منير العرامي
قلتها سابقاً ولا زلت متمسكاً بها " ليس اليمين قوياً إنما اليسار ضعيف", يثبت هذه الجملة ويبرهنها الواقع الفعلي الذي آلت اليه تصرفات وتحركات قوى اليمين على الميدان المستندة الى أيديولوجياتها الفكرية المتعلقة بتنظيراتها المتعلقة بفلسفة الحياة وتنظيمها على مستوى الشعوب والمجتمعات كحاكم ومحكوم ... وكذا واقع وحقيقة الوجود اليساري المخدوع بنفسه...
في اليمن أجزم بأنه أضحى لدى الغالبية من أبناء المجتمع قناعة تامة بان أية جماعة دينية "حزبية أو حركية "، لا يمكن أن تكون هادفة الا الى الوصول الى السلطة ومن ثم التمسك بها وفرض أيديولوجياتها الخاصة التي ترى كلما عداها كفراً وخروجاً عن الدين ... يحارب أنصار الله ولا يزالوا ومثلهم أنصار الشريعة؛ إذ يرى كل طرف أنه على الحق وأنه الأولى بإقامة العدل ومقارعة الفساد والظلم , والذي كله في مجمله يعني امتلاك السلطة ... وقبل تلك القوتان الدينيتان كان قد بدء حزب الاصلاح لولا اعتداله واندفاعه الى ميدان السياسة .. وكل هذا وكثير عما عداه يفتح اليسار ويغلق اليمين وفقاً لمنطق الواقع ..
الأهم من هذا وذاك هو كيف تبدو قوى اليمين هي الفاعلة والموجودة على الساحة والأكثر تأثيراً , سوى كانت تلك القوة حركية أو قد أصبحت سياسية "حزب" .. . إذ ونحن نلاحظ في الاوساط الاجتماعية رفضاَ كبيراً ولاقابلية لوجود قوى اليمين، إلا أننا نجد أنها الفاعلة والنشطة والمؤثرة في مجريات أمور الوطن والشعب, بل وهي الأكثر استقطاب وتضخم , فجماعة الحوثي التي كانت محصورة في محافظة أصبحت الآن موجودة في جميع المحافظات ومسيطرة على الغالبية أمنياً.. وتنظيم القاعدة الذي كان لا ينفذ عملياته الا بمعدل عملية في السنة ولا يتواجد إلا في مديريات أو محافظات بعيدة وبصور غير واضحة, أصبح ينفذ عملياته بشكل يومي ويتواجد بخلاياه في جميع محافظات اليمن ويتمركز في أكثر من منطقة... بل وذلك في الوقت الذي نلحظ أن قوة يمينية أخرى ظهرت بضعف ملحوظ حينما انجذبت نحو الوسط "بين اليمين واليسار" أي حينما اتجهت نحو السياسة بعيداً جزئياً عن الدين وانضوت تحت ما أُسمي بقوى "الإسلام السياسي" حزب الاصلاح مثلاً...
الإجابة على التساؤل السابق؛ هو اثبات الافتراض أو الجملة التي تبنتها هذه المقالة وهي " ليس اليمين قوياً إنما اليسار ضعيف"؛ وهنا فمن يسير في أوساط ابناء المجتمع ويتعايش ويتحاور معهم ليل نهار سيكتشف أن هذا الافتراض مثبت وصحيح , فعن تجربة وملاحظات وخبرة متراكمة , أعتقد أن أصيل " وهو طفل دون الخامسة عشرة"؛ ليس معجزة أو مدهشاً أمره وهو يقول لي " لقد صرت مؤمناً بكل ما سمعته عن حقيقة الجهاد منذ ذلك اليوم الذي حدثنا فيه فلان " وفلان هنا هو أحد " شباب اليسار", واليوم هو ساعات نقاش على هامش لقاء في مقيل ما, ولكم أن تتأملوا كيف سيكون مفهوم الجهاد من لدن لسان يساري متنوّر ... لم يكن أمر تغيّر عقيدة الطفل "أصيل" تجاه مفهوم الجهاد خارقاً بالنسبة لي, لأنني ومن خلال معايشة واحتكاك مستمر بمجموعة الشباب الذين من حولي بغض النظر عن توصيفاتهم العمرية والعلمية والعملية والانتمائية المسبقة؛ اكتشفتهم أنهم أضحوا يؤمنوا بأن ليس أمامهم من خيار سوى الانتماء الى أقصى اليسار حتى ولا أقصى اليمين , مع الاحتفاظ برؤية معتدلة وغالبة ترجح الانتماء الى تيار وسطي بين اليمين واليسار ... وما ليس غريباً أيضاَ بالنسبة لي هو أن أجدني أمضي وخلفي شابين من أنصار الله صمما على أن يأتيان معي الى المقيل للسماع مني أكثر, أثر دقائق نقاشية تعمدتها معهم على هامش " جلسة شرب كوب الشاي في بوفية قرب نقطة التفتيش التي يتمركزون فيها" ... وليس غريباً أيضاً بالنسبة لي وأنا أجد شخصي اليساري مُحرجاً من إصرار صديق سلفي على الالتقاء بي والتشريف الى ضيافته باستمرار معللاً اندفاعه وراء كل ذلك الى متعته بالطرح اليساري الذي يسمعه مني ....
وليس غريبة أمور وحالات كثيرة حول هذا الموضوع "الاستقطاب الى اليسار " بالنسبة لي, في ضل إفرازات قوى اليمين من تغيرات عصيبة على وضع البلد .. فمثلما سبق توجد أمثلة عديدة وكثيرة ومتنوعة, تتلخص مجملها في وجود قابلية واسعة لدى أوساط المجتمع بجميع فئاته ومستوياته, نحو الاندفاع الى الانتماء الى اليسار والوجود فيه مع أفضلية وغالبية ملحوظة تظهر بأن الاندفاع يظل مرافقاً مع الحفاظ على ثوابت الدين وهو ما يمكننا تسميته بأنه اندفاع نحو الانتماء الى وجود وسطي بين اليسار واليمين, وهنا لا يجب أن يقول يسارياً أن ذلك ليس اندفاعاً الى اليسار , فكل يساري يمني "يصوم على الأقل أعني يحافظ على ثوابت دينية " ... وبالرغم من ذلك إلا أنما يدهش هنا ويجب أن يثار ويطرح هو أن الاندفاع كبير وملحوظ سيما ووسيلة الاستقطاب ليست إلا أبسط الوسائل وهي "تعمد اللقاءات الهامشية والعابرة بتوظيف النقاش من خلال تبني الطرح اليساري "؛ ولذا أرجوا التأمل كيف سيكون ذلك الاندفاع لو تم تبني الوسائل الجمعية المتعمدة والمخصصة كالفعاليات والبرامج واللقاءات المقصودة والرسمية... وهو ما يتسائل عنه المستهدفون لوما كانوا ضمن فئات ..
وهذا هو ما يقع على مسؤولية اليساريين ويلامون عليه؛ إذ لا يبدون الا غائبون عن عقد مثل هذه النشاطات تماماً, إذ من أهم الأخطاء التي يعتقدونها حتى, هي تبريرهم بأنهم يؤدون أدوارهم عبر وسائل وتقنيات الاتصال مع وجود ملحوظ لبعض الأنشطة ... وهنا أقول لهم أنشطتكم اليسارية الملحوظة هي في مراكز المحافظات فقط , ولا تدعون فيها الا اليساريين , ووسائلكم المستخدمة ليست متوافرة ويستخدمها غالبية ابناء المجتمع, فأنتم تنظرون الى المجتمع كما لو أنه القاطنون في المدن الرئيسية فقط, بينما غالبيته العظمى هم من أبناء الأرياف, الأرياف التي تتغلغل فيها القوى اليمينية "الدينية" كما لو أنها المراكز وهذا هو الفرق ومكمن الخطأ..
ولهذا فإنني وللأسف الشديد صرت مقتنعاً قناعة تامة بأن اليساريين في اليمن أضعف بكثير من اليمينيين, ليس بفكرهم وأيديولوجياتهم إنما بوجودهم ونشاطاتهم, إذ يبدو أنني محقاً جداً عندما سأقول لهم " أنكم أيها اليساريون لا تدعون إلى اليسار إلا اليساريون فقط ما يعني أنكم ستضلون ثابتون في حجمكم كما انتم ناقص أمواتكم زائد أولادكم إذا لم تلفحهم تيارات اليمين كالمسيرة القرآنية ..."
والتساؤل الهام والجاد هو الى متى ستضلون خاملون الا عن بعضكم ؟؟؟ لماذا تتهربون من الوجود في الأرياف ؟؟؟ ولماذا تتهربون عن الانفتاح عن الغالبية الشعبية " البسطاء"؟؟؟ ولكي تتأكدوا عن حقيقة ذلك أكثر فارجعوا الى الآثار المترتبة على أنغلاكم الا على بعضكم ... وأهمها كتاباتكم وطروحاتكم المعقدة التي تكتبونها كما لو أن عامة المتلقين أدباء ولُغويين .... أعذروني يا رفاق لو قلت لكم أنكم منظرون وأكثر من ذلك معقدون ومنغلقون على انفسكم مثلما تصفون به جماعات أو قوى دينية سياسية كانت " أقصد هنا حزب الإصلاح"...
وهكذا يكمن سر فشل اليسار في انغلاقه على نفسه , وقصر رؤيته للمجتمع إذ يركز على الفئة النوعية ويتعالى على الفئة الكمية وينظر الى المتلقي كأديب وناقد وليس شخص عادي لا يجيد الا القراءة والكتابة أحياناً ...