جرأة الظفاري في عرف الخزامي
بقلم/ أ‌.د. مسعود عمشوش
نشر منذ: 14 سنة و 3 أشهر و 15 يوماً
الثلاثاء 20 يوليو-تموز 2010 05:10 م

(بمناسبة مرور عام على رحيل الأستاذ الدكتور جعفر عبده الظفاري في 12 يوليو 2009)

لن يختلف اثنان حول أن الأستاذ الدكتور جعفر عبده الظفاري كان باحثا ذكيا وواسع الاطلاع. فدراساته الأكاديمية الرائدة للشعر الحميني التي حضرها في بريطانيا دفعته إلى التنقل بين عدد كبير من مكتبات العالم مما مكنه من الاطلاع على كم هائل من المصادر العربية والأجنبية التي تتناول تاريخ اليمن. ولعل من أبرز السمات النوعية في الخطاب العلمي الأكاديمي للظفاري اتكاءه الدائم على نمط ريادي مغاير من الطرح يتأسس على قراءات متعمقة ومتعددة لمعظم مصادر التاريخ اليمني.(1)

وقد بدا لنا أن من أوضح ميزات هذا الخطاب وأجلاها على الإطلاق: الجرأة في تناول موضوعات تاريخية في غاية الأهمية والحساسية. ولاشك أن كثيرا ممن عرفوا الظفاري عن قرب قد لمسوا تلك الجرأة التي يتميز بها الأستاذ د. جعفر الظفاري في جوانب عدة من شخصيته. فهو العالم الذي رفع شعار (لا تقف على ما ليس لك به علم) وتوسم في نفسه المقدرة على التمعن في موضوعات هي في الحقيقة "أمور يمر بها كتاب العربية دون أدنى تمعن". 

وفي هذه المقالة الموجزة لن نتطرق إلا إلى جرأة الظفاري في ما طرحه من أفكار موثقة كتابيا في الدراستين التي ضمنهما كتابه (عرف الخزامي: دراسات في التاريخ اليمن)(2)، وسنهمل تلك الآراء الجريئة التي كان يرددها لكنه لم يوثقها في بحث منشور أو مستقل.

أولا: مسألة الوجود الفارسي

في الجزء الأول من الكتاب يعيد الظفاري نشر دراسة طويلة عن (عقدة اللون الأسود ومسألة الوجود الفارسي في اليمن قبل الإسلام)، ظهرت سنة 1974 في مجلة الثقافة الجديدة، وكان قد تتبع فيها الكيان "الأبناوي" في المنطقة اليمنية في ظل الإسلام وصور ما جرى لـ"هذا المجتمع الغريب" من أحداث وخطوب. وتتجلى أولى مظاهر جرأة الظفاري في ربطه حروب الردة التي دارت رحاها في اليمن بالوجود الفارسي في هذه المنطقة، وتأكيده أن أسباب الردة كانت في حقيقتها سياسية وليست دينية.(عرف الخزامي ص3)

فهو يرى أنه على الرغم من أن ما يتوافر من مصادر عربية لا يشير إلى وجود الأبناء كسلطة أو حكومة في أكثر الأسواق العربية المشهورة بالتجارة في عصر البعثة "من البدهي القول إن الأبناء الذين يمثلون الإمبراطورية الفارسية، والذين اتخذوا من صنعاء عاصمة لهم – كانوا يتحكمون في سوق صنعاء التي كانت تقوم من أول شهر رمضان إلى آخره. هؤلاء الأبناء عرفوا من أين تؤكل الكتف، فقد أقاموا حكمهم في عدن التي كانت أهم مركز تجاري في العالم المتحضر القديم، وكانت سوقها كما يقول ابن حبيب يقوم أول يوم من شهر رمضان إلى عشر يمضين منه. وكان التجار لا يتخفرون هناك بأحد لأنها أرض مملكة وأمر محكم. وكانت الأبناء تعشرهم بها، ولا تشتري في أسواقهم ولا تبيع. والأبناء هم أبناء فارس الذين فتحوا اليمن مع وهزر وقتلوا الحبشة". (عرف الخزامي، ص9)

وقبل أن يقدم لنا الباحث عددا من النصوص للإجابة على سؤاله: "كيف أسلم الأبناء ولماذا؟"، يبيّن أولا أن ولاءهم في تلك الفترة لا يزال لكسرى فارس. ويعلل بذلك ترددهم في الدخول في الإسلام مع بقية الفئات اليمنية. ويقول: "يتبيّن لنا من كل ما ألمعنا إليه أن الحكم الفارسي في اليمن كان على امتداده فترة تقارب الستين عاما محدودا ومحصورا لاستهدافه مناطق معينة. ومما يزيدنا يقينا بأن الحكم الأبناوي لم يشمل معظم الأصقاع اليمنية ما حدث في عام الوفود سنة 9هـ، وهي السنة التي عرف فيها العرب "أنه لا طاقة لهم بحرب رسول الله (ص) ولا عداوته، فدخلوا في دين الله - كما قال عز وجل- أفواجا، يضربون إليه من كل وجه. فقد قدمت على الرسول وفود من اليمن، كل بمفرده (زبيد، الأزد، كندة، حضرموت، همدان، ألخ)، ولم يتأخر عن القدوم إلى الرسول، ممن له وزن سياسي، غير الأبناء وقبيلة بني الحارث بن كعب النجرانية التي لم تعتنق الإسلام إلا في القرن العاشر".(عرف الخزامي، ص9)

 ومن المعلوم أن باذان حاكم كسرى في صنعاء اضطر أن يبعث برسالة إلى الرسول يعلن له فيها إسلامه وإسلام قومه. وقد حوت هذه الرسالة استفسارا يعكس أزمة الهوية والانتماء التي كان هؤلاء الأبناء يعانون منها: "إلى من نحن (ننتمي) يا رسول الله؟ فيجيب الرسول (ص) عن هذا الاستفسار: أنتم (الأبناء) منا وإلينا آل البيت. وهذه الإجابة من الرسول لا تثبت على محك أصل من أصول قواعد التجريح والتعديل. ولكننا نرى فيها دلالة ستتضح فيما بعد". (عرف الخزامي، ص10)

ثم يربط الظفاري بين ردة أعداد كبيرة من اليمنيين عن الإسلام وبين الوجود الفارسي في اليمن، ويبيّن كيف أن أسباب تلك الردة لم تكن دينية بل سياسية، إذ أنها كانت - في حقيقتها- بمثابة ثورة ضد "المستعمر الدخيل". ويكتب: "دولة جديدة ترفرف على ربوعها راية الإسلام وينظر فريق من ارستقراطيي اليمن الدين الجديد بأنه قوة لم تأت إلا لتوطد حكم الطبقة الارستقراطية من الأبناء فيعز عليها ذلك، وإذا بها تلبس مسوح الوطنية موهمة بعضا من سذج اليمن بأنها تثور ضد الدين الجديد لأنه ثبت أقدام المستعمر الدخيل في التربة الطاهرة، وأنها تطالب بحق أهلها حين تطالب بجلاء الأجنبي الدخيل عن الأراضي اليمنية. وكان من بين الأقيال الثائرين الأسود بن كعب العنسي وقيس بن مكشوح المرادي وعمرو بن معد كرب الزبيدي. ولعل كتاب الأسود العنسي إلى عمال النبي على اليمن يظهر جانبا من نواياه. فقد أثبت له ابن كثير أنه أرسل إليهم يتوعدهم قائلا لهم: "أيها المتمردون علينا، أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم، فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه. لكن غاية العنسي الحقيقية كانت إجلاء الأجنبي المنافس، وخاصة الفرس، فقد توعد الأبناء، إبان ثورته في صنعاء، بأن يجليهم من اليمن أو يتركهم له بها خولان".(عرف الخزامي ص12)

كما يرى الظفاري أن "هذه هي بداية الصراع بين اليمنيين والأبناء في الإسلام وهي بداية لا تظهر على حقيقتها إلا بتتبع أطرافها قبيل الإسلام واستقصاء ما تبقى لها من أطراف بعد الإسلام ولعدة قرون هذه البداية هي التي يصفها مؤرخو العرب والمسلمين بأنها "ردة الأسود العنسي الكذاب"دونما تأمل في مجريات الأحداث التي أدت إليها والنتائج الناجمة عنها. لقد عرف الصديق طبيعة الصراع بين طبقتين متناحرتين على حكم صنعاء وما حواليها لذلك فأنه لم ينزل ما يستحقه المرتد عن الإسلام من عقوبات بالذين اشتركوا في هذه "الردة"وأرسل زعماء الناقمين قيس بن مكشوح وعمرو بن معدي كرب إلى خارج حدود الجزيرة للاشتراك في الفتوحات التي كان الدين الجديد يهيئ نفسه للقيام بها".(عرف الخزامي ص13)

وإذا كان أ. عبد الباري طاهر، الذي نشر دراسة نقدية يتيمة لمقدمة رسالة الظفاري عن الشعر الحميني والدراستين اللتين تضمنهما كتابه (عرف الخزامي) بعنوان (جعفر الظَّفاري: ريادة وتميّز)،(3) يتفق "تمام الاتفاق" مع الأستاذ جعفر الظفاري في أن "الردة لم تكن دينية وهو ما يقول به الشهرستاني صاحب الملل والنحل ويزكيه ابن حجر العسقلاني صاحب فتح الباري ، وأن إشارة الظفاري لأسباب الردة صائبة وأنها موجهة في جانب مهم ضد الأبناء"، فهو يلاحظ أيضا أن "الثورة شملت اليمن كلها، وأغلبها لا يوجد بها أبناء وليست خاضعة لنفوذهم، كحضرموت وصعدة. ونجران ومختلف مناطق اليمن مما يعني أن هناك أسبابا أخرى".

ثانيا: عقدة اللون الأسود

ومن تجليات جرأة الظفاري في كتابه (عرف الخزامي) اعتقاده بعدم واقعية شخصية سيف بن ذي يزن، وتأكيده أن "المعالم الأساسية في سيرته ما هي إلا "انعكاس لواقع نفسي أسهمت في تعميقه الشعوبية الفارسية والعرقية العربية".(عرف الخزامي ص3) وبيّن أن تلك الشعوبية برزت أولا في الشعر العربي في اليمن وذلك لتوافر بواعثها في المنطقة منذ مطلع القرن السابع الميلادي. (عرف الخزامي ص3) ويرى أن أبرز تلك البواعث وجود أعداد كبيرة من الفئات الحاكمة في اليمن التي تنتمي إلى الجنس الأسود. و"قد عز على الأرستقراطية العربية - يمنية وغير يمنية- أن تطأ أرضها أقدام غزاة من السود إذ أن هذه الارستقراطية كانت- ولأسباب تاريخية واقتصادية- تؤمن بالعرقية وترى في اللون الأسود رمزا للعبودية وخمود الذهن. وعز عليها أن يصبح العبد (الذي لا يحسن غير الفر) سيدا على الأبيض (الذي لا يحسن غير الكر) فراحت تضخم دورا لم يؤده سيف بن ذي يزن ولا غيره من أقيال اليمن وإذوائها. ولقد عبر الأدب العربي المنتحل عن الواقع النفسي لهذه الطبقة تعبيرا لا لبس فيه ولا غموض متجليا على وجهه اللائق في نصين واردين في سيرة ابن هشام وكتاب الكامل لابن الأثير ويذهب النصان إلى أن ربيعة بن نصر اللخمي ملك اليمن رأى رؤيا هالته فلم يدع كاهنا ولا ساحرا ولا عائفا ولا منجما من أهل مملكته إلا جمعه إليه فلم احد معرفة حقيقة رؤياه حتى يكون في موقف يسمح له بتأويلها حتى قدم عليه الكاهن سطيح..". (عرف الخزامي ص27)

ومن المعلوم أن جرأة الظفاري فيما طرحه بشأن سيف بن ذي يزن في دراسته (عقدة اللون الأسود ومسألة الوجود الفارسي في اليمن قبل الإسلام) قد أثارت ردود فعل عديدة حينما نشرت في مجلة الثقافة الجديدة سنة 1974. وقد تضمن كتاب ثريا منقوش (سيف بن ذي يزن: بين الحقيقة والأسطورة، الطبعة الثانية وزارة الثقافة صنعاء 2004) ملخصا لأهم تلك الردود.

أما الأستاذ عبد الباري طاهر فيرى في دراسته النقدية (جعفر الظَّفاري: ريادة وتميّز) أن بحث الظفاري عن (عقدة اللون الأسود ومسألة الوجود الفارسي في اليمن بعد الإسلام) "يدلل على غزارة علمه وعمق ثقافته وسعة اطلاعه، مع شجاعة وذكاء في دراسة وتحليل وتفكيك وبناء القضايا التي يتناولها. والربط بين التمييز واللون الأسود والوجود الفارسي وبين الوجود الفارسي وحروب الردة شاهد على ذكاء القراءة. وكذلك توقفه على النظم الشعوبي [الدوامغ] وقراءته للمعالم الأساسية في سيرة سيف بن ذي يزن. ومعه حق في دمغها بالشعوبية الفارسية والعرقية العربية". ويضيف الأستاذ عبد الباري طاهر قائلا: "وحقيقة فإن [سيرة سيف بن ذي يزن] تعكس هذه العرقية والعنصرية المقيتة. وقد استمرت هذه النظرة الازدرائية داخل المجتمع اليمني نفسه. وكان نصيب المولدين فادحاً حتى اليوم. فقد ظل التلفزيون اليمني يعلن لوظيفة مراسل أو فراش على اشتراط [أن يكون من أبوين يمنيين]. وينال التمييز بقايا العبودية والأخدام بل مناطق شاسعة في تهامة والجنوب".

ثالثا: هجرة الصحابة إلى حبشة اليمن

كما تبرز جرأة الظفاري في الدراسة الثانية التي يتضمنها كتابه والتي أسماها: "نشر عرف الخزامي بذكر هجرة الصحابة إلى أرض الحبشة في تهامة). وهي دراسة تفجر "أسئلة مغايرة للسائد والمستقر والمألوف على مدى أكثر من أربعة عشر قرناً"، إذ يؤكد الظفاري فيها أن وصول الصحابة إلى الحبشة في إفريقيا "وهم"! فهم لم يصلوا إلا إلى الحبشة في تهامة اليمن. ويقول في مقدمة الدراسة: "ألِفتُ بين أقوال متنافرة، ووأدتُ ما يشتم منه من عصبية أو هوى، أو يدخل في باب الأوهام والخرافات، فكان الخروج – بما يشبه اليقين – بان هجرة الصحابة كانت إلى أرض الحبشة في تهامة (أرض حكم وعك والأشاعرة وبني عبد المجيد). ولعل ورود الألفاظ - حبشة ، سفينة ، نجاشي – هو الذي أوهم وما زال يوهم الكثيرين بأن الهجرة كانت إلى أكسوم قاعدة النجاشي وحاضرته". (عرف الخزامي ص50)

وفي سياق عرضه لآراء الظفاري حول هذا الموضوع يؤكد أ. عبد الباري طاهر: "لم يسبق أن قرأت على كثرة ما قرأت في هذا الباب من أشار إلى ما توصل إليه الدكتور جعفر الظفاري. وربما لم يخطر ببال الكثيرين من الدراسين والمؤرخين وشراح ومحققي السير أن ياتي مجتهد عربي إسلامي لينقض هذه المسلمة ((المجمع عليها)) باجتهاد فذ وشجاع... وهو على حق أن أظهر ما حمله على القول بهجرة الصحابة إلى أرض عك والأَشاعرة يتصل بهجرة أبي موسى الأشعري، وإسلام [نجاشي الحبشة] اصمحة الذي كان يتكلم بلسان عربي مبين، فضلاً عن إرسال الرسول سرية إلى الشعيبة منطلق مهاجري أرض الحبشة للمرة الأولى لإخلاء الأحباش عن ذلك المرفأ وذلك في الشهر الرابع من العام التاسع الهجري 630م. والواقع أن هناك حديثاً في البخاري في باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة يحكي قصة هجرة أبي بكر. تروي عائشة أنه لما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً إلى أرض الحبشة. حتى وصل برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة.. فأجاره وأعاده إلى قومه وإذا ما عرفنا أن برك الغماد تبعد مسافة خمس ليال من مكة باتجاه اليمن قريباً من جيزان عرفنا أن الرحلة تعني اليمن حقاً".

ورغم هذا التعاطف مع ما يطرحه الدكتور الظفاري حول هجرة الصحابة إلى (حبشة اليمن)، يقدم أ. عبد الباري طاهر عددا من المعطيات تبرز تحفظه إزائها، إذ يكتب: "أولاً معروف أن تهامة ظلت تحت التأثير الاثيوبي حتى نهاية القرن الخامس بعد مجيء علي مهدي الرعيني الذي قضى على بقية النجاحيين أما في عهد الصليحيين فقد ظل التنازع قائماً وقبل ذلك فإن تارخ اثيوبيا واليمن متداخل ومشترك حتى في الجانب الديني والمثيولوجي وفي اللغة والعادات والتقاليد. وقصة ملكة سبأ وأسماء القرى والوديان والمعالم تؤكد ذلك وقد أشار الباحث نفسه لذلك. وما أريد قوله أن الفصل رغم حاجز البحر لم يكن مانعاً من تشارك وتلاقي ضفتي البحر الأحمر. وكان التأثير والتبادل والتلاقي الحضاري قائماً ففي فترة مثلاً كانت المدن التهامية أقرب لأثيوبيا منها لصنعاء مثلاً بينما كانت زيلع وعصب ومصوع ودهلك أقرب لليمن. فلم تكن الحدود القومية قائمة. ولايستبعد أن تكون الهجرة لمدن أو مناطق في تهامة محكومة أو منسوبة للحبشة بالقدر نفسه لايستبعد أن تكون الهجرة في الساحل الأرتيري القريب لتهامة اليمن والحجاز كدهلك ومصوع وعصب مثلاً".

وينهي أ. عبد الباري طاهر تعليقه على رأي الظفاري حول هجرة الصحابة إلى الحبشة قائلا "وتظل الاحتمالات كلها مفتوحة، إذ ليس من المستبعد أن تكون الهجرة إلى مناطق قريبة من سواحل تهامة. كما يذهب الباحث أو أنهم قد ذهبوا إلى جزر أو مناطق يقطنها اليمنيون في الطرف الأرتيري من الساحل. ومهما يكن فإن الباحث قد طرح أسئلة غير مطروقة. وأجاب عليها بإجابات غير مسبوقة حقاً".

الخاتمة:

من خلال استعراضنا السريع لكيفية تناول أ.د. جعفر الظفاري لموضوعات الوجود الفارسي في اليمن وعقدة اللون الأسود وسيف بن ذي يزن وهجرة الصحابة إلى الحبشة استطعنا أن نلمس بجلاء مدى جرأته في تناول موضوعات تاريخية واجتماعية، وخلخلة عدد من المسلمات التي ترسخت عند كثير من الناس حول تلك الموضوعات، وذلك من خلال اعتماده كم هائل من المراجع والمخطوطات والمصادر المعتبرة في بابها .

ومع ذلك فالظفاري حينما يتجرأ وينسف تلك المسلمات التاريخية المرتبطة بالجانبين الوطني والديني لليمنيين لم يتعصب لآرائه بل استخدم صياغة مرنة. كما أنه يدعو القارئ إلى التنقيب وتقديم ما يمكن أن ينقض آراءه تلك قائلا: «فإذا رأيت في هذا البحث جنوحاً عن محجة الصواب - سببه شطط في القول، واستقصاء غير تام أو اعتماد على استقراء ناقص - فالرجاء إقامة الأود، والتنبيه، والتزويد بما يمكن، حتى نصل بالموضوع إلى غايته المنشودة». (عرف الخزامي ص4) ومن المعروف كذلك أن الأستاذ جعفر الظفاري، صاحب الآراء المتميزة والجريئة، كان يمجد الاختلاف، ويعطي درجة (رصين) لأبحاث أكد أنه يختلف تماما مع ما تحتويه من أفكار. كما أنه لم يتردد - من موقعه القيادي في مركز البحوث والدراسات اليمنية جامعة عدن – من الاحتفاء بشخصيات أجنبية وعربية ويمنية على الرغم من تباينه الفكري معها.

الهوامش:

(1)يؤكد الدكتور عبد العزيز المقالح أن جعفر الظفاري هو أول من أطلق مصطلح (الحميني) على شعر العامية في اليمن.

(2)د. جعفر الظفاري، عرف الخزامي: دراسات في التاريخ اليمن، مركز البحوث والدراسات اليمنية، جامعة عدن، 2008

(3)عبد الباري طاهر، (جعفر الظَّفاري: ريادة وتميّز)، في العدد رقم ( 241-242 أغسطس 2006) من مجلة (الحكمة) الصادرة عن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.

*نائب عميد كلية الآداب جامعة عدن للشئون الأكاديمية.