معركة استعادة صنعاء ليست عسكرية فقط، فمع هذا التقدم المؤثر لقوات الجيش والمقاومة باتجاه صنعاء، تنضج أيضا طبخة سياسية، يعمل التحالف العربي ضمن شبكة علاقاته الإقليمية والدولية على إنضاجها من أجل إنجاز تحرير صنعاء بأقل تكلفة وفي سياق صفقة مقبولة من الأطراف التي تمتلك تأثيراً في مجريات المعركة التي يرى الجميع أنها تحدث عند الخط الفاصل بين الجمهورية وبين الإمامة البائدة.
ولهذا فإن التقدم وإن كان بطيئاً صوب صنعاء، إلا أنه يصنع الفارق في المعركة، لأن الذي أنجزه الجيش الوطني والمقاومة حتى الآن يعتبر مهم للغاية فقد كسروا الطوق القبلي الذي كان يعول عليه إعاقة تقدم الجيش عبر استمرار القتال في حاضنة قبلية غير مرحبة بالجيش أو المقاومة.
والذي يحدث الآن هو أن الطوق القبلي نأى بنفسه عن المعركة واعتبر أنه غير معني بها، ما أبقى ظهر قوات المخلوع صالح وميلشيا الحوثي مكشوفاً، إلى حد بات معه الرهان فقط على صمود غير مضمون للانقلابيين في مواقع تتعرض كل يوم لقصف الطيران ومقاتلين يفقدون باستمرار ترسانتهم العسكرية التي كانت تضمن لهم التفوق على المقاومة خلال الفترة الماضية.
ومن بين أهم أسباب فتور الطوق القبلي شعور أبناء القبائل بأن المعركة إن حُسمت لصالح الحوثيين فإنها ستعيد الإمامة وستنهي الجمهورية التي آمنوا بها رغم كل شيء، لا يمكن لهؤلاء أنن ينسوا الماضي الأسود من تاريخ الإمامة.. فالأئمة عملوا عبر مئات السنين على إفقار الشعب اليمني وإهانته وإبقائه متخلفاً وعمقوا الإحساس بالفوارق الاجتماعية والطبقية، وأبقوا الشعب متوتراً طائفياً نتيجة تمسكهم بالتوصيف السيئ لأغلب اليمنيين بأنهم "كفار تأويل".
لم يأت تعيين الفريق علي محسن صالح في منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة من فراغ، فهذا التعيين يمثل جزءًا مهماً من الصفقة التي يجري التحضير لإنضاجها، ومن شأنها أن تعيد الاعتبار لشركاء مرحلة التغيير، بعد أن تركزت السلطة بيد الرئيس الانتقالي وبعض من مساعديه الذين لا يزالون حتى اللحظة يتبنون مواقف مراوغة من الدولة اليمنية القادمة، ويعملون باستمرار على تكريس النظرة المتشككة من إمكانية بقاء اليمن موحدا.
ثمة تنازل جوهري حصلت عليه المقاومة الحقيقية في اليمن من شركاء التحالف العربي، وهذا التنازل تمثل في الإقرار بأنه لا يمكن تقرير مستقبل اليمن استناداً إلى الرؤية المشوهة التي اعتمدت منذ اللحظة الأولى، وهي إننا نحارب سلاح ميلشيا الحوثي وصالح وصواريخهما البالستية، ولكننا نستهدف وجود خصومهم، وهم طيف واسع من مكونات الشعب اليمني، بما لا يسمح أبداً باختزالهم إلى حزب الإصلاح والجنرال علي محسن.
ها هو التحالف يمضي في الطريق الصحيح، والحقيقة أنه لم يذهب باتجاه المصالحة مع أعمدة التغيير في اليمن، إلا بعد أن لمس أن المعركة لا يحسمها إلا هؤلاء، خصوصاً وأن خيبة أمل كبيرة قد تكونت لدى طرف مهم في التحالف وهي الإمارات من الحراك الجنوبي الذي بات يشكل عبئاً ثقيلاً على الجنوب كما على مشروع التخلص من ميلشيا الحوثي وامتدادها الإقليمي (إيران).
يقترب الفريق علي محسن من مهمة سياسية مفصلية في حياته العامة، فإلى جانب أن منصبه سيوفر منذ الآن مرجعية عسكرية موثوقة للآلاف من الذين يقاتلون في الميدان، وسينهي مشاعر الإحباط التي تسربت إلى هؤلاء المقاتلين خلال المرحلة الماضية، فإنه أيضاً سيؤدي دوراً مهما في المشهد السياسي اليمني في مرحلة ما بعد الحرب.
من الواضح أن الحرب ستحسم قريباً، ما لم تستطع القرارات الأممية بشأن اليمن حسمه، وبالأخص القرار رقم 2216، وهذا يعني أن القرار، لن يصبح الملاذ الأخير للانقلابيين، إذ لا يكلفهم الأمر، حالما يشعرون بقرب الهزيمة، سوى القبول بتنفيذه عوضا عن خسارة كل شيء.
لا أعتقد أن بوسع الانقلابيين الحصول على هذه الفرصة، لأنهم أعاقوا عملية الانتقال السياسي وفجروا حرباً واسعة النطاق وجربوا حظهم في استخدام القوة العسكرية وفشلوا في تحقيق مكاسب سياسية مهمة، وهنا يلزم التأكيد أنه لا يمكن للقرار رقم 2216 أن يكون "الملاذ الأخير للأوغاد"، ولهذا سيحتاج التحالف العربي ومعه الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، إلى إعادة هندسة مشهد ما بعد الحرب، وهي هندسة ستتجه في تقديري نحو تصميم سلطة انتقالية بكفاءة عالية في اتخاذ القرار، وهذا يقتضي وجود شخصيات مهمة ولديها نفوذ خاص وتتمتع بالاحترام، وهي مواصفات تتوفر إلى حد كبير لدى الفريق علي محسن وشخصيات في الحكومة الحالية أثبتت كفاءاتها.
لن تبتعد هذه السلطة عن القرارات الأممية لكنها لن تكون ملزمة بأي شراكة مع الذين أعلنوا الحرب الشاملة على الوفاق الوطني وعلى مخرجات الحوار الوطني، وأراقوا الدماء ودمروا المدن، قبل أن يخرجوا من هذه الحرب مهزومين.
يجب أن تبقى الشراكة قوية وخياراً محترماً في كل المراحل، ولكن لا بد من إعادة تعيين الشراكة بكونها الضامن الأساسي لوجود كل المكونات الوطنية في قلب السلطة، وليس الفصائل المسلحة والمتمردين.