دخلت العملية السياسية في اليمن، مرحلة من الانسداد لا يمكن التكهن بالزمن الذي ستستغرقه قبل أن يرى الحل السياسي الضوء في نهاية النفق.
حدث هذا إثر الفشل الذريع الذي منيت به مهمة المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، وعودته اليائسة من صنعاء، حيث لا يزال المتمردون يتحصنون هناك ويصادرون مؤسسات الدولة، ما يعني أن الخيار العسكري سيكون هو الخيار الحاسم.
فقد ذهب ولد الشيخ إلى صنعاء، والجميع يعلم أن موعد استئناف مشاورات جنيف هو الرابع والعشرون من شهر يناير الجاري، وفقاً لما صرح به نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية اليمني، عبد الملك المخلافي، لكن المبعوث الدولي غادر صنعاء وهو غير متيقن بإمكانية انعقادها في موعد قريب ولم يستطع حتى أن يخمن.
هذا المبعوث نفسه تحدث من العاصمة السعودية الرياض، التي ذهب إليها وبمعيته اثنين من السعوديين كانا رهن الاعتقال لدى ميلشيا الحوثي، تحدث عن أخطاء ارتكبتها الأمم المتحدة في جولة مشاورات بال الأخيرة، ما يعني أن الأمم المتحدة ستأخذ وقتاً أطول قبل أن تتمكن من جمع الحكومة مع الطرف المتمرد، في جولة مشاورات ولكن بمداخل مختلفة وبضمانات تسمح بتحقيق اختراق على خط الحل السياسي، وإن كان هذا يبدو مستبعداً تماماً وفقاً لصيرورة الأحداث في هذا البلد.
في الحقيقة لا يريد أيا من الطرفين: الحكومة أو المتمردين الذهاب إلى جولة مشاورات جديدة، لأن المشاورات ليست مفيدة لكليهما. فالمتمردون، وأعني بهم المخلوع صالح وحليفه ميلشيا الحوثي، يتخفون من أي تقدم في المشاورات ومن ثم المفاوضات قد يعيدهم إلى نقطة البداية، لأن عودة كهذه ستفقدهم المكاسب الميدانية التي حققوها والمؤسسات التي أحكموا السيطرة عليها والأموال العامة التي نهبوها، والأهم من هذا كله أنه سيعيدهم أسوأ مما كانوا من قبل، عندما كان لديهم جيش بكامل استعداده العسكري وقوة تسليحية كبيرة فقدوا منها الكثير، سيعيدهم في أحسن الأحوال طرفاً سياسياً موتوراً يتحين الفرصة، ولكن مكشوف الظهر وفاقد المصداقية، التي لم تكن جزء من أخلاقه في أي وقت، لولا أن البعض حاول تكريسها من أجل تمرير الانقلاب.
أما الحكومة ومن يقف معها من القوى السياسية المؤمنة بمشروع الدولة، فلن يرضيهم أقل من خروج الانقلابيين من المشهد السياسي، ويعتقدن، ومعهم كل الحق، أن هذا الخروج يمثل ثمناً مناسباً يستحقه هؤلاء المتمردون الذين قادوا اليمن إلى حرب أهلية مدمرة. الحكومة والمساندون لها محكومون بمخاوف من اندلاع جولة عنف جديدة فيما لو تمكن المتمردون من البقاء جزء من المشهد السياسي، لأن مجرد بقاء هؤلاء يعد مكافأة سياسية غير مستحقة.
التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، لا يريد المشاورات السياسية التي ينفذ من خلالها لاعبون كثر في المسرح الدولي وبعضهم يريد تصفية حسابات معها أو ابتزازها، وبالإضافة إلى ذلك فإن المملكة لن تهدأ حتى تتحقق من أن الحوثيين بما يمثلونه من مرجعية مذهبية متطرفة متصلة بالمد الشيعي الاثني عشري الذي تغذيه نزعة إيران الطائفية، قد انتهت تماماً ولم تعد تشكل خطراً في اليمن، وهذا لن يتحقق إلا بإنهاء التأثير السياسي المباشر لهذه الجماعة السياسية المذهبية المتطرفة، ومن تحالف معها.
هناك صعوبة حقيقية في الوصول إلى حل سياسي في ظل تضاد الأجندات، ومجرد الوصول إلى حل وسط من شأنه أن يكرر النموذج اللبناني، الذي يفشل اليوم في ملئ أهم منصب في الدولة، فيما العالم يتفرج على الحالة اللبنانية الشاذة التي كرسها النفوذ الإيراني القبيح.
يحتاج التحالف العربي إلى إرادة استثنائية لإنهاء مهمته العسكرية في اليمن بالنجاح المطلوب، يحتاج إلى أن يمتلك الشجاعة لمراوغة اللاعب الأمريكي والبريطاني وإقناعه في نهاية المطاف بأن الخطر الإرهابي سيبقى ماثلاً ما بقي هذا النقيض الطائفي يثير المتاعب في اليمن، تماماً كما يتصرف التحالف حيال مدينة تعز المحاصرة، التي يبدو أنه استبقاها ورقة أخلاقية يلوح بها كلما ازدادت عليه الضغوط التي تطالبه بإنهاء حملته العسكرية على الحوثيين وحليفهم المخلوع صالح.