يشوف عقله إلى فين
بقلم/ طارق عثمان
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 11 يوماً
الأحد 08 مايو 2011 06:00 م

يبدو أن إخواننا الخليجيين مرنين إلى حدود أبعد كثيرا مما كنا نعتقد ، فمبادرتهم التي يصفونها دوما بأنها نهائية في إشارة واضحة للأطراف اليمنية المعنية أنهم لن يقبلوا أبدا النقاش حول إجراء أي تعديلات عليها سرعان ما يطالها التعديل ليعودوا فيصفون المبادرة المعدلة بأنها نهائية من جديد ،وهكذا دواليك .

ولا ندري هل السبب يعود إلى وجود سوء فهم بيننا وبين الخليجيين مرده إلى اختلاف اللهجة ، وكلمة نهائية عندهم لا تعني أبدا ما نفهمه نحن ، أم أنهم فقط يعتبرونها غير قابلة للتعديل من طرف المعارضة وكلامهم حول كونها نهائية كلام موجه لأحزاب اللقاء المشترك فقط أما للحاكم فهي مجرد مسودة يحق له تعديلها كيفما يشاء وصار دورهم هو دور ساعي البريد ، و( مرسال المراسيل ع الضيعة الأريبة ... ) .

فهذه المبادرة التي بدأت ببند التنحي للرئيس في النسخة الأولى ، ثم تم تعديلها إلى تسليم السلطة في النسخة الثانية ، تلاها تسليم الصلاحيات ، و انتهت في نسختها الرابعة المنقحة والمعدلة إلى أن يوقع 15 شخص من المعارضة ، و15 شخص من الحزب الحاكم ، ثم يوقع الرئيس عليها باعتباره راعيا إلى جانب وزير خارجية الإمارات ، وهو ما يعني تحويل المبادرة من خليجية إلى مبادرة محلية الصنع بأيدي طباخي القصر الجمهوري المهرة ..

لقد كان الشباب مصرين على موقفهم منذ البداية ورافضين لأي حلول لا تتضمن التنحي الفوري دون قيد أو شرط وكانوا يتوقعون أن تكون حركة التعديلات على المبادرة باتجاه تنفيذ مطالبهم هم لا في تنفيذ مطالب الرئيس ، لكنه بات واضحا أن الخليجيين جاءوا لينقذوا صالح من شعبه لا العكس ..

المبادرة في وضعها الحالي يقصد منها دفع المشترك للرفض وهذا ما أتمناه شخصيا ، فالحقيقة أنه سيكون من السذاجة الإصرار على الإثبات للخليجيين أن المشترك حريص على الحل والسير مع مبادراتهم حتى النهاية ، لان الدخول في المفاوضات ابتداء كان لتعرية النظام وكشف مراوغاته ومخاتلاته وعدم جديته في التعامل مع المبادرة الخليجية ، وهذا الأمر تحقق منذ الأيام الأولى للمبادرة ، ولكن ما يحدث الآن يشير بشكل واضح أن الخليجيين يعرفون هذا النظام و متواطئون معه وإلا لما رضخوا كل هذا الرضوخ لكل ضغوطاته حتى وصلت إلى هذا المستوى حتى أصبحنا نشك انه حتى حالة وافق المشترك على هذه الصيغة الأخيرة فستصدر نسخة خامسة وسادسة وهكذا حتى نصل إلى النسخة النهائية النهائية مرة ،مرة التي تشترط توقيع جميع الحاضرين في ميدان السبعين كطرف أول وجميع الحاضرين في ساحات التغيير كطرف ثاني ويوقع عليها الرئيس وقائمة الـ 560 و كذا وزراء خارجية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بصفتهم رعاة للاتفاقية ، و تنص على الرحيل الفوري وغير المشروط للشعب اليمني ودون ضمانات بالملاحقة القضائية ...

إن كان المشترك قد خاض غمار المفاوضات لكشف حقيقة النظام لدول الجوار فقد أجاد ، لكن أن يستمر في الاعتقاد أن إخواننا في الخليج ما زالوا لم يفهموا بعد، فهي سذاجة ودليلا على أنه هو من لم يفهم قواعد اللعبة ، فالخليج والاتحاد الأوربي وأمريكا لن تحترمكم إلا بقدر ما تمتلكونه من الجماهير ومدى التحامكم بها و اقترابكم منها ومن تطلعاتها وآمالها وقدرتكم على السعي في سبيل تحقيقها ، وكل شبر تقتربون فيه من فنادق الخمسة نجوم وقصور طويلي العمر للتباحث حول المبادرات النهائية التي لا تنتهي تبعدكم عن جماهيركم أميالا وتجعلكم فرادى في مواجهة قوى إقليمية كل ما يهمها هو أن لا تصبح ثورتكم مضرب الأمثال ولا ملهمة لشعوب الجزيرة ..

هم يعرفون النظام جيدا وهو خيرٌ لهم منكم فكونوا خيرا لأهلكم منهم ، المبادرات ستطول وتطول ، وانتم تخفضون سقف مطالبكم دائما وكلما حاولتم رفع هذا السقف رفع الحاكم هراوته فعدتم مكسوري الخاطر تخفضونها ثانية إلى مستوى يفوق ما يطمع هو به ..

خسارتكم لجماهيركم دائما مردها إلى تنازلاتكم الكثيرة وليس في تصلبكم وتشددكم ، وهي تنازلات لا تؤدي أبدا إلى نتيجة مرضية لا لكم ولا للشباب ، وتغليب الحكمة والإصرار على الحوار أصبح مرضا جلديا مزمنا وقهريا ولا إراديا اسمه تغليب الحكة فأنتم تستمرون في الحك حتى تجري الدماء ...

لقد أصبح لسان حالكم مع الحزب الحاكم تماما كما يقول المثل ( أشوف عقله لافين ) ولمن لا يعرف قصة هذا المثل فهي لمجنون ركب في مايكروباص وأخذ يتحرش بالمرأة التي بجواره وهي لا تحرك ساكنا وكلما سكتت هي زاد هو كل مرة في الإقدام على فعل أكثر خدشا للحياء وهكذا هي تسكت ولا تردعه وهو يتمادى ويطور من اعتدائه فلما نهرها الناس من حولها لماذا لا توقفه عند حده قالت ( أشوف عقله لافين ) يعني تشوف عقله حيوصله لحد فين ،

وهكذا استمرت في ترقب أين سيوصله عقله ، حتى حدث ما سنكتب عنه في العدد القادم من النسخة العاشرة من المبادرة الخليجية .

هذا هو حال المشترك كلما زاد صلف النظام كلما زاد تراجعه وصمته ورضاه وتمتعه بالحكمة ...فالنظام يكسب مزيدا من الوقت و يتقدم كل اليوم في مشروعه لإجهاض الثورة ووتيرة جرائمه ترتفع ودفعه للبلد نحو الهاوية تتزايد وسقف مطالبه يعلو والمشترك مستمر ( يشوف عقله لافين ).