مطلع ربيع ٢٠١٣ أعلن حزب الإصلاح عن عزمه القيام باحتفالية جماهيرية في عدن، فارتفعت الأصوات الرافضة والمنددة. مثقفون في صنعاء وتعز اعتبروا إعلان الإصلاح ذاك سلوكاً غير واعٍ لن يفضي سوى إلى مزيد من القلق والفوضى في مدن الجنوب. القادة الميدانيون للحراك هددوا باستخدام العُنف، جارين معهم منظري استعادة دولة الجنوب إلى حديث متدفق عن العنف الضروري وعن الجنوبيين الخونة. ذلك الموقف من إعلان الإصلاح جاء بسبب الوزن الكبير للحزب. وكان ممكناً أن يكون ضد أي حزب آخر لو امتلك الوزن نفسه وقرر الخروج عن خطاب الجماعة التي تُريد أن يكون خطابها كل شيء، وفوق كل صيغ التسويات والتعايش.
ثمة حالة من عُنف نظري شامل تدفع، دائماً، باتجاه امتثال إجباري لرؤية واحدة في عدن. كل من يجلس خارج تلك الرؤية ينظر إليه كخائن لمجتمعه وليس كآخر يملك الحق في أن يصير آخراً. كما أن أي محاولة لإظهار الوزن النوعي للمواقف الأخرى، مثل محاولة الإصلاح تلك، ينظر إليها كخطر أمني أو كخيانة عامة. هذه الفاشوية البنيوية المتصاعدة دفعت حزب الإصلاح في الجنوب إلى إعلان تأييده حق الجنوب في تقرير مصيره كما يقول بيانه الصادر من عدن في أكتوبر ٢٠١٤، متساوقاً مع الصوت العالي، ولدرء تهمة الخيانة. في جزء من ذلك الموقف يحاول الإصلاح اختراق الخطاب الفاشوي ذلك ومعالجته من الداخل! ومن الطبيعي أن نال ذلك الموقف الجديد لحزب الإصلاح تنديداً وشكوكاً في تلك الأرض.
محاولة كتم كل الأصوات وإفساح المجال لصوت واحد فقط في الجنوب أثارت الشيخ بن بريك، نائب رئيس مجلس مقاومة عدن، ودفعته للتحذير من “عودة الفجرة القدامى، محاربي الدين والفضيلة” بعد هزيمة الحوثيين في الجنوب، طبقاً لكلماته.
بن بريك، في واحدة من أهم الشهادات حول الأيام الأولى للحرب في عدن، ذكّر بمقولة لشلال شائع، مدير أمن عدن، في احتفالية سلفية “لم نخرج إلا بعد أن خرجت مساجد السلفية، ومن ينكر ذلك فهو جاحد”. يذهب بن بريك بعيداً في شهادته ليؤكد أن النضال في عدن قادته، منذ البدء، الطليعة الإسلامية، وهي وحدوية في طبيعتها ومواقفها السياسية والعقدية. وباستخدام كلمات بن بريك نفسه فإن الذين يحاولون اختطاف النصر في عدن الآن “لم يعيشوا معنا التفاصيل، وكان أغلبهم جالسين في البيوت”. يتحدث بن بريك عن يوميات الحرب، بالطبع. كغيره من المتدينين الجنوبيين، والجنوب أرض خصبة للإيمان بكل درجاته من الصوفية إلى الجهادية، يتوعد بن بريك برفض كل مشروع للإنفصال يؤدي إلى محاربة المتدينين، ويبدو مقتنعاً إلى حد كبير بأن مشروع الانفصال يتضمن في بنيته ممكنات / نوايا شن حرب ضد المتدينين، مُشيراً عن بعد إلى إمكانية أن تُصفى مواقفهم الوحدوية عبر تُهم جديدة لا علاقة لهم بها. يعود بن بريك للحديث عن “تفاصيل” البدايات، فيجزم:
“وجدنا معارضة “للمقاومة المسلحة” من بعض الحراكيين الذين قالوا هذه ليست حربنا هذه حربكم يامطاوعة ﻷن الحوثي وعدهم بتسليم الجنوب لهم ، وهؤلاء لايمثلون شرفاء الحراك ، وقد أحرجهم الناس وشرفاء الحراك فتبعوا إخوتهم في مساجد السلفيين، باستثناء اللصوص المتمسحين باسم الحراك والجنوب”. تحدث أيضاً عن مطالبات من قبل قيادات في الحراك الجنوبي بإنهاء المواجهة المسلحة مع جماعة الحوثي في عدن بعد أن قالت الأخيرة إنها ستسلم عدن إلى الحراك الجنوبي، التزاماً بوعودها السابقة.
قبل الحديث عن حق الجنوب في تقرير مصيره السياسي لا بد من الحديث عن حق الشعب في الجنوب، كل الشعب، في التعبير عن موقفه السياسي، وعن اختلافه.
الواقع أن الجنوب دالّة غير قابلة للتعريف، ولكل جنوب جنوب، ولكل جنوبي جنوبي. أما محاولة اختطاف الجنوب حالياً تحت غطاء من الخوف فستكون عواقبه وخيمة. فلا يمكنك أن تطلق قنبلة دخان أو قنبلة صوتية لكي تمرر مشروعاً سياسياً. على المشروع السياسي أن يكون، أولاً، قابلاً للحياة على المدى الطويل، وأن يكون ناتجاً لِ، وصادراً عن نقاش داخلي لا يترك جماعات أو فئات تشعر بالغبن والتجاوز. تجاهل الموقف الوحدوي لجماهير الأحزاب السياسية في الجنوب، وللقوى الدينية والقبلية في الجنوب، ولقطاع واسع من الإنسان العادي غير المعني بالسرديات العُليا، ولحزام سكاني يمتد من أبين حتى تخوم المهرة، مروراً بشبوة .. ذلك الذي يطمح لدولة عادلة قادرة على إنتاج الخير العام بصرف النظر عن علمها وشعارها، هذا التجاوز والاختطاف المباشر لا ينتج مشروعاً قابلاً للحياة.
أما احتقار كل ما هو يمني، وصولاً حد إهانة علم الدولة اليمنية، فسيضيف إلى جماعة الحوثي مزيداً من المدفعية والمقاتلين. قبل أيام، في الكويت، قال الناطق باسم الحوثيين، محمد عبد السلام، لرئيس وفد الحكومة اليمنية: سنقاتلكم ألف عام. تقدم السلطات الجنوبية، والخطاب الشعبوي الفاشوي، وعمليات التهجير والتجريف، الرافعة التي ستنهض بالحوثي من جديد. من الخطورة بمكان دفع الحوثي لأن يقاتل كيمني، لا كإرهابي، ودفع صالح إلى القتال نيابة عن مصالح ٨٠٪ من الناس بعد أن ضُبط حاملاً للسلاح دفاعاً عن مصلحة أسرة صغيرة! أخبرني قائد عسكري كبير، من تعز، قائلاً: اكتب هذا الكلام على لساني، سنفتح الأبواب للحوثيين إذا استمر الحصار علينا من عدن، سنوقع اتفاقية تهدئة. أما علي البخيتي فبدا واثقاً، ونحن نتحدث في مكالمة هاتفية استمرت قرابة ساعة قبل أيام، وهو يقول: المجتمع الدولي يراقب ما يجري في الجنوب ويرى سلطة غير قادرة على حفظ الأمن وغير جديرة بالثقة فينسحب خطوة، ويتردد في مطالبة الحوثيين بتسليم السلاح. يخبر الحوثيون المجتمع الدولي، طبقاً لرواية البخيتي، قائلين: هل تريدون صورة من الفوضى الحاصلة في الجنوب أيضاً في صنعاء والحديدة وإب! بصرف النظر عن وجهة النظر هذه، فأنا أعتقد أنها جزئية ولا تهتم بالنظر إلى المعمار الكلي للمشكلة اليمنية، فقد عقد صالح والحوثي العزم على تخريب الجنوب على مر الأيام، ولا يمكن إيقاف عمليات التخريب تلك بدفع ٨٠٪ من السكان ليعملوا ضمن نفس المشروع. هذه أنانية؟ هذا تهديد؟ لا، فالشعوب لا تأبه لمثاليات السياسة ولا للأناشيد، بل لما تعتقد أنه مصالحها الوجودية.
عندما التقيتُ حميد الأحمر في مدينة دوسلدورف، في خريف ٢٠١٥، وسألته عن موقف قبيلته وحزبه من انفصال الجنوب قال إن إيمانه بحرية الشعوب ينسحب إلى إيمانه بحق الجنوبيين في تقرير مصيرهم. ثم همس بكلمات خافتة وجادة قائلاً: إذا طلب وحدويو الجنوب دعماً من الشمال، أو من الإصلاح، فلن نتأخر. كانت تلك الكلمات، التي أذكرها الآن لأول مرة، هي في تقديري أخطر ما ورد في حوارنا الذي امتد لزهاء خمس ساعات.
سأذكركم بالطريقة التي يفكر بها الإنسان في شمال اليمن، حالياً، وهي طريقة تفكير نابعة من كون الشمال إنساناً معنياً بمصالحه وتحسين ظروف بقائه لا بكونه شمالاً:
٢٠٪ من السكان يريد الانفصال ساحباً معه ٦٥٪ من الأرض، تاركاً ٨٠٪ من السكان على ٣٥٪ من الأرض. ستذهب البحار والجزر والموانئ إلى ٢٠٪ من الناس، وسيبقى ٨٠٪ في الجبال والعزلة وقليل من المطر في آب! يحاول دعاة الانفصال تجاهل هذه الصورة المأساوية. لنتذكر أن مشروع الأقاليم استفز عبد الملك الحوثي لأنه حرمه من ميناء ميدي، وأن الحوثيين سيطروا على الحديدة قبل الضالع، وعلى شبوة قبل تعز. إذا تركت الشعب في الشمال وليس لديه الكثير ليفعله فسينشط في الحروب. تجربة بلجيكا في شرق الكونغو، وهي صورة مشابهة لتجربة الإمارات الآن في الجنوب، لم تخلق وطناً كنغولياً صغيراً وآمناً في الشرق كما أمّلت بلجيكا، بل حرباً مستعرة على الحدود وداخل الإقليمين، وبالنتيجة شاهد العالم كونغو ممزقتها الحروب، وانتشرت المقابر والحرائق من الشرق حتى الغرب.
كعب أخيل القضية الجنوبية تاريخي. الحديث عن الرئيس البيض بوصفه المسؤول عن منح الجنوب مسمى اليمن هو حديث يسخر من نفسه، فيمنية الجنوب مسألة تمتد لعشرات آلاف السنين في التاريخ. بمقدور دعاة الإنفصال تقديم تنظيراً آخر، كالقول إنه من الصعب علينا الانخراط في دولة مركزية تخضع كلياً للقبيلة، وأننا نريد وضعاً قابلاً للحياة والاستقرار، وليطرحوا فكرة الاستقلال أو الدولة الاتحادية كنموذج. القفز إلى النيل من اليمن التاريخي بتلك الطريقة التي عرضها العطاس في أميركا قبل أشهر قائلاً إن اليمن اسم جهة، كما الشام وصفاً لجهة هو موقف طفولي فالت، يشكك في السلامة العقلية لصاحبه.
وللشيخ الحضرمي باكرمان بحوثاً جيدة في هذا الشأن يستحضر من خلاله نصوصاً تاريخية موغلة في القدم، تجعل حضرموت واقعة في قلب اليمن. من ذلك في تفسير الطبري قوله “ ذكر لنا أن عادا كانوا حيا باليمن أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها: الشحر”. وفي مسند الإمام الأحمد أن رجلاً من كنده ورجلاً من حضرموت اختصما لدى رسول الله على أرض باليمن. يروح الشيخ باكرمان إلى السيوط، وأبي حيان، والطبري، وتفسير مقاتل، وابن أبي حاتم، ومسلم، وتاريخ خليفة بن خياط، وابن الجوزي، وابن خلدون، وغيرهم كثيرون. يفتح أمهات كتب التاريخ والسير والتفسير والشروح على الأحاديث، كل تلك النصوص العربية التي تشكل في مجملها المكتبة العربية تقول إن حضرموت هي اليمن. ولا إثارة في ذلك، فحضرموت اسم لأحد أبناء قحطان. من تاريخ ابن خلدون يقتبس الشيخ باكرمان: “ونسبنا في حضرموت من عرب اليمن إلى وائل بن حجر من أقيال العرب معروف وله صحبة”. يمارس بعض المؤرخيين الشعبويين جدلاً يذهب إلى أدغال التاريخ مستخرجاً قصصاً من زمن ما بعد الطوفان ـ وهذه ليست مزحة ـ عن من كان الساكن الأول لحضرموت، ليجدوا مبرراً لاتهام علي سالم البيض بخيانة ذلك التاريخ. وهو تاريخ عن زمن كانت فيه أوروبا لا تزال مغطاة بالجليد، وهذا ليس من قبيل المبالغة!
إنها الكوميديا السوداء. أن تحمل علم الإمارات وتستنكف من علم اليمن. ذلك أن اليمن، الذي كان عظيماً وقوياً وراسخاً على مر الأزمان، صار فقيراً وغير قادر على تشيدد المباني الجميلة، كما تفعل الإمارات، وهي دولة يبلغ عمرها أقل من عمر كابتن المنتخب اليمني. ليس لهذه الصورة من معنى سوى الانحطاط والمتاهة الحضارية، أو الجاهلية بتعبير الراحل الجابري.
يؤكد التاريخ، كل التاريخ، أن اليمن يمتد من صنعاء إلى حضرموت، كما في الحديث المعروف. هذه الحقيقة ليست للهو النظري ولا للتسلية، ومن غير المعقول السخرية منها أو معالجتها بخفة.
قبل أربعين عاما ولد عيدروس الزبيدي، وسيموت بعد أربعين عاماً على الأرجح. لا يملك ذو الثمانين عاماً أن يلغي تاريخاً يتجاوز الثمانين ألف عام! ثمة مشكلة سياسية عويصة في البلد، تبدو هذه المشكلة حالياً غير قابلة للحل، أو تبدو الحلول متعثرة. فر الحوثيون من عدن تحت ضغط من عملية السهم الذهبي، فانتعش الإنسان المقاوم في الجنوب والشمال معاً، وارتبكت العصابات الحوثية. غير أن دبابات السهم الذهبي وقفت على الحدود مع تعز فأعطت الحوثي دافعاً جديداً وراية جديداً لمزيد من التجنييد والحشد قائلين إن قوة خارجية فرضت واقعاً انفصالياً بالقوة، وعززوا جهادهم المزيف بوطنية أكثر زيفاً لكنها متوقعة. يعتقد الجنرال علي محسن الأحمر أن توقف عملية السهم الذهبي عند حدود تعز دفع القبائل للاحتشاد إلى جوار الحوثي ـ صالح تحت راية / ورواية جديدة: الدفاع عن أراضي اليمن، وأن تلك كانت من أكبر أخطاء الحرب جسامة وأكثرها إثارة للحسرة.
الحرب تجري حالياً بين عصابات وسلطة شرعية، بين الدولة والانقلاب. يحاول الحوثيون وقيادات الحرك تغيير طبيعة الحرب بصورة تجعل من نهايتها مستحيلة. لقد وقعت القوى الديموقراطية في الشمال، والأحزاب في مقدمتها، في معضلة أمام مجتمعها، فهي مطالبة بإسناد الحكومة الشرعية على أكثر من صعيد وأيضاً بتقديم ضمانات لمجتمعها حول سلامة أراضي اليمن.
في الأخير سيقف مئات الآلاف إلى جوار أي قوة سياسية أو عسكرية تعدهم بالحفاظ على أراضي اليمن، ليس لأن الوحدة اليمنية شأن ديني مقدس بل لأمر آخر. ذلك أن نقيضها سيعزلهم في الجبال ويجفف مصادر رزقهم، وينزعم عنهم جزءاً من سيكنتهم وتاريخهم ووجودهم، وكذلك من مصالح أبنائهم. إنها مسألة مركبة أكثر صعوبة وحساسية من أن تترك لأحمق اسمه الجفري، على سبيل المثال. وإذا كانت القاعدة قادرة على اختراق أبين، من وقت لآخر، ب ٥٠٠ مقاتلاً فإن الموجات البشرية التي تحيط بالجنوب، وهي تتكدس في ٣٥٪ من الأرض، ستجعل من جنوب مستقر وقابل للحياة أمراً مستحيلاً. هذا ليس تهديداً، وأنا بحاجة لتأكيد ذلك أمام حشود من المُطَوّعين الحمقى الذين لم يعودوا مستعدين لإعادة النظر فيما استقر في أذهانهم من مسلمات ونهايات.
هذا تحذير؟ نعم هذا تحذير. لم تكن مشكلة الجنوب في كونه جزءاً من اليمن، بل في كونه جزءاً من يمن منهك ومحطم بفعل السياسات والحروب. ما يحتاجه الجنوب حالياً هو ما يحتاجه أي شعب في العالم: صيغة سياسية جديدة تخلق عدالة وسعادة وتنتج الخير العام. حياة جديدة تحقق الأمن وتخلق فرص العمل. في تاريخنا المعاصر خضنا تجارب انتحارية كثيرة أنتجت يمناً مزقته الحروب والمشاريع. إن رجلاً فقيرا ومريضاً في أبين يريد دولة صغيرة أو كبيرة تضمن له العلاج ولابنه الوظيفة ولابنته سكناً، بصرف النظر عن طبيعة تلك الدولة. وبالطبع، فإن مزيداً من المغامرات المفخخة ليست هي الإجابة التي ينتظرها ذلك الرجل.
أنتمي، ككاتب، إلى أولئك الذين يقولون إنه من حق أي جزء من البلد أن ينتج حالة شبيهة ب “صومالي لاند” إذا ما تعذر إنتاج دولة كبيرة مستقرة وقابلة للحياة. ابتعد جزء كبير من الصومال عن أرض الحروب، وخلق لنفسه جواز سفر وحدود وجيشاً، واستمر في الحياة. القياس إلى صومالي لاند في الحالة اليمنية غير عملي، فالقوى الشمالية التي تعمل حالياً إلى جوار رئيس جنوبي لأجل استعادة الدولة لا تستحق الخذلان، لأن ثمن ذلك سيكون باهضاً.
في الأسبوعيين الأخيرين خرجت تهديدات متوحشة ضد الجنوب، كان مصدرها صالح في حديثه لروسيا اليوم، ومحمد عبد السلام في واحدة من جلسات الحوار في الكويت، وعبد الملك الحوثي في خطابه الأخير. العمل المشترك تحت إرادة داخلية متجانسة وموقف دولي ثابت هو ما سيجعل من إمكانية هزيمة الميليشيا أمراً ممكناً، وهذا ما لا تقدمه السلطات في عدن. عمليات التهجير الأخيرة تجاه المواطنين اليمنيين المنحدرين من محافظات شمالية، تعز على وجه الخصوص، لم يكن هو الرد المناسب لتهديدات صالح ـ الحوثي بشن مزيد من الحروب على مدن الجنوب.
يحكم الرجلان، شائع والزبيدي، مدينة عدن بقرار من رئيس وصل إلى السلطة بتصويت مواطني الشمال. وهو ما يعني، عملياً، أن مواطني الشما، قبل الجنوب، هم من وضعوا الرجلين في منصبيهما ويملكون الحق في عزلهما عبر المندوب نفسه “الرئيس”. اللامعيارية التي تتسيد المشهد هي لون من الكوميديا السوداء، تلك التي تدفعك للضحك الهستيري قبل أن تنفجر باكياً.
المواقف الحمقاء ليست الرد النموذجي على التهديدات الوحشية. وأمام هادي ونظامه مسؤولية تاريخية، في أن يضعوا حداً للحمق والفاشية المتصاعدة في الجنوب. وأمام التحالف العربي مسؤولية تاريخية ألخصها دائماً بهذه الجملة “إذا لم يكن اليمن لكل الناس فلن يكون لأحد”. وإذا صار يمناً لـ “لا أحد” فسيصبح باباً للجحيم.
أرجو أن تأخذوا هذه الملاحظات على محمل الجد. وما كتبته أعلاه ليس موضوعاً للمناكفة الحمقاء ولا للقمار. فالذين يعتقدون أن بمقدورهم دفع ٨٠٪ من السكان للعيش في ٣٥٪ من الأرض هم يرتكبون خطأ فادحاً بالمعنى التاريخي والاجتماعي. أتحدث هنا عن ٨٠٪ من السكان، عن ملايين بلا ملامح ولا صفات، نعدهم ولا نراهم، ليسو كتاباً ولا على صفحات الفيس بوك، بل حشوداً من الناس سينشغلون بشن الحروب عندما لا يجدون ما يفعلونه في الجبل!
دعوني أنقل هذه الرسالة، من شاهد عيان، عن الصورة الفاشوية الراهنة في عدن:
"العزيز مروان الغفوري
لم اذهب الى الدوام اليوم بسبب ان السياره التي توصلني الي العمل متوقفه عند احد النقاط الامنيه وهم من تعز وكل واحد منهم بطاقته الشخصيه بطاقه العمل رغم ذالك تم ترحيلهم الى طور الباحه واكثر من خمس مئه شخص تم ترحيلهم الان والله اني اشكوا حزني الى الله احد الشباب وهوا يقول لهم عندي العائله ضابط النقطه يقول له باجى معك نشل العائله وتم اخراجه الى طور الباحه وعائلته بعدن تداركوا الموضوع اللهم انا نشكوا الى الله قله حيلتنا وضعف قوتنا"
ماذا يريد الحوثي أكثر من هذا حتى يكون بمقدوره الحصول على مقاتلين ليخوض بهم حرباً لألف عام!
ليس الحوثي وحسب، فحتى الآخرون.
وبعد مقامرة تاريخية انسحبت بلجيكا