أسباب وخفايا الصراع بين فرعي العائلة الملكية في قطر وقصة الجوهرة الماسية التي فجرت الخلافات توجه لإلغاء تقنية الفار من مباريات كرة القدم واستبدالها بـ(FVS).. ماهي؟ حمدي منصور لاعب نادي السد بمحافظة مأرب ينتزع ثلاث ميداليات ذهبية ويحقق أعلى النقاط في بطولة الأندية العربية للووشو بالأردن صورة.. هل ظلم الحكم الإماراتي المنتخب السعودي أمام استراليا؟ مع تواصل انهيار العملة.. الرئيس يبحث هاتفيا مع رئيس الحكومة خطة الانقاذ الإقتصادي وتدفق الوقود من مأرب وحضرموت ترامب يرشح أحد الداعمين بقوة لإسرائيل في منصب وزير الخارجية بـ 21 قذيفة مدفعية.. أردوغان يستقبل أمير قطر في أنقرة تفاصيل من لقاء العليمي برئيس أذربيجان إلهام علييف على هامش قمة المناخ 5 من نجوم الكرة اليمنية القدامى يشاركون في خليجي 26 بالكويت ماذا يعني قرار مجلس الأمن الأخير بشأن اليمن؟
في حادثة السقيفة عرض كلا الفريقين حجته، بما نسميه اليوم الدعاية الانتخابية، فكانت دعاية وحجة المهاجرين أقوى من حجة الأنصار، استطاعت أن توقع في نفس بعض الأنصار وكبرائهم زلزلة الرأي والموقف، وهو ما وجدناه عند بشير بن سعد وأسيد بن حضير. فقد تقدم أبو بكر بخطبة بليغة ذكر فيها فضل النبوة على العرب، وفضل السابقية في الإسلام لبعض المهاجرين وتضحيتهم في سبيله، وقد رشح أبو بكر من طرفه عمر بن الخطاب وأبا عبيدة، ليختار الناس من شاؤوا منهما. هنا جاء دور رأي عمر المرجِّح، وكذلك رأي أبي عبيدة، فطرح عمر حجة قوية وهي أن العرب لن تقاد إلا لهذا الحي من قريش، كما جرت العادة، وفيها الكعبة والسابقية ومبعث الرسالة وزعامة قريش للعرب حينها، وقريش أهل النبي وخاصته، فأيده سيدان من الأوس هما أسيد وبشير. اللافت في الأمر في هذا الموطن أيضاً أن أبا بكر وعمر لم يستشهدا بأية أحاديث من الأحاديث التي قيل إنها خاصة الولاية لقريش، كما سنراها تبرز بقوة مع معاوية بن أبي سفيان يرد فيها على عبدالله بن عمر - رضي الله عنهم! بل رجحوا الترشيح بالحجة والمنطق، وكان أهم حجتين في ذلك الأمر؛ الأولى: أن العرب لن تنقاد إلا لهذا الحي من قريش، وأن الكعبة في قريش. والثاني: أنه لن يستطيع أحد من الصحابة كلهم أن يتقدموا على أبي بكر في الصلاة التي فعلها الرسول في حياته مرتين؛ مرة في تأخره عن الصلاة ذات يوم فجاء وقد قدم الناس أبا بكر للصلاة فأقره الرسول في ذلك، والثانية أثناء مرضه الذي توفي فيه؛ إذ أوصاه بإمامة المسلمين للصلاة، وحض عليه وأصر على ذلك. فقد جاء في الحديث، حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه "بلغ معاوية – وهم عنده في وفد من قريش- أن عبدالله بن عمر يحدِّث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن هذا الأمر في قريش، لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين"( ). وفي الحديث الآخر، وهو التالي للحديث الأول، يناقض فيه الحديث السابق، مع أن الراوي واحد وهو ابن عمر، وفيه حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا عاصم بن محمد، سمعت أبي يقول: "قال ابن عمر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان"( ). فالحديثان لم يستشهد بهما لا عمر ولا أبو بكر في هذا الموطن الحرج، ولو كانا موجودين أو ذكراهما ضد الأنصار لكانا حجة قوية، وطالما أنه فيه معاوية فالأمر لا يخلو من توظيف سياسي لأمر الخلافة في قريش، وخاصة بني أمية! لكن هناك أثر قوي احتج به عمر على الأنصار حتى تراجعوا، حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة، حدثنا عاصم، وحسين بن علي عن زائدة، عن عاصم، عن رِزِّ، عن عبدالله بن مسعود قال: "لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر"( ). كل هذه العوامل سحبت البساط عن تولي الأنصار للخلافة بسبب ضعف منطقهم وحجتهم وتخلخل صفوفهم وتشتتها، مما جعل الخلافة تستتب في المهاجرين. بعد غلبة الرأي في الخلافة للمهاجرين، جاء دور تسمية المرشحين؛ فأبو بكر يقول للناس: "دونكم عمر وأبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا"، لكن عمر - كما رجح رأيه كفة الخلافة في المهاجرين- سارع بالرأي إلى أبي بكر مستخدماً حجة قوية في ذلك على سائر الناس بالقول: "لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك، فإنك أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار، وخليفة رسول الله على الصلاة، والصلاة أفضل دين المسلمين، فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك، أبسط يدك نبايعك". فلما ذهب عمر وأبو عبيدة ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه فكانت مبايعة بشير قاصمة لسعد وفريقه. برأيي لقد كان رأي وموقف أسيد بن حضير وبشير بن سعد أكثر تأثيراً من رأي عمر يومها ولولا موقفيهما من قومهما لتعمقت الخلافات وصارت الانشقاقات والحروب، ولما غلب المهاجرون الأنصار في ذلك، وليس كما يدعي الشيعة ولا كثير من المتعصبين اليوم أن عمر استخدم الحيلة في ذلك. لقد كان من الطبيعي جداً أن يتولى أبو بكر الخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم كونه يعتبر الرجل الثاني في الدعوة وفي تأسيس الدولة، وهو الذي صرف كل عمره وماله وتجارته ونفسه لهذه الدعوة والدولة، وقد كان ثاني اثنين في كل شيء وفي كل مكان وليس في الغار وحسب، فاستحق بذلك تلك المكانة والولاية، وقد أكد هذه المكانة لهالرسول صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب ثاني أحب الناس إلى قلب الرسول حينما غضب منه لما بدر منه على أبي بكر، فقد أخرج ابن عدي من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تؤذوني في صاحبي فإن الله بعثني بالهدى ودين الحق فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، ولولا أن الله سماه صاحباً لاتخذته خليلاً، ولكن أخوة الإسلام"، وفي رواية أخرى قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركون لي صاحبي مرتين؟!"، فما أوذي أبو بكر بعدها. عرف الصحابة هذه المكانة لأبي بكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ورد مثل هذا الحديث عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "... يا أبا بكر لا تبكِ، إن أمَنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوةُ الإسلامِ ومودتُه. لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر"( ). ففي كل دول العالم قديماً وحديثاً، أو الأحزاب والجماعات والكيانات وغيرها، فإنه إن مات الرجل الأول المؤسس، أو فقد الأهلية، أو تنازل بمحض إرادته، فإن من يخلفه هو الرجل الثاني في ذلك، ولقد كان أبو بكر أعلم الناس بالدين وشؤون الدولة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك اتفق الناس عليه يوم السقيفة ولم يختلفوا عليه. لم يظهر علي منافساً في هذا الأمر لأبي بكر مطلقاً، بل إنه لم يظهر منافساً لعمر فضلاً عن أبي بكر، وتقول الشيعة إن علياً اعتزل المسلمين وأبا بكر في منزله أربعة أشهر أو ستة أشهر واجداً على أبي بكر كونه غصبه حقه في الولاية وحق فاطمة في الميراث، مع أن علي نفسه، وهو الوحيد من بين كل الصحابة بايع أبا بكر مرتين؛ مرة في بيته حينما زاره وتناقشا في الأمر وتعاتبا، ومرة علنية في المسجد أمام المسلمين، وما كان وجد عليٌ على أبي بكر – كما تقول الروايات- إلا لأنه تمت البيعة في غيابه وهو يجهز جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يتم التريث ولا استشارته، مع أن الأمر كان مستعجلاً لا يحتمل التأجيل كون الأنصار أثاروه في لحظة وفاة النبي على غياب من الجميع وبعضهم تعصب ودعا لاستخدام السيف فتم تلافي الموقف سريعاً، وكذلك كان لا بد للمسلمين من أمير يجمع كلمتهم ويوحد صفهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك كان اعتزال علي في بيته تلك المدة تضامناً مع زوجه فاطمة رضي الله عنها في أمر الميراث، ولما وضح أبو بكر الأمر باقتدائه بالرسول وإيضاح الرسول لأمر الميراث اقتنع علي وبايع أبا بكر. وهنا كانت كلمة عمر التي يأخذها بعض الجهلة والمتعصبين عليه أنها كانت فلتة وقى الله المسلمين إياها أو شرها؛ بمعنى: أن سرعة اتخاذ القرار في الترشيح للخلافة في مقابل ارتفاع الأصوات ونبرات التحديات بالاقتتال وقَتِ المسلمين وحمتهم من تلك الهاوية التي كانوا سيهوون فيها كما هووا في خلافة علي بفعل الفتنة والخوارج (خوارج عثمان لا علي) وقتل عثمان. فالشيعة التي تقول الكثير من اللغط في هذا الموضوع، وأن علي قد سكت مكرهاً، وأنه اغتصب حقه في الولاية، ونجد أن علياً بن أبي طالب نفسه يرد عليهم حيث قال جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: "قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي لأستحي مِنْ رَبِّي أَنْ أُخَالِفَ أَبَا بَكْرٍ". ومما ورد عنه في خلافة أبي بكر، "عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ قَالَ: وَافَقْنَا مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ذَاتَ يَوْمٍ طِيبَ نَفْسٍ، فَقُلْنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَخْبِرْنَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ ذَاكَ امْرُؤٌ سَمَّاهُ اللَّهُ الصِّدِّيقَ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ وَلِسَانِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الصَّلاةِ؛ رَضِيَهُ لِدِينِنَا فَرَضِينَاهُ لِدُنْيَانَا.( )" وفي بيعة السقيفة تلك كان أبو سفيان بن حرب حديث عهد بالإسلام لما تختمر طينته بتربية الإسلام، وما زالت العصبية الجاهلية معششة في ذهنه؛ إذ جاء يحرض علي بن أبي طالب على أبي بكر فقال له: "لو شئت لملأت هذا الوادي خيلاً على ابن أبي قحافة (يقصد أبا بكر)"، فزجره ونهره علي - رضي الله عنه. بل إن علياً لم ينازع أبا بكر الخلافة مطلقاً، وهو ما يثبته بنفسه، فقال علي - رضي الله عنه: "وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدًا لَجَاهَدْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أَتْرُكِ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ يَرْقَى دَرَجَةً وَاحِدَةً مِنْ مِنْبَرِهِ"( ).وهذا الأثر يقويه أثران آخران عن عمار وعلي يوم صفين سيأتي ذكرهما لاحقاً قريباً من نفس المعنى والهدف. لقد كان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- يعرف حق أبي بكر وعمر ومكانتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم وعند المؤمنين، ولم يكن ليجرؤ على منافستهما أو الادعاء عليهما باغتصاب حقه في الولاية كما تقول الشيعة، فعلي هو راوي حديث فضل الشيخين عن النبي، فعن علي - رضي الله عنه- قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر وعمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ياعلي، هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين والمرسلين"( ). لقد حاول العباس مع علي بن أبي طالب أن يطالبا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكتب لهم بالولاية أثناء مرضه الذي قبض فيه، لكن علياً رفض ذلك حتى لا يرفض الرسول الأمر فلا يُعطَوها إلى الأبد، وترك الأمر مفتوحاً. ففي صحيح البخاري عن ابن عباس أن عليَّ بن أبي طالب - رضي الله عنه- خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئًا، فأخذ بيده عباس بن عبدالمطلب فقال له: أنت - والله - بعد ثلاث عبدالعصا( )، وإني والله لأرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سوف يتوفى من وجعه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبدالمطلب عند الموت. إذهب بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر، إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا علمناه، فأوصى بنا، فقال علي: إنا والله لئن سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم( ). وسنجد رؤية علي لهذا الأمر (الولاية) تتحقق بعد حين، فالمسلمون لم يجمعوا عليه وبعضهم حاربه، وهو ترك الأمر مفتوحاً لمن بعده، ومن جاء بعده جاؤوا بأشد أنواع التعصب له. وبعد..يذهب بعض المتعصبين لليمننة اليوم أن أمر الخلافة في بيعة السقيفة إنما انتزعت انتزاعاً من الأنصار، وكان الأنصار وسعد أحق بها من المهاجرين، دون الأخذ في الاعتبار تلك العوامل التي سردناها، فكيف انتزعت وهي تمت بالشورى والجدال وغلبة المنطق والحجة دون استخدام أية وسيلة إكراه؟! بينما كان رأي كثير من الأنصار استخدام السلاح ضد المهاجرين ليجلوهم عن المدينة إن لم يتم الأمر لسعد بن عبادة. لم يكن رأي متعصبي اليوم أكثر من نباهة وقوة وشكيمة الأنصار في سقيفة بني ساعدة، ولا قوة منطقهم أكبر من قوة وحجة الأنصار يومها الذين مالوا حتى إلى استخدام السلاح في فرض مرشحهم، لولا أن الأنصار كانوا قوماً رباهم الرسول صلى الله عليه وسلم على المبادئ الدينية، ونقى معدنهم من كل الخبائث، فامتثلوا للمبادئ على حساب المصالح. كما إن الفريق الآخر المعارض ليوم السقيفة (الشيعة) يسوقون حججاً واهية لحق علي في الولاية وأنه غمط حقه، وهو محض افتراء أيضاً. ظل عمر بن الخطاب وعثمان بن أبي عفان وعلي بن أبي طالب وزراء ومستشارين يداً واحدة لأبي بكر الصديق - رضي الله عنهم-، ولم ينازع أبا بكر أحد في هذه الولاية بعد الاتفاق مع الأنصار، ولم يظهر بعد ذلك أي تذمر لعلي من ولاية أبي بكر، ولم يؤثر عنه أي اعتراض أيضاً، وكان علي يعرف حق أبي بكر وعمر وعثمان في هذا الأمر، وكان كل الصحابة من مهاجرين وأنصار يعرفون هذا الترتيب والأمر بين الصحابة؛ كون الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي رتب مراتبهم وسُلم القيادة فيهم حياً ولو بالإشارة. وذلك أنه لما عاد صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع إلى المدينة صعد منبره، بعد ما ذكر من أحاديث "خم" التي فيها مآخذ وملاحظات من رجال الحديث، فحمد الله وأثنى عليه وقال: "أيها الناس: إن أبا بكر لم يسؤني قط، فاعرفوا ذلك له. أيها الناس: إني عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبدالرحمن بن عوف والمهاجرين الأولين راضٍ، فاعرفوا ذلك لهم. أيها الناس: إحفظوني في أصحابي وأصهاري وأحبابي، لا يطلبنكم الله بمظلمة أحد منهم. أيها الناس: إرفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحدهم فقولوا فيه خيراً"( ). وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "كنا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك بقية أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نفاضل بينهم". وفي صيغة أخرى، كما عند البخاري: "كنا نخير بين الناس في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فنخير أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان - رضي الله عنهم"( ). وهذا ما كان يعرفه علي - رضي الله عنه- جيداً، وما كل النصوص المزورة والأحاديث الملفقة عنه في أمر الولاية إنما قيلت بعده بأكثر من مائة عام، حينما ظهرت الشيعة كتنظيم سياسي وفكري يدعي الأحقية بالحكم.