صحيفة أمريكية تتحدث عن تورط دولة كبرى في تهريب قائد في الحرس الثوري من صنعاء أردوغان يكشف ما تخبئه الفترة المقبلة وأين تتجه المنطقة .. عاصفة نارية خطيرة اجتماع حكومي مهم في عدن - تفاصيل بن مبارك يشن هجوما لاذعا على موقف الأمم المتحدة وتعاطيها الداعم للحوثيين وسرحد فتاح يكشف عن نتائج تحركات المستوى الوطني والدولي وزير الدفاع يقدّم تقريرا إلى مجلس الوزراء بشأن مستجدات الأوضاع الميدانية والعسكرية قطر تقدم تجربتها الأمنية في إدارة الجوازات والخبرات والتدريب لوزير الداخلية اليمني إسبانيا تُواجه كارثة هي الاولى من نوعها... حداد وطني وعدد الضحايا في ارتفاع المليشيات تستكمل «حوثنة» الوظيفة العامة بقرارات جديدة لماذا تعرقل إيران انضمام تركيا إلى البريكس؟ إغتصاب الأطفال.. ثقافة انصار الله في اليمن
تقرأ لابن خلدون في مقدمته فتندهش من عبقرية هذا العلامة المفكر في رصده للواقع واستشرافه للمستقبل ، وسبقه لعصره بمراحل عديدة ، والحقيقة أن هذه المعرفة المدهشة لم تأت من فراغ ، لقد عمل ابن خلدون لدى ملوك العديد من الدول في المغرب والأندلس وغيرها ، وشاهد بنفسه الدسائس والمكايد والمؤامرات ، كما شهد زوال بعض هذه الدول وقيام أخرى ، وشارك في صناعة الأحداث ، وتعرض هو نفسه للمؤامرات وزج به في السجن وتغرب من وطنه ، وسافر إلى مصر وغيرها ، ونتيجة لهذه الحياة الثرية والتجربة العميقة كانت له رؤيته الثاقبة ، وتفسيراته الرصينة وأطروحاته الهامة ، إضافة إلى أنه التاريخ وأستوعب التراث وفق رؤية جديدة تؤسس لعلم الاجتماع الذي وضع أسسه في المقدمة .
ولم يكتف ابن خلدون بتحليل أسباب التدهور السياسي في عهده ، وأسباب التراجع الاقتصادي ، والضمور العلمي والثقافي في زمانه ، بل وضع أسسا وقواعد لهذا التراجع والتدهور ، وهي أسباب يصلح اسقاطها وتنزيلها على عهده والعهود الذي ستلي زمانه فهي قواعد مناسبة لكل زمان .
لم يتميز ابن خلدون في رصده الدقيق للواقع فحسب بل لقد كانت له رؤيته المدهشة للمستقبل ، كأنه ينظر من وراء حجب الغيب لواقعنا اليوم ، تأمل ما كتبه : ( عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والشحاذون والمنافقون والمدعون والكتبة والقوالون والمغنون النشاز والشعراء النظامون والمتصعلكون وضاربوا المندل وقارعوا الطبول والمتفقهون وقارئو الكف والطالع والنازل والمتسيسون والمداحون والهجائون وعابروا السبيل والانتهازيون ..
تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط ، يضيع التقدير ويسوء التدبير ، وتختلط المعاني والكلام ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل .
وتتفتق الفرائض ويسود الرعب ويدلهم الأفق وتطول المناظرات ويلوذ الناس بالطوائف وتظهر العجائب وتعم الإشاعة ويتحول الصديق الى عدو والعدو الى صديق ويعلو صوت الباطل ويخفق صوت الحق وتظهر على السطح وجوه مريبة وتختفي وجوه مؤنسة وتشح الأحلام ويموت الأمل وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه ويصبح الانتماء الى القبيلة اشد التصاقا والى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان .
ويضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء ويسود الهرج في الأسواق والمزايدات على الانتماء ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة ).!
وقبل سنوات قليلة توصلت الدراسات المهتمة بشؤون التعليم إلى أن ضرب التلاميذ والقسوة عليهم ينفرهم من التعليم فعممت وزارات التربية والتعليم في الكثير من الدول بمنع ضرب الطلاب في المدارس لكن ابن خلدون كان قد سبقهم قبل أكثر من سبعة قرون إلى أن الضرب للمتعلمين مضر بهم ، يقول : ( وذلك أن إرهاف الحدِّ في التعليم مُضرٌّ بالمتعلم ، سيما أصاغرُ الولد ، لأنه من سوء الملكة.
ومن كان مرباهُ بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم ، سطا به القهرُ و ضيّق على النفس في انبساطها ، وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحُمل على الكذب والخبث، وهو التظاهر بغير ما في ضميره ، خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلّمه المكر و الخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلُقا ، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماعُ التمدُّنُ ، وهي الحميَة و المدافعة عن نفسه أو منزله. وصار عيالا على غيره في ذلك ، بل و كسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل ، فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيتها ، فارتكس وعاد في أسفل سافلين.
وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر ونال منها العسف. واعتَبِرْهُ في كل من يُملَك أمرهُ عليه.
ولا تكون الملكة الكافلة له رفيقة به. وتجد ذلك فيهم استقراءً. وانظره في اليهود وما حصل بذلك فيهم من خلق السوء حتى إنهم يوصفون في كل أفق وعصر بالخرج، و معناه في الاصطلاح المشهور التخابث والكيد ، وسببه ما قلناه.
فينبغي للمعلم في متعلِّمه والوالد في ولده أن لا يستبدوا عليهم في التأديب. وقد قال محمد بن أبي زيد في كتابه، الذي ألّفه في حكم المعلِّمين والمتعلمين: ” لا ينبغي لمؤدب الصبيان أن يزيد في ضربهم إذا احتاجوا إليه على ثلاثة أسواط “.
ومن كلام عمر رضي الله عنه : “ من لم يؤدبه الشرع لا أدبه الله ”، حرصا على النفوس عن مذلة التأديب، وعلما بأن المقدار الذي عينه الشرع لذلك أملكُ له، فإنه أعلم بمصلحته.
ومن أحسن مذاهب التعليم، ما تقدم به الرشيد لمعلم ولده. قال خلف الأحمر: بعث إليّ الرشيد في تأديب ولده محمد الأمين فقال: ’’ يا أحمر إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه، فصَيَّرَ يدَكَ عليه مبسوطة وطاعتَه لك واجبة، فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين. أقرئه القرآن وعلمه الأخبار وروِّاه الأشعار وعلّمه السنن، وبَصّره بمواقع الكلام وبدئه وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه. ولا تمرّن بك ساعة إلا و أنت مغتنم فائدة تفيده إيّاها من غير أن تحزنه، فتميت ذهنه. ولا تمعن في مسامحته، فيستحلي الفراغ ويألفه. وقوّمه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدة و الغلظة ‘‘ انتهى).
وكم عانى الكثير منا الضرب والتعنيف في المدارس والكتاتيب " المعلامة " ، ولدينا جميعا الكثير من القصص المؤلمة التي عشناها في محاضن تربوية الأصل أنها بعيدة عن هذه الممارسات الوحشية التي تعقد الطالب من الدراسة وتجعله يكره التعليم كره العمى .!
لقد وضع لنا ابن خلدون منهجا في قراءة الأحداث ورصد الواقع واستشراف المستقبل ، وللأسف استفاد العالم من علمه ولم نستفد نحن المسلمون من علمه إلا في بعض الجوانب العلمية المعرفية ، وإلا فكيف تسمح الكثير من الدول العربية والاسلامية للملوك والحكام بأن تكون لهم رجلاً في السلطة وأخرى في التجارة وقد قرأوا قول ابن خلدون : ( إذا تعاطى الحاكم التجارة فسد الحكم وفسدت التجارة ) وذلك لأن الحاكم بسلطته يحتكر لنفسه المزايا ويحتكر السوق وينافس التجار ويضيق عليهم في أرزاقهم فيضر التجارة ويضر الحكم ، وقد أعجبني ما قاله الدكتور عبد الله النفيسي تعليقا على هذا القول الخلدوني : ( بعد أن تولى الصحابي الجليل أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ الخلافة ذهب إلى السوق ليتاجر فرآه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقال له :
ــ إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
ـ قال إلى السوق لأتاجر فلي أولاد أنفق عليهم .
فقال عمر :
ـ أنت تقعد في بيتك تتفرغ لقضايا المسلمين ونحن نفرض لك ما يكفيك ، فأجتمع عمر مع كبار الصحابة وفرضوا لأبي بكر نصف شاة كل يوم .
يعلق النفيسي ساخرا :
ــ فرضوا لأبي بكر نصف والجماعة عندنا أخذوا الغنم كلها لهم .!
لقد كان ابن خلدون ينظر بنور الله وهو يرى واقعنا اليوم ، ولو أننا استفدنا من علمه وأطروحاته في واقعنا لما كان حالنا كما هو اليوم يحزن الواحد في ليلة عرسه .!