب الإيراني شعب واعي وحي ولن يسمح لأي دولة مهما بلغت قوتها باستغلال ونهب خيراته وموارده ولعل في الثورة الإيرانية ضد شركات النفط الأمريكية والبريطانية في عام 1952م بقيادة السياسي الراحل محمد مصدق خير دليل على ما نقول واذا كانت تلك الثورة قد حدثت في منتصف القرن الماضي فالشعب الإيراني اليوم أكثر وعيا بواقعه وبما يدور في الداخل الايراني وفي العالم ومن المستحيل أن يقبل بأي قوة عالمية تنهب خيراته وموارده وتستغل ثرواته ، كما أن الصين لديها استثمارات كبرى في إيران وعلاقتها بها علاقة استراتيجية وممتازة بمعنى أوضح إيران لديها تجربة اقتصادية سابقة مع الصين وإن لم تصل لمستوى هذه الشراكة الاقتصادية التي نتحدث عنها ولذا فهذه المخاوف أما مبالغ فيها وأما من باب المكايدات السياسية بين القوى الإيرانية .

7 - هذه الشراكة تعني فشل كل الجهود والتحركات الأمريكية والتصعيد الجديد ضد إيران سواء بالهجمات أو بتحميلها مسؤولية تفجيرات الخبر في 1996م والزامها بدفع تعويضات كبيرة لذوي الضحايا وكل هذا بهدف اجبار طهران على التفاوض مع واشنطن وابرام اتفاق نووي جديد ومعدل بحسب الرغبة الأمريكية وتقدم تنازلات كبيرة بخصوص برنامج ايران الصاروخي ونفوذها في المنطقة مقابل رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها أو تخفيفها ، وبهذه الشراكة الكبيرة مع الصين فإن كل هذه الجهود والتحركات قد فشلت وخسر ترامب ورقة رابحة كان يعول عليها لرفع حظوظه في الانتخابات الرئاسية القادمة .

 وختاما فإن هذه الشراكة تعطي الشعب الايراني أملا جديدا بتحسن واقعه المعيشي والاقتصادي وتفتح أمامه بابا للتعاون والشراكة مع قوة عظمى ترفض الهيمنة الأمريكية وتساهم في كسرها وتعطي دول العالم درسا جديدا في أهمية التعايش السلمي والشراكة والتعاون بين الدول والأمم والشعوب رغم الهيمنة الأمريكية التي بدأت في الانحسار والتراجع فلن تدوم هذه الهيمنة طويلا وليست قدرا مفروضا على الدول والشعوب والبقاء في النهاية هو لنهج التعاون ومبدأ الشراكة والتعايش بين الدول والأمم.

* باحث في الشأن الإيراني