فنزويلا العربية
بقلم/ رشاد الشرعبي
نشر منذ: 15 سنة و 9 أشهر و 22 يوماً
الإثنين 12 يناير-كانون الثاني 2009 08:19 ص

من وراء المحيطات برزت حكومة فنزويلا تمتلك روحاً عربية وقلباً إسلامياً ومشاعر إنسانية تجاه ما تتعرض له غزة وشعبها أكثر من الشقيقة الكبرى (مصر), رغم أنها لا تربطها بالمجني عليها أي روابط جغرافية أو قومية أو دينية أو حتى دبلوماسية كشأنها مع دولة الإحتلال الإسرائيلي.

لقد أنفرد وزير الخارجية الفنزويلي بالربط بين عدوان الصهاينة ومجازرهم في قطاع غزة والهولوكوست النازي ضد يهود ألمانيا, وانفردت حكومته بطرد السفير الإسرائيلي إحتجاجاً, فيما يطل علينا الرئيس المصري مطالباً الضحية والجلاد بوقف إطلاق النار ويلحقه وزير خارجيته في إجتماع مجلس الأمن مديناً الطرفين بخرق الهدنة ويقتبس (الدُرر) التي تضمنتها تصريحات فخامة الرئيس.

لا اعلم أي أعصاب ومشاعر يمتلكها الرئيس مبارك وموظفيه, فحتى المشاعر الإنسانية التي أغضبت فنزويلا لم تحرك فيهم ساكناً, رغم ان آنات الجرحى والأيتام والأرامل والثكالى تصل أسماعهم بإستمرار وعلى الهواء مباشرة, فكيف ببرودة مشاعرهم تجاه ذاك الرجل الفلسطيني الذي ظهر على شاشات التلفزة باكياً وقد فقد جُل أسرته ويستعرض أطفاله مرصوصين بأكفانهم؟.

لأمريكا بإدارتها الصهيونية أسبابها الخاصة لتظهر لنا قولاً وفعلاً تنافح عن رأس الأفعى ويتحول مسئوليها إبتداءاً من رئيسها وحتى أصغر موظفيها إلى ناطقين بلسان الكيان الصهيوني وصهاينة أكثر قُبحاً وأشد إصراراً على سحق المقاومة.

ولدول أوروبا وغيرها من الدول التي تعاني من السيطرة الصهيونية عليها أو تلك الدول الغربية والشرقية والإفريقية المتأثرة بالدعاية وحملات العلاقات الصهيونية, أسبابها الخاصة أيضاً لتظهر بذلك الموقف المتنافي مع كل إدعاءاتها بحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها, وأكذوبتها بالخصومة مع كل مايقع في إطار النازية والفاشية والوحشية والتصفية العرقية والتمييز العنصري.

والأوربيون بالذات, نجد أمرهم غريباً, فيما يتعلق بقضايانا العربية والإسلامية, وخصوصاً الصراع العربي – الإسرائيلي, فبسبب عقدة ذنب لحقت بهم جراء الهولوكوست وقبلها بقرون محاكم التفتيش التي بسببها لم يجد اليهود حضناً دافئاً لهم يحترم إنسانيتهم ويمنحهم حرية الإعتقاد سوى الدولة الإسلامية ممثلة بالإمبراطورية العثمانية.

فالأوروبيين يتحولون إلى مدافعين بالقول والفعل عن كيان إسرائيل المغروس ظلماً وعدوانا في فلسطين, فيعتقدوا أنهم بذلك يتحررون من ذنب آبائهم وأجدادهم تجاه اليهود بالتبرع بأراضي الآخرين وإهدار إنسانية أصحابها وكرامتهم ودمائهم وأموالهم.

وكل ذلك يهون مقابل أن تستمر الأنظمة العربية تمارس القول والفعل وبعضها الفعل وتخدعنا بالقول لما من شأنه الدوس على كل تلك الروابط التي تجمعها وشعوبها بفلسطين وأهلها (الدينية والقومية والجغرافية والأمنية والمصلحة العامة) لتقف في صف المحتل والغاصب والمجرم والجلاد, وتدين الضحية والمجني عليه والمسلوب الأرض والوطن والحقوق والمقدسات, فقط إرضاءاً لمن يسند بقاءها في الحكم وحقداً على ذاك الذي سأم خداعها لأكثر من نصف قرن وقرر أن يدافع عن نفسه وأهله ووطنه ومقدسات الأمة وكرامتها ومصلحتها العليا.

في مصر شعب يبلغ تعداده نحو 80 مليون نسمة, ولا أعتقد أن فيها مليون واحد يقف في صف نظام مبارك ويؤيد مواقفه المخزية والبعيدة عن كل الروابط بما فيها رابطة الإنسانية التي حركت مشاعر فنزويلا وكل الأحرار في العالم من غير المسلمين والعرب الذي عبروا عن غضبهم ضد الإجرام الصهيوني وتأييدهم لحق الفلسطينيين بمقاومة الإحتلال وتحرير أرضهم وشعبهم. 

لكن ترى ما سر إصرار النظام المصري ورئيسه للتعامل مع هذه المأساة على عكس شعبه؟ وما سر الموقف السعودي المتخاذل الذي بدا من خلال كلمة وزير خارجية المملكة في مجلس الأمن وكذلك إصرار النظام على إستغلال الدين حتى في هذه بتحريم المظاهرات والمسيرات والإعتصامات للتعبير عن الغضب ضد المجرم والتأييد للمقاومة؟.

أيها الحكام (الدُمى) العربية: هل توقفتم عند مشاهد الإجرام الصهيوني التي هزت مشاعر نظام فنزويلا وأجبرته ليتخذ موقفاً اشرف من مواقفكم؟, وهل متعتم عيونكم بتلك المشاهد ذاتها؟ وهل لاحظتم إنتفاضة شعوبكم التي لم تحرك لكم فعلاً حقيقياً؟. فإنتفاضة شعب تركيا كانت سبباً لتصعيد موقف حكومته وأجبرت رئيسها لإتخاذ مواقف مشرفة ومعلنة ويتعاطف مع غزة وأهلها ويبذل الجهود لوقف نزيف الدم الفلسطيني وليس لخلق المبررات للصهاينة.

لقد وجدناكم لا تخجلون وأنتم تسوقون المبررات وتجلدون الضحايا بالإدانات, بل وتعتقلون الغاضبون من شعبكم أو تمنعونهم من التعبير عن غضبهم, وتشغلون الناس بالدفاع عن مواقفكم المتخاذلة التي تتبرأ منها العروبة والإنسانية.

مراراً, يطالب أقطاب المقاومة الفلسطينية وأبناء شعبهم ومن يقف في صفهم, الحكام العرب بأن يكتفوا بمساندتهم سياسياً فقط وليسوا بحاجة لمساندتهم بالمقاتلين والسلاح والأموال, فالشعوب كفيلة بالأخيرين, وأمهات فلسطين ونساءها كفيلات بإنتاج المقاتلين الأشداء الذين لا وزن لجيوشهم الجرارة مقابل شجاعتهم وشموخهم وبأسهم, وإنا للنصر والتحرير لمنتظرون على يد المقاومة بعيداً عن (دمُى) العرب وجيوشهم وأسلحتهم المتطورة ومواقفهم الإنهزامية.