في ذاكرة الطفولة صورة لمجموعة من نجوم الإعلام اليمني الذين خطت أسماؤهم فيها أكثر من دروس المدرسة، يطلون على الفضائية اليمنية لأكثر من نشرة إخبارية وبرنامج، يقولون ما يريدون وننصت اليهم بإجلال.
الإعلامية مها البريهي أحد الأسماء التي ارتسمت في ذهنية ريفي يراها تطل عبر الشاشة الصغيرة غير الملونة لتنقل للناس أخبار الرئيس المشير علي صالح وتفقده لشارع عصيفرة بتعز ووضعه حجر الأساس لطريق تعز القرية، باعتباره منجزاً تاريخياً يستحق من "تيس الضباط" ترك قصره الفخم بصنعاء والنزول الى تعز.
مطلع 2011 م بداية انطلاقة الثورة وقفت الإعلامية اليمنية لتخاطب صالح ونظام حكمه بشكل مدهش، قالت: "هذه هي المحطة الأخيرة لكم"، أعجبتني كثيرا هذه المفردة، اعتبرتها إجابة لـ"فاتكم القطار"، التي كانت تقدم لها مها وزملاؤها في عناوين نشرة الأخبار كعبارة ساحقة لخصومه.
ذهبت الثورة وأتت حكومة جديدة ستكون أفضل من حكومة "200 ريال" للنشرة، أصيبت مها بمرض دفع بها للسفر الى القاهرة كعادة مئات اليمنيين الذين يبحثون هناك عن بارقة دواء لأمراضهم، قالت مها: إنها استلمت 3000 دولار من باسندوة، وإنها لا تكفي، فيما قالت وسائل إعلامية: إن العمراني وجّه لها أيضاً بـ 2000 دولار.
بقايا المحطة الأخيرة استغلت لحظة الفاقة لتقفز الى القاهرة وتلتقي نجمة الإعلام اليمني الثائر، هي نفسها قالت: إنها لم تكن تعلم بوجود يحيى صالح لكنه اطمأن عليها، وقال لها: إن الاختلاف لا يفسد للود قضية.
شكرت مها يحيى صالح على زيارته، وقالت: إن الحكومة لم تَسلْ عليها وكذا حزب الإصلاح، حضر حزب الإصلاح بفؤاد الإعلامية الكبيرة كحزب مسؤول على جميع أبناء اليمن أو هكذا تنظر إليه ومثلها مئات الآلاف.
في ظهر اليوم التالي كتبت على صفحتها بالفيس بوك "منذ ساعات الصباح الباكر ورنين موبايلي لم يتوقف، وأغلب المكالمات الواردة من قيادات حزب الإصلاح.. شكرا لكم"، موقف نبيل فعله الإصلاح.
بالمقابل كان الموقع الرسمي للحزب يدون بالمانشيت العريض: "قيادات في الإصلاح تطمئن على صحة الإعلامية مها البريهي ويورد أسماء القيادات وزيارة شباب من الحزب لها في القاهرة".
مها وأغلب اليمنيين وأنا منهم ننظر للإصلاح على أنه أب للجميع وليس مجرد حزب، على أنه حاكم البلد وإن كان لا يملك سوى وزارتين من 35 وزارة، على أنه أسطورة وإلياذة البسطاء والناس الطيبين.
لا أحد يعرف حاكم رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما لكن الجميع يتغنون بمبادئ نيلسون منديلا مؤسس مدرسة العدالة والمساواة والتسامح في قلب القارة السمراء، الحاكم هناك هو منديلا وليس أية قوة أخرى.
متى ستفهم قيادات الإصلاح نظرة الناس اليها بأنها عنوان عريض لأحلام شعب ومصير بلد منهك، ينبغي أن يحضر الإصلاحيون في عمق معاناة الناس بمختلف أطيافهم وفي قلب قضاياهم وآلامهم وآمالهم كأكبر حزب منظم في شبه الجزيرة العربية.