النزوح الصومالي: مأساة في طي النسيان
بقلم/ فرانسيسكو أوتيرو فيلار
نشر منذ: 15 سنة و 7 أشهر و 8 أيام
الأربعاء 20 مايو 2009 06:01 م
 
مارب برس - خاص 

لقد جذبت سلسلة اختطاف السفن قبالة السواحل الصومالية الانتباه إلى مشكلة القرصنة التي تنبع من هذا البلد الذي دمرته الحروب، ولكن للأسف الشديد أن القليل من الانتباه قد أعطي لحادثة غرق 36 شخص قذفت بهم المياه إلى السواحل اليمنية بسبب أنشطة لا تقل خبثاً عن القرصنة ألا وهي ظاهرة تهريب البشر.

حيث يتكرر حدوث هذا النوع من القصص الأليمة. فمنذ بداية شهر يناير 2009 وحتى نهاية أبريل، قدمت فرق أطباء بلا حدود الرعاية الطبية لحوالي 5000 نازح ممن وصلوا إلى الشواطئ اليمنية. وتعكس هذه الزيادة وجود معضلة لا ينبغي السكوت عنها والتي تواجه المسافرين الذين يحاولون بطريقة يأسه أن ينجون من الحرب والاضطهاد والحرمان في بلدانهم من خلال ركوب قوارب تفتقر لأدنى مستويات السلامة باتجاه مستقبل مجهول.

إن الكارثة التي تعيشها الصومال اليوم والمتمثلة بالحروب القاسية والمجاعة وسوء التغذية والفقر المدقع وانتشار الأمراض وانعدام القانون قد تسببت في نزوح المدنين والذين يحاول الكثيرون منهم أن يبحثون عن الأمن خارج بلادهم وبشكل يأس. حيث يحاول عشرات الآلاف من الصوماليين والأثيوبيين الهروب من الحرب والفقر من خلال وضع أنفسهم في أيدي مهربين لا يعرفون الرحمة والذين يقومن بنقلهم عن طريق البحر من الساحل الشمالي للصومال عبر خليج عدن لقاء حوالي مابين 50 إلى 120 دولار أمريكي للشخص الواحد (والذي يعد مبلغ كبير في الصومال). ويلقي عدد كبير من هؤلاء الناس حتفهم أثناء هذه الرحلة والتي يشوبها مخاطر كبيرة وشتى أصناف الوحشية والعنف.

وتصف أم تبلغ من العمر 40 عاماً التجربة المضنية التي تعرض لها في شهر يناير لفريق تابع لمنظمة أطباء بلا حدود في جنوب اليمن والذين يقومن بتقديم المساعدة الطبية للأشخاص الذين يتمكنون من الوصول إلى الشاطئ وهم أحياء: "لقد كان القارب مكتظ بالناس... وتشعر بأنك تكاد تختنق. وعندما بدأ القارب بالاقتراب من الشاطئ كان زوجي يقوم بتجهيز الأطفال. وبعد ذلك وبشكل فجائي ألقى المهربون به في البحر. حاول المقاومة والتشبث بالقارب ولكنهم قاموا بطعنه. وبعد ذلك ألقى المهربون بابنتي في عرض البحر. ولحسن الحظ انه كان هنالك شاب يجيد السباحة والذي ساعد إنقاذهما. وفي الصباح رأيت جثة زوجي على الشاطئ."

ووفقاً للأرقام المعلنة من قبل الأمم المتحدة حاول أكثر من 50,000 شخص معظمهم من الصوماليين – ولكن أيضاً أثيوبيين والذين يفرون من الفقر المدقع أو الاضطهاد – العبور نحو اليمن خلال العام 2008. وقد تم تسجيل غرق حوالي 600 شخص و 356 مفقود. ولكن من المحتمل أن التكون الأرقام الإجمالية المعلنة أقل بكثير عن ما هو الحال عليه في الحقيقة نظراً لطول السواحل اليمنية والتي تحد من إمكانية القيام بإحصاء كامل للواصلين الجدد سواء الأحياء أو الوفيات.

منذ بداية العام 2009 وصل قرابة 21,660 شخص إلى السواحل اليمنية بحسب إحصاءات للمفوضية السامية لشؤون ألاجئين التابعة للأمم المتحدة. وباستثناء شهور الصيف والتي تسودها الرياح التجارية غير المواتية للسفر بحراً، تغادر القوارب ميناء بوساسو بشكل منتظم. ويقول المسافرون بأنة عادة ما يتم حشر 30 إلى 40 شخص في القارب الواحد. حيث يختنق الكثيرون منهم ويتعرض آخرون للضرب حتى الموت من قبل المهربون المسلحون. ولتفادي إمكانية اكتشافهم من قبل السلطات، يجبر المهربين المسافرين على القفز في عرض البحر بعيداً عن الشواطئ غالباً تحت جنح الليل. ولا يستطيع الكثير منهم السباحة بينا يضل الكثير طريقهم. وتعد وحوادث الموت بسبب الغرق شبة روتينية.

وعند وصول المسافرين إلى الشاطئ عادة ما يكونوا في حالة جسمية ونفسية يرثى لها. وتقوم منظمة أطباء بلا حدود بتشغيل عيادة بداخل مركز تابع للمفوضية الأممية السامية للشؤون ألاجئين في مدينة أحور الساحلية. كما تقوم المنظمة بتقديم الاستشارات النفسية للاجئين.

وينبغي معالجة هذه القضية من مصدرها حيث أن معظم القوارب تأتي من بونتلاند والتي تملك حكومة إقليمية تتمتع بالحكم الذاتي. ويتوجب على الأمم المتحدة السعي لإيجاد سبل لتوسيع عملياتها هناك لاستقبال وحماية الناس الذين يفرون لحماية أنفسهم. ومهم بنفس القدر أن تتحمل الدول المجاورة للصومال مسؤوليتها بفتح الحدود أمام ألاجئين.

كما ينبغي إيجاد الخيارات ألأمنه والقانونية لعبور الحدود الدولية والحصول على حق اللجوء والحماية وفق القوانين الدولية الخاصة باللاجئين. وفي الحقيقة أن الأزمات والحروب مسئولة عن هذا النزوح. وفي ضل تلك الظروف فإن للناس حقوق بما فيها حق العبور بسلامة.

وفي حين تُحشد الجهود لحماية الملاحة البحرية التجارية من قبل المجتمع الدولي, إلا أن القليل جداً – إذا ما جزمنا بذلك – قد بذل لحماية الناس الذين شردتهم الصراعات في تلك المنطقة. وعليه فإن القوى الدولية والإقليمية وكذلك الأمم المتحدة لديها مسؤولية مباشرة في ضمان أن الأشخاص الذين يرغبون في الهروب يمكنهم القيان بذلك وبأمان.

لقد تطلب الأمر عدد من الاختطافات للسفن التجارية لخلق الوعي بظاهرة القرصنة البحرية في المياه الدولية والصراع المرير الذي يغذيها، وسيكون أمر غير أخلاقي أن تترك محنة الآلاف من البشر بعيدة عن الأضواء. 

* – رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود في اليمن.