هل نستفيد من مهلة العامين الانتقاليين القادمين؟
بقلم/ نصر طه مصطفى
نشر منذ: 15 سنة و 5 أشهر و 6 أيام
الجمعة 29 مايو 2009 03:22 م

على مدى عام كامل مضى ظللنا نتساءل عمَّا إذا كانت الانتخابات النيابية المقررة في 27إبريل 2009م ستجري في موعدها أم لا... وكلما مر الوقت دون اتفاق بين شركاء الحياة السياسية كان التوتر والقلق ينتابنا كمواطنين أكثر مما ينتاب الشركاء أنفسهم، ومع قرب المواعيد القانونية لبدء الإجراءات الانتخابية دارت الحوارات في الصيف الماضي حول تعديل قانون الانتخابات.

حتى تم الاتفاق على صيغته ولم تبق إلا إجراءات التصويت عليه وتحديد ممثلي تلك الأحزاب جميعها في اللجنة العليا للانتخابات وتنفس الناس الصعداء فالتوافق يعني أن الانتخابات ستجري بسلام، إلا أن أحزاب المعارضة تأخرت عن الموعد المحدد لتسليم أسماء ممثليها في اللجنة العليا فحدث ما حدث وعاد شبح القلق يخيم من جديد على رؤوس المواطنين .

وتأكيداً على جديته في المضي بالتحضير للانتخابات دفع الحزب الحاكم بتسعة من أبرز وزرائه للاستقالة في شهر ديسمبر الماضي ليتمكنوا من الترشح للانتخابات بحسب نص القانون، فيما أخذت أحزاب المعارضة تحضر لمهرجانات ولقاءات شعبية تهدف الى رفض إجراء الانتخابات من قبل طرف واحد لكنها لم تعلن صراحة ما إذا كانت ستقاطعها أم ستشارك فيها سواء منفردة كأحزاب أو مجتمعة كتكتل سياسي .

وفي الحقيقة فإن أصواتاً كثيرة داخل الحزب الحاكم أبدت مخاوفها من خوضه الانتخابات منفردا، ليس فقط لما يمكن أن يحدثه الأمر من فوضى سياسية وأمنية لكن حتى لا يخسر اليمن الداعمين الرئيسيين له من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي الذين يعتقدون أن أفضل ما يميز اليمن في المنطقة العربية هو تجربته الديمقراطية القائمة على تعددية حقيقية وتنافس فعلي... وكان الرئيس علي عبدالله صالح يدرك هذه الحقائق جيدا فاتجه بنفسه في نهاية المطاف لرعاية عملية الحوار بين الطرفين بعد أن تبلورت الكثير من عوامل الاتفاق بينهما والتي تمحورت في جوهرها حول ضرورة تأجيل الانتخابات لبعض الوقت وهو أمر شجع عليه الأمريكان والأوربيون على ألا تزيد عملية التأجيل – في نظرهم – عن ستة شهور، وفيما كان الحزب الحاكم يرى أن التأجيل لا ينبغي أن يزيد عن عام واحد فإن أحزاب المعارضة أرادت التأجيل لعامين بمبرر إعطاء الوقت الكافي لإنجاز العديد من الإصلاحات السياسية والدستورية في شكل النظام السياسي والانتخابي... وهكذا فإن ما تسبب في أزمة انتخابية طوال أكثر من عام تم حله في أقل من عشرة أيام !

أقرت الأحزاب الخمسة الرئيسية في البرلمان أن يتم إقرار التأجيل عبر كتلها النيابية بطلب تعديل الدستور بما يسمح بتمديد فترة مجلس النواب القائم عامين كاملين، وهو ما حدث فعلا حيث سيسري التعديل منذ نهاية شهر إبريل الجاري إذا حصل على أصوات ثلاثة أرباع المجلس وهو أمر مضمون بالتأكيد... والسؤال الذي يفرض نفسه الآن حول ما إذا كانت بلادنا ستستفيد من عملية التأجيل هذه التي وإن كانت متصادمة مع أبسط الأعراف الديمقراطية إلا أنها بدت ضرورية لتدارك مشكلات خطيرة قد تهدد أمن واستقرار هذا البلد الفقير، فهناك العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تحتاج لأجواء هادئة بعيداً عن الخلافات السياسية لمعالجتها، ولا تخفي قيادات حكومية سعادتها بهذا التمديد لفترة مجلس النواب نظراً لأنها ستمكنها من إنجاز العديد من المشروعات الإستراتيجية التي لم تتمكن من إنجازها خلال الفترة الماضية كمشروع الكهرباء الغازية وتصدير الغاز إضافة لعمليات إعادة إعمار محافظة صعدة وإعمار المناطق المتضررة من السيول، وإلى جانب هذه وتلك استكمال معالجة الإشكاليات السياسية في بعض المحافظات الجنوبية ومحافظة صعدة... وخلال العامين القادمين فإن حواراً صعبا سيدور بين المؤتمر والمشترك وبقية أحزاب المعارضة حول رؤاها للتعديلات الدستورية الهادفة الى إصلاح النظام السياسي والانتخابي، فالمشترك يريد نظاماً برلمانياً وقائمةً نسبية بينما يفضل المؤتمر نظاماً رئاسياً والنظام الانتخابي الفردي فيما أحزاب معارضة أخرى كالرابطة تجمع بين النظام الرئاسي والقائمة النسبية... وبين جميع هذه الرؤى تكمن أزمة ثقة عميقة بين مختلف الأطراف تحتاج إلى الكثير من الجدية والصدق في الحوار وتغليب المصالح الوطنية العليا على المصالح السياسية المحدودة، فاليمن لديه أولويات اقتصادية وأمنية قبل أي إصلاحات سياسية، واذا لم تنجح الحكومة في الاستفادة من مهلة العامين القادمين لتصحيح بعض الاختلالات الإدارية والهيكلية في بنيتها وبلورة رؤية متكاملة لتهيئة أجواء صحية للاستثمار ومعالجة العديد من المشكلات الأمنية التي تؤثر سلبا على صورة اليمن الخارجية فإن اليمنيين سيجدون أنفسهم بعد عامين عند نفس النقطة التي يقفون عندها الآن وهو ما يعد أمراً مرفوضاً لديهم بكل المقاييس خاصة بعد محاولات تنظيم القاعدة معاودة عملياته الإرهابية في الآونة الأخيرة .