استبداد في زمن الحرية
بقلم/ خالد اليافعي
نشر منذ: 11 سنة و شهرين و 30 يوماً
الإثنين 19 أغسطس-آب 2013 04:39 م

على الرغم من مرور أكثر من خمسة عقود على انتهاء الاستعمار العسكري منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي إلا أننا لا نزال نكتوي ببعض مخلفات وآثآر ذلك الاستعمار البغيض ، لم يرحل الاستعمار بسلام ، ولكن ترك لك بعض الألغام والقنابل الموقوتة التي مازالت تداعياتها حاضرة بيننا الى اليوم .

بعقل حاقد بغيض ترك لنا حدود مصطنعة نختلف عليها ثم نتقاتل من أجلها ، ترك لنا أرض منهوبة خيراتها وواقع اليم يعصب ذكر تفاصيله ، لكن من اسوأ ما ترك لنا ذلك الاستعمار هي تلك النخبة العسكرية والمدنية التي سلمها – بشكل او بآخر – مقاليد الحكم والتي مازالت – في كثير من الأقطار العربية – جاثمة على صدور الشعوب باسم القومية والثورية وحماية الأوطان .

هذي النخبة جزء منه انسلخ من هويته ليصبح تابع للاستعمار ولو مندوبا لهم في وطنه ، وجزء آخر ظلل عليه او افتتن بتلك الحضارة المزعومة وما كان لديهم من ادوات ، وجزء آخر ركب موجات تحرر الشعوب العربية ورغبتها في الحرية والكرامة وتسللوا إلى السلطة عن طريق القوة وصاروا يتحكمون بالحديد والنار ومازالت اثآرهم الكارثية حية ناطقة بيننا الى اليوم .

اغلب الدول العربية بعد طرد الاستعمار حكمتها قيادات عسكرية والبعض مازالت الى اليوم سوريا، الجزائر، مصر، ليبيا وغيرها من البلدان اذاقوا الشعوب جميع ويلات ومآسي الحياة وعاثوا في الأرض الفساد الذي لم يذكر لنا التاريخ مثله.

من تلك الجرائم أحداث حماه في سوريا التي راح ضحيتها اكثر من 20 الف من المدنيين الأبرياء ، احداث المنشية وغيرها التي قتل فيها جمال عبدالناصر الألآف وسجن عشرات الآلآف ، تبديد ثروات الشعوب يمينا ويسارا في امور تافهة وفي مصالحهم الشخصية في ظل وجود فقر لا معقول ، كل هذه من جرائم العسكر الذين أداروا ولا زال بعضهم بعض الاقطار العربية ، لكن المضحك ان العقلية العسكرية لم تتغير بعد عقود من الزمن ، في ظل تغير للعالم أجمع وتطور تقني واعلامي وفضائيات ومواقع تواصل اجتماعي ، مع هذا العقلية العسكرية لا تتغير

العقلية العسكرية لا تعترف بشيء اسمه الديمقراطية، لا تعترف بالحرية والكرامة وحقوق الإنسان، لا تعترف بالرأي والرأي الآخر ، تعترف فقط بشيء اسمه الطاعة العمياء ، بالاستبداد والدكتاتورية لا غير .

من يقنع العقلية العسكرية ان هناك الف قناة فضائية بديلا لقناته الرسمية، من يقنع العسكر ان هناك جيلا من الشباب مستعدا للموت من اجل الحرية، من يقنع العسكر القدرة على جمع مليون شخص للتظاهر بضغطة زر ، من يقنع العسكر انه في نفس اللحظة التي ينتهك فيها حقوق الانسان سوف يفضح ويشاهده العالم أجمع.

مع هذا كله العقلية العسكرية مدربة ومجهزة على خوض الحروب والمعارك واستخدام كافة انواع الأسلحة وعمليات الزحف والانسحاب وغيرها، لكنها في نفس الوقت عاجزه عن مواجهة جيل جديد من الشباب يواجه آلة الحرب بصدور عارية ، انهزم الرصاص امام هذا الجيل ، عجز العسكر عن مواجهة الفيس بك الذي اسقط آخر فرعون في مصر.

شيماء عوض ... لن ينساها تاريخ مصر الثورة، بضغطة زر في حسابها على تويتر ابهرت العالم، خاطبت العالم، نقلت وقائع لكل القنوات لحظة بلحظة ، عرت الإنسانية لمن كان لا يزال يدعي – زورا – الإنسانية .

بماذا تستطيع ان تواجه شيماء ايها العسكر؟ هل ستستخدم الآر بي جي لقصف حسابها ام سترسل طائرة بدون طيار ام ستحرك جنازير الدبابات لتدوس على الأحرف والكلمات التي عرت صورتكم امام العالم. انها معركة غير متكافئة لكن نتائجها محسومة للسلمية والصدور العارية ضد زخات الرصاص الآثمة.

بكل لغات العالم ، بكل العمليات الحسابية ، بكل كلمات المنطق ، بكل فلسفة للمقاومة والثورات الجديدة ، العسكر في معركة خاسرة مع هذا الجيل الذي يمتلك اسلحة اقل كلفة لكنها اكثر فتكاً ، فقط لان الجيوش والعسكر لم يخوضو مثل هكذا معارك.

انتهى زمن العسكر ، من يستطيع اقناع العسكر ، قوة السلاح لم تعد تجدي مع هذا الجيل الثائر لكن ... عبثا يحاولون .