هل يواجه اليمن خطر التفكّك؟
بقلم/ باتريك سيل
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و 13 يوماً
الجمعة 28 أغسطس-آب 2009 11:39 م

يقاتل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي يتولى السلطة منذ اكثر من 30 سنة وهو في الوقت ذاته القائد الأعلى للقوات المسلحة، في سبيل الحفاظ على مسيرته السياسية. فقد حكم الجزء الشمالي من البلد منذ عام 1978، ومن ثمّ تولى زمام حكم البلد كلّه منذ عام 1990، إلا أن المشاكل التي تعترضه حالياً على كل الجبهات قد تكون من بين أسوأ المشاكل التي توجّب عليه مواجهتها.

على غرار سائر القادة العرب، أمثال الرئيس المصري حسني مبارك الموجود في السلطة منذ عام 1981، ومعمّر القذافي الذي يحكم ليبيا منذ عام 1969، يحكم الرئيس اليمني بلداً يتمتع نظرياً بنظام متعدد الأحزاب. ولكن مواقفه في الواقع تتحول الى قوانين، ولكن مناطق واسعة من البلاد بدأت الآن تعارض هذا الوضع بشدة.

وتعود جذور عدد كبير من المشاكل التي يواجهها علي عبدالله صالح إلى الأحداث الأساسية التي عرفها ماضي اليمن العنيف، لا سيما الانقلاب الجمهوري الذي أطاح الإمامة الزيدية عام 1962، والوحدة عام 1990 بين شمال اليمن الذي كان تحت حكم حزب المؤتمر الشعبي بقيادة صالح مع جنوبه الذي كان تحت حكم الحزب الاشتراكي. غير أن هذه الوحدة لم تكن ناجحةً.

وسرعان ما ظهرت الكوارث بعد هذه الوحدة، وخصوصاً ما ترتب على دعم اليمن لاحتلال صدام حسين للكويت عام 1990 وعودة حوالى مليون يمني كانوا يعملون في السعودية الى بلادهم. وتسبّبت هذه الضربة القاسية ببؤس كبير في بلد كان يعاني اصلاً بؤساً واسعاً. وفي عام 1994، حاول الجنوب أن ينفصل عن الشمال. إلا أن الحرب انتهت بعد إراقة الكثير من الدماء بانتصار الجزء الشمالي واحتلال عدن، عاصمة الجنوب في 7 تموز (يوليو). وقد أثار ذلك امتعاضاً شديداً بدأ فتيله يشتعل حالياً.

قد يعتبر المرء أن التاريخ خلّف عواقب وخيمة على القائد الأعلى الذي يواجه مشاكل عدة. فالجزء الجنوبي يطالب مجدداً بالانفصال حتى يؤسس دولته المستقلة الخاصة بقيادة علي سالم البيض، الذي سبق ان كان رئيساً لليمن الجنوبي.

وتمارس حركة النضال السلمي في الجنوب الضغوط من أجل الانفصال، غير أن هذه الحركة ليست سلمية كما يشير اسمها. ويبدو أن الشطر الجنوبي يتسلّح في إطار الاستعداد لمواجهة جديدة. وقد شهد هذا الصيف عدداً من التظاهرات العنيفة ضد الحكومة في صنعاء وعمدت السلطات إلى اتخاذ إجراءات صارمة وعنيفة في معرض الرد على ذلك.

أما عدوّ الحكومة المركزية الذي لا يقل خطورةً فهو عبدالملك الحوثي، زعيم حركة التمرد في الشمال الذي يحارب الحكومة من دون كلل منذ عام 2004. وقد تمّ قتل نسيب عبدالملك، حسين الحوثي الزعيم الأول في الحركة في الأشهر الأولى على بدء التمرد. وتعهّد الرئيس علي عبدالله صالح بسحق المتمردين متهماً الحوثيين بأنهم يريدون تدمير الجمهورية وإعادة نظام الإمامة الزيدية.

وقد قام الرئيس اليمني في الشهر الجاري بإرسال جيشه في مهمة تأديبية ضد المتمردين في الشمال في إطار عملية الأرض المحروقة التي أدت بحسب عبدو كريمو أدجيباد ممثل منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسف) في اليمن إلى فرار أكثر من 100 ألف شخص يائس معظمهم من الأطفال. وقالت مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في جنيف ان حوالى 35 ألف شخص فرّوا من منازلهم في الأسبوعين الماضيين من حصن المتمردين في صعدة، وهي عاصمة المحافظة الشمالية اليمنية التي تقع على الحدود السعودية. وقد أرسل برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة 40 طناً من البسكويت الغني بالطاقة إلى اليمن في الأسبوع الماضي لإطعام اللاجئين. غير أنه كان من الصعب الوصول إليهم بسبب القتال.

وحاولت القوات التابعة للحكومة المدعّمة بالطائرات والمدفعيات أن تفتح الطريق المؤدية إلى صعدة والتي نجح المتمردون في قطعها. إلا أن المتمردين لا يزالون يسيطرون على الجبال التي تطلّ على المدينة. ويُعتبر ذلك أسوأ انفجار للعنف في اليمن منذ حرب الانفصال عام 1994. وتشير التقارير الى حصيلة كبيرة لأعداد الضحايا.

وعلى رغم أن الحوثيين هم من الزيديين الذين يشكلون جزءاً من الطائفة الشيعية، إلا أن من غير الواضح ما إذا كانوا يطمحون فعلاً إلى إعادة حكم الإمامة أم أنهم يتمردون فحسب ضد ما يعتبرونه معاملة غير عادلة وتمييزاً اقتصادياً من صنعاء. ولا شك في أنهم يطالبون بالحصول على شيء من الاستقلالية.

على أي حال، يهدد النزاع بجرّ القوى الخارجية إليه. فقد اتهم وزير الإعلام اليمني أحمد اللوزي إيران في شكل غير مباشر بدعم المتمردين الحوثيين، فيما زعم الجيش اليمني أنه عثر على أسلحة من صنع إيراني بما فيها رشاشات وصواريخ قصيرة المدى وذخيرة حربية. وتخشى المملكة العربية السعودية أن يتيح القتال الفرصة أمام إيران لتوسيع تأثيرها على حدودها. كما طالبت طهران القلقة دوماً على وضع الجماعات الشيعية بالتوصل إلى حلّ سلمي للنزاع.

وشكلت هذه النزاعات في الشمال والجنوب تحدياً بالنسبة إلى الرئيس علي عبدالله صالح وحكومته في وقت صعب. إذ إن إنتاج النفط الذي وصل إلى حوالى 320 ألف برميل يومياً يتضاءل، فيما وجّه هبوط أسعار النفط ضربة قاسية إلى اقتصاد اليمن، ومن المتوقع أن يرتفع عدد السكان بنسبة 3 في المئة وهي النسبة الأعلى في الشرق الأوسط، من 18 مليوناً حالياً إلى 35 مليوناً عام 2029 مما قد يفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتعددة.

أما مشكلة اليمن الطويلة فهي إنتاج القات وهي النبتة التي يُدمن عليها معظم اليمنيين. فهي تشكّل محصول البلد النقدي الأساسي وتحتل حوالى 145 ألف هكتار من الأراضي بعد أن كانت تحتل منذ عقد 80 ألف هكتار. كما أن القات مصدر أساسي للضريبة على الدخل ومصدر للفساد الكبير في صفوف كبار المسؤولين وعدد من المزارعين. وهو يتسبب بنقص كبير في المياه في اليمن.

وكأن ذلك ليس كافياً، اذ يبدو أن اليمن جذب خلايا من تنظيم «القاعدة» بمن فيهم الشخص المسؤول عن تفجير السفينة الحربية الأميركية «يو أس أس كول» في مرفأ عدن في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2000 الذي أودى بحياة 17 من رجال البحارة الأميركيين. وقد تمّ القبض على الكثير من أعضاء «القاعدة» وسجنهم، إلا أنه في شباط (فبراير) 2006، نجح 23 منهم بالفرار ومن بينهم المسؤولون عن تفجير السفينة الأميركية «يو أس أس كول» عبر شق نفق من السجن نحو مسجد قريب.

ومن بين الأشخاص الذين فروا ناصر الوحيشي (33 عاماً) وهو مساعد سابق لأسامة بن لادن، ويُقال إنه زعيم تنظيم «القاعدة» في اليمن. وتفيد التقارير بأن الخلايا في اليمن والمملكة العربية السعودية قد توحّدت مع بعضها لتشكيل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، مما دفع وكالات مكافحة الارهاب في الولايات المتحدة وخارجها إلى دقّ ناقوس الخطر، لا سيما أنها تخشى أن يصبح اليمن مأوى للارهابيين.

قد يحتاج اليمن إلى وساطة البلدان المجاورة بما فيها دول الخليج والمملكة العربية السعودية وحتى إيران لمساعدته على حلّ نزاعاته الداخلية. لكنه بحاجة إلى المساعدة في ميادين الصحة والتعليم والتنمية الاقتصادية وإيجاد فرص العمل. وستقدّم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى اليمن هذه السنة مبلغ 24 مليون دولار وهو مبلغ زهيد مقارنةً بالبلايين التي أنفقتها الولايات المتحدة على حروب غير ضرورية لا يمكن أن تربحها قط.

* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط