سيادة القانون و إصلاح القضاء..هو الحل يا فخامة الرئيس ؟
بقلم/ د.طارق عبدالله الحروي
نشر منذ: 15 سنة و 3 أشهر و 3 أيام
السبت 01 أغسطس-آب 2009 05:34 م

منذ قرابة عقدين إلا نيف من الزمن توالت عشرات بل مئات من التطورات الرئيسة والسياسية- الأمنية منها-بوجه خاص- صعودا وهبوطا على وطن الـ22 من مايو العظيم، تباينت في الشكل والمضمون؛ من حيث قوة التأثير والتأثر على المصلحة العامة- تبعا- لطبيعة وواقع خط سير الأحداث الرئيسة في كل مرحلة على حده، وما تفرضه من متطلبات ملحة، قد تتقاطع كليا أم جزئيا مع أولويات إدارة المصلحة العامة، لدرجة يصعب معها في كثير من الأحيان تجاوزها أو تجاهلها، جراء ما تتسم به من قوة طرد مضادة، بحيث كان من الأفضل للقائمين علي إدارة المصلحة العامة الانحناء لها أو تجنبها-على أقل تقدير- لا سيما في حال ضعف القدرة أو القوة في مواجهتها، لذلك فقد تباينت قوة الرد المتبعة إزائها؛ من حيث الدرجة والمستوى فالبعض منها تم احتواه ومن ثم معالجته جذريا عبر تفعيل كلي للأنظمة والقوانين ومن ثم للأجهزة المختصة، والبعض الأخر تم احتواه مؤقتا عبر سلسلة معقدة من الجهود الذاتية الصادقة المتواصلة لشخص رئيس الجمهورية، .

لاعتبارات كثيرة فرضتها ماهية وطبيعة المشاكل ضمن تقاليد وأعراف ارتبطت به شخصيا، لدرجة أصبح معها من الصعب عليه تجاوزها أو تجاهلها، أما الجزء الأكبر والمهم منها فقد تم تجاوزه بدون أية معالجة تذكر لأسباب رئيسة تتراوح بين ضعف القدرة والقوة وتنامي حالات الفساد المزمن المستشري في جسد الأمة والدولة في آن واحد، وهو الأمر الذي أفضى- في المحصلة النهائية- إلى حدوث حالات تراكم هائلة للمشكلات والحاجات، مهما كانت طبيعتها وحجمها ومن ثم أهميتها صغيرة أم كبيرة شخصية أم عامة، كي تشكل- في نهاية المطاف- تيار عارم من الضغوطات والاحتقانات والاحتجاجات والمطالب المشروعة وكذا غير المشروعة، ظلت تتحين الفرصة السانحة للخروج بقوة مع أول فرصة وبدون سابق إنذار، وهذا ما بدأت بعض أهم معالمه الرئيسة تتضح تدريجيا منذ عام2004م-على أكثر تقدير- كي تنفتح الأبواب على مصراعيها- بصورة مشروعة أم غير مشروعة- أمام الجميع للمتاجرة بالأم ومعاناة واحتياجات البسطاء من أبناء الشعب لأي سبب كان.

إني يا سيادة الرئيس ومعي الكثير من أخواني ندرك عظم المسؤوليات التي تتحملها شخصيا في تأمين أبسط متطلبات المصلحة العامة من موقع المسؤولية التي أنتم فيها ، فما نراه نحن- في بعض الأحيان- حلا ناجعا ومكتملا وعاجلا، تروه أنتم غير ذلك، لاعتبارات كثيرة لسنا بصدد تناولها، لأن الرؤية من مواقعكم، التي أنتم فيها هي الأقدر على تحديد ماهية الأمور الأكثر أهمية في مصلحة البلاد، فما يفيد اليوم قد لا يفيد غدا، وما كان يصلح كحل جزئي مؤقت في الماضي القريب ، لم يعد يصلح الآن، وما كان صغيرا غير مؤذ أصبح كبيرا وضار، وما كان كبيرا ضار فقد أصبح أكثر ضررا وخطرا على المصلحة العامة، فلكل وقت متطلباته ومحدداته الحاكمة لخط سير الأحداث فيها.

فاليوم وفي الغد القريب ستصبح الحاجة أكثر إلحاحا من أية وقت مضى في وجود ضرورة قصوى لإحداث طفرة نوعية من التغيرات الجذرية في طريقة التعاطي مع هذه المشكلات والحاجات ذات العلاقة الوثيقة بحياة المواطن تحديدا، وإذا كان تحقيق العدالة بمعناها الشامل وتقاسم السلطة والثروة منها-بوجه خاص- أي المساواة- بصورة نسبية- بين مواطنيك، هو المطلب الرئيس والغاية المرتجاة لكل فرد يعيش على هذه الأرض الطيبة، سيظل مرهون بعوامل تقع خارج إرادتنا وإمكاناتنا، جراء تنامي طبيعة وحجم التحديات المحيطة وضخامة حجم التركة الموروثة- من جهة- واتساع رقعة الدولة وضخامة عدد السكان وقلة الموارد وضعف الإمكانات....الخ- من جهة أخرى- التي تعد من العوامل والأسباب الرئيسة التي تقف حائلا دون تحقيقها بين كافة المواطنين، إلا بصورة نسبية- هذا إن لم نقل مختلة.

فإن بذل الجهود الصادقة المضنية في اتجاه تحقيق هذا النوع من العادلة والمساواة بين كافة مواطني الدولة، لكن في ميادين أخرى هي أروقة أجهزة القضاء وسيادة القانون وصولا إلى رفع راية العدل خفاقة فوق أرجائها التي لن ولم تستقيم بدونه شأن هذه الأمة؛ من خلال السعي وراء إنصاف المظلوم ورد المظالم إلى أهلها بإحقاق الحق، ونصرة الضعيف على القوى، وتحقيق المساواة بين القوي والضعيف والغني والفقير...، هي أمور تقع زمامها في نطاق حدود أياديكم سيدي الرئيس، ولا تحتاج سوى ذلك النوع من الإرادة والعزم، ومن ثم الحزم الذي كتب التاريخ لكم منه الشئ الكثير ، إذا فهذا النوع من صور العدالة، يجب أن يكون هو عنوان المرحلة الحالية والقادمة، مادام هنالك صعوبات في تحقيق ذلك النوع من العدالة والمساواة في تقاسم السلطة والثروة.

ونحن إن كنا لا نحملك يا سيدي الرئيس وزر غيرك، إلا من باب طبيعة اختيار عمالك القائمين على أجهزة القضاء والقائمين على تنفيذ القانون ومتابعتهم، لآن من يتحمل تنامي حالات الفساد المستشري في أروقة القضاء،وملحقاته ومؤسسات تطبيق القانون؛ هم أولئك الذين غاب عنهم الوازع الأخلاقي والضمير الإنساني في أقوالهم وأفعالهم، فإن الحاجة قد أصبحت أكثر إلحاحا أن تلقي هذا الحمل الثقيل عن كاهلك، كي يتحمله القائمون عليه بإيجابياته وسلبياته، دنيا وأخره، لاسيما أن منظومة القضاء وسيادة القانون قد أصبحت مكتملة- نوعا ما- من حيث القوانين والتشريعات...، وكذلك القائمين عليها من القضاة ورجال القانون الشباب ومن سبقهم من ذوي الخبرة، لذلك فإن الأمر بحسب رأينا لا يحتاج سوى إلى إعادة تفعيلها كاملة، مع ضرورة مراعاة أن تسير جنبا إلى جنب في خط مواز مع آلية مشددة يعهد إليها عملية الإشراف و تحقيق الرقابة والعقوبة الصارمة عليها، فضلا على وجود ضرورة للتركيز بقوة على أن أساس أي نجاح يمكن أن يحسب لهذه المؤسسة أو تلك ذات الارتباط الوثيق الصلة بحياة المواطنين-أولا- ثم أمن واستقرار الوطن-ثانيا- هو في ضرورة أن يسود معيار الكفاءة والجدارة أكثر من معيار الولاء في اختيار القائمين على إدارتها، فوجود قاضي عادل صاحب ضمير حي ووازع ديني-أخلاقي لا يهاب في تطبيق شرع الله لومه لائم، لديه قدرة على البذل والعطاء ومتمرس في عمله- ولو بصورة نسبية- إلى جانب تفعيل آليات الرقابة والعقوبة والإشراف على أداء أجهزة القضاء ومؤسسات تطبيق القانون، يجب أن يكون هو عماد المرحلة وعنوانها الكبير، وإلا فإن السؤال- في هذا الشأن- يبقى مثار بقوة هل بلدنا تخلو من وجود مثل هذا النوع من الكفاءات والقدرات أو الأمثلة الحية على البذل والعطاء ومن ثم التضحية؟ أو بمعنى أخر هل عجزت- حقا- هذه الأرض الطيبة أن تنجب أمثالهم؟ وعودا إلى بدء في ضوء تنامي وتائر أعمال الشغب والفوضى والعنف والجرائم المنظمة بما فيها استغلال الوظيفة العامة في عملية الإثراء الفاحش، والاستيلاء على المال العام(الفساد الإداري والمالي..الخ)، وصولا إلى العنف المسلح الذي تبنته ابتداء عناصر تنظيم القاعدة ومرورا بحركة التمرد في شمال البلاد وصعده منها- بوجه خاص- وانتهاء بالحركات الانفصالية الناشطة في بعض المحافظات الجنوبية، التي تستهدف- بالدرجة الأساس- ضرب مقومات الأمن الوطني والسلم والأمن المجتمعي منه-بوجه خاص- يصبح من الصعب عدم القول بوجود ضرورة قصوى أن يأخذ القانون مجراه الطبيعي في دولة النظام والقانون المنشودة،التي بذلت ومعك كُثيرا من المخلصين لأجلها الكثير، مهما كانت العوائق والعقبات التي تقف حائلا بالضد من ذلك، أو العواقب، فكل الإجراءات المتبعة دون ذلك، أي خارج هذا الإطار لا تفي- بتاتا- بالغرض المراد منه.

فالقضاء والقانون يجب أن يأخذا دورهما في الوصول إلى تحقيق العدالة و فرض القانون على الجميع مهما كانت حجم ومستوى الأفراد المتورطة في تعكير الأجواء الداخلية، فالجميع أمام القانون سواء-كما- جاءت به شرائع الله ووثيقة الدستور، وهما أمضى وأدق ومن ثم أقوى الوسائل التي لا تضاهيها أية وسيلة أخرى في تحقيق الأمن والاستقرار وصولا إلى بناء المقومات الأساسية للمجتمع الجديد ووضع أهم ركائز الدولة الحديثة المنشودة، لاسيما في حال تزامن مع نية صادقة وإرادة فولاذية في اتجاه تسخير إمكانات الدولة من أجل توفير شتى أنواع الدعم المادي والمعنوي لهما على حد سواء.

وبما أن ثقافة الكراهية والأحقاد التي تغزو مجتمعاتنا ونتداو لها فيما بيننا بقصد أو بدون قصد، قد أصبحت تشكل خطرا حقيقيا- لا يستهان به- يضرب بجذوره في أعماق الحياة العامة؛ من خلال بعض الألفاظ الأكثر تداولا وحساسية كـ(جنوبي، شمالي، دحباشي، وحضرمي، قبيلي،...)، وصولا إلى استخدام لغة التحريض على العدوان التي تستهدف- في نهاية المطاف- الأمن والسلم المجتمعي، فأن هنالك ضرورة ملحة في اجتثاثها بقوة من خلال تشريعات وقوانين حازمة، لأنها أصبحت جزء لا يتجزأ من منظومة متكاملة من الأحقاد والأطماع الأكثر خطرا، التي تعكر صفو أذهاننا وأفكارنا ومن ثم قلوبنا، ولنا في مواقف معظم الدول الغربية والولايات المتحدة منها- بوجه خاص- مثال حي على ذلك لكن في الاتجاه المعاكس، في ضوء ما استصدرته من قوانين حازمة، أوقفت بموجبها كل الدعوات الحية المناهضة للسامية، بالرغم من تصاعد وتائر حدة الجرائم التي ترتكبها الحركة الصهيونية و(إسرائيل) منها-بوجه خاص- في حق أمم وشعوب العالم تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي.

ومن هذا المنطلق تكون يا سيدي الرئيس قد أديت واجبك وأعفيت نفسك أمام القانون والشعب و المعنيين من عبئ كبير أثقل كاهلك،لأن عامة الناس في ظل وجود بعض المندسين والدسائس مازالوا يتصورون غير ذلك، وتركت لنفسك مساحة-لا بأس بها- ضمن إطار ما يمكن تسميته بـ(العفو الرئاسي)، كي يتسنى لك الحركة في إطارها مراعاة منك لما أتسم به عهدك من خصوصية.

والله من وراء القصد.