المخاوف المزمنة للمعارضة
بقلم/ علي الجرادي
نشر منذ: 15 سنة و 10 أشهر و 19 يوماً
الإثنين 15 ديسمبر-كانون الأول 2008 04:43 م

الفارق بين جموح الحصان -رمز المؤتمر الشعبي العام- عام 97 والإنهاك الواضح بداية 2009 كالفارق بين أداء ووظيفة الدكتور عبدالكريم الإرياني حين رفع شعار الأغلبية الكاسحة وهو رئيس الحكومة وبين وضعه الحالي كمستشار سياسي لرئيس الجمهورية حين أقسم أغلظ الأيمان على قناة الجزيرة أنه يستشار خلافا للقاعدة الشهيرة في العالم الثالث «مستشار لا يستشار»، بل وخرج الرجل الموصوف بالدهاء السياسي مشيعا باتهامات وتحريض الجماهير على شخصه ككبش فداء من قبل مطابخ على درجة عالية الأهمية في البيت الحاكم، ووصف الإرياني الحملة في وقتها بمقولته الجريحة «مكافئة نهاية الخدمة» وهكذا يمكن استحضار جميع الشخصيات التكنوقراط المحسوبة على النظام، ونرى موقعها والأدوار المناطة بها .
بالطبع سيكون بدهيا التذكير أن هذه الأدوار لم تكن مجانية وأن ثمارها يانعة حتى هذه اللحظة لكنها تتضاءل أمام الثروات الهائلة للجيل الجديد من الحكام إذ أن تمكين الجيل الجديد من مصادر الثروة في المفاصل الرسمية والخاصة عن طريق التعيين في المؤسسات الإيرادية وحصر الاستثمارات عبر النافذة الواحدة عبر لجنة غير معلنة بالإضافة للمؤسسات الأمنية والعسكرية بموازنات كبيرة، هذا التمكين للجيل الجديد بالضرورة تلازم مع إقصاء مصالح ووظائف وأدوار كثير من مرتكزات النظام وشركاء تثبيت حكم البيت الواحد طوال ثلاثين عاما من حكم الرئيس وهي من أخطر العوامل لنشوب الصراعات داخل البيت الحاكم وفتح شهية قيادات جديدة في المؤتمر والسلطة للحصول على شطر من الكعكة وتحول الإخلاص للنظام ولو كان للشخص أو الحزب إلى هلع شخصي لبناء الذات والحصول على الثروة بأي وسيلة وشاع بين القيادات الحاكمة في اليمن حصول فلان على امتياز بيع حقول نفطية، وحصول آخر على مناقصة بالأمر المباشر بالمليارات، وحصول آخر على صفقة استيراد أسلحة، وهذا وكالة نفطية، وذاك أرضاً شاسعة في الأماكن الذهبية، وهكذا توزعت المواقع العسكرية والمناصب الوزارية والدبلوماسية قسمة ضيزى، وأقل الغانمين حظي برتبة عسكرية وسيارة آخر موديل واعتماد شهري يليق بمنطقته التي ينتمي إليها وقدرتها على الإيذاء، وشاعت مقولة منسوبة لأحد القيادات الكبيرة: من لم يغتن في هذا العهد لن يغتني بعده أبدا!! وتطورت مفاهيم الفيد إقليميا وتسابقت قيادات المؤتمر والحكم باستجلاب النفوذ الإقليمي واختلفت على القسمة بادي الأمر ثم اتفقت على توزيع الحصص المالية من الخزائن الإقليمية المتنافسة على الساحة اليمنية .
ويبقى الفقر والجرعات آخرها بمناسبة عيد الأضحى من نصيب المواطن اليمني فالحكام مشغولون بتوفير أكبر قدر من الثروة، والموازنة العامة والوظيفة موزعة كحصص سياسية وفقا للجغرافيا والقرابة والولاء السياسي، ولضمان انقياد الشعب يتم دعم أجهزة الأمن والإعلام والتفرغ للخطابات والتصريحات وكتابة الشتائم ومراقبة الصحفيين ومحاولة تفتيت اللقاء المشترك وضرب الحراك في الجنوب والدس بين الرزامي وعبدالملك الحوثي في صعدة، والشعب ينتظر المستقبل الأفضل على حدود السعودية أو رصيف البطالة في الداخل يستمع كل مساء لوعد جديد فيلقى في غده عقاباً جديداً .
نقطة تحول
شخصيا لم أكن أتوقع انتفاضة نوفمبر في صنعاء قبل العيد والأكثر إدهاشا خروج محافظة إب وخروج محافظة عدن يوم ذكرى الاستقلال وبقية محافظات الجمهورية لانتزاع حقوقها السياسية وليس لمطلب حياتي مجرد وهنا التحول الأخطر من بين كل التراكمات السابقة لمراحل القهر والإفقار المتزامن مع عمل سياسي لأحزاب المعارضة وكل القوى الوطنية المتضررة، ومن بين النتائج الأكثر خطورة على النظام وإيجابية أن المجتمع وصل إلى قناعة بأن البوابة لتحسين وضعه الاقتصادي تبدأ بالتغيير السياسي، وأن استمرار المعادلة السياسية الحالية أصبحت خطرا على ضرورات حياة المجتمع وتدميرا لمقومات وجوده، وأن الفقر والخوف هو البرنامج الدائم والمستديم للنظام الحاكم، فماذا بعد كل هذا؟ وماذا بعد تضافر سياسة التدمير وخروج المجتمع لرفضها بروحه ودمه لدرجة رفض جرحى انتفاضة صنعاء استلام مبالغ مالية من السلطة فالذي يصدر أوامر القتل لا يمتلك قلوب المحسنين فقد باشر من واجبه الحماية إطلاق النار ثم عاد لخزينة الشعب يصرف المال كفاعل خير .
والمعيب حتى هذه اللحظة أن المعارضة لم تباشر ملاحقة الجناة قضائيا وينتظر الناس منها مهرجانات الوفاء للجرحى وتعزيز النضالات السلمية .
حسابات المعارضة
لا يجرؤ عاقل في اليمن بالمراهنة على إمكانية إصلاح النظام أو ترقيع خرقه المتسع شمالا وجنوبا وتآكل شرعيتة، ومع تنامي الوعي والرفض الشعبي لاستمرار سياسة الإفساد والفيد فإن قيادات المعارضة في أحزاب المشترك يتحملون مسؤولية شرعية وأخلاقية في السماح للنظام بالعودة بالبلد لمعادلة «المكرمات»، والانتقال لمرحلة الاستحقاق الشعبي وأن أي انتخابات بالأدوات الحالية هي مساهمة في الإطالة في زمن تدمير المجتمع وتفتيت مكوناته إلى شظايا متناثرة وإعانة السلطة على فسادها، ومن المستحيل أن تستطيع إجراء انتخابات بمفردها فالمعارضة بحسابات ميدانية قادرة على تعطيلها في أكثر من مائة وثمانين دائرة وبحسب استراتيجيتها المعلنة استعادة الانتخابات المختطفة وأثبتت الوقائع الماضية أن المعارضة أثناء بروفات التسخين الشعبي تستطيع لو تجاوزت مخاوفها المزمنة قلب الطاولة وأثبت النظام فشله وهروبه أمام تحديات أقل شأنا من تلك التي تستطيعها المعارضة وأقلها التحالف مع نتائج أخطاء السلطة في كل بيت في اليمن إذ لا توجد معارضة يمكن تهديدها بالاستقرار الوطني إلا في اليمن وأشار إليها الأمين المساعد للإصلاح السعدي حين قال أن «السلطة تراهن على وطنيتنا». وإن كنت مرتاباً من جدوى هذه المعادلة فالاستمرار بهكذا سياسة يقود حتما لكل ما لا تتخيلوه فلا خوف على الوحدة ولا الجمهورية ولا أي معنى جميل سوى من أدوات الحكم المستخدمة حالياو أصبح من وسائل الخداع الوطني مطالبة النظام الحاكم بإجراء إصلاحات والتمني عليه وانتهاج سياسة الشكوى والتشكى والبكاء على الفرص المهدرة فالرهان الآن على قدرة المجتمع وقد بعث برسائله مضمخة بدمه وينتظركم لتنظيم مواجعه الأبدية ليوم الخلاص .