الحراكُ.. من مطالب حُقوقية إِلى فك الإرتباط والموقف الدولي من ذلك
بقلم/ عبدالقدوس السادة
نشر منذ: 14 سنة و 11 شهراً و يوم واحد
الخميس 03 ديسمبر-كانون الأول 2009 06:17 م

يتفقُ معي الكثير في أن سلطتنا الرشيدة تخطئ دائماً في معالجة أزماتها بالرغم أنها من تصنعها وإن لم تصنعها تساهم بشكل كبير في تفاقمها، أزمات البلد تتوسع وتتفاقم بشكل يصعب معه وضع الحلول المناسبة لأية أزمة، بل أن تأخر السلطة في معالجة الأزمة في وقت مبكر يجعل فرصة معالجتها في المستقبل أمراً مستحيلاً، ولعل سلطتنا الرشيدة طبعاً لا تعترف بالنار إلا بعد أن ترى حريقها يشتعل ويأخذ بالتوسع وتظل في كبريائها حتى يختلط الحابل بالنابل، ولعل صعدة خير مثال على ذلك، ولا ننسى الحراك في بعض المحافظات الجنوبية فالسلطة غضت طرفها كثيراً وتجاهلت تلك الأصوات التي بدأت تنادي بتحقيق العدالة وتوفير فرص العيش الكريم وتكبيل أيادي المتنفذين الذين عاثوا في الجنوب فساداً لم يشهده من قبل، في حينها لم يلتفت أحد إِلـَـى ما ينادي به البعض في تلك المحافظات وما إن ارتفع الصوت ووجد المتربصون بالوطن طريقاً قد يحققون من خلاله ما يتمنون، إشتدت الأصوات المنادية بعودة المتقاعدين إِلـَـى الجيش وتوزيع عادل للثروه ومحاربة الفاسدين وغيرها من المطالب الحقوقية، ولكن للأسف لم تلتفت إليهم السلطة، وحينما توسعت دائرة النشاط الحقوقي بالجنوب حتى بدأت تتضح معالم الصورة الجديدة في نضال سلمي وتحت شعارات قد تكون حادة، ولكنها في إطار الدستور والقانون والتسليم بالثوابت الوطنية المتفق عليها وبرزت إِلـَـى الساحة العديد من الأسماء الجديدة التي تنادي بعدد من المطالب الحقوقية لأبناء الجنوب وبدأ الخروج إِلـَـى الشارع كوسيلة للضغط على السلطة لتحقيق بعض المطالب ولكن بدون استجابة، .

ومع مرور الأيام وتجمع الكثير من أبناء الجنوب منهم من فقدوا مصالحهم والآخر من يحن إِلـَـى الماضي الشمولي ومنهم من لديه مطالب حقوقية عادلة وامتدت الأيادي الخفية لتقديم الدعم لما يسمى فيما بعد بالحراك في بعض المحافظات الجنوبية وتشكلت قيادات وبرزت عدد من الشخصيات الجديدة والتي بدأت تعمل وتحشد الطاقات وخاصةً الشباب وتعميق ثقافة الجنوب وأبناء الجنوب وأحقيتهم في السلطة، وبرزت إِلـَـى السطح أحقاد وثأرات مع النظام حتى أن البعض بدأ يخرج عن المألوف مطالباً بعودة دولة الجنوب وازداد الموقف تطرفاً بالقول إن الجنوب محتل.. ونعت النظام بأوصاف ظلامية.

السلطة بدأت تشعر ببعض الخطر جراء تزايد الأصوات والتي لم تستطع إسكاتها بتوزيع الأموال والمناصب والسيارات بل ازداد الوضع سوءاً، فمن حظي بمكرمة رئاسية عاد إِلـَـى محافظته ليشعل حرباً أخرى وبأموال صُرفت له من القصر الرئاسي، فكانت رؤية السلطة إِلـَـى حل الأزمة قاصرة بل خاطئة والتي زادت من الطين بلة، وجعلت الكثير من أبناء الجنوب ينضم إِلـَـى صفوف الحراك ليحصل على ما يجعله يصمت من أموال وسلطة وجاه واغتنم الـمَــشـَـايخ كعادتهم الفرصة وأغدق النظام عطاياه لهم ولكن دون جدوى، الحراك ما زال موجوداً ويتوسع يوماً بعد يوم، وتعلن أسماء قيادية في المحافظات والمديريات وخرج مناصرية إِلـَـى الشوارع لإحياء مناسبات ومهرجانات تحت مسمى النضال السلمي وانضم إِلـَـى صفوفه قياديين بالحزب الإشتراكي، ويبدو أن اليد الخارجية كان لها الفضل في إبراز الحراك إعلامياً والتي لم تستطع السلطة مواجهته خاصةً بعد موجة غضب اجتاحت الضالع ولحج وأبين وعدن والمكلا، تصادم فيها المتظاهرون مع قوات الأمن وقتل من قتل ورفع خلالها المتظاهرون شعارات لم يجرؤ أحد على رفعها في وقت سابق وتشنج خطاب بعض قياداته حتى وصل بهم الحال إِلـَـى المطالبة جهاراً بالإنفصال تحت مسمى فك الإرتباط وراحت معالجات السلطة للأزمة أدراج الرياج، بالرغم من التوجيهات الرئاسية المتكررة في توجيه عجلة التنمية إِلـَـى تلك المحافظات وتشكيل اللجان لحل مشاكل الأراضي، ولكن يبدو أن الحراك وصل إِلـَـى نقطة لا يمكنه التراجع منها وخاصةً بعد ظهور قيادات له بالخارج تعمل على حشد الدعم المالي والسياسي له، ولعل حملة جمع التبرعات التي شملت السعودية وبعض دول الخليج لدعم الحراك كان له الأثر الإيجابي في جعل الحراك أكثر قوة وتكريس ثقافة الكراهية والتي تعمل على نبذ كـُــلّ ما هو شمالي وعادت دحباشي إِلـَـى الظهور حتى لدى الأطفال.

الحراك بالرغم مما يعانيه من إنقسامات بين العديد من قيادية إلا أنه يزداد قوة وتتسع حركته يوماً بعد آخر، ولعل الأخطر هو الإعداد لمرحلة الكفاح المسلح والذي بدا واضحاً بعد إنضمام الفضلي والعديد من الـمَــشـَـايخ للحراك ولم يُعد يحتاج إلا لدعم دولي تتمثل في الإستجابة لمطلب فك الإرتباط.

التدخلُ الدولي

> قد تدخل الـيَـمَـن مرحلة هامة وخطرة إن إستطاع إنفصاليو الخارج حشد الدعم الدولي وتسويق قضيتهم إِلـَـى المجتمع الدولي وبخطاب إعلامي مدروس، ويبدو أن إنفصاليي الخارج قد فشلوا في تسويق القضية وطرحها حتى للتداول والنقاش على طاولات الكثير من الدول المؤثرة، حيث أغلقت الكثير من الأبواب أمام العطاس والبيض، ولعل الفشل ذلك لا يعني أن المجتمع الدولي وبالأحرى الدول المؤثرة والتي يهمها شأن الـيَـمَـن تحرص على وحدته، بل نستطيع القول بأن الوقت لم يحُن بعدُ للتخلي عن نظام صنعاء، وكذلك يعلم الجميع أن إنفصال بالـيَـمَـن يعني كارثة قد تؤدي به إِلـَـى المجهول ولن تسلم دول الجوار من شظايا النيران المندلعة في جنوب الجزيرة العربية، وبالرغم من تناول الكثير من المحللين أن عدم حصول قيادات إنفصالية في الخارج على دعم لا يعني أن هناك أنظمة تقوم بدعم الحراك بل وتستخدمه في الوقت المناسب للضغط على النظام ومنها النظام السعودي، والذي أكتشف مؤخراً أن له صلات مع الكثير من قياداته ويقوم بدعمهم، ولعل ما يحدث في صعدة وظهور حركة الحوثي والتي يعدها النظام السعودي خطراً كبيراً على وجودة دفعه إِلـَـى دعم الحراك وذلك لمواجهة إبتزاز النظام الـيَـمَـني له بوجود الحوثي وعدم القضاء عليه في ست حروب وذلك جعل المملكة تعيد ترتيب أوراقها في حديقتها الخلفية، وأما عن الولايات المتحدة والتي لم تعر قيادات الإنفصال بالخارج أَي إهتمام فذلك يعود إِلـَـى أن نظام صنعاء يعلن تعاونه الكامل في محاربة الإرهاب والقضاء عليه، والبيت الأبيض يعلم جيداً أن الحربَ بالـيَـمَـن تعني الفوضى، وبالتالي سيجد تنظيم القاعدة مكاناً وملاذاً آمناً لممارسة نشاطه، وإن تطرقنا إِلـَـى موقف الكثير من الدول العربية والتي منها مصر فالنظام المصري يبدي إرتياحه مما تشهده علاقات النظامين من تطور، وخاصةً بعد تراجع الـيَـمَـن إِلـَـى مربع الإعتدال العربي والإرتياح المصري لسياسة النظام في صنعاء أكده قرار عدم السماح لقناة عدن الحرة من البث على النايل سات، بدا التخوف من أن تتحول دولة قطر من دولة مساندة للوحدة وداعمة للنظام إِلـَـى دولة راعية للإنفصاليين بالخارج وأن تفتح لهم أحضانها ليجدوا بمنبر الجزيرة فضاءاً أوسع لطرح قضيتهم وتسويقها إِلـَـى الرأي العام العربي والدولي، ولعل البعض يستغرب من التحول في الموقف القطري تجاه الـيَـمَـن، ولكن لا غرابة في ذلك خاصةً بعد فشل الوساطة القطرية في حرب صعدة وندم الرئيس على قبولها ويبدو أن صراعَ قطر مع النظام السعودي قد أدى إِلـَـى خروج الـيَـمَـن إِلـَـى دول الإعتدال والإتجاه نحو الرياض والقاهرة بعد أن كان النظام الـيَـمَـني يعتمد على سياسة خارجية متزنة تعتبر الكثير من العواصم العربية مرجعاً هاماً له.

التدويلُ.. الحلم

> تعكفُ الكثيرُ من القيادات بالداخل والخارج لا هَــمَّ لها إلا كيفية تسويق قضية الجنوب للعالم، وبالرغم من عدم التنسيق المسبق بين قيادات الداخل والخارج ومدى فجوة الخلافات التـَــأريخية بين الطرفين إلا أن تدويل القضية بات هدفاً مُعلناً للجميع وبدا واضحاً التحركات السياسية المكثفة لقياديي بالخارج للحصول على دعم سواءاً من أنظمة عربية أو دولية، بل تعدى ذلك إِلـَـى التواصل المباشر مع العديد من منظمات دولية كان على رأسها منظمات حقوق الإنسان والتي يحاول إنفصاليو الخارج لفت الإنتباه إِلـَـى ما يجري بالـيَـمَـن والبحث عن إدانة لما يمارسه النظام ويرتكبه من جرائم حرب كما يقول البيض بأنه يعمل على توثيق جرائم النظام والإنتهاكات التي ترتكب ضد أبناء الجنوب، ولا نتناسى أن الخطاب الإعلامي بدأ يتحد وخاصةً بعد غياب البرنامج السياسي للحراك والذي تطور من مجرد مطالب حقوقية بسيطة إِلـَـى مشروع برنامج يهدف إِلـَـى فك الإرتباط وإقامة دولة في الجنوب، ومع أن فرص نجاح قياديي الإنفصال بالخارج في الحصول على دعم باتت ضعيفة، ولكن هذا لا يعني أنهم سيكفون عن المطالبة وتسويق قضيتهم، وهذا ما يخشاه الكثير، وخاصة في تدخل بعض الدول والتي لها عداء مع النظام تؤدي إِلـَـى دعم مطالب أبناء الجنوب وإيصال القضية إِلـَـى مجلس الأمن، وبالتالي يعني بدء العد العكسي لإنفصال الجنوب فعلياً وإن كان ذلك بعد سنوات، ولعل ما يحدث في السودان خير مثال على ذلك، ويبدو أن هناك جهات بدأت تدرس إمكانية قيام دولة بالجنوب ستقوم بدور يخدم مصالح تلك الجهات والتي ستعمل بدورها على إيصال قضية الجنوب إِلـَـى مجلس الأمن، ولعل عدم وضوح مشروع البرنامج السياسي للحراك كان له الأثر في عرقلة الكثير من الخطوات التي تتجه نحو تدويل القضية، ولا ننسى الخلافات التي تعصف ببعض قيادات الحراك في الداخل، ناهيك عن عدم التنسيق مع الخارج، ولكن يبدو أن الظهور الإعلامي لقياديي الخارج أعلن عن نيات مبيتة للبعض في العودة إِلـَـى الداخل لإستلام السلطة، وبالتالي بدأت مخاوف فعلية لمرحلة ما بعد الكفاح المسلح وخاصةً أَن قيادات الخارج ما زالت أيديها لم تجف بعد من دماء الكثير من الأبرياء.

تحول الحراك من السلم إِلـَـى حمل السلاح والتمرد على الدولة والضرب عرض الحائط بكل القوانين بل وتجاوز كـُــلّ الثوابت يُعد تطوراً جد خطير ينذر بسنوات قد تقضي على الأخضر واليابس وخاصةً بعد تعامل الكثير من قيادات الحراك وكأنهم يقودون دولة بالجنوب، وما يزيد الوضع خطورة هو دفع السلطة بجنودها إِلـَـى التصادم مع المتظاهرين الذين يرفعون الأعلام التشطيرية، بل ودفع المواطنين إِلـَـى الإقتتال وتكريس ثقافة الكراهية، وخاصةً بعد تكوين ما يسمى بلجان الدفاع عن الوحدة، وعدم الإعتراف بالقضية الجنوبية والعمل على تشخيص الأزمة ودراسة أسبابها والجلوس على طاولة الحوار ولكن تحت سقف الثوابت الوطنية ويبدو أن قيادات الحراك وصلت إِلـَـى نقطة لا يمكن العودة منها كما تقول ولكن يجب أن يتم التحاور تحت سقف الثوابت الوطنية وإلا فإن النظام سيقدم إنتصاراً كبيراً للحراك وقيادييه وسيصورهم أمام الناس وكأنهم استطاعوا لي ذراع النظام، ويتفق الجميع أيضاً أن إستخدام القوة ليس حلاً بل تأزيماً للأزمة وقد يدفع بالأوضاع إِلـَـى ما لا يحمد عقباه، وأن الحوار هو البداية الحقيقية لحل الأزمة، ولو استمرت الأمور على ما هي عليه فهذا يعني دخول المحافظات الجنوبية إِلـَـى مستنقع يعيدها إِلـَـى الوراء ويوقف عجلة التنمية ويدفع بالوطن كله إِلـَـى نفق قد لا يخرج منه.

الحل..

كـُــلُّ الحلول التي تطرحها السلطة مجرد مسكنات ولم تقم السلطة بحل أَية أزمة جذرياً بل على العكس تماماً فحلول السلطة تصنع أزمات أخرى، ولعل الحل الناجع لما يحدث الآن في بعض المحافظات الجنوبية يتمثل في إتخاذ قرارات تقف إِلـَـى جانب المظلوم وتعاقب الجاني وتعاقب من يستحق المعاقبة وتضمن العدالة للجميع والمواطنة المتساوية للجميع وفق أسس الشراكة في البناء وفي الحكم، الحوار بداية الحل وإعادة حقوق الناس وأراضيهم وتوزيع عادل للثروة ويبدو أن كـُــلّ المفاتيح لم تزل بيد السلطة وما زال هناك متسع من الوقت لحل قضايا تلك المحافظات ويبدو أَن صمت السلطة تارة وإستخدامها القوة تارة أخرى قد يدفعها غداً إِلـَـى تقديم تنازلات مؤلمة، وأن مُضي السلطة في سياساتها الحالية دون إتخاذ قرارات شجاعة تحافظ على وحدة الـيَـمَـن دون إراقة قطرة دم واحدة قد يؤدي بها إِلـَـى المجهول.