كان العالم الإسلامي وعلماؤه المعتبرون يصفون القاعدة بالخوارج، وانحرافهم عن منهج النبي صلى الله عليه و سلم في أحاكم الجهاد وتنزيله على الأرض، ولم يكن يخطر ببالهم ، أنه سيأتي عليهم زمانٌ يترحمون فيه على تنظيم القاعدة، لأن الحاضر صار بيد أحفادٍ أكثر سوءاً وانحرافاً ...
فقد ظهر جيل جديد من أجيال القاعدة يختلف عن كل الأجيال التي سبقته، (الدولة الإسلامية في العراق والشام) أو ما يُعرف بـ (داعش) أو (تنظيم الدولة)، وإن كان هذا الجيل يحمل نفس الفكر الأيديولوجي للقاعدة من حيث الجملة، كإتباع مذهب الخوارج في تكفير الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله(الطاغوت)، والتغيير المسلّح للأنظمة، وفرض الشريعة فرضاً، والقضاء على الطواغيت، والتوسّع في الدماء المحرّمة.
وإن تميّز جيل القاعدة الجديد (داعش) بـ ( التوحش ) والإفراط والتعطش للدماء المحرّمة بلا حدود، وتكفير المخالف ووصفه بالمرتّد من كل الجماعات الإسلامية، وذلك لكل من لمن لايؤمن بمنهجهم في العمل، كما أنها تعتبر نفسها جماعة المسلمين وتجب الهجرة إليهم وإلى دولتهم كقاعدة لانطلاق الجهاد المقدّس ولذلك يلزمون أي مسلم في المناطق التي يستولون عليها بإعطاء البيعة لأميرهم البغدادي! ومن يخالف فعقوبته الردّة واستحلال الدم والمال إن كان رجلاً والعرض إن كانت إمرأة! يقول أبوبكر ناجي مؤلف كتاب (إدارة التوحّش) –ويعتبر من منظّري هذا الفكر- : ( إن أفحش درجات التوحش أخف من الاستقرار تحت نظام الكفر ) وسيأتي لاحقاً بالتفصيل .
هذا الخلاف جعل القاعدة الأم تتبرأ من داعش ، فقد تبرأ منها أيمن الظواهري زعيم القاعدة حالياً، وتبرأت منها جبهة النصرة في سوريا وهي التي رفض أميرها أبومحمد الجولاني الانضمام لدولة الخلافة، بحجة أن الوقت لم يحن بعد، وللخلافات في الثورة السورية، وإفراط داعش في حربها كل الفصائل الإسلامية والمعارضة لنظام بشار الأسد، كما تبرّأ منها منظّر التيار السلفي الجهادي في الأردن أبومحمد المقدسي واصفاً إياهم بتشويه الجهاد والمجاهدين، والانحراف عن حكم الله...
كما تميّز جيل القاعدة الجديد (داعش) باستيلائه على أراضي شاسعة وتمويل ذاتي ضخم من مصافي النفط التي امتلكها في سوريا والعراق..
جيل القاعدة الأول (بن لادن والظواهري إلى حدٍّ ما) تميّز بقتال الصليبين وأمريكا وحلفائها من الغرب وأنظمة الطواغيت..
فيما تميز الجيل الثاني التابع لأبي مصعب الزرقاوي في العراق إضافة للميزة السابقة بإشعال الحروب الطائفية واستهداف عموم الشيعة وتكفيرهم بالإجمال، وهو ما كان البذرة الأولى لتوسع ميليشيات الشيعة في الردّ وقتال أهل السنة في العراق..
أما الجيل الثالث وهو جيل داعش والنصرة، فقد خالفت داعش جميع ما سبق من التصرفات المشبوهة وخدمة إيران والتعطّش للدماء وتكفير المخالف سنيّاً كان أم شيعياً .. فيما تميّزت النصرة نوعاً ما في سوريا بـ ( إكتفائها بدفع الصائل ومحاربة بشار الأسد وإنقاذ الشعب السوري مرحلياً على الأقل ) ودخولها لمراجعات حسنة نوعاً ما عن فكر القاعدة الأم.
بعد مقتل الزرقاوي في 2006/ تم تأسيس تنظيم دولة العراق الإسلامية بزعامة أبي عمر البغدادي، لكنه فشل في 2007م مثل باقي الحركات الجهادية المشابهة التي سبقته، وذلك لاستهتاره بدماء الناس في العراق وبرودة الدم في إراقة دماء المسلمين في أماكن تجمعات، بل وتصفية قيادات الحركات الإسلامية الوسطية المعتدلة التي تؤمن بالديمقراطية وبالعمل السياسي في العراق تحديداً، وهذا جعل أبناء العشائر السنّية والصحوات تقاتل التنظيم بدعما أمريكياً حتى تم تشتيت التنظيم وطرده من المدن العراقية، لإسرافه في دماء الناس، ومحاولته احتكار المقاومة العراقية في أيدي الخوارج الذين أساؤوا للجهاد وللمقاومة العراقية بسلوكهم.
في 2010م استلم أبوبكر البغدادي زعامة التنظيم بعد مقتل قائده أبوعمر، ولكن التنظيم بدأ يخفت ويتخافت كما تخافتت تيارات العنف في كل أنحاء العالم الإسلامي..
في 2011 ومع بداية ثورات الربيع العربي اهتزت كل التنظيمات الجهادية، وأفل نجمها، وتعرضت لهزة في بنياتها نتيجة اتجاه الشباب العربي إلى التغيير السلمي والثورات السلمية وصناديق الاقتراع كبديل أنجح من الناحية الأخلاقية، وأقل ثمناً من الناحية الحياتية..
لكن ثورة سوريا وتوسّع بشار في الدماء، وطائفية نوري المالكي في العراق وتسليم أمريكا العراق لإيران وميليشياتها، وتهيئة أمريكا للظروف ولمشروع تقسيم الشرق الأوسط الجديد بخارطة (حدود الدم)، كل هذه العوامل أعادت تنظيم القاعدة إلى المشهد، وبصورة أكثر غرابة وتوحش وتسلّط وعنف كثقب أسود في التاريخ....
داعش أو تنظيم الدولة ...وما أدراك ما داعش ...
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى لمناقشة هذا الفكر والرؤية والمنهج