لا يزال الساسة واللاعبون الإقليميون والدوليون، يتحدثون عن ضرورة إيجاد حل سياسي، ينهي الحرب الدائرة في اليمن، تتمسك به وتدعو إليه الأمم المتحدة والدول الكبرى؛ للتغطية على مواقفها، الرافضة لاتخاذ إجراءات حاسمة، ضد الانقلاب في اليمن، الذي اختطف الدولة ومؤسساتها، وعلى معارضتها القيام بأي عمل جاد، ينقذ الشعب اليمني. ولقد حاول اليمنيون أن يجعلوا لغة السياسة والحوار، هي الطريق الوحيد لحل مشاكلهم، لكن قوى الاستبداد والتسلط، أصرت على جرهم لمربع القتل والدمار، ولم تكتف بذلك بل أدخلت اليمن في مسرح الصراعات الإقليمية، ليصبح مسار الحل السياسي غاية في التعقيد، يتجاوز تطلعات وإرادة اليمنيين، ويحتاج لمستوى كبير من التوافق الإقليمي والدولي، غير متوفر حتى الآن، ولعوامل أو مقدمات في الداخل اليمني، تساهم في التأسيس لحل سياسي، يحافظ على ما تبقى من اليمن كيانا وإنسانا ومقدرات.
هناك توجه لدى أطراف دولية فاعلة، لتطويع مواقف الشرعية والتحالف، وفرض ما يمكن اعتباره حلا سياسيا توافقيا، لا يخلو من تقديم تنازلات لمليشيات الانقلاب، كما أنها ترغب في تأخير حسم الحرب، وإدارتها بعدد النقاط لا بالضربة القاضية، غير آبهة بما ينجم عنها من آلام وضحايا ودمار، وتصوراتها عن الحل السياسي، يتطابق تماما مع تصور المليشيات الانقلابية، الذي ينطلق من ذهنية الباحث عن النجاة من المأزق، أو الساعي لفرض شروط الهزيمة على الشرعية والتحالف، أو الرامي استمرار بقائه، مقابل قبوله إشراك الشرعية، في أي سلطة انتقالية، يقترح تشكليها؛ لتنفذ ما اتفق عليه، وتصر مليشيات الحوثيين وحليفها المخلوع صالح، على رفض أي حل سياسي، من شأنه أن يغير أو يفكك الوضع الذي وصلت إليه؛ لأن ذلك سيقود لنهايتها، وهذا ما جعلها تماطل في تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216، وتمتنع عن القبول بأي صيغة لاتفاق مستند لهذا القرار.
يجري البحث عن مقاربة، توجد صيغة لحل، يحوز على رضاء اللاعبين الدوليين في المشهد اليمني، إذ أنه سيسمح لقوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، بدخول صنعاء، وسيروج لاتفاق يضمن بقاء أدوات الانقلاب في المرحلة القادمة، التي سيتم فيها تصفية الثوار الأصليين، والتخلص من كبار الشخصيات الوطنية، وإعاقة أي جهود ستبذل؛ لتحقيق الأمن والاستقرار وإعادة الإعمار، كما ستنتشر فيها الاغتيالات، التي ستقيد ضد مجهول، كل ذلك بهدف خلط الأوراق، والتهيئة والإعداد؛ لتفتيت أو إزاحة القوى الوطنية السياسية أو العسكرية، التي كان لها الدور البارز في مقاومة المليشيات الانقلابية؛ لتستبدل بقوى أخرى، يراها اللاعب الدولي أنها الملائمة لتوجهاته وأهدافه.
بات وقف نزيف الدم اليمني، عبر مبادرات أو حلول سياسية بعيد المنال، إن لم يكن ضربا من المستحيل، فالميليشيات تعتقد أن معركتها هي معركة وجود، تقتضي فناء الآخر، وأن ما تحققه على الأرض يحسن من وضعها التفاوضي، وأن أي حوار أو تفاوض، ينبغي أن يسفر عن إجراءات، لا تتصادم مع أجندتها، أو على الأقل لا تنال من المكاسب التي حققتها، وفي المقابل نجد أن الشرعية ومن ورائها التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، متمسكة بتنفيذ القرار 2216، الذي يمثل الإذعان له، وإسقاطه على أرض الواقع، في نظر الانقلابيين، بمثابة استسلام وعودة لنقطة الصفر، وهذا يضعنا أمام وضع، يحمل رؤيتين للحل السياسي، لطرفي الصراع في اليمن، تقفان على طرفي نقيض، يمكن أن يدفع أطرافا دولية؛ للضغط باتجاه حلول وسطية، تقف في منتصف الطريق، بين رؤية الشرعية ورؤية الانقلابيين، وتقدم معالجات مجزوءة وناقصة، لا معنى لها غير مضاعفة شروط استمرار الصراع، وتجديد إنتاجه دوريا، وهو ما يتفق مع سياسات القوى العصبوية المليشياوية، التي تأبى أي حلول سياسية وطنية، تعمل على رأب الصدع، وتضع حدا لقتال اليمنيين بعضهم لبعض، وتحافظ على وحدة اليمن أرضا وإنسانا، وريثما نصل لهكذا حلول، نحتاج لتوفير مبرراتها، وتهيئة مناخها، وهذا ما ليس متاحا في اللحظة الراهنة، أو الأفق المنظور.