عند منتصف ليلة الـ26 من مارس 2015 حدث ما كان خارج كل التوقعات، وما يتجاوز الحسبان، إذ قادت المملكة العربية السعودية حلفاً دولياً ضخماً ونوعياً ضد الميليشيات المسلّحة التابعة للرئيس السابق اليمني وجماعة الحوثي، وأعلن التحالف في دقيقته الأولى أن هدفه الوحيد هو إعادة شرعية الدولة ممثلة بالرئيس هادي الذي جاء تدخل التحالف بناء على طلبه بصفته الرئيس الشرعي والوحيد لليمن.
العملية العسكرية أُطلِقَ عليها اسم «عاصفة الحزم»، وكان للاسم دلالته، فقد قدّم المجتمع الدولي دلالاً واسعاً وكبيراً للجماعة الحوثية، وصبر عليها، وظل يداريها في القرارات حتى ابتلعت مؤسسات الدولة، ومعسكراتها، واجتاحت المحافظات، وفتحت السجون لمخالفيها، وحوّلت ملاعب كرة القدم إلى معتقلات سرية، ووصل الأمر إلى حد حل البرلمان وسجن رئيس الحكومة ووزرائه في بيوتهم، وانتهى بسجن رئيس الدولة في بيته.
وحين فرّ الرئيس خلسة منهم، ونجا بجلده إلى عدن يوم الذكرى الثالثة لانتخابه رئيساً لليمن، اتهموه بالإرهاب، ثم لاحقته آلة الموت المشتركة من قوات صالح والحوثيين إلى عدن، وقصف مقر إقامته في قصر المعاشيق بالطائرات، فكان لابد من قوة عاصفة وحازمة في آن، لإنهاء التمرّد على شرعية الدولة، والإذعان للقوانين المحلية والقرارات الأممية.
ومن المفارقة أن يتحدّث الحوثي في هذه اللحظة عن انتهاك حرمة السيادة الوطنية وهو من جعل اليمن ساحة تدريب لإيران، وعملائها، وضباطها، وحول شواطئ اليمن إلى سوق سوداء لتهريب السلاح الإيراني إلى الداخل وتهريب المشتقات النفطية إلى القرن الإفريقي، بحثاً عن موارد لجماعته، وعطل الجامعات وأنهك الاقتصاد وتراجع الريال اليمني ثلث قيمته السوقية، ثم يتحدث عن تفريط بالسيادة الوطنية!.
في مقابلته الصحفية الشهيرة قال الراحل الدكتور عبدالكريم الإرياني مستشار الرئيس هادي إنه أثناء التفاوض مع الحوثيين قبيل احتلالهم للعاصمة، كانوا يتصلون بصعدة في كل أمر ويتأخر الرد عليهم، وحين وصل الجميع إلى طريق مسدود، جاء وزير الخارجية العماني في صباح اليوم التالي إلى صنعاء، حاملاً مقترحاً إيرانياً، وتفاجأ به الدكتور الإرياني أنه نفس المقترح الذي سبق أن تقدّم به قبل أيام، ثم يفسر ذلك «لقد كانت المشاورات والمقترحات تخرج من بيتي بصنعاء إلى صعدة، ثم طهران ثم مسقط، وتعود إلى صنعاء مرةً أخرى عبر وسيط عُماني».
«السيادة الوطنية» هي كلٌّ لا يقبل التجزئة، وليست أداة للمزايدة واحتكار الوطنية، «السيادة» هي أن تكون الدولة صاحبة الحق الحصري في توقيع العهود والاتفاقيات الدولية، وهي من يقرر خوض الحروب على الجماعات والمنظمات الإرهابية، وهي أيضاً من توقع صفقات شراء الأسلحة، وهي من تحاسب المسؤولين عن فسادهم وتقصيرهم.. وليس أن تنفرد الميليشيا الحوثية بكل ذلك.
لقد وقعت الجماعة الحوثية اتفاقاً على تسيير رحلتين يومياً من صنعاء إلى طهران، مع أنه لا يوجد أي مغترب يمني في إيران، ووقعت صفقات شراء الأسلحة، واجتاحت ثلثي اليمن بحثاً عن الإرهاب والقاعدة.. حتى معسكرات الدولة تم إسقاطها ونهب مخزوناتها في مهمة البحث عن الدواعش!
وحين أيدنا تدخل التحالف العربي لإعادة شرعية الدولة وأمنها واستقرارها قالوا فرطنا بالسيادة!.
إذا كنتم جادين في الحفاظ على سيادة ترابنا الوطني، وإنقاذ ما تبقى من الدولة ومؤسساتها وإيقاف حالة الموت والدمار اليومي، فليس أمامكم غير التطبيق الفوري للقرار الأممي 2216 والفرصة سانحة أمامكم في مفاوضات الكويت في 18 أبريل الجاري، وهو قرار لا ينتقص من قيمة أحد، بل يعترف بكم مكوناً سياسياً من حقه المشاركة في الحكم رغم ارتكابكم لجرائم تؤهلكم للإعدام ألف مرة في اليوم.