ميكيافيللية الرئيس صالح
بقلم/ ا. أحمد علي الكوماني
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و يوم واحد
الجمعة 13 مايو 2011 03:46 م

لم يتوقع نيكولا مكيافيللي أن كتابه الأمير الذي انتهى من كتابته قبل وفاته بأربعة عشر عامًا سيصبح مرجعًا سياسيًا مهمًا لكثير من قادة العالم,كما أنه لم يخيل إليه أن يصبح الكتاب ذا أهمية في عالم السياسية, كلما كان يطمح إليه هو أن يقرأ الأمير الكتاب و يطبق ما فيه لتوحيد إيطاليا وفق قاعدته المشهورة \"الغاية تبرر الوسيلة\"

لكن هذا الناصح الأمين لم يخجل من ذكر نصائحه صراحة ودون محاولة لتغطية ما فيها من معاني الخسة والانتهازية وعدم احترام حقوق الآخرين، بل واعتبار أن قتل الأبرياء شيء طبيعي من الممكن فعله من أجل الحفاظ على المُلك,

كما أن مكيافيللي ينصح الأمير علانية بأن يجمع كل الصفات الحميدة التي يفتخر بها الرجال ويلتزم بها أمام الناس, بل و يبذل كل ما في وسعه لكي يشتهر بها, فيقول الناس عنه؛ أنه كريم وصادق وشهم و شجاع و حافظ العهد و أمين ... الخ.

لكنه يشدد على أهمية أن يستخدم الأمير عكس كل هذه الصفات عند الحاجة إليها دون أي خجل من ذلك. فالمهم فقط هو ما يسعى إليه الأمير من شهرة طيبة تتحقق سواء التزم بهذه الصفات أم لا. وفق القاعدة \"الغاية تبرر الوسيلة\" ومعناها واضح وصريح، أي الوصول إلى ما تريد بأي طريق حتى وإن كان طريقًا غير شريف. فهي عبارة تجرد معنى الانتهازية في أخس صورة.

كما يرى \"مكيافيللي \" أن قدرة الحكام على الاحتفاظ بالسلطة تتوقف على صفات خمس :

1- إتقان فن الحرب والتدريب والاستعداد الدائم لها حتى في السلم .

2- الخشونة والشجاعة والبُعد عن الملذات .

3- إعمال العقل ، وذلك بالمزج بين الشجاعة والمكر حتى يكون الحاكم \" ثعلباً يميز الفخاخ وأسداً يرهب الذئاب

4- الاعتماد على النفس ، أي على الجيش المكون من المواطنين .

5- القدرة على استمالة الرعية للاستعانة بهم في الأزمات.

هذا ملخص بسيط لما جاء في كتاب الأمير, لا كن العجيب في الأمر أن ميكافيللي يعتبر من رواد السياسية الحديثة التي تدعو إلى الحرية و المساواة وهذا ما جاء في كتابة (أحاديث )يتجلى ميكيافيللي بمظهر المدافع عن الحرية. لذلك كتبت عنة الباحثة \"ماري ديتز\" في دراستها التي أسمتها \" فخاخ الأمير \" إلى أن ميكيافيللي في كتابه الأشهر كان بصدد خداع الأمير المستبد فأعطاه من النصائح ما هو كفيل بتدمير دولته, إنها بحسب نص عبارتها \" نصيحة ملغمة \"من ميكيافيللي إلى الأمير الساذج هو\" لورنزو دي ميدتشي\" .

من ما سبق تتجلى لنا شخصية الرئيس المقتبسة و فق نصائح ميكيافيللي التي تحلت بظاهرها الشجاعة, و الكريمة, و الأمينة, و القائد البطل موحد الشطرين الشمالي و الجنوبي, تيس العرب,... الخ. وهذا ما كان يبدو لنا في خطاباته و فعالياته و مقابلاته التلفزيونية و الصحفية و ما قرأنا عنه في الابتدائية و الثانوية, و ما روج له الإعلام المرئي و المقروء,

كل هذه الصفات التي تعلمنها و حسبناها فيك سيادة الرئيس! باتت هباء كعجاج لا نرى منها إلا غبار يتطاير في المنجزات التي تحققت في عهدك بزيادة الفقر و البطالة و الجهل والتسول في الداخل و الخارج مقابل انخفاض المستوى التعليمي و الاجتماعي و الأخلاقي و الثقافي و الفكري الذي تحلى به أبناء شعبك. فأي قيادة حكيمة قدت بها بلدك و أي منجزات عظيمة وشامخة في البناء التحتية من الطرقات المتشققة والصرف الصحي المتعفن و الكهرباء المنقطعة بين الحين و الأخر و أي مستشفيات معاصرة للتكنولوجيا الحديثة, و أن وجد هذه المستشفيات و الجامعات و الطرقات المشيدة فهي على نفقة دول الجوار و لم تسلم هذه النفقات من الاختلاس و السرقة و النهب من المتنطعين و الأبواق من حاشيتك التي قربتها منك لكي تسمع و تطيع و تفعل ما تريد مقابل بقاء علي في الكرسي \"علي و بس \".

الصفات الحميدة التي أظهرتها و تظاهرت بها سيادة الرئيس لتبين لنا شخصيتك الملائكية باتت اليوم واضحة جليتا بأن تحتها شيطان مخفي لا يفرق بين الحلال أو الحرام لا يفرق بين الصواب و الخطاء,لا يوجد في رأسه غير أفعل ما تراه جيد لبقائك في السلطة مهما كلف ذالك من ثمن, و هذا ما بان جليا واضحا في تصرفاتك أمام الشباب المسالمين العزل الذي يتصدوا لطلقات أبواقك بصدور عارية و قلوب متسامحة في سبيل تحرير وطنهم الحبيب من المستبد الظالم الذي طال ما احتسبوه ملاكا يمشي في الأرض, ليتحول في لليلة و ضحاها إلي سفاح لا يبالي بالدماء المسالة في الشارع بل لا يبالي كم عدد الشهداء أو المصابين في سبيل بقائه في السلطة بل أن سنوات حكمك الماضية تمجد فيها القتل و السلب و الفتن و الحروب على صعدة و الانفصال في الجنوب و الحرب على الإرهاب كل هذه الفتن لكي تبقى فوق الكرسي.

أما سئلت نفسك يوما أي طريق تسير به و هل هذا هو الطريق الصحيح أم اكتفيت بكتاب الأمير لتتقمص منه شخصيتك المستبدة المغطاة بالحلم و الشجاعة و الكرامة و الأمانة ... الخ. و لم تفكر يوما كما فكرة الباحثة \"ماري ديتز\" في دراستها التي أسمتها \" فخاخ الأمير \" وتعلم أن هذه النصائح ملغمة تعجل من سقوطك و ترميك في مزبلة التاريخ.

هذه هي شخصية الرئيس التي تقمصت شخصية الأمير الساذج و أبواق الرئيس التي تقمصت شخصية ميكيافيللي الذي قدم النصائح للأمير و هو يعلم إنها أفخاخ ملغمة بالمكر و الخديعة, إلا أن الفرق بين أبواق الرئيس و ميكيافيللي هو إن الأبواق تدافع عن مصالحها , حيث أننا نعلم جميعا من هم هذه الأبواق و من أمثال هذه الأبواق هو البركاني و الراعي الذي حسبهم الرئيس من الأوفياء وهم يشهرون نصيحتهم المخزية في مجلس النواب و في الإعلام الرسمي بقلع العداد و استمرار الرئيس إلى مالا نهاية وهم لا يعلموا إن هذه النصيحة ستقلع الرئيس بدلاً عن العداد.

ماذا تبقى لك سيادة الرئيس ليكتب التاريخ عنك بعد رحيلك! هل سئلت نفسك هذا السؤال أم اكتفيت بما ينصحك به الأبواق المقربة منك من أمثال البركاني و الجندي و أبن دغر و الصوفي و غيرهم من أذناب النظام الذين يريدوا ألحاق الخزي و العار و الذل و المهانة في شخصيتك .

هل نزلت يوما لتجول في شوارع صنعاء و تحديدا باب اليمن كيف ترك الأطفال مدارسهم و أقلامهم و دفاترهم و استبدلوها بالعربات اليدوية و بعض الفواكه و المعادن ليبتاعوا و يشتروا بها خوفا من الجوع و الفقر الذي يطاردهم . أما نظرة إلى الأطفال المتسولين في الشوارع و الخطوط أما نظرة إلى المتهربين في بلاد الجوار هروبا من الفقر و قلة المال وهل .. الخ .

أم اكتفيت بما يرفع إليك من التقارير المزورة من أمثال ابن دغر و العليمي و الصوفي وغيرهم الأبواق المقربة إليك . أم انك كنت تعلم بهذا و أنت من عمل له خوفا من توسع العلم و الفكر و تقلص الجهل الذي يهدد أمنك و استقرارك فوق الكرسي و اكتفيت بتجويع الشعب و نهب ممتلكاتهم لك و لحاشتك و أنت لا تعلم أن زيادة الفقر و البطالة كفيله لخلعك من السلطة .

ها هي الفرصة اليوم أتت إليك, وما عليك إلا التوقيع على المبادرة لحفظ ما وجهك و رحيلك بطريقة مشرفة و لا تركن إلى الأبواق المقربة منك فوا الله لا يريدون لك إلا الخزي و المذلة . كفاك التفاف على المبادرة و تهرب من توقيعها و لتعلم إن الشباب في الساحات, و سيبقون في الساحات و لن يتركوها إلا برحيلك رضيت أم أبيت . لقد تعلم الشباب عنك الكثير و عرفوك على حقيقتك فلن يصدقوك اليوم مهما قلت. فلن يرحل الشباب إلا بنصر أو الشهادة ليلتحقوا بركب من سبق من الشهداء الأحرار والأبطال رحمة الله عليهم . فان كنت تحب اليمن كما تزعم فلتعلم إن مصلحة اليمن اليوم في تنحيك عن السلطة و بأسرع وقت ممكن. فالبلاد لا تحتمل مزيداً من أيام الاعتصام فالبركان الذي تحدثت عنه قارب على الانفجار.

alkomani@yahoo.com